أما آن للدولة أن تدرك أن المخترع يشكل قيمة اقتصادية هامة، وأن الإستثمار الحقيقي أو النهوض الحقيقي يرتبط إرتباطا وثيقا بمدى التطور العلمي الذي تحققه الدول؟؟ . يمر على مسامعنا نبأ فاجع عن اغتيال مهندس ومخترع تونسي أمام بيته، وهو النبأ الذي حمل في طياته عديد الرسائل أدركنا من خلالها قيمة المخترع في بلادنا وقدر الإهتمام الذي توليه الدولة إياه، وكيف يعمد إعلامنا إلى القليص من قيمة كل من يمكن له أن يسهم في بناء الدولة وفي الرقي بالمجتمع. إعلام يثبت لنا باستمرار أنه حصر مهمته في شدّ تونس إلى الوراء، فلم نر منه إهتماما بالعلم والعلماء أوبالثقافة التي تبني ولا تهدم ولا بالرقي الفكري من خلال ما يبثه من برامج بقدر حرصه على استئصال هوية الشعب وتمييعه ونشر السلبية فيه وتغييب الحقائق عنه وتضليله، وبذلك فوّت الإعلام التونسي عن نفسه فرصة المساهمة في اعتلاء البلاد مدرج من مدارج التقدم.
لقد كان الشهيد المهندس محمد الزواري رحمه الله من التونسيين الذين ألجأهم الظلم والإستبداد إلى مغادرة تراب الوطن بداية تسعينات القرن الماضي بحثا عن الأمن وعن مكان يشجع ابداعاته فتنقل من ليبيا إلى السودان إلى سوريا لتفتح له ثورة الحرية والكرامة امكانية العودة لوطنه فلم يتوان في نقل تجربته وخبرته للشباب التونسي. يُكرّم المخترع في بلدان التقدم ويُهجّر ويُهمّش في بلداننا، هذا بدل التعامل معه كقيمة وجب استثمارها. لقد سخّر المهندس محمد الزواري من وقته ليتعلم على يديه عشرات الطلبة والتلاميذ تقنيات الطيران النموذجي. وهو مخترع الطائرة بدون طيار التي كان لها دور في ردع العدو الصهيوني في غزّة وهو السبب المباشر لاغتياله. لكن المثير للإهتمام أنه اغتيل في وضح النهار امام بيته فأي جرأة لدى من قتله؟ وهل كان التنفيذ بأيادي تونسية أم أجنبية؟ ثمّ ماذا لو كان الشهيد الزواري ينتمي إلى مرجعية فكرية غير التى ينتمي إليها هل كان الإعلام والنخبة السياسية سيتعاملون مع اغتياله بنفس الطريقة التي تعاملوا بها مع استشهاده؟؟
هذا إضافة إلى أن محمد الزواري رحمه الله لم يكن المخترع الوحيد الذي اضطر إلى مغادرة بلاده حيث يتجه معظم العلماء والمفكرين إلى الدول التي تتعامل معهم كقيمة أساسية وكثروة وجب الإستفادة منها مكرسة مجهوداتها لإستقطابهم حيث تثبت دراسة حديثة أن البلدان المتقدمة تزخر بالطاقات الأجنبية أي الطاقات التي لم تلق مجالا للابداع في بلدانها. فأي تغيير وأي وقع كان سيكون لهم لو استثمرتهم بلدانهم النامية المتخلفة ؟ وختاما رحم الله الشهيد ورحم الله إعلامنا ورزق تونس وأمتنا من أمثال محمد الزواري ..