أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    تونس خلال 24 ساعة: 9 قتلى و459 مصاب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    كأن الأمطار لم تغمره: صور مذهلة من مدرج مطار دبي    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    صادم: أستاذة تتعرض لهجوم من كلب سائب داخل معهد باردو..    كرة اليد: تركيبة الإطار الفني الجديد للمنتخب الوطني    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: مولدية بوسالم يتأهل إلى الدور ثمن النهائي    إلزام جوفنتوس بدفع 7ر9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو كرواتب متأخرة    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    حادث مرور قاتل في القصرين..وهذه حصيلة الضحايا..    سعيد يفجرها: "لا عودة الى الوراء..الأقنعة سقطت وأوراق التوت يبست وتكسرت"..    توريد 457 ألف طن من القمح اللين.. مضاعفة الكميات في السوق    مواطن يتفطن لجسم مشبوه بهذه المنطقة واستنفار أمني..#خبر_عاجل    مفوض عام الأونروا يحذر من أن المجاعة تحكم قبضتها على غزة..    استغلال وابتزاز جنسي للأطفال عبر الإنترنات..وزارة المرأة تتخذ هذه الاجراءات..    نادال يودع الدور الثاني من بطولة برشلونة للتنس    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    الهوارية : انهار عليه الرّدم في بئر و هو بصدد الحفر    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    الأعنف منذ 80 عاماً.. فيضانات روسيا تغمر 18 ألف منزل    رماد بركان ثائر يغلق مطارا في إندونيسيا    قضية التآمر: هيئة الدفاع عن السياسيين الموقوفين تقرر مقاطعة جلسة اليوم    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تتاهل الى الدور ثمن النهائي    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    أريانة: الدورة الثانية لأيام المنيهلة المسرحية من 17 إلى 23 أفريل الجاري    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    أخبار المال والأعمال    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    تدخل لفض خلاف بجلسة خمرية.. تعرض عون أمن الى عملية طعن    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آفة اسمُها الرقية
نشر في الحوار نت يوم 20 - 12 - 2016

عندما يُعلن بعض الجَهَلة الذين ركبهم الغرور أنفَسهم معالجين لجميع الأمراض حتى المستعصية منها فإن هناك خطرا داهما ، وعندما يزداد عددهم يوما بعد يوم مع مباركة جزء من الإعلام الذي يلمّعهم فإن الخطر يتفاقم ، ويصبح ذلك آفة كبرى عندما يلبس رداء الدين ويتذرع بالقرآن والسنة ، هنا لا بدّ من دقّ ناقوس الخطر لأن الانعكاسات السلبية لهذه الآفة تصيب الإسلام والمؤمنين والمجتمع في أبعاده الدينية والثقافية.
بمثل هذه الممارسات يتمّ تحريف دين الله تعالى ليصبح أداة لترويج الجهالة والغباوة والخرافة التي جاء لمحاربتها ، وعلينا أن نتساءل هل بلغ الطب هذا الدرك من العجز حتى يكون البديل عنه أدعياء موسوَسون يتحركون بقوة باسم الرقية ؟
يجب أن نتفق ابتداء على مسألة ثابتة هي أن هناك بالفعل حالات مَرَضية تناسبها الرقية الشرعية مثل القلق والانهيارات المتعلقة بإكراهات الحياة العائلية المتردية والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ، بالإضافة إلى الفراغ الروحي وضعف الإيمان ، فهما يساهمان في الإصابة بأمراض نفسية ، وفي جميع هذه الحالات يتمثل العلاج أساسا في المقاربة البسيكولوجية ، غير أن البسيكولوجيا بوضعها الراهن لا تساعد كثيرا على العلاج لأن منبتها في الغرب تلوّث بالرؤية المادية إلى درجة أنه يتناول الإنسان كأنه شئ أو حيوان ويلخّص مشكلاته في الغرائز متجاهلا تماما الجانب الروحي فيه والعامل الديني في حياته ، هنا يتدخل القرآن الكريم كعنصر فاعل في التعامل مع المؤمن الذي يعاني من أنواع الاصابات النفسية ، وتأثير آيات الذكر الحكيم على المؤمن أمر مؤكد مجرّب لكن بشرط الارتقاء إلى مستواها حتى لا يصبح القرآن أداء لنشر الغباء كما هو الحال في هذا الزمان مع الأسف ، حيث تمّ تحريف مقاصد الكتاب الكريم فانتهى الأمر إلى ممارسات أشبه بالكابوس المرعب ، وذلك باسم الرقية عندما أصبحت حرفة عند قوم تغلب عليهم الأمية نزلوا بالقرآن إلى حضيضهم بدل أن يرتقوا إلى شموخه ، فجعلوا منه أداة لمحاربة الجن والعفاريت والسحر والعين بزعمهم ، في حين هو مصدر طمأنينة نفسية وهدوء وسكينة ، وانتهى المطاف بمجتمعاتنا وفي القرن الواحد والعشرين إلى الاعتقاد بأن آفات المسّ الشيطاني وأعمال السحر والعين انتشرت في طول البلاد وعرضها – أي البلاد الاسلامية وحدها !!! - فلم يتجُ منها مسلم ، بل يبدو أن أحياء ومدنا بأكملها قد تسلط عليها هذا العفريت أو ذاك وعمل فيها السحرة عملهم فطال الصغار والكبار والنساء والرجال بدءا بأهل الدين والصلاة والصيام والقيام !!! وتتناقل وساءل إعلام موجهة أو متواطئة هذه الأخبار وتضفي عليها المصداقية وتحاور الرقاة الذين يؤكدون أنهم قهروا عتاة الشياطين وأدخلوا عددا منهم الاسلام !!! يقولون هذا بكلّ جرأة ، وأنا واثق من أن أكثرهم لم يستطع التحكم في زوجته ولا أدخل أبناءه الاسلام ... إذًا مات الطب ، وتحيا الرقية !!!
وهكذا هبّت ريح من الجنون الجماعي أصابت أمة يُفترض أن لديها عقيدة دينية راسخة وأنها لا تتساهل في شأن الإيمان ، وإذا بها تُسلم قَوادها للمشعوذين وتصدق خرافاتهم متجاهلة محكمات القرآن والسنة والعلم والعقل والواقع ، وقد استغلّ غفلتَها التجار من كلّ صوب فأنشؤوا قنوات تبث على مدار الساعة ، خطابُها محور واحد هو أعراض السحر والمس والعين والتوسع في ذلك حتى أصبح المتابعون جميعا يجدون في أنفسهم تلك الأعراض ويُقبلون بالتالي على الرقية ، فضاع العقل والدين وزادت حالة التخلف الذهني والحضاري في ظل هستيريا غريبة لم تقتصر على عامة الناس بل أصابت غير قليل من المثقفين والمثقفات بمساندة شبه رسمية دفعت المشعوذين إلى فتح عيادات متخصصة في الرقية : فمن الوحش إذًا ؟ الضحية أم الجلاد ؟ المريض الذي يرضى بهذا أم دعيّ الرقية ؟ يحدث هذا باسم الاسلام الذي ربّانا على العقلية العلمية والبصيرة وحصّننا من الخرافة والدجل .
إن الرقية الشرعية شيء آخر غير هذه الممارسات المؤسفة ، إنها علاج روحي لضعف الانسان حين تخور قواه وتنهار أمام المآسي والمشكلات ، والراقي إذًا ليس ذلك الذي يطارد مردة الجن ويُخرجها من الأجسام المصابة كما يزعمون إنما هو مسلم يفهم رسالة القرآن الكريم ولديه إحاطة بعلم النفس والعلاقات الانسانية ، يحسن الإصغاء إلى المريض ويتفهم حاله ويظهر له التعاطف ويسرّي عنه ويرفع معنوياته ويأخذ بيده ليتجاوز هواجسه ومخاوفه ويبرأ من شكوكه ، أي يخفّف عنه ولا يزيد من مرضه كما يفعل الأدعياء الجهلة ، يتلو عليه ما تيسّر من آيات السكينة والشفاء ويقرأ عليه أدعية مأثورة ويقدم له نصائح أخوية ويمازحه لإزالة همّه ، هذا ما يفعله الراقي العارف التقي ، بدل إثقال كاهل المريض بحكايات عن المسّ والسحر ، تلك الحكايات المرعبة التي تزيد المريض مرضا وهواجس ولا تعالجه في قليل ولا كثير بل هي بذاتها مصدر للانهيارات والمتاعب الصحية .
ما أبعد هذه الرقية الشرعية عن ممارسات مرعبة مثل ضرب المريض وجلده وتعذيبه " لإخراج الجنّ من جسمه " !!! وهي ممارسات يقبلها المرضى وأهلُهم بصدر رحب !!! وقد أُتيح لي أن أسمع من الغرائب في هذا الشأن ما يتجاوز الفهم ، فعلى سبيل المثال جاءني منذ سنوات أهل فتاة مقيمة في باريس وأخبروني أن " الرقاة " شخصوا – في باريس !!!- مسّا لديها ، ووصفوها لي بأنها شابة تقية ترتدي الحجاب الشرعي و تحافظ على صلاتها ولا تترك أورادها ، فما كان مني إلا أني قلت لهم في ابتسامة عريضة : " أريد أن أفهم كيف ترك هذا المارد صوفي مارصو ( الممثلة الفرنسية المستهترة ) وضرب هذه الفتاة المسلمة التقية ؟ " ، أي عقل يقبل هذا ؟
وأنا أكتب هذا فإني لا أنكر أي حقيقة نطق بها القرآن أو السنة النبوية من وجود الجن في الكون وأفعال السحر وإصابات العين لكني أثور ضدّ التحريف والمبالغة وسوء استعمال هذه الحقائق الذي لا علاقة له بالوحي وإنما أصبح ظاهرة مجتمعية غاية في الخطورة تنعكس سلبياتها على المسلمين وعلى الاسلام ذاته.
إن الأمة تنتظر من خريجي الجامعات الاسلامية وحاملي شهاداتها الانخراط القوي في الاجتهاد والتجديد لرفع مستوانا وخدمة ديننا ، لكننا نلاحظ مع كل أسف أن كثيرا منهم انخرطوا في الرقية وأعطوها حجما ضخما وصاروا يكتبون فيها وينظّرون ويطاردون الأرواح الشريرة المزعومة ، وتركوا ساحة تخصصهم خاوية فتمدّد ظلّ الغباء والاستحمار بمباركة من " رجال الدين " ، فرحم الله زمانا كانت الأمة الاسلامية تحمل فيه راية العلم والإشعاع الحضاري فامتدت أنوار المعرفة والهداية في أرض الله ، ومع تخلفنا وبفعل أشخاص حرّفوا الرسالة عن مسارها أصبحنا – بالدين !!! - أضحوكة القاصي والداني ، نترك الواقع للتعامل مع الغيب ، بعيدا عن هدي القرآن والسنة ، حتى أصبح الفاشلون يزعمون أنهم يتحكمون في الجنّ وهم أعجز من أن يتحكموا في أهليهم .
وتستمرّ الملهاة ، ولديها جمهور ومعجبون كُثْر لعلّ أغلبهم من " الطبقة الراقية ".
عبد العزيز كحيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.