من الملاحظ أن فيروس العودة قد بدأ ينشط بقوّة خلال هذه السنة التي أوشكت على نهايتها ، وهو ما يدعو لدراسة هذه الحالة وافتتاحمعامل متخصصة لتحليلها ،لأنه لا يعقل أن يكون من دفع ضريبة النضال في زمن الرداءة لأكثر من عقد ونصف أن يمارس هواية الإنتحار في أوقات الفراغ ، ثم يعمل ضمن أجندة وأهداف مغشوشة تستهدف تاريخه وحاضره ومستقبله في رسالة مفادها ( " إلي طاح يحسب روحو يزرزح " أو " مجبر أخاك لا بطل" ) ، ليعيد رسم الخارطة السياسية لمصلحة الدكتاتوريّة. أم أنّ هذه الحالة ما هيإلاّ محاولة لإعادة رسم حاضر تونس ومستقبلها وفق التوجهات التي رسمها بيان السابع من نوفمبر عبر العمل الصالح لفائدة الحزب الحاكم والوطن ؟؟؟. فإذا كانتالإجابة وفق التصوّر الأخير بنعم ، فلماذا إذا لا يلتحق هؤلاء التائبون بالحزب الحاكم ؟؟ أم أنّهم يرون أنّ السّلطة تعتبر أيديهم ملوثة بالغدر والخيانة ؟
قد لا أملك إجابة أو تحليلا صحيحا يقودني إلى معرفة الحقيقة لأني لا أمتهن السمسرة ولا المتاجرة بأعراض النّاس ، بل أعشق لغة التحدّي وأرفض الإنكسار والإنحناء ، وقد تعلّمت منذ نعومة أظافري أنّ المحن فرصة لكل نفس مناضلة لإعادة إنتاج نفسها لقدرتها على المقاومة والثبات . وما قادني للتحدّث في هذا الموضوع ونحن على أبواب سنة قد أوشكت على نهايتها ، أنّ الوجع الذي أحسّ به لم يقبل التفاوض مع المسكنات وحبوب منع الإنتظار، بل راح يمتدّ مع امتداد الزمان والمكان .
المشكلة إذا قد تبدو للوهلة الأولى معقّدة وليس بوسع خريجي مدارس القانون أوالسياسة استيعابها لأنّ أبعادها النفسيّة والعائليّة تتداخل ، وقد تطغى في كثير من الأحيان على الأبعاد السياسيّة التي لا يميل التحليل إلى تفسير الأحداث من خلالها ولكن يجب أن لا ننسى أنّ الحقيقة هيّ أوّل ضحايا انفلونزا الكراهيّة والعنف والإرهاب ، و أنّ أوّل المفقودين في الوطن العزيز هوّ الشعور بالأمان الذي لم يعد له مكان في ساحة الفعل والنضال .
فأن تكون رافضا للضيم والقهر و تطالب بحقوقك الآدمية من أجل أن تحيا حياة كريمة فهذا يعني أنك ومن معك في خانة الأعداء ، فتمنح صفةالرافض وتطبق عليك قوانين خاصة ، فتكون عرضة لتوجيه أية تهمة في أي وقت ، ويزج بكفي المعتقل لتكون أمام خطر القهر والمرض وأحيانا تخرج منه بشهادة وفاة أو ذكرىإعاقة أو إهانة.
عبر التاريخ انتحرت عليسة وفاءاً لذكرى زوجها وهي تقول " النّار ولا العار " ، أمّا اليوم فقد ارتبطت ممارسة حالة الإستكانة والإذلال والهوان بالمصالح الذاتية للأفراد وهي حالات فرضت نفسها علينا في خضم أشكال المواجهات بحكم قوة الأشياء والمنطق المغلوط للتاريخ ، ولكن يجب أن نستعدّ لمواجهتها ، على اعتبار أنّ المرحلة الفوضويّة الحاليّة ضروريّة وإجباريّة من أجل التوصّل إلى شاطئ الأمان . نورالدين الخميري ألمانيا 27 .12 . 2009