إذا كنت مدخّنا من طراز رفيع، لا تعرف عن الرّياضة سوى تنبير يوم الأحد عن الزّناطير والدّناديك، ثقافتك الغذائيّة قريبة من الصّفر، وعادات نومك منهج للدّمار الذّاتيّ، فاصرخ في وجه النّظام الصّحّىّ والمستشفيات الوسخة غير المجهّزة، وقلّة الأطبّاء وانعدام كفاءتهم، وقل سحقا لوزير الصّحّة الفاشل. إذا لم تراودك أبدا فكرة أن تزرع شجرة، أو أن تخرج تنظّف الشّارع حول بيتك، أو أن تحمل قفّة للتّبضّع بدل أكياس الپلاستيك، أو أن تميط الأذى عن الطّريق، أو أن تضع الفضلات في أكياس مغلقة داخل حاويات، فأنت أكيد مؤهّل أن تملأ جدارك الفايسبوكيّ بسبّ الحكومة والبلديّة والسّياسيّين والمواطنين المتخلّفين لأنّهم مسؤولون عن الرّوائح القذرة والأوساخ والتّلوّث. إذا كنت توجّه نفايات المصنع للنّهر والبحر، وتخاتل لارتكاب المخالفات البيئيّة، وتقضي ساعات في الدّشّ تبذّر الماء، إذا كان بامكانك حفر ماجل وخزن ماء المطر، لكنّك تفضّل سكب زيت سيّارتك في المجاري، فأنت يجب عليك أن تكون حانقا في أشدّ فورات الغضب لانقطاع الماء من الحنفيّة خلال الصّيف الحارّ والجافّ. إذا كنت محجما عن المشاركة في الإنتخابات، عازفا عن العمل الجمعيّاتي والمؤسّساتي، منسحبا من أيّ نشاط ثقافيّ أو علميّ أو رياضيّ أو حزبيّ، لا تساهم في أيّ عمل خيريّ، ولا تبذل أيّ جهد في محيطك، فأنت قطعا في موقع متميّز لتلعن المسؤولين الفاسدين، والوزراء الفاشلين والحكومة الّتي لا تتقدّم بالبلد خطوة إلى الأمام. إذا كان معدّل الوقت الّذي تخصّصه لعملك بعض دقائق في اليوم، تأتي لدوامك متأخّرا وتغادر ساعات قبل انتهائه، وتعطّل مصالح غيرك، وإنتاجيّتك في الحضيض، يطيب لك قضاء ساعات في إهدار الوقت والإنشغال بتافه الأمور، فأنت محقّ في سخطك الشّديد على تدهور قيمة الدّينار، وتدنّي نسبة النّموّ، وغلاء الأسعار وإغراق البلد في القروض، وفشل الحكومة في تحقيق أيّ نجاح اقتصاديّ. إذا كنت تحتقر "الجبري" القادم من "وراء البلايك"، وتسمّي أسود البشرة وصيفا أو عبدا، وتعتبر من ينتمي لحزب تمقته أو فكر تكرهه تحت درجة الإنسانيّة، يستحقّ الحبس أو التّهجير أو الإقصاء أو حتّى الذّبح والقتل، إذا كنت تمارس الإستعلاء الجهويّ أو الإثنيّ، أو الدّينيّ، فأنت تستحقّ أن تكون على رأس قائمة من يحتجّون على غياب العدل في السّياسة الدّوليّة ومواقف ترامپ الرّعناء، وعنجهيّة ناتنياهو، وانحياز الأمم المتّحدة، وتهميش القضيّة الفلسطينيّة. إذا كنت تعامل معينتك المنزليّة كعبد حبشيّ في قصر هرقل، وتشغّل نساءا ريفيّات في ضيعتك ساعات طويلة بأجر هزيل، إذا كنت تستمتع بأفلام الپورنو السّاخنة، وتدفع بسخاء لمومس في غفلة من زوجتك، وتحتقر جارتك المتخلّفة المحجّبة، فأنت قطعا حداثيّ يجدر بك أن تقود حملات التّنديد بانتهاك حقوق المرأة، وتحتجّ بعنف على ترسّخ العقليّة الجندريّة القروسطيّة في المجتمع، وهيمنة التّراث الدّينيّ وحجبه لآفاق العلمانيّة الرّحبة. إذا كنت لا تقرأ كتابا واحدا في السّنة، ولا تبذل أيّ جهد في تطوير مهاراتك، وتكتفي بعلك ما تعلّمته من سنين، إذا كنت تتقدّم في الطّابور وتأخذ مكان غيرك، إذا كنت تدفع رشوة ليظفر إبنك بعمل بدل من هو أكفأ منه، إذا كنت تستعمل الواسطة كفيتامين فتّاك يمكّنك من تحقيق كلّ ما تريد، فأنت بالتّأكيد مصيب في بروزك كأكبر المتحمّسين في لعن تخلّف البلد مقارنة بأمريكا وأروپا وتدنّي الخدمات ونوعيّة الحياة وكثرة الأزمات. إذا كنت جزءا في منظومة التّلوّث والسّلبيّة والكسل والفساد والعنصريّة والجهل، فحقيق بك أن تكون بطل الإحتجاج على كلّ تلك الظّواهر. إذ من المؤكّد أنّ سببها الحكومة الفاشلة والمسؤولون الفاسدون. ومن الحتميّ أنّ فتوحاتك المتحمّسة وتنبيرك على منصّات التّواصل الإجتماعيّ سيغيّر هذا الواقع البائس التّعيس ويعيد تموقعنا في ريادة الأمم النّاجحة السّعيدة. منصف النّهدي كندا 18 جويلية 2018