عاجل/ دليلة مصدق وبرهان بسيس يمثلان أمام القضاء..    تقرير أمريكي: ترامب يعتزم تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية والوثائق قيد الإعداد    ممداني لم يغير موقفه بشأن ترامب "الفاشي"    عاجل/ مقتل هذا القيادي البارز في حزب الله اثر غارة اسرائيلية على بيروت..    عاجل/ ستشمل هذه الدول ومنها تونس: منخفضات جوية جديدة وطقس بارد بداية من هذا التاريخ..    لجنة المالية بالبرلمان تُسقط الفصل 50 من مشروع قانون المالية الذي يفرض ضريبة على من تجاوزت ثرواتهم 3 مليون د    الشكندالي: الأسر والدولة تستهلك أكثر مما تنتج... والنتيجة ادخار شبه معدوم    الطقس يوم..أمطار متفرقة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تنبيه..بديل طبيعي شائع للسكر ربما يعرضك لخطر السكتة الدماغية..!    ديوان الصناعات التقليدية يشارك في المعرض الدولي للحرف اليدوية بالرياض    تحذير: الأطفال أمام الشاشات... تغيّرات خطيرة تطرأ على الدماغ والسلوك    حزب الله ينعى الطبطبائي    مراد العقبي «الشروق»...الترجي قادر على التدارك والبلايلي لا يُعوّض    الليلة..الطقس بارد..    النجم يحيى الفخراني ل«الشروق».. أنا سعيد بعودتي لتونس بلد الفن والثقافة    بطولة افريقيا للتنس للشبان دون 12 سنة بالمغرب: ميدالية ذهبية واخرى برونزية لتونس    مع الشروق : حبر روسي .. وتوقيع أمريكي !    جامعة تونس المنار الأولى وطنيا وفي المرتبة 201-250 ضمن أفضل الجامعات في العالم    صادم: تراجع انتشار الحشرات في العالم يُهدّد الانسان    المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر يفتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الثانية من الصالون الوطنى للفنون التشكيلية    محرز الغنوشي يُبشّر بعودة الغيث النافع منتصف هذا الأسبوع    التباين الكبير في درجات الحرارة بولاية سليانة يجعل من الضروري دعم طرق التكيف مع التغييرات المناخية (خبير بيئي)    تونس تشارك في بطولة العالم للكيك بوكسينغ بابوظبي بستة عناصر    تونس تشارك في فعاليات المنتدى الصيني الإفريقي للابتكار في التعاون والتنمية    وضعية الأراضي الدولية و مسالك تعصير الانتاج الفلاحي...ابرز محاور مداخلات النواب    جمهور غفير يُتابع مسرحية "الملك لير" وتكريم للفنان الكبير يحيى الفخراني    عاجل/ الساحة الفنية تفقد الممثل نور الدين بن عياد..    عاجل/ إسقاط هذا الفصل من الميزانية: ظافر الصغيري يكشف..    شراكة جديدة بين الطرُقات السيارة والبريد بش يسهّلوها على التوانسة...كيفاش؟    مسرحية "(ال)حُلم... كوميديا سوداء" لجليلة بكار والفاضل الجعايبي: عمارة تتداعى ووطن يعاد ترميمه    تقرير الامم المتحدة: المدن تؤوي 45 بالمائة من سكان العالم اليوم    غيث نافع: شوف قدّاش كانت كمّيات الأمطار في مختلف الجهات التونسية    "حاجات جامدة بتحصللي من أقرب الناس"... شيرين تكشف حقيقة اعتزالها الغناء    عاجل: وفاة الممثل نور الدين بن عياد    مدنين: تظاهرة "نسانا على الركح" تحتفي بالمراة الحرفية في دورة عنوانها "حين تروى الحرف"    قرمبالية تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فاكهة "التنين" بالحديقة العمومية    جامعة عملة التربية تدعو الى التفعيل المالي للترقية بالملفات وبالاختيار لسنة 2024    صادم: الجزائر تُحذّر من ''مخدّر للأعصاب'' يستخدم لاغتصاب الفتيات    عدد ساعات العمل في تونس: 2080 ساعة سنويّا لهؤلاء و2496 ساعة لهذه الفئة    فاروق بوعسكر:هيئة الانتخابات جاهزة وقادرة على تنظيم الانتخابات البلدية في ظرف 3 اشهر    وقتاش بش يتحسّن الطقس؟    البطولة الإنقليزية: خسارة ليفربول امام نوتنغهام فورست بثلاثية نظيفة    رابطة الأبطال الإفريقية - نهضة بركان يتفوق على "باور ديناموس" الزامبي (3-0)    تواصل انخفاض درجات الحرارة الاحد    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    "رويترز": الولايات المتحدة تستعد لشن عمليات سرية في فنزويلا للإطاحة بحكومة مادورو    أولا وأخيرا .. خيمة لتقبل التهنئة و العزاء معا    عاجل/ الرابطة المحترفة الثانية (الدفعة الاولى) النتائج والترتيب..    خبير يُحذّر من تخفيض أسعار زيت الزيتون في تونس    شكوني خنساء مجاهد اللي قتلوها بالزاوية في ليبيا بالرصاص؟    أبرد بلاصة في تونس اليوم السبت... الرصد الجوي يكشف    لأول مرة في تونس: إجراء 3 عمليات دقيقة بالليزر الثوليوم..    الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة تنظم سلسلة من الجلسات التوعوية عبر الانترنات لدعم جهود مكافحة المضادات الحيوية    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    العاصمة: الاحتفاظ بصاحب دراجة"'تاكسي" بعد طعنه عون أمن داخل مركز    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الأم.. نيران الشوق لا يطفئها لقاء عابر!..
نشر في الحوار نت يوم 26 - 01 - 2020

سنوات مضت حرمتها من أولادها الذين أخذهم والدهم بعد الطلاق، هي ابنة عمته التي صبرت لسنوات على سوء خلقه الذي كشف عنه منذ بدايات الزواج تقريبا حيث كانت توهم نفسها بأنّه لربّما يتغيّر عندما تنجب لكن ذلك لم يحدث، ولم تستطع أن تتحمّل المزيد من المضايقات والتلاسن معه خاصّة بعد أن اكتشفت أنّ سبب زواجه منها هو طمعه بالسفر خارج البلاد والحصول على عمل، وعندما أحسّ أن حلمه لن يتحقّق ازدادت حياتهما سوءا وأصبح يضربها وازداد الأمر قساوة مع تدخّل أمّه ومساندتها له في ظلمه لها، الأمر الذي اضطّرها لترك بيتها فلجأت إلى بيت خالتها واحتمت لديها ومن ثمّ طلبت الطلاق فهدّدها بأخذ الأولاد منها لكنّها كانت مصرّة على عدم الرجوع للبيت فحصلت على الطلاق بعد جهد كبير وبعد أن تنازلت له عن كل شيء، ولأنّه لم يقف أحد إلى جانبها من الأقارب بسبب سطوة أمّه عادت بعد إجراءات الطلاق لأهلها المغتربين منذ صغرها في إحدى الدول الأوروبيّة.
تركت في بلادها البعيدة وفي كنف طليقها صبيّا وابنتين إحداهما لم تتجاوز السّنة من عمرها بعد، حاولت وهي في غربتها أن تتواصل أمها مع أهله لتطمئن على أولادها لكنّهم مجرد أن يسمعوا صوتها كانوا يغلقون الهاتف، حاولت هي وأهلها مرارا أن يتواصلوا مع أقاربهم ليكونوا واسطة خير تجمع بينها وبين أولادها لكن أحدا لم يتمكن من ذلك لصلابة عقولهم وتحجّر قلوبهم.
قرّرت بعد ذلك زيارة بلدها بصحبة أمّها بعد عدّة سنوات حيث أصبح عمر الولد الأكبر حوالي 8 سنوات والبنت الوسطى 6 سنوات أمّا الصغرى كانت قد بلغت الأربع سنوات، لجأت أمّها إلى أهلها وطلبت مساعدة من إخوتها الرجال فدلّوها على رجل دين لتستشيره في أمر ابنتها من أجل التواصل مع الطليق، وبعد أيام أبلغها بأنّ محاولاته باءت بالفشل فالرجل عنيد جدا لا يهمه أيّ رأي غير رأيّه ورأي أمّه.. فلجأت إلى إحدى قريباتها وبعد عدّة محاولات استنزفت من أعصابها ودموعها أعطتها بعض التفاصيل مثل اسم مدرسة الأولاد وعنوانها وأرسلت لها عبر تطبيق الواتس آب صورة للولد الكبير والبنت الوسطى حتى تتعرّف عليهما بسرعة إن ذهبت للمدرسة وأمّنتها أن لا تقول لأحد أنّها هي من أخبرها بذلك كي لا يقودها ذلك لمشاكل مع طليقها وأمّه، ولأنّ يوم لقائها بقريبتها كان الخميس اضطرت أن تنتظر حتى يوم الأحد من أجل الذهاب للمدرسة لرؤية أولادها .
صباح الأحد وعند السّاعة السّابعة صباحا ورغم البرد القارس كانت مزروعة أمام مدخل المدرسة لدرجة أنّ الحارس استغرب من وجودها كامرأة في مثل هذا الوقت وهذا الطقس البارد.. أثناء وقوفها حضر أكثر من ثلاث حافلات وتوقفن أمام المدرسة لكنّها لم تستطع التعرّف على أولادها بين الطلاب بسبب المعاطف الثقيلة والقبّعات الأمر الذي قادها للدخول إلى المدرسة بصحبة الحارس الذي اعترض دخولها ثمّ اضطرها للدخول في نقاش وجدال طويل مع النّاظرة التي عارضت في البداية الأمر الذي طلبته منها وهو رؤية أولادها خشية أن لا تكون صادقة، لكن مع إصرارها لانت النّاظرة قليلا وأعلمتها أنّها لن تستطيع أن تجمعها بأولادها ولكن ستمكّنها من مشاهدتهم من بعيد فوافقت كي تخمد ولو قليلا من نيران اشتياقها لأولادها.
طالبتها النّاظرة بالذهاب والعودة بعد التاسعة والنصف حتى يحين موعد خروج الأطفال من الصفوف للاستراحة لتتمكّن من تحقيق مطلبها، فاستأذنت وذهبت لمطعم قريب تناولت فيه طعام الإفطار..
الوقت يمشي ببطئ شديد بالنسبة لها، حاولت أن تلهي نفسها بالتجوال داخل أحد المجمّعات التجاريّة القريبة لكن الوقت على ما يبدو لازال باكرا فأغلب المحلّات التجاريّة لم تفتح بعد فجلست على أحد المقاعد في المتجر وألهت نفسها بتصفّح الانترنت حتى حان موعد ذهابها للمدرسة فانطلقت إلى هناك وقلبها يخفق لهفة لرؤيتهما..
ولجت بوابة المدرسة مسرعة ومع دخولها دقّ جرس وقت استراحة الطلاب فتوجّهت لغرفة النّاظرة التي اصطحبتها لساحة صغيرة خاصّة بأوقات الشتاء يتواجد فيها الطلاب وهناك دلّتها على ابنتها فحاولت أن تقترب منها لكنّها لم تعرها اهتماما فهي لا تتذكّرها، أرادت أن تضمّها إليها لكن النّاظرة منعتها خشية أن يتسبب ذلك بمشاكل فيما بعد مع والد الطفل إن علم.. سألتها عن مكان الابن الأكبر فقادتها إلى ساحة أخرى أكبر من الأولى وهناك رأت ابنها الكبير الذي كان قريبا جدا من قلبها، وكان عطوفا عليها في صغره، نظر إليها لكنّه لم يهتم لها هو الآخر فقد كان يلعب مع أصدقائه ناهيك عن أنّها أصبحت هزيلة جدا.. أمسكتها النّاظرة من زندها وطلبت منها الذهاب بعد أن شاهدت أولادها لكنّها استأذنتها بالمجيء مرّة أخرى لرؤيتهما قبل سفرها وطلبت من النّاظرة أن تسألهما عنها بطريقتها الخاصّة لتكون على علم بالصورة التي رسمت عنها بعد الأخبار التي نقلتها لها تلك القريبة، فوعدتها بذلك واتفقت معها على القدوم نهاية الأسبوع.
مرّ الأسبوع طويلا جدا وذهبت من جديد للمدرسة حسب اتفاقها مع النّاظرة لكن في هذه المرّة رافقتها أمّها فدخلتا للمدرسة وتوجهتا لمكتب النّاظرة وجلست معها وتحدّثن طويلا عن الأبناء فأخبرتها أنّها تكلمت مع الابن الأكبر وحين سألته عن أمّه أخبرها أنّها امرأة سيئة تكرههم كثيرا وأنّها تركتهم صغارا وذهبت لأهلها في إنجلترا حتى تعمل لأنّها امرأة تحبّ المال أكثر منهم وأنّ والدهم كان فقيرا فلم تتحمّل فقره فطلّقها لهذا السبب، وعندما سألته من أخبرك بهذا قال لها أنّ والده وجدّته وعمّاته يقولون لهم هذا دائما وأخبرها أنّه يكره أمّه كثيرا، فدمعت عيناها لأنّها أحسّت بأنّ الأولاد قد تعرّضوا لعمليّة غسل دماغ قامت بها الجدّة والأبّ وبعض الأقارب، مالت على كتف أمّها وصارت تبكي فهي لا تعرف كيف ستتصرف مع الأولاد إن التقت بهم وماذا ستقول لهم!.. ربتّت النّاظرة على رأسها وطلبت منها أن تمسح دموعها كي يذهبن لرؤية الأطفال، كان الجو في ذلك اليوم جميلا دافئا وكان الطلاب يركضون ويلعبون تحت أشعة الشمس جالت بعينيها هنا وهناك فرأت ابنها الكبير جالسا على مقعد مع رفيقه يستظلّان ظلّ شجرة ، شعره الكستنائي الفاتح.. بياض بشرته النقيّة.. ابتسامته الجميلة.. هدوءه الذي يغلّف شخصيّته لم يزل كما هو منذ تركته.. شيء وحيد تغيّر هو أنّه أصبح أكبر وأنحف قليلا من ذي قبل، تمنّت لو أنّها تستطيع أن تقترب منه وتضمّه إلى صدرها، تقبّله، تخبره أنّها تحبّه كثيرا وأنّ ما قالوه وأخبروه به عنها ليس صحيحا، أمسكتها النّاظرة من يدها واقتادتها حيث البنت كانت تلعب فهذه البنيّة كانت روح المنزل المرحة مشاغبة منذ صغرها على عكس أخيها الكبير رغم أنّها فتاة، كانت تركض وتصرخ وتقهقه بصوت مرتفع.. مرّت من أمامها فسرقت لمسة سريعة بيدها حين مرّرتها على رأسها، التفتت إليها لكنّها لم تكترث لها، فابتسمت لها وأدارت وجهها عنها كي لا تنتبه لدموعها..
رنّ الجرس وحان وقت رجوع الطلاب لصفوفهم فبدأوا يتوجهون إلى درج المبنى، كانت تتفحّص الوجوه تتأمّل كلّ شيء، وتفكّر بقلب يعتصره الألم فهما أمامهما لكنّها لا تستطيع أن تكلمهما ولا أن تأخذهما في حضنها.. لم تترك الملعب إلا بعد ذهاب كل التلاميذ لصفوفهم!.. بعدها استأذنت بالانصراف هي وأمّها ورافقتهما النّاظرة التي رقّ قلبها لحالها حتى الباب وقالت لها " مرحبا بك متى أردت المجيء لرؤيتهما ولكن عليك أن تجدي حلّا لذلك كي لا تدخلي نفسك في مشاكل.." ، هزّت برأسها وهي تمسح دموعها وقالت " إن شاء الله ما بيصير إلا الخير، على ربي متوكلة.. شكرا لك".
تركت المدرسة وطلبت من أمّها الذهاب لبيت خالتها التي آوتها زمن شدّتها حين تركت بيت زوجها، فالبيت ليس بعيدا جدا يلزمه ربع ساعة مشي وبالفعل توجهتا إلى بيت الخالة التي تكبر أمّها بسنوات، وصلتا إلى مدخل البناية تزامنا مع وصول خالتها التي كانت في السوق، سلّمت عليهما ودعتهما للدخول.. حملت الأكياس التي كانت تحملها الخالة وصعدوا المصعد فسألتهما الخالة " وين كاينين؟" ، تلعثمت في الجواب ثم خطر ببالها أن تقول " كنت عند الدكتورة" .. سألتها الخالة " دكتورة شو ؟" أجابت " دكتورة الأسنان ".. كانت الخالة فضوليّة جدا فسألت عن اسم الطبيبة وأين عيادتها هنا لم تتمكن من المتابعة في كذبتها فتكلّمت أمّها عنها قائلة " ما كنّا عند دكتورة ولا يحزنون.. كانت بدها تشوف ولادها بالمدرسة.." ، نظرت إلى أمّها نظرة استغراب وهي التي اتفقت معها أن تجعل كل شيء سرّا وأن لا يعلم بهذا أحد.. فرمقتها أمّها وقالت لها " شو بكِ ؟؟ شو أنت عم تسرقي؟؟ عادي الولاد ولادك ومش من حقّ حدا يحرمك منهم .." ، قالت لها خالتها " من حقّك يا خالتي تشوفي ولادك ، بس مرت خالك طول عمرها قلبها قاسي وجبّارة شو بتتوقعي من اللي بتحرم زوجها من أمّه أكيد بتحرم أمّ من ولادها بس شو بدو يحكي الواحد؟؟ خلينا ساكتين أحسن, فيه ربّ كبير." قالت لخالتها " طيب شو العمل كيف بقدر شوف ولادي، صرلي 3 سنين أو أكثر محرومة منهم غير الحكي اللي ألّفوه عنيّ ومقنعين الولاد فيه.." ، قالتلها خالتها " ارحمي حالك يا ريما .. وارمي حملك للكريم وهو اللي بيحلّها من عنده.." ثم دعتهما لتناول طعام الفطور معها.. وبينما هنّ يتناولن الطعام رنّ جرس الباب فكانت دانيا ابنة خالتها ورفيقة طفولتها وهي أيضا زوجة الابن الثاني تزوجت قبل طلاقها فدخلت واحتضنتها وصارت تبكي وتسألها عن أولادها فأكّدت دانيا كلام النّاظرة الذي نقلته عن ابنها الكبير وكلام تلك القريبة أيضا.. وأخبرتها أنّ الأولاد ما زالوا صغارا الآن ولن يستمعوا لأحد غير والدهم وجدّتهم الذين يعيشون معهم، وأخبرتها دانيا أنّها ترأف لحالهم فهي تجدهم يحملون على كاهلهم كأطفال ما هو أكبر منهم فلا يسمح للولد أن يبكي كونه ذكرا ولو كان يتألم بشدّة ناهيك عن تدخّل زوجة الأبّ أيضا بخصوصيّاتهم وأنّ حماتها تشدّ على يدها وكأنّها تنتقم بالأولاد من أمّهم حتى الصغيرة يارا لم تسلم أيضا ينهرنها بشدّة ..
أحسّت بعد كل ما سمعت بأنّها تحمل جبلا على ظهرها وتمنّت لو أنّها لم تترك أولادها لهم، ولكن لا يمكنها الآن أن تفعل شيئا سوى أن تلجأ إلى القضاء الذي لن ينصفها أيضا لأنّها تنازلت في الماضي عن كلّ شيء من أجل أن تحصل على الطلاق..
وهي في خضم كلّ هذا خطر ببالها أن تكون دانيا حلقة وصل بينها وبين أولادها خاصّة وأنّها تتمتع بشخصيّة قويّة ناهيك عن أنّ ابن خالها زوج دانيا هو الأخ الأكبر وله كلمة مسموعة لدى أهله، عندها أخبرتها وأوضحت لها أنّها باقية لشهر فقط ولا تريد سوى أن تراهم وتجتمع بهم فقط عند زيارتها للبلد فوعدتها خيرا ولكن بعد أن تحدّث زوجها بالأمر كي لا تقع هي الأخرى بمشاكل هي بالغنى عنها.
في اليوم التالي رنّ هاتفها وإذ بها دانيا تخبرها أنّ زوجها أراد منها أن لا تتدخّل بهذا الموضوع لأنّه لا يريد أن يقف بوجه أمّه أو يعاندها لكنّه سيحاول أن يتكلّم مع والده بالأمر ويرى ماذا يمكنه أن يفعل.. فضحكت ريما وقالت لدانيا " يتكلم مع مين ؟؟مع خالي !!.. ما كلنا عارفين ما بيقدر يعمل شي معها.."
عاهدت نفسها أن تستمر بالمحاولة كي تصل إليهم وتجتمع بهم ولم تحرم نفسها من رؤية أولادها فكانت بين الحين والآخر تذهب إلى المدرسة تراهما من بعيد لكن شيئا كان يفسد عليها هذه الفرحة المؤقتة وهي أنّها لم تر ابنتها الصغرى بعد فطلبت من دانيا أن تصوّرها لها بأيّة طريقة وترسل لها الصورة وفعلا كان لها ما أرادت فقد صوّرت دانيا البنت وهي تلعب مع ابنتها عدّة صور وأرسلتهم لها.
مرّ الشهر سريعا وذهبت قبل موعد سفرها بيوم إلى المدرسة وانتظرت الحافلة حتى أتت ونزل منها الأطفال فركضت نحوهما ونادتهما باسميهما فتوقفا عند الباب ونظرا إليها لكنّهما لم يعرفاها ضمّتهما إلى صدرها وبدأت في البكاء والولدين في حالة من الذهول.. سألها ابنها " مين أنتِ؟" ، فقالت له "ما عرفتني؟... نسيت ماما يا سالم!.." فأبعدها عنه وأمسك بيد أخته وقال لها " نحنا ما عنّا أمّ .. هيك قالتلنا تيتا .." ، قالت له " بس أنا أمّك اللي بتحبّك وبتحبّ إخواتك.."، ردّ عليها " لو بتحبينا ما كنتي تركتينا ورحتي.. كنتي ضليتي معنا .. بابا وتيتا اللي بيحبّونا بس إنتي لاء.." ، التفتت حولها فرأت التلاميذ من حولها ينظرون إليهم بذهول فقالت له وهي باكية " بكرة بس تكبر يا سالم رح تعرف أدّيه ماما بتحبك.. بس تكبر فكّر تحكي مع ماما وتسألها ليش تركتينا؟؟.. فكّر يا سالم إنّو مش كل شي بيقولولنا اياه بيكون صحيح لأنّو في ناس ظالمة وبتكذّب كتير......" ، نظر سالم إليها ثمّ شدّ أخته من يدها ودخل معها إلى ساحة المدرسة، أزعجها جدا فهذا الطفل الذي كان عطوفا عليها في صغره لم يفكر حتى أن يلتفت إلى الوراء بل تركها ومشى متجاهلا دموعها!...
مشت إلى خارج المدرسة بخطى ثقيلة ثم وقفت أمام السياج الحديدي وهي تمسح دموعها الحارّة وتتمتم بنفسها " الله ينتقم من الظالم..".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.