فايسبوك لن أهتمّ في هذه الورقة ب"فايسبوك" (Facebook) من حيث تأسيسه وحركة توسّعه في جامعات أمريكا وفي بلاد الأمريكان ثمّ في العالم، فذلك أمر اهتمّت به الويكيبيديا فكفت الباحث الرّاجع إليها، ولكنّي سأهتمّ ببعض الجوانب التي رأيتها - بمرور الأيّام وتراكم التّجارب وتواتر العقوبات المسلّطة عليّ - لا تنسجم مع هذه التّسميّة الجذّابة "وسيلة تواصل اجتماعيّ" ولا مع السّمعة التي حازت عليها هذه الوسيلة الفاعلة. فقد كنّا نشعر بالحسرة وعدم القدرة على الفعل زمن حَرَمتْنا الدّكتاتوريّةُ في بلادنا التّواصل عبر هذه الوسيلة. ثمّ شاء الله لنا وقدّر، فكانت الثّورة وكانت الحريّة وكان "الفايسبوك" أبرز ترجمان تلكم الحريّة. اتّخذناه وسيلة نتواصل بها ونُبدي عَبرَه آراءنا وانتقاداتنا، بل كان أيضا وسيلةً لكشف عورات بعضنا الذين أدخلوه غُرف نومهم وتجوّلوا به فيها دون نكير فتكوا أستارهم وفضحوا أسرارهم، بل كان في بعض الأحيان سبب ضياع أوقاتنا وشيوع القطيعة والتّباعد بيننا، حتّى باتت العائلة الواحدة مجموعة فرق متناثرة داخل الشّبكات الاجتماعيّة، لا تَجمعُها إلّا بعضُ مناسبات الأكل اليوميّة أو الأسبوعيّة أو المناسبات الكبرى. كنت شخصيّا لا أميل إلى "الفايسبوك"، ليس لعيب فيه وإنّما لعيب في سلوك مرتاديه، ولكنّي مع الضّغط اقتنعت بأنّه قد يكون وسيلة من وسائل التّعارف والإضافة. وكنت ولازلت أظنّ أنّ الكتابة فيه أو خارجه مسؤوليّةٌ وجرأةٌ في الحقّ أو لا تكون. ولذلك كانت كتاباتي مناصِرة للمظلوم ووقوفا معه ومناصَرة له، وتأنيبا للظّالم ونبذا لسلوكه وتشهيرا به ودعوة إلى الثّبات على الحقّ وإلى نبذ الباطل وعدم الاصطفاف مع أهله. وأحسب أنّ أكبر الظّلم بعد الكفر هو ظلم الحاكم لرعيّته أو ظلم المحتلّ لأهل الأرض التي يحتلّها. ومعلوم أنّ الحكّام الظّلمة قد ابتليت بهم بلداننا العربيّة الإسلاميّة دون أغلب بقيّة بلدان العالم، وأنّ الاحتلال قد انحسر في العالم إلّا ما كان من احتلال الكيان الصّهيونيّ للجولان ولفلسطين المسلمة التي كان قد بدأ فيها الاستيطان بسبب تخاذل وخيانة ملك الحجاز سنة 1915 واتّفاقية أميره فيصل مع حاييم وايزمان الصّهيونيّ، وبسبب وعد أو تصريح الوزير الأوّل البريطانيّ بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917. وطبيعيّ إذن – والاحتلال يُبدي وجهه البغيض المكشّر عن عنصريّة تذهب به حدّ التّطهير العرقيّ والإبادة الجماعيّة – أن تكون كتاباتي عنه كثيرة وإن اُقتُضِبت نصوصُها. غير أنّ بعض المفردات المستعملة في حقّ من يتّصف بها أصبحت تُقلق إدارة "الفايسبوك"، التي باتت تتربّص بمستعمليه وتراقبهم وتتّهمهم بانتهاك مبادئها وبالتّحريض على الكراهية. تنذرهم ثمّ تتدرّج شيئا فشيئا في معاقبتهم. تريد بذلك إصماتهم وتكميم أفواههم. تستكثر عليهم كلمة حقّ استنكرت استعمال الدّبّابة والقنابل "الذّكيّة"، والفسفور الأبيض اللّاإنسانيّ ضدّ أهلهم، أو رفضت نفاق الكبار وكيلهم بمكيالين؛ إذ يسمّون إبادة غزّة بالكامل دفاعا عن النّفس ويسمّون الصّواريخ الغزّاويّة الصّارخة المعبّرة عن الظّلم الواقع عليها وعلى الأقصى وعلى حيّ الشّيخ جرّاح وعلى فلسطين بالكامل، اعتداء وإرهابا. تستنكر ذكرنا بشائع المحتلّ ووصفه بالعدوّ أو التّذكير بيهوديّته وصهيونيّته، ولا تراه أمامها يجوس في الدّيار معتزّا بصهيونيّته متشبّثا بسيادة دولته اليهوديّة، يرسيها على أراضينا المحتلّة، ويطبّق مبادئها حتّى لا يعتبر مواطنيه – وهو يدّعي الدّيمقراطيّة – سواسية. فعند الصّهاينة الإسرائيليّين فروق كبيرة بين اليهوديّ والمسلم وبين الإسرائيليّ والعربيّ، فروق تنزّلها آلتهم الغاشمة اقتحاما للبيوت المقدسيّة والعربيّة وعربدة فيها وانتهاكا لحرمتها وتنزّلها سحلا للنّاس في الشّوارع وترهيبا وتقتيلا وتعاليا، فترتفع أكفّ الكبار المنافقين مهلّلة متعهّدة بالاستبسال في الدّفاع عن دولة إسرائيل اليهوديّة الصّهيونيّة وبتطوير قبّتها الحديديّة، في مشهد يُرِي "الكبار" من أسقط مخلوقات هذا العالم المنحرف ومن أشدّهم بعدا عن العدالة الاجتماعيّة وعن الإنسانيّة التي يتشدّقون في الحديث عنها.
كنت شخصيّا لا أميل إلى "الفايسبوك"، ليس لعيب فيه وإنّما لعيب في سلوك مرتاديه، ولكنّي مع الضّغط اقتنعت بأنّه قد يكون وسيلة من وسائل التّعارف والإضافة. وكنت ولازلت أظنّ أنّ الكتابة فيه أو خارجه مسؤوليّةٌ وجرأةٌ في الحقّ أو لا تكون. ولذلك كانت كتاباتي مناصِرة للمظلوم ووقوفا معه ومناصَرة له، وتأنيبا للظّالم ونبذا لسلوكه وتشهيرا به ودعوة إلى الثّبات على الحقّ وإلى نبذ الباطل وعدم الاصطفاف مع أهله. وأحسب أنّ أكبر الظّلم بعد الكفر هو ظلم الحاكم لرعيّته أو ظلم المحتلّ لأهل الأرض التي يحتلّها. ومعلوم أنّ الحكّام الظّلمة قد ابتليت بهم بلداننا العربيّة الإسلاميّة دون أغلب بقيّة بلدان العالم، وأنّ الاحتلال قد انحسر في العالم إلّا ما كان من احتلال الكيان الصّهيونيّ للجولان ولفلسطين المسلمة التي كان قد بدأ فيها الاستيطان بسبب تخاذل وخيانة ملك الحجاز سنة 1915 واتّفاقية أميره فيصل مع حاييم وايزمان الصّهيونيّ، وبسبب وعد أو تصريح الوزير الأوّل البريطانيّ بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917. وطبيعيّ إذن – والاحتلال يُبدي وجهه البغيض المكشّر عن عنصريّة تذهب به حدّ التّطهير العرقيّ والإبادة الجماعيّة – أن تكون كتاباتي عنه كثيرة وإن اُقتُضِبت نصوصُها. غير أنّ بعض المفردات المستعملة في حقّ من يتّصف بها أصبحت تُقلق إدارة "الفايسبوك"، التي باتت تتربّص بمستعمليه وتراقبهم وتتّهمهم بانتهاك مبادئها وبالتّحريض على الكراهية. تنذرهم ثمّ تتدرّج شيئا فشيئا في معاقبتهم. تريد بذلك إصماتهم وتكميم أفواههم. تستكثر عليهم كلمة حقّ استنكرت استعمال الدّبّابة والقنابل "الذّكيّة"، والفسفور الأبيض اللّاإنسانيّ ضدّ أهلهم، أو رفضت نفاق الكبار وكيلهم بمكيالين؛ إذ يسمّون إبادة غزّة بالكامل دفاعا عن النّفس ويسمّون الصّواريخ الغزّاويّة الصّارخة المعبّرة عن الظّلم الواقع عليها وعلى الأقصى وعلى حيّ الشّيخ جرّاح وعلى فلسطين بالكامل، اعتداء وإرهابا. تستنكر ذكرنا بشائع المحتلّ ووصفه بالعدوّ أو التّذكير بيهوديّته وصهيونيّته، ولا تراه أمامها يجوس في الدّيار معتزّا بصهيونيّته متشبّثا بسيادة دولته اليهوديّة، يرسيها على أراضينا المحتلّة، ويطبّق مبادئها حتّى لا يعتبر مواطنيه – وهو يدّعي الدّيمقراطيّة – سواسية. فعند الصّهاينة الإسرائيليّين فروق كبيرة بين اليهوديّ والمسلم وبين الإسرائيليّ والعربيّ، فروق تنزّلها آلتهم الغاشمة اقتحاما للبيوت المقدسيّة والعربيّة وعربدة فيها وانتهاكا لحرمتها وتنزّلها سحلا للنّاس في الشّوارع وترهيبا وتقتيلا وتعاليا، فترتفع أكفّ الكبار المنافقين مهلّلة متعهّدة بالاستبسال في الدّفاع عن دولة إسرائيل اليهوديّة الصّهيونيّة وبتطوير قبّتها الحديديّة، في مشهد يُرِي "الكبار" من أسقط مخلوقات هذا العالم المنحرف ومن أشدّهم بعدا عن العدالة الاجتماعيّة وعن الإنسانيّة التي يتشدّقون في الحديث عنها.
إدارة الفايسبوك تستكثر عليّ وعلى غيري ذكر ذلك، فتعاقبني بالمنع من الكتابة وحتّى من التّعليق مدّة تحدّدها وتُرضيها. تُشعرني بأنّني أجلس عند بابها أتكفّفها. تستضعفني فتمنعني أعزّ سبب للحياة، تمنعني الكلام، شأنها في ذلك شأن الدّكتاتور المجرم الذي كان يحكم ديارنا؛ إذ منعنا هو بالسّجن ومنعتنا هي بتكميم الأفواه. تخاطبني أجهزتها البكماء "هل أنت مع القرار أم غير متّفق معه"؟! تستعمل اللّغة الهادئة كما يستعمل السّياسيّون "الكبار" الدّبلوماسيّة الهادئة، التي يريدون بها منع المقاومة المطالبة بالحقوق وبإنهاء الاحتلال، فيسمّونها "إرهابا". إرهاب يجعلون عنوانه الأبرز حماس والجهاد والإسلاميّ والإخوان وكلّ مَن أخلص لبلده أو تاق إلى الحريّة والكرامة التي وهبها له الله تعالى وأراد المحتلّ اغتصابها. كأنّهم في إدارة "الفايسبوك" لا يتابعون ما يجري حولهم في العالم، في كلّ العالم، لا سيّما في أمريكا والغرب عموما، فقد انتبه أحرار العالم وأشرافه وحكماؤه إلى الكذبة الكبرى وبدؤوا يرون "الضّحيّة" المتستّرة بالإعلام المخادع الكاذب المنافق وبالمساند المائل عن الحقّ، مجرّد مجرم لاإنسانيّ، على الإنسانيّة جرُّه أمام المحاكم الدّوليّة بتهمة جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة، تمثّلت في التّطهير العرقي وفي الأبارتايد والإبادة الجماعيّة. أهنّئكم بتفوّقكم الذي جعلنا لديكم أيتاما نتكفّف قلمًا لا يكتب إلّا بحبر تختارونه أنتم لنا. حبر يكتب بحريّة في أعراضنا حتّى يُشتَم نبيُّنا صلّى الله عليه وسلّم، دون إحراج، بيننا. حبر يمنع كتابة المفردات الكاشفة لعورات الدّيمقراطيّة ولأكذوبة حريّة التّعبير ولعدم الاستقلاليّة. أهنّئكم بذلك دون غبطة، فإنّ المروءة تنحرف بصاحبها عن سلوك كهذا السّلوك الذي اتّبعتموه وتوخّيتم فيه - مثل "الكبار" - الكيل بمكيالين. ولقد ساءني – وقد كنت أراكم إضافة – أن أراكم تستجيبون بوداعة لإملاءات المحتلّ الصّهيونيّ، فتبادرون طائعين أو خانعين إلى تنقية كلّ ما يُنشر في موقعكم، فلا تتركون منه إلّا ما يخدم المحتلّ ويناصر الظّالم، حتّى أنزلكم ذلك مثلهم ظلّاما. تقولون أنّكم تستعينون في ذلك بمن يملك اللغة العربيّة والعبريّة، وقد أيقنت أنّ مساعديكم لا يخرجون عن سمت أعدائنا ممّن لا يرجون فينا إلّا ولا ذمّة، كما أيقنت أنّهم لا يفقهون اللغة العربيّة؛ إذ لو فقِهوا لقدّموا لكم بإخلاص مجمل الرّسائل التي جاءت في هذا النصّ، الذي قد تحذفونه مشفوعا بعقوبة، والتي لم أرغب لكم من خلالها (الرّسائل) أن تفقدوا دوركم، الذي أردتّموه - ورحّبنا به - في البداية، خادما لكلّ النّاس دون تمييز، ثمّ سرعان ما حوّلتكم الضّغوط ربما إلى ما لا يشرّف كثيرا من النّاس. وقد كان علينا كمسلمين أن نفكّر - بدل لومكم أو الاتّكال عليكم - فيما يجعل كلمتنا مسموعة في هذا العالم، دون المرور بمن يعاملنا معاملتكم. هذه المعاملة التي فقدت الاحترام وربما بمرور الأيّام وتتالي الهفوات تُفقدكم أنتم أنفسكم الاحترام. ولن تقدروا في النّهاية على منع كلمة الحقّ، وسوف تُكتب ولو على حجرٍ يلقيه طفلٌ فلسطينيّ على الدبّابة الصّهوينة أو على المستوطن المُستقوي بدعم مستمرّ قد لا يكون أقّله تكميم الأفواه.