قراءة في مقالي الاستاذ البلدي و الدكتور النجار و الدعوة إلى الصدق و الحلم
كتبه ابراهيم بلكيلاني ( النرويج)
مع انتهاء عام و بداية آخر ، تكثر الدراسات و المقالات التقييمية . و هي عادة اعلامية في مثل هذه الفترات .فتجد فيها سجلا و عملية تأريخية لأحداث السنة المنقضية و هي عادة ايجابية . و من مجمل الدراسات و المقالات يمكن أن نكوّن صورة تقييمية أشمل و تفتح آفاق القارئ و المتتبع للأحداث على مساحات جديدة لم يكن له أن يدرك كنهها لو لم يتسع اطلاعه . و في أحايين كثيرة تجد في ما ينشر في هذه الفترات ما من شأنه أن يكون مقدمات أساسية في التفكير في المستقبل و مقاربة في تجاوز سلبيات المرحلة السابقة . و لم تكن نهاية عام 2009 و بداية عام 2010 بمنأى عن ذلك . فقد احتضنت بعض المواقع الاعلامية التونسية لورقتين هامتين ، تعتبران الأبرز في الاهتمام بهما تقريظا و نقضا . و نعني بهما : 1. قراءة في المشهد السياسي التونسي للأستاذ الفاضل البلدي : و الذي ركز فيه على المسائل التالية : *أنه في كتاباته السابقة كان معنيا بالتحقيق في كسب الذات و مسؤوليتها دون اتهام الآخر و تحميله المسؤولية . *أن المقصد الأساسي : أ- هو الاصلاج و التقويم و التطوير . ب- المشاركة في صناعة الوعي و شحذ الهمم و تجرئة الشباب *عدم اعفاء نفسه من المسؤولية . *التأكيد على استمراريته في حمل الهم العام وهم "الحساسية الاسلامية" *التأكيد على حقه و مسؤوليته في تقويم تجربة حركة النهضة و نقلها إلى الجيل الجديد . *الدعوة إلى الاعتراف بالخطأ و المغامرة و عدم حسن التقدير و أن القيادة هي مسؤولة بقصد أو بغير قصد عن جميع الآلام . *أما توصيفه للمشهد السياسي ، فيرسمه كالتالي : أ- نظام يقوم على قوة أمنية ضاربة تمتلك العدد و العدة . ب- مواطنون يجهلون حقوقهم و يؤثرون السلامة و تربية على الخضوع و الخنوع الممتد في الزمن . ت- شبكة من المصالح و المنافع تأكدت و تقوًت مع الزمن و استفادت من النظام الجديد (تحالف المال و السياسة) . ث- غياب المعارضة و تفكيك المكونات الاساسية في المجتمع و المعارضه في توصيفه تتوزع بين : - نخبة مستقيلة . - أحزاب و منظمات ضعيفة ،منهوكة ، هرمة . 2. خارطة الطريق للمرحة المقبلة للدكتور عبدالمجيد النجار : 1- - شعار خريطة الطريق : " تونس عزيزة قوية بجميع أبنائها دون استثناء " 2- - فرضيات خارطة الطريق : بنت هذه الورقة رؤيتها على مجموعة من الفرضيات وهي : 2.2.1. - استحالة أن تكون المرحلة المقبلة شبيهة بالسايقة تأسيسا على أ- السياق الجمهوري و التزاماته الدستورية ب- متطلبات جيل الشباب ت- اكراهات العولمة و بناء على ما تقدم يرى بأنه " لا يمكن للسلطة أن تسلك في الإدارة السياسية والاجتماعية في المرحلة القادمة ذات المسالك التي سلكتها في المراحل السابقة دون تطوير " 2.2.2. - العالم الثالث يتغير بسرعة نحو الديموقراطية الحقيقية 2.2.3.- حجم التحديات توجب الحاجة إلى كل قوى المجتمع و أطره في المشاركة في مواجهة التحديات دون استثناء أو اقصاء لأي منها . 3- توصيف الواقع : 2.3.1. السلطة : أ- هي التي تملك المفاتيح الفاعلة ب- هي المسؤولة مسؤولية أولى عن الماضي و المستقبل 2.3.2. المعارضة : أ- تتحمّل بعض المسؤولية عن العهدين ب- متشرذمة و موزعة بين : - صفوية نخبوية - مختصرة مطالبها في مطلب الحرية دون مقترحات تفصيلية . - معارضة داعية لإزاحة النظام عن سدة الحكم. و كحكم عام فالمعارضة لم تكن المحامي الناجح في الدفاع عن مطالبها . 2.3.3. حركة النهضة : أ- مسؤوليتها عن الماضي والمستقبل أكبر من مسؤولية غيرها من قوى المعارضة . ب- فشل في تحقيق الأهداف القريبة و البعيدة . ت- سيادة " ثقافة المظلومية " و ارتهان للماضي في مقابل غياب التفكير في المستقبل ث- عطالة في الفعل و الاكتفاء بالانجازات الكلامية . ج- انتهاج نهج المغالبة و التحشيد و الذي لم يجن إلا تكريسا لثقافة الهدم و عطالة في البناء المستقبلي . ح- عجز عن التقويم الذاتي . 4- أسس التجاوز في الخارطة : 2.4.1. إعادة تحديد مفهوم و دور المعارضة : المعارضة المشاركة أو المعارضة الآمنة الفاعلة 2.4.2.التغيير في أساليب الدفاع في اتجاه ما يقنع الخصوم . 2.4.3. المراجعة الصادقة مع الذات 2.4.4. الالتقاء على كلمة المصلحة الوطنية العليا 2.4.5. حركة حوارية عقلانية جادة 2.4.6. تقديم السلطة لاجراءات ممهدة في التجاوز . 2.4.7. الوفاق الوطني الشامل . 3. ملاحظات أولية : احتوت الورقتين أفكارا عديدة تمس الشأن الوطني العام ، و هما دليل على الحيوية و أن الأمل معقود على استمرارية الحوار الهادئ و البناء دون غمط و لا قدح في النيات . و مما أكدته الورقتان : 1- ان عزة الوطن و وحدته و رقيه فوق كل الاعتبارات . 2- أن الاختلاف في الرأي و الرؤى و بالتالي حق المعارضة ، سنة من سنن الحياة و هو حق انساني و حق دستوري وطنيا . 3- ان التحديات التي يواجهها و من المحتمل أن يواجهها الوطن يوجب مشاركة جميع قوى المجتمع في مواجهتها و رفعها . 4- ان حركة النهضة مكون أساسي من مكونات المجتمع التونسي و مكسب وطني . و قراءة تجربتها شأن وطني عام و من حق الجميع المشاركة في التقويم . 4. خطوات التجاوز : اتفقت الورقتان على خطوتين أساسيين ، في تقديرهما أنهما الأساسيتان في تحريك الركود السياسي و هما : 1- اجراءات ممهدة من طرف السلطة لشيوع مناخ مناسب من الحوار و التدافع . 2- تقويم ذاتي ، شامل ، صريح و علني من حركة النهضة للمرحلة السايقة. لكن أي الخطوات أسبق ، لم تصرح الورقتان بذلك . و لم تقدما تحديدات واضحة للإجراءات الممهدة المطلوب اتخاذها من السلطة . مع أنهما أطنبا في تحديد ملامح التقويم المطلوب من حركة النهضة . و السؤال الذي يطرح نفسه ما هي المحفزات التي من شأنها أن تدعو النهضة أو السلطة إلى المبادرة في اتخاذ خطوات متبادلة ؟ و ما هي الاجراءات المحددة المطلوبة منهما لإعادة الثقة بين الطرفين ؟ و الإجابة عند السلطة و النهضة فقط . و ما كل هذه المقالات و التعليقات إلا أنها تسعى إلى تحريك الركود و تحفيز عقلي للخروج و المبادرة إلى الإجابة . 5. محاذير : من نقاط ضعف الورقتان و أبرزها هي: أ- معاودة تكريس الاستقطاب الثنائي ب- تصوير أزمة المشهد السياسي و كأنه أزمة بين السلطة و النهضة فقط. ت- حصر الحلول في اتجاهين أحدهما تقوده السلطة و الآخر تقوده النهضة . ث- تغييب الحديث عن الأسباب الحقيقية التي غلّبت الملامح و السمات الحالية للحركات الاحنجاجية و أبرزها : *اشكالية الهوية و مآلات رؤى السلطة و المعارضة لها . * بنية الدولة الحديثة و النزعة الأمنية المهيمنة . * التدخل الخارجي و الاستقواء به . *مآلات التحديث و العصرنة على بنية المجتمع و قدرته على الفعل مستقلا عن الدولة . ج- ان عقلية التركيز على البدء بالتقويم الذاتي ، هو مسكون بالتجربتين المصرية و الليبية مع الجماعات المسلحة . و هذا فيه حيف بحق حركة النهضة فهي أولا ليست مثيلة لتلك الجماعات و ثانيا أن المشهد الديني في تونس لا يوجد فيه علماء يقومون بدور التقريب و التصويب من الناحتين ، مع أن مآلات و آثار التوتر في العلاقة بين السطة و النهضة مشابه لما آلت إليه هناك . 6. القراءات و التعليقات : للأسف الشديد لا زالت بعض القراءات و التعليقات تنحو مناحى غير مفيدة ، و تسعى إلى مصادرة حق القول و التفكير . فقيمة احترام الأفكار التي أكد عليها العلامة محمد الطاهر ابن عاشور و قيمة الحرية التي ينى عليها العلامة محمد الخضر حسين مشروعه الاصلاحي ، نراهما أكثر غيابا في الخلف . مع أن صورة الحوار القائم هي صورة مشرقة في الحوار بين الأجيال على رغم ما يعتريها أحيانا من غبش و تجاوزات لفظية . و كما يقول العلامة محمد الخضر حسين " في الشباب شجاعة ، و في الشيوخ تجارب ، فإذا صدرت شجاعة شباب الأمة من آراء شيوخها الحكماء ، فلا جرم أن يكون لها الموقف الحميد و الأثر المجيد " و يقول أيضا رحمه الله " في كل خصلة فاضلة شرف و خير ، و لكل خصلة فاضلة أثر في سعادة الجماعة ، و قد تتفاوت هذه الخصال بكثرة الحاجة إليها ، و من الخصال التي تكثر مواضع الاحتياج إليها صدق اللهجة ، فلا غنى للجماعة من أن يكون فيها صدق و حلم ".