يتواصل رفض التونسي للتلقيح ضد أنفلونزا الخنازير رغم الحملات التحسيسية والتوعوية التي ملأت الصحف ووسائل الإعلام الوطنية وظهر فيها أطباء ومسؤولو وزارة الصحة يدعون للاقبال على التلقيح ويفندون كل المخاوف من التاثيرات الجانبية للتلقيح على الصحة. ومازال المواطن إلى اليوم يتمسك بموقفه ومخاوفه من التلقيح مستندا حينا إلى ما قرأه في الأنترنات و شاهده في الفضائيات ومنطلقا أحيانا أخرى من قناعات راسخة لديه لا تثق كثيرا في مضامين وسائل إعلامه المحلية زادها رسوخا ذلك التناقض بين ما يدعو إليه الأطباء في الومضات التحسيسية وما ينصحه به طبيبه المباشر.
وآخر الأخبار التي تتداول حاليا في الأوساط العامة بشأن تلاقيح أنفلونزا الخنازير مفادها أن الوزارة ترمي من خلال دعواتها المتواصلة لإجراء التلقيح إلى التخلص من الجرعات التي استوردتها؟؟ تثير هذه المسألة نقاط استفهام عديدة تتصل أساسا بأسباب عدم نجاح الرسائل الإعلامية ومضامين الومضات في تغيير فكرة المواطن التونسي حول تلقيح أنفلونزا الخنازير. وهل يكمن الخلل في المضمون أو في طرق التبليغ أم أن الموضوع أعمق ويمكن اختزاله في إعلام واتصال معولم تفوقت فيه وسائل الإعلام الأجنبية على وسائل الإعلام الوطنية؟ بين أحد المختصين في علم الاتصال أن محددات كثيرة تتدخل في عدم النجاح في اقناع التونسي بجدوى تلقيح أنفلونزا الخنازير لعبت فيها وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة الفرنسية دورا رئيسيا في تعميق المخاوف من الانعكاسات السلبية المحتملة للتلقيح ويتساءل المختص في علم الاتصال كيف سيقبل التونسي على التلقيح في الوقت الذي يشاهد فيه أطباء فرنسيين يظهرون في القنوات التلفزية الفرنسية ويقولون أن التلقيح لم يخضع إلى التحاليل المخبرية الكافية قبل وضعه في السوق ولا يمكن التكهن بعد 5 سنوات بانعكاساته على صحة الانسان... التهويل الإعلامي ويضيف بعض المختصين في علم الاتصال أن الكثافة الإعلامية والتحسيسية في تناول موضوع أنفلونزا الخنازير أعطت تأثيرا عكسيا فلم يعد التونسي يتخوف من المرض بقدر بحثه فيما وراء هذه الكثافة الإعلامية من خفايا ويقول البعض «أكيد ثمة واو» ينتقد المختصون في علم الاتصال أيضا المضامين التحسيسية من حيث الحضور الباهت لبعض الأطباء وتشير السيدة صباح المحمودي أستاذة في معهد الصحافة إلى أن الخطاب المعتمد في الومضات التحسيسية التي تدعو إلى التلقيح كان مبسطا بشكل لم يصل إلى عمق نفسية التونسي لا سيما وأن جل الومضات التحسيسية تشير إلى أن أنفلونزا الخنازير كالقريب العادية وتضيف محدثتنا أن المضمون الإعلامي لم يواكب نسق انتشار الفيروس و الزيادة في عدد الإصابات بالفيروس وتسجيل حالات وفاة ولم يرفع من درجة التحذير من خطورة الفيروس بالشكل المطلوب إعلاميا... الوسائط الإعلامية الأخرى تحدثت أيضا السيدة صباح المحمودي عن عدم الاستعانة بالوسائط الاعلامية الأخرى لتعويض قلة اقبال التونسي على مشاهدة القنوات المحلية فلم تتم مثلا برمجة حملات ميدانية في الجامعات و المعاهد والمدارس والساحات العامة للتحسيس والتلقيح أيضا ... من جهته يعتبر السيد صلاح الدين الدريدي أستاذ بمعهد الصحافة وخبير في الاتصال أن الحملات التحسيسية الخاصة بأنفلونزا الخنازير عبر وسائل الإعلام نجحت خلال المرحلة الأولى (قبل دخول الفيروس إلى تونس) في تحضير الرأي العام والإعداد اتصاليا لقدوم الفيروس وفسر هذا النجاح من خلال النجاح في دفع التونسي إلى الالتزام بقواعد حفظ الصحة الخاصة بغسل اليدين والإقبال على اقتناء السائل المخصص للغرض... في المقابل يقول السيد صلاح الدين الدريدي أن الإعلام الوطني لم ينجح خلال المرحلة الثانية (انتشار الفيروس) لأنه لم يركز بالشكل المطلوب على التلقيح في مضامنه الإعلامية .كما لم يعاضد الإطار الطبي وشبه الطبي دور الإعلام بل كانوا عنصر تشويش من خلال إقدام بعضهم على نصح مرضاهم بعدم التلقيح... ويضيف السيد صلاح الدين الدريدي أن بعض الأخطاء الاتصالية الأخرى هزت ثقة التونسي على غرار ربط التلقيح بوصفة طبية في البداية ثم حذفها والتركيز فقط على الحوامل والأطفال في المضامين الاتصالية دون الفئات الأخرى... وفي الختام بين السيد صلاح الدين الدريدي أن موضوع أنفلونزا الخنازير أظهر جملة من نقاط الضعف في المنظومة الاتصالية( التفاوت في تجاوب مختلف وسائل الإعلام مع الحملات التحسيسية ضعف القدرات الاتصالية لدى الأطباء والهياكل العمومية) مما أفرز جملة من التساؤلات حول مدى قدرتنا على المجابهة الاتصالية للكوارث الصحية المستجدة والتي أصبحت اليوم عديدة ومتنوعة.