وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    الرابطة 2.. النتائج الكاملة لمباريات الجولة 20 والترتيب    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تدفع الرياضة فاتورة السياسة بقلم شاكر الحوكي
نشر في الحوار نت يوم 17 - 01 - 2010


الجزائر و مصر: عندما تدفع الرياضة فاتورة السياسة
أن يكون الجمهور الرياضي الجزائري قد اعتدى على الجمهور الرياضي المصري أو أساء معه التصرف و السلوك ، فهذا أمر مرفوض و مدان وفق كل المعايير . و أن يكون ذلك عائدا إلى أسبابا طبيعية في الشعب الجزائري أو أسبابا تاريخية، فهذه مظاهر و سلوكيات باتت شائعة لدى كل الجماهير العربية، و يجب أن تتوقف و لا فائدة من اتهام البعض و استبعاد البعض الآخر. و في هذه النقطة بالذات يجدر بالمصريين أن يعتبروا من المثل القائل على من كان بيته من زجاج أن لا يضرب بيوت الآخرين بالحجر . في مصر أيضا رأينا في عدة مناسبات رياضية و حتى سياسية السيوف و العصي و الإرهاب و العنف و حتى القتل. و على هذا المستوى، فكلنا عدوانيين و عنيفين و برابرة و متوحشين، لاسيما إذا ما قارنا أنفسنا بالشعب السويسري أو الكندي أو الفرنسي. و ما حصل من شغب بين الجماهير الجزائرية و المصرية ، إنما يأتي ليؤكد مرة أخرى أننا لا نصلح لشيء .
و بالمناسبة ندعو الأشقاء الجزائريين أينما كانوا إلى الانضباط و احترام القانون و عدم اللجوء إلى الاستفزاز، ليس معقولا أن نراهم يتصرفون في بلاد شتى، بشيء من الفوضى و أحيانا الهمجية. صحيح أن العلاقات الأخوية بين الشعبين التونسي و الجزائري و حتى بين القياديتين شكلت إلى حدّ الآن صمام آمان و استطاعت أن تحتوى كل المواقف المحرجة بنجاح اعتمادا على الثقة المتبادلة بين الشعبين، و لكن هذا لا يعني أن مثل هذه التصرفات مقبولة، أو أن السكوت عليها هو الحل. و ها نحن نرى اليوم النتائج المدمرة لهذا التصرف على مستوى العلاقات الثنائية و حتى على مستوى العلاقات العربية –العربية. و على الدولة الجزائرية أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الخصوص، خصوصا عندما تكون هي من أشرفت على نقل الجماهير المشجعة إلى السودان. و على هذا الأساس نقولها بصراحة أن اعتداء وتهجم البعض من الجمهور الجزائري على الجمهور المصري أمر مرفوض و مدان و يستوجب المحاسبة .أما أن يمضي الإعلام المصري في حملة مركزة و شرسة على الجزائر و شعبها ما تزال متواصلة إلى حد اليوم فهذا مرفوض و غير مقبول. و يستحق الرد على مستوى أكثر من نقطة.
كره العرب للمصريين
في ما يخص كره العرب للمصريين أولا حيث طرح السؤال أكثر من مرة عن سر العداء الموجه للمصريين، فهذا ادعاء باطل لا أساس له من الصحة، و الحقيقة أن دور مصر السلبي اليوم تجاه قضايا عديدة لاسيما تلك المتصلة بالقضية الفلسطينية جعلها تفقد منذ مدة طويلة موقعها و احترام الشعوب العربية لها. و ليس صدفة أن التعليقات الواردة على صفحات الانترنت تتهم مصر بالعمالة و الخيانة لإسرائيل أو أن يذهب تشجيع جل العرب إلى الفريق الجزائري، من لبنان إلى المغرب بما فيها السودان. و هذه هي الإجابة التي على المصريين ان يدركوها دون مواربة أو خداع أو نفاق، و على القيادة المصرية استخلاص العبر بعدما بتنا شعوبا من السلبية بمكان أننا لم نعد نملك من قوة الفعل إلا أن نتمنى بكل ما أوتينا من قوة أن تخسر مصر في مباراة كرة قدم ، و لا نملك أن نتمنى لمصر - من حسن الحظ- أسوأ من ذلك ، إن مصر تدفع اليوم ثمن سياستها الخارجية و حتى الداخلية الخاطئة. فالحديث عن الوريث داخل مصر يرسل إشارات خاطئة إلى الجماهير العربية المتشوقة للديمقراطية و المتعطشة للتغيير و تخشى من أن يكون التوريث في مصر مقدمة لاعتماد للتوريث في كل الدول العربية . و يبدوا أن كل ما قام به الإعلام المصري هو محاولة الغطاء على هذا المعنى و توجيه الرأي العام إلى عوالم مجهولة من خلال افتعال معارك وهمية حتى لا يدرك الشعب هذه الحقيقة، و ليس صدفة ان تعبر هذه القنوات على تضامنها مع عائلة مبارك فهذا لأنها هي المسئولة عن تردي صورة مصر و وتراجع دورها القيادي.
فقد كان واضحا من خلال المفردات التي استعملت في هذه الحملة على الجزائر محاولة استغلال الجو العاطفي الذي فرض نفسه بعيد الهزيمة في محاولة لتزكية عائلة مبارك و جمال مبارك وريثا للحكم. إذ لا يعقل أن يتحول الرجل إلى "سبيدر مان" او "سوبر مان" بمجرد انه اشرف على عودة الجماهير المصرية إلى بلادهم أو تدخل شقيقه على الهواء ليقول كلاما سخيفا ، كما لا يعقل أن يتم التعامل مع الحدث من منطلق "رب ضارة نافعة" و اعتبار ما حدث فرصة لتوحيد البلد و تضامن الشعب و كأن حال مصر من حال الصومال أو أن شعبها مركبا من قبائل و عشائر و طوائف و ملل و نحل مهددة بالتفكك في كل لحظة . و الحقيقة فمن يحب مصر و يبحث عن وحدتها ما كان يحتاج لمثل هذه الهزيمة لتمرير مشاريع كبرى أو تكريس حكم مبارك أو حتى ترميم العلاقة بين المصريين و نظامهم المتورط في أكثر من قضية شائكة . فحب الأوطان عابر لكل الأحداث و لا يمكن أن يكون ضرفيا او مناسباتيا ينتظر حدثا رياضيا ليعبر على نفسه. فمن السخف أن يشعر مواطنا بحب بلده بعد هزيمة كرة قدم من بلد شقيق. كما هو من السذاجة ان يطمع البعض في استثمار الحدث لرص الصفوف خلف القيادة السياسية أو تدعيم الوحدة الوطنية .
الدفاع عن الكرامة
أما الإصرار على الكرامة و رد الاعتبار فهذا مطلب يوجه إلى السعودية و الإمارات و دول الخليج عموما التي تتعامل مع المصري على انه من الطبقة العاشرة يأتي بعد الهندي و الفليبيني و السيرلنكي في قائمة الاحترام و التبجيل التي يتصدرها الأمريكي و الانكليزي . و نحن نعرف أن تعامل الخليجين مع المصري يغلب عيها الاحتقار و الازدراء و التمييز. أما في الجزائر و دول المغرب العربي عموما ولا فرق بينها في هذه النقطة، فلا يخطر في بالهم أن يعاملوا المصري بطريقة دونية أو أن يفضلوا الأجنبي عليه. و لعله من سخرية الأقدار أن يتجه النقد إلى الشعب الجزائري بهذه الحدّة و العنف، و الحال أن المصري لن يجد احتراما و تقديرا أفضل مما يجده في الجزائر و في المنطقة المغاربية عموما، و هذا لأننا شعوب لم نتعلم الازدراء و التعالي فكلنا نعمل ونكدح و ننهض باكرا لنعمل، و نحصل على الرزق، و نوفر لقمة العيش، و قوت اليوم بعرق الجبين و بالتالي لا نملك أن نحمل أي ضغينة للمصري أو غير المصري نظرا للقيم الاجتماعية التي تحكمنا و التي تقوم على الاعتماد على الذات ما يجعلنا نرفض أن نكون خدما لأحد أو موضع خدمة من أحد، إلا بمقابل و بكرامة، و صاحب ارفع منصب فينا لا يرى حرجا في أن يحضر قهوته بنفسه أو أن يحمل حقيبته دون حاجة إلى البواب أو الشاويش .
نحن فعلا و بكل صدق ندعو المصريين أن ينتفضوا و يرفعوا عن أنفسهم كل أشكال الإهانة و المذلة و أن يعتزوا بأنفسهم و يرفضوا كل من يتعامل معهم بسوء، حتى و أن كان هذا الرفض مقابل لقمة الخبز. بعدما باتوا موضع احتقار في كل البلاد العربية و غير العربية. و أن يعتبروا من الملاحظات التي توجه إليهم من خارج الوطن و خاصة في البلدان الغربية.
و بالمناسبة على المصرين أن يكفوا عن تذكيرنا بفضلهم علينا في نواحي الثقافة و الفن و الأدب فهذا فضل يعود لنا لأننا اتجهنا شرقا و غربا بحثا على المعرفة. أما المصريون فيجهلون عما يجري خارج مصر و لا يعرفون أي شيء عن الأدباء و الشعراء و الكتاب العرب . ثم أن الدور ألمغاربي في الخلق و الإبداع و التأليف و الشعر لا يقل أهمية عن الدور المصري بل أن الإنتاج المغاربي من الناحية النوعية يبدوا أفضل بكثير - و بشهادة المختصين- مما يقدم في مصر و الشرق عموما و هذه مسألة أثبتها التاريخ و تأكدت في الحاضر من خلال كتابات ابن رشد و ابن خلدون و ابن منظور و ابن رشيق القيرواني و خير الدين التونسي و عبد الهميد بن باديس و ملك بن نبي و علال الفاسي و محمود المسعدي و الشابي و الطاهر بن عاشور و هشام جعيط و محمد أركون و محمد البجاوي ومحمد عابد الجابري و أحلام مستغانمي و غيرهم . و على هذا الأساس فان التعامل بتعالي مع الشعب الجزائري و غير الجزائري مرفوض و بالمناسبة فقد وقعت مشادّات بسبب الكرة دائما بين الجمهور التونسي و المصري و استعملت فيها نفس اللغة و وجهت نفس الاتهامات و كان التعامل بنفس التعالي و النرجسية و هو الأسلوب نفسه الذي ساد و يسود التعامل إزاء كل الدول العربية، مصر الحضارة و بقية الدول برابرة و عجم ، و هذا أن دل على شيء فأنه يدل على وجود إشكالية حقيقة في العقل المصري لا بد من تداركها و الكف عن التذكير كل مرة أن حضارة مصر تعود إلى 6 ألاف عام خصوصا عندما تكون هذه الحضارة قد قامت على الاستعباد و القهر و الاستبداد و حتى التبعية و الاحتلال ، و لا فائدة من أن يزايد احد على احد بالتحضر أو الحضارة، فالولايات المتحدة و كندا و استراليا التي تفتقد التاريخ و الحضارة تقف اليوم شامخة في وسط أشباه الدول بعدما تقدمت عليهم بقرون، و باتت اليوم منبع حقوق الإنسان و الحريات و عندما نزورها نخال أنفسنا من العصر الحجري نصاب بالدهشة و الذهول و الخجل .
و الحقيقة فلا فائدة من الحديث عن الحضارة فكل من زار مصر يعرف قدر الفوضى و التلوث و الفقر الذي يعيشه الشعب المصري للأسف الشديد ، ثم يطلع علينا على الهواء من تعود أن يقتات من بساطة و طيبة المصريين و حتى تخلفهم و فقرهم ليعلّم الآخرين الحضارة و التحضّر . الشعب المصري اليوم يفتقد النظام و الانضباط و النظافة و بالتالي لا داعي للمزايدة على احد. و على الإعلام المصري و السينما المصرية أن تتحمل مسؤوليتها بعدما عملت لعقود على نشر و ترويج صورة سلبية عن المواطن المصري جعلته في كثير من الأحوال محل سخرية و ازدراء بعدما باتت مفردات من قبيل "انا غلبان" و "يا حرامي" و "شحاذ" مقرونة بالشخصية المصرية.
و بالمناسبة ما ذكر في القران الكريم من إشارة إلى مصر لم يكن المقصود منها مصر بالفتحة على الميم و لكن المقصود مصر بالكسرة تحت الميم بمعنى المدينة لا غير كانت أينما كانت تلك المدينة(مصر –أمصار). و في كل الأحوال فهي ليست مصر حسني مبارك و لا مصر عائلة مبارك. و نحن نستغرب أن يغيّب هذا المعنى و الحال أن مصر باتت اليوم عاصمة الدعاة و الشيوخ و المفسّرين و كل من هب و دب من رجال الدين و لكنه التوظيف السياسي الذي يعمي الأبصار و يغض الطرف عن الحقائق البديهية، و يكشف مجددا تورط رجل الدين في خدمة نظام الحكم.
التبرؤ من العروبة :
اما عندما يقول علاء مبارك انتهت العروبة فهو لم يفعل سوى استغلال الفرصة للتصريح بما يجول في خاطره و الأرجح أن يكون هذا ما نشأ عليه و تلقاه في طفولته، و الحق فان العروبة قد انتهت منذ أن قررت مصر السير في الخط الأمريكي و الإسرائيلي. هذا إذا كان المقصود بالعروبة التضامن مع القضايا العربية و الإسلامية دون حساب أو مقدمات، أما إذا كان المقصود بالعروبة هوية مصر و القول أن إنهاء العروبة هو انتهاء انتماء مصر إلى الهوية العربية فهذا يطرح أزمة انتماء حقيقة جديرة بالمسائلة و التحقيق و المحاسبة . و مهما كانت نية علاء مبارك و مقصوده فالعروبة تبقى اكبر من مصر . و سنظل عروبيين شاء علاء مبارك أو لم يشأ . و نحن نشعر بالعروبة اليوم على لسان نصر الله و محمد حسنين هيكل و اردوقان و و كل من يناصر القضايا العربية مثل النائب البرطاني جورج قالوي و الرئيس الفنزولي"شافييز" و قناة الجزيرة . و سنظل نحب مصر بما هي قلعة الثقافة و الفن و السياسة و موطن محمد علي و الطهطاوي و محمد عبده و رشيد رضا و طه حسين و العقاد و قاسم أمين و جمال عبد الناصر محمد حسنين هيكل و عمر الشريف و جمال بخيت و ايمن نور و عبد الوهاب المسيري و عمر فوزي و ام كلثوم و عبد الوهاب و الشيخ امام و جمال البنا و محمد البرادعي و احمد ماهر و عمر موسى و البابا شنودة و كل شيء جميل و طيب و بسيط و متواضع و بالتأكيد ليس جمال مبارك و ليس علاء مبارك الذي تبرأ من العروبة.
و نحن نستغرب من هذا الموقف و الحال أن المستفيد الأكبر من حالة القومية العربية سياسيا و اقتصاديا هم المصريين، و لولا هذه الحالة لتضرروا كثيرا ، بل أن المصري لا يجد الحظوة و الاهتمام و التقدير إلا في البلدان العربية ، و من هنا يظهر القصور الفكري لكل من دعا إلى قطع العلاقات مع الجزائر أو مراجعة العلاقات مع الدول العربية و الدعوة إلى اهتمام مصر بشؤونها الداخلية و كأن العرب باتوا عالة على مصر ، و الحقيقة لولا القضية الفلسطينية لما كانت لتذكر مصر في العالم إلا عند استحضار التاريخ الفرعوني أو استحضار قائمة الدول الأكثر تخلفا في العالم . و بصراحة ننتظر مراجعة صادقة بل و اعتذارا من كل الشخصيات الفنية و السياسية التي شاركت في هذه المسرحية و لم تتردد في التشكيك في العروبة و الانتماء العربي لمصر أو حتى التشكيك في حبنا لمصر على غرار ما قاله محمود عبد العزيز و يسرى و فردوس عبد الحميد و محمد فؤاد و مصطفى بكري و مصطفى الفقيه ... و من المؤسف أننا استمعنا إلى مواقف و شتائم على الهواء لا تليق لا بالمنشطين و لا الرياضيين و لا الإعلاميين و لا الصحافيين و لا الشعوب المتحضرة و هي عوضا أن تخلق حالة تعاطف مع الشعب المصري، خلقت جوا من التوتر ليس مع الشعب الجزائري فقط و لكن مع كل الشعوب المغاربية من ليبيا إلى موريتانيا فنحن لا نقبل بهذا التهجم على الشعب الجزائري الشقيق. وقعت أخطاء من الجمهور الجزائري يمكن أن نتصور ذلك و لكن أن تأتي أخطاء المصريين على السنة نخبتها و طبقتها الفنية و السياسة فهذا يستغرب له . و هي تصريحات أوشكت أن تضر بعلاقاته مصر مع كل دول المغرب العربي و كل الدول العربية فنحن في تونس لا نحب و لا نرضى أن يقال في الشعب الجزائري العظيم برابرة و إرهابيين و عجم .
زعامة موهومة
و نحن نستغرب هكذا موقف و كأن التضامن العربي و القومية العربية و العروبة يجب أن تعني في ما تعني احتكار مصر للانتصارات وأن تكون مصر صاحبة الزعامة في كل شيء و أن تترشح لكأس العالم لاسيما عندما يكون هذا الترشح على حساب الشقيق العربي و إلا فان العروبة تفقد معناها. لو حدثت الهزيمة أمام الموزنبيق لتقبل المصريون الأمر و تجاوزوا الحدث، أما أن تأتي الهزيمة أمام دولة شقيقة و عربية فعلى الدنيا أن تنقلب رأسا على عقب. و هذا مشكل لا بد أن يتخلص منه المصريون فليس الهزائم الرياضية هي التي تزعزع أمجاد الشعوب و شعورها بالانتصار. و هذا مرده الاعتقاد الزائف أن مصر بما هي زعيمة العالم العربي ، عليها أن تمثله في كل شيء ، حتى في كاس العالم حتى تبقى عربية و قومية، أما أن تنهزم أمام دولة عربية و تذهب هذه الأخيرة إلى جنوب إفريقيا لتمثل العرب فهذا ما تجد مصر صعوبة في تقبله ، و قد كشف محمد حسنين هيكل منذ مدة كيف أن مصر تدخلت لتضغط بقوة على لبنان و الجزائر من اجل أن يسحبا مرشحيهما لمنظمة اليونسكو ليبقى المجال مفتوحا أمام وزير الثقافة المصري فاروق حسني دون منافسة و لكنه لم يفلح . و رغم أن فشله جاء نتيجة عوامل ذاتية و موضوعية فان الاتهامات اتجهت كالعادة إلى إسرائيل و إلى اللوبي الصهيوني لتخرج مصر أمام الرأي العام و كأنها ضحية الأقدار .و هذا ما حاولت أن تفعله بعد هزيمتها أمام الجزائر و هو ما لم يعد مقبولا . و نحن على استعداد إن نتفهم تتشبث مصر بزعامتها لو استمرت ريادتها في الثقافة و الأدب و الفن و السياسة، و استمرت في أن تكون نبض الشارع العربي و قلبه النابض، أما و قد أصبحت في حالة تبعث على الإشفاق و الرثاء، فلم يعد من مبرر أن تتمسك مصر بزعامتها في الرياضة و بقية الميادين، و هذا ما يجب على المصريين أن يفهموه و يدربوا أنفسهم على استيعابه .
فمصر أم الدنيا و زعيمة العالم العربي بما تمثله من تراث و تاريخ يقوم على المبادرة و التحدي و النهضة و المقاومة و الحداثة و التحديث و الإيمان بالتقدم و نصرة القضايا العادلة، أما و قد باتت وسيطا بين إسرائيل و الفلسطينين و منبع الرجعية و الانتهازية فقد خرجت عنها الزعامة. و على المصريين أن يدركوا أنهم فقدوا دورهم القيادي و أنهم باتوا كباقي الدول و الشعوب. و بالمناسبة إذا ما كان لهذه "الهزيمة الرياضية" من معنى فهو تثبيت تراجع مصر عن دورها القيادي في العالم العربي .
و من هنا وصاعدا، الدولة العربية الأقرب إلى التجاوب مع القضية الفلسطينية و الأقدر على تحدي إسرائيل هي زعيمتنا و قائدتنا، و تركيا اليوم بمواقفها الشجاعة هي أم الدنيا و قلب العرب و حتى إيران ما دامت المدافع و الصواريخ موجهة إلى إسرائيل و سنظل نتطلع بشوق إلى دور أصيل لسوريا و العراق و حتى الجزائر . و الحقيقة فقد فقدنا الأمل في مصر منذ "كامب ديفيد" و سنفقد الأمل كليّا عندما يورث الحكم إلى جمال مبارك أو يمدد إلى حسني مبارك نفسه.
و على الحكومة المصرية أن لا تنسى أنها توشك أن تفسد علاقاتها تقريبا مع جل الدول العربية من سوريا و لبنان و غزة الى العراق و قطر و اليمن و ليبيا و حتى السعودية و لا فائدة من ذكر الأسباب بعدما أصبحت معلومة للجميع و بعضها بات من التاريخ، و هي لا تحتاج أن تفسد علاقتها مع الجزائر بسبب مقابلة كرة قدم و مع شعب استطاع أن يكسب ثقة و احترام بقية الشعوب العربية و غير العربية شرقا و غربا منذ عقود . بل نحن نتساءل إذا كانت العلاقات الجزائرية المصرية قد أفرزت كل هذا الحقد و الحال أنها كانت باستمرار علاقات متداخلة و متميزة و متصالحة فكيف ستكون العلاقات المصرية -التونسية أو المصرية -السعودية أو المصرية- اليمنية لو وقع لا سمح الله ما يعكر الأجواء و الحال أن هذه العلاقات شابتها تاريخيا توترات عديدة، بل و حروب دامية سقط فيها الجرحى و القتلى .
و لعل بعض القنوات المصرية تفطنت إلى هذه الحقيقة –اي انها تورط مصر في افتعال معارك مع كل الدول العربية - فبدأت تخفف من لهجة خطابها إزاء السودان بعدما اتهم منذ البداية انه شريك في المؤامرة لاسيما بعد أن نفى الجانب السوداني بشدة أي اعتداءات على المصريين، و بدا واضحا الالتفاف على مداخلات المصريين الذين حاولوا أن يكشفوا حجم التأييد و التشجيع الذي لقيه المنتخب الجزائري من كل العرب . و نحن لا نريد أن نتحدث بمفردات الحقد و الغل و لكن إذا كان لا بد من استعمال هذه المفردات فان الحقد و الغل صدر عن المصريين عندما رفضوا اقتراح الجزائر أن تكون المباراة الفاصلة في تونس أو المغرب أو ليبيا، بينما اقترحت مصر غينيا أو جنوب إفريقيا أو السودان ، و الحال انه لو تم إجراء المقابلة في تونس لمرت المباراة في أفضل حال لما تملكه تونس من قدرة على التنظيم و فرض الأمن و قدرة على التصدي لكل الحالات الطارئة و المفاجئة، و لكنهم رفضوا اقتراح الجزائر مراهنين على الجار السوداني من منطلق شعور ضيق بوحدة الانتماء الجغرافي على قاعدة أن السودان امتداد لهم فخابت أمانيهم بعدما تبين لهم أن السودانيين يشجعون المنتخب الجزائري.
الضغط على الجزائر
أما قصة الضغط على الجزائر، فإنها جاءت لتكشف ما آل إليه العقل المصري اليوم من انحدار. و نحن نعتقد أن مصر تورط نفسها أن طلبت من الجزائر تقديم اعتذار أو خفضت تمثيلها الدبلوماسي و الحال أن للجزائر تقاليد عريقة في المعاملة بالمثل و العناد على مواقفها و هو ما يتضح من خلال سياستها الخارجية مع المغرب أو فرنسا. ثم أن الاعتذار إذا كان لا بد منه فسيكون متبادلا فكما تعرض المصريون للاعتداءات تعرض الجزائريون لذاك بل أنهم تعرضوا للإهانة و القدح و الشتم و القذف، ليس من قبل الغوغاء و العامة كما حدث للمصريين، و أنما من أعلى المستويات الفنية و الثقافية و الإعلامية و الرياضية وعلى القنوات الرسمية ، ثم أن الاعتذار ليس في محله . فما يقوم به الأفراد من اعتداءات لا يلزم الدول و إلا ستكون الدول مجبرة على الاعتذار يوميا.
أما الاقتراحات التي تذهب في اتجاه الضغط على الجزائر من خلال لعب ورقة الصحراء الغربية ، رغم اعترافنا بالحق المغربي عليها ، فهذا يعني ان مصر تريد إن تلعب بالنار لان الجزائر مضطرة عندئذ أن تعترف مثلا بحق إيران في امتلاك السلاح النووي السلمي و غير السلمي و هذا حق تجمع عليه كل شعوب المغرب العربي و ليس لدينا إزاءه أي مانع أو حساسية، بل نحن نحث إيران أن تمتلك السلاح النووي و هذا موقف نابع في الحقيقة من وضوح الرؤية لدينا و وضوح الأوليات في ذهننا . أما اللعب بالورقة القبطية لو شاءت الجزائر، فهذا سيكون منسجما مع سياستها المعروفة بالدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير .
مرة أخرى تبين النخبة المصرية أنها عاجزة على إدارة أزمة بسيطة و محدودة و نحن نتساءل كيف لها أن تدير قضية الصراع العربي الإسرائيلي و النزاع الفلسطيني- الفلسطيني بهذه العقلية الساذجة. و من المؤسف أن يأتي هذا الكلام من نخبة القوم و من شخصيات سياسية و دبلوماسية مرموقة.
أما قصة التهديد بقطع المسلسلات عن الجزائريين و كأن الجزائريين يتحرقون شوقا لمشاهدة الإنتاج المصري المبتذل، و الحال أننا نعيش عصر الفضائيات، و أحدث ما هناك من إنتاج سينمائي و تلفزي، فهذا يدفع للضحك على أكثر من صعيد ، لاسيما بعدما باتت أفلامهم و مسلسلاتهم خارج التاريخ و الجغرافيا.
الحل هو العمل الجدي في إطار ثنائي من خلال تشكيل لجنة مشتركة من عقلاء القوم من الجانبين تتولى التحقيق و التقصي حول ما جرى، حتى لا تبقى الأمور عالقة و يبقى الحقد و البغض مخزونا في القلوب. و من ثم يتم الاعتراف بالأخطاء المرتكبة من الجانبين و التعبير عن الأسف عما جرى و التوعد بعدم تكرار ذلك مستقبلا و العمل على وضع نظام عقوبات على اللاعبين و الجمهور في صورة حدوث ذلك مرة أخرى و معالجة الأمور ضمن الأطر الداخلية من خلال معاقبة كل شخص ثبتت إدانته و تورطه في تأجيج نار الفتنة قبل المباراة و أثناءها و بعدها . و لعمري لو حدث ذلك فان رؤوس كثيرة في الإعلام المصري ستجد نفسها في وضع صعب.
و بما أن السياسة الخارجية المصرية باتت في متناول كل من هب و دب و على الهواء مباشرة بحيث بات كل واحد يدلي برأيه في الموضوع و يقدم اقتراحاته في كيفية التعاطي مع الجزائر، فنحن نتمنى أن يكون الأمر نفسه عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع إسرائيل، و عندها نريد أن نسمع نخبة القوم يطالبون بنفس الحماس و القوة بتخفيض التمثيل الدبلوماسي و طرد السفير الإسرائيلي و قطع الغاز و أن يتم العمل على أحداث المواقع الالكترونية من اجل فضح ممارساتها والدعوة إلى مقاطعة بضائعها و كشف عدوانيتها و بربريتها ووحشيتها، و حتى الدعوة إلى إلغاء معاهدة "كامب ديفد" أو المطالبة بسحب عضويتها من منظمة الأمم المتحدة، و ليس إحداث المواقع الالكترونية من اجل الدعوة إلى رفض ترشح منتخب الجزائر لكاس العالم .
و نحن نأمل أن يتحول ما حدث إلى مقدمة لعلاقات امتن و اخلص بين الشعبين و نتمنى أن يظهر ذلك من خلال تشجيع المنتخب الجزائري في جنوب إفريقيا، لاسيما و أن الجزائر ستلعب ضد الولايات المتحدة الأمريكية و نرجو أن لا تخون الشعب المصري روحه الوطنية و ذاكرته القومية فيذهب إلى تشجيع أمريكا على حساب الجزائر فتلتصق به وصمة العار و تتضح أمامنا الحقائق المرة .

شاكر الحوكي ، كاتب من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.