من مقررات المؤتمر السابع للحزب الحر الدستوري التونسي، مؤتمر المصير بنزرت 9 - 22 اكتوبر 1964 - «اعتبار المنظمات القومية تشكيلات مختصة بالقطاعات التي تعمل في نطاقها المهني وملتزمة بالسير في منهج الاشتراكية الدستورية المستجيبة لمصالح الشعب».
التهمة الحقيقية من هذا المنطلق ندرك الخلفية التي كانت وراء ازاحة الحبيب عاشور سنة 1965 والزج به في السجن بتهمة «حادثة البطّاح» والواقع ان التهمة الحقيقية هي ما كان عابه عليه بورقيبة من توجّهات مطلبية في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تواجه صعوبات وضغوطات تقتضي «امتثال الفرد لصالح الامة». يوم 28 جوان 1965 قرر الديوان السياسي «توقيف عاشور عن كل نشاط حزبي» قبل ايقافه يوم 3 جويلية 1965. تجريد عاشور من مسؤولياته النقابية واما رفاق الامس في المكتب التنفيذي للاتحاد، فقد وجدوا انفسهم منغمسين في طبخة بدأت بانعقاد الهيئة الادارية يوم 4 جويلية 1965 واعادة توزيع المسؤوليات باسناد الامانة العامة للنوري البودالي و«تجريد الحبيب عاشور من جميع المسؤوليات النقابية» واقرار مبدإ عقد مؤتمر استثنائي حدد ليوم 31 جويلية وتعيين وفد لحضور المؤتمر الثامن للجامعة العالمية للنقابات الحرة يوم 7 جويلية بامستردام ضم النوري البودالي ومحمود بن عزالدين والحبيب بن ميلاد ومحمد بن عبد القادر. التليلي والشرعية في امستردام، اصطدم الوفد بشرعية الاتحاد في شخص احمد التليلي، فكانت العودة الى تونس حيث صرح النوري البودالي لمندوب وكالة تونس افريقيا للانباء يوم 21 جويلية «نحن نأسف للجو الثقيل الذي واجه وفد الاتحاد في امستردام من جراء الانباء الكاذبة التي نشرتها الصحافة المنحازة وصرح بها الاخ احمد التليلي حول الحركة النقابية بتونس. اننا نستنكر تصرفات الاخ احمد التليلي التي اكتست صبغة مخالفة للفكرة النقابية بالرغم من المحاولات التي قام بها الوفد التونسي لحمله على ادراك مسؤولياته ادراكا مضبوطا». وكرد فعل، قررت الهيئة الادارية يوم 26 جويلية «ايقاف احمد التليلي عن كل نشاط نقابي». طرد التليلي وعاشور من الحزب وقرر الديوان السياسي للحزب بدوره يوم 29 جويلية «طرد احمد التليلي والحبيب عاشور لمواقفهما وتصريحاتهما الرامية الى تحدي الحزب وسمعة نظامنا الجمهوري». في الموعد المحدد، افتتح الرئيس الحبيب بورقيبة المؤتمر الاستثنائي للاتحاد ليرجع دواعي الازمة الى ان «عاشور والتليلي يعتبران نفسيهما فوق القانون بدعوى أنهما شاركا في المقاومة وفي الحركتين الوطنية والنقابية. ونحن عندما نضغط على انفسنا وعلى غيرنا انما نهدف الى ضمان الفعالية والنجاح». هيئة ادارية جديدة وانتهى المؤتمر بالاعلان عن هيئة ادارية جديدة تركبت من البشير بلاغة الحبيب طليبة الحبيب بن ميلاد عامر بن عائشة عباس حكيمة الطاهر قاسم صالح مبارك مصطفى مخلوف محمد بن سلامة فرج الجباس رشيد باش طبجي محمد الشلي الحبيب الشاوش الطيب خماخم محمود بن عزالدين بوبكر حرزالله عمر سعيدان البشير بن سليمان محمد بن عمر الهادي الرياحي الحبيب العيادي محمد التهامي دخلية علي بوجمعة محمد بورحلة علي عونلي. هاجس «الوحدة القومية» كان التركيز كل التركيز في تلك الفترة على الوحدة القومية ف«بفضل هذه الوحدة وهذا الانسجام حول الحزب الواحد والادارة الموحدة، استطاعت تونس الاحراز على استقلالها» مثلما جاء في الكلمة التي ألقاها احمد بن صالح الامين العام المساعد للحزب وكاتب الدولة للتخطيط والاقتصاد الوطني في افتتاح ندوة الشعب المهنية يوم 2 افريل 1965، داعيا الى ان «نكون اقوياء، أشدّاء، حازمين ازاء من يرومون النيل من وحدة الشعب». واضاف مشيرا الى احمد التليلي «لقد رفض بعض مواطنينا المساهمة في المجهودات التي نبذلها والمعركة التي نخوضها، مفضلين الاقامة بالخارج، داعين الى ما يسمونها الديمقراطية الحقة. والحال ان هذا النظام الذي يتمثل في تعدد الاحزاب ليس سوى العودة الى الحياة القبلية. ان حزبنا كان سلاحا فعلا اثناء معركة التحرير، فكيف اليوم السماح لعناصر ضالة ان تنال من هذا السلاح. اننا نلاحظ انه في الوقت الذي طرأت فيه تغييرات عميقة على الواقع التونسي في الميدانين المذهبي والاقتصادي فان المنظمات القومية لم تعمل على اعادة تنظيم هياكلها. وحتى الاتحاد العام التونسي للشغل، فمن صالحه بوصفه قوة اشتراكية، مراجعة مفاهيمه حتى يصبح قوة اشتراكية بناءة. وفعلا، فانه بعد ان اصبح مصير الاقتصاد الوطني بين ايدي الشعب، فلم يعد هناك مجال للمطالبات، وانما المجال فسيح للعمل البناء». لم يكن ذلك الشطط وتلك المغالاة في التنظير ل«الوحدة القومية» محل اجماع، حتى في صفوف مناضلي الحزب الاشتراكي الدستوري. المصالحة بين بورقيبة والتليلي احمد التليلي الذي حز في نفسه ان يرى الحزب ينزلق كل ذلك الانزلاق نحو القطيعة مع الواقع، بعث برسالة الى الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 25 جانفي 1966 من منفاه الاختياري بأوروبا، قبل ان تداهمه المنية يوم 29 جوان 1967. قبل ذلك، كان الفقيد عاد الى ارض الوطن في مارس 1967 في وقت كانت فيه البلاد تعيش على وقع الازمة القلبية التي انتابت الرئيس الحبيب بورقيبة، فكانت المصالحة وكان التراجع في قرار الرفت من الحزب. لكن سرعان ما كانت العودة الى باريس تحت ضغط مرض عضال في الكبد لم يمهله طويلا. ورجع التليلي الى ارض الوطن، جثة يلفها علم تونس. بطبيعة الحال، لم تنشر رسالة التليلي في وقتها، ولم يطلع عليها الا بعض المقربين، فقد ارادها محاولة لانقاذ الموقف، مع التقيد بواجب التحفظ. ولئن بقيت تلك الرسالة حبرا على ورق، وكان مصيرها الاهمال، فقد حفظها التاريخ، وتسنى لها ان تنشر ويعاد نشرها في اكثر من مناسبة. ترميم الحزب وترميما للحزب بعد ازاحة التليلي وعاشور من الديوان السياسي، انضم الى اللجنة المركزية في اوت 1965 عشرة اعضاء جدد دفعة واحدة: فتحي زهير البشير ناجي عبد الرزاق الرصاع محمد المصمودي فؤاد المبزع المحجوب بن علي عبد العزيز اللطيف البشير زرق العيون عبد الحميد عمار والمختار الزناد. وانضم الى الديوان السياسي اربعة اعضاء: الباجي قائد السبسي عبد الله فرحات محمد الجدي والبشير بلاغة.