صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نابل .. العيد الوطني للشجرة ... 720 ألف شتلة... للغراسة    مبروكي: انتداب 4 آلاف عون صحة 'ترقيع مؤقت' لا يعالج أزمة القطاع    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    كأس العالم لأقل من 17 سنة: المنتخب التونسي ينهزم أمام نظيره البلجيكي    البطولة الإفريقية للترياتلون : المنتخب التونسي للشباب يُتوج ب4 ذهبيات وفضية في السنيغال    أمطار الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية "الحقيقية" هي الحل ردا على مقالة "وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟"
نشر في الحوار نت يوم 04 - 02 - 2010

ردا على مقالة "وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟" للدكتور منصف المرزوقي
الديمقراطية "الحقيقية" هي الحل

بقلم: منير السايبي
سيدي الدكتور: دعني في البداية أقول أنك رجل شجاع وصاحب مواقف مبدئية قولا وعملا. فأنت قد حاولت بقدر استطاعتك أن تقول "لا للاستبداد" في بلدك تونس، وقد دفعت الثمن في نفسك وبدنك وعرضك ومالك، ولم تستسلم أو تقبل المساومات الرخيصة التي قبل بها العديد من المعارضين. لهذا ورغم اختلافي معك في العديد من المسائل أقول إنك جدير فعلا بالاحترام والمناقشة.
ودعني ثانيا أقدم لك فكرة وجيزة عن صاحب هذا الرد لكي لا تعتبر ردي هذا من خارج ميدان المعركة مع الاستبداد. فأنا قد سُجنت ونُكل بي جسديا ونفسيا ووقع طردي من ميدان التعليم بسبب أفكاري السياسية. أعيش الآن في المنفى في أوروبا جنة الحريات وحقوق الإنسان منذ تسع سنوات طالبا لحقي في اللجوء السياسي من أجل صون كرامتي وحفظ إنسانيتي ولكنني لم أتحصل عليه إلى يومنا هذا. كما أنني من الذين تفحصوا مقالتك عدة مرات ولست من الذين رموا بها في سلة المهملات.
أما فيما يتعلق بمقالتك من حيث أسلوب خطابها فلي عليها ملاحظات عديدة منها:
1 اتهامك للعاملين في حقل الإسلام السياسي بالسطحية، وأنّ منهم "المتخلفون"، وأن أفضل مثقف فيهم لا يستطيع في أفضل الأحوال إذا ما أراد تشخيص أسباب تخلف شعوبنا العربية أن يصل إلّا إلى الوصفة المتكونة من العشر نقاط التي وصلت لها عبقريتك أنت. ولكي تتأكد من تهافت اتهامك لأغلب العاملين في حقل الإسلام السياسي بالعجز على تشخيص أسباب تخلف مجتمعاتنا أدعوك مثلا للحديث مع عديد السياسيين والمثقفين المحسوبين على التيار الإسلامي السياسي الوسطي من أمثال الشيخ راشد الغنوشي و د. محمد عمارة ومنير شفيق وطارق رمضان وغيرهم كثير، وستجد أن حكمك عليهم بالعجز هو مجرد وهم في خيالك لاغير وستكتشف أنّ هؤلاء لهم اطلاع واسع على مختلف العلوم الاجتماعية والنفسية والسياسية التي تُؤهلهم لتشخيص أسباب تخلفنا تشخيصا علميا ودقيقا. فطريقتك في الكلام عنهم والتهم غير المُثبة التي وجهتها إليهم فيها تنزيه وإعلاء للذات، وتقزيم وإهانة للآخر، وهو أسلوب مرفوض في آداب الحوار ولا يزيد علاقتك بفرقائك السياسيين إلا توترا وتباعدا. فالتواضع سمة نبيلة يتسم بها العلماء "الحقيقيون"، لأنّ من تقدم في علم قد يتأخر في علوم، ومن بان له شيء قد تغيب عنه أشياء، وقد قال "سقراط "مؤسس الفلسفة أنّ كل ما يعرفه أنه لا يعرف شيئا، وقال "نيوتن" مؤسس الفيزياء الحديثة أنه ليس سوى طفل صغير يلعب بالحصى على شاطئ بحر العلم، وقال ربُّ العزّة أن "فوق كل ذي علم عليم".
2 اتهمتهم باحتكار الحقيقة الإسلامية المطلقة، وأنا الآن أحيلك إلى نص رسمي من نصوص "الإسلام السياسي" الموجود في البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي في تونس والصادر يوم 6 / 6 / 1981 وفيه ما يلي: "على أنّ "حركة الاتجاه الإسلامي لا تُقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس ولا تطمع يوما في أن يُنسب هذا اللقب إليها ...غير مُلزمة بكل صنوف التحركات والمواقف التي قد تبرز هنا وهناك ... مهما أضفى أصحاب هذه التحركات على أنفُسهم من براقع التٌديٌن ورفعوا رايات الإسلام. ولكي يكون كلامك أكثر علمية ومصداقية مستقبلا عليك أن تذكر الأسماء والنصوص وإلّا فإنّ اتهامك يصبح اتهاما غير علمي وغير أخلاقي.
3 لقد سخرت أو لنقل عارضت استعمال غيرك لكلمة "الإسلام الحقيقي" ووقعت أنت في نفس المحظور باستعمالك لكلمة "الديمقراطية الحقيقية" فهل تقصد بهذه الأخيرة "الديمقراطية المباشرة " أم "الديمقراطية النيابية" أم غيرها من الديمقراطيات فمفهوم "الديمقراطية الحقيقية" سيبقى كذلك موضوع خلاف متواصل منذ بدايته في أثينا "وسيتواصل إلى يوم يبعثون".
أما فيما يتعلق بالأفكار والحلول التي حوتها مقالتك فأنت سيدي الكريم قد بدأتها بطرح سؤال: كيف يُمكن ردم الهوة بيننا وبين الغرب من أجل تجاوز حالة التخلف والتبعية؟
أفهم من متن هذا السؤال أنّ النموذج المجتمعي الذي ترتضيه للعرب كحل لإشكالية التخلف والتبعية التي يعيشونها هو النموذج المجتمعي الغربي.
صحيح سيدي الكريم أنّ الحضارة الغربية هي التي بانت فيها ملامح الديمقراطية وتشكلت كوسيلة إنسانية لحسم الخلافات السياسية بين أبناء المجتمع الواحد، وأنّ الديمقراطية هي أقل وسائل حسم الخلافات سوءا، وأنه لا بديل عنها سوى الاستبداد المتخفي تحت عباءات عدة، وأنه ليس أمامنا إذا ما أردنا ربح الوقت لتفعيل نهضتنا السياسية سوى التسليم بالديمقراطية كوسيلة وحيدة لحسم خلافاتنا الفكرية والسياسية.
وصحيح كذلك أنّ المجتمعات الديمقراطية الغربية قد حققت نهضة فكرية وعلمية وتقنية واقتصادية مكنت أبناءها من العيش في ترف واستقرار. هذا هو الوجه الظاهر للحضارة الغربية ومكاسبها.
لكن أليس من حق كل عاقل أن يعرف الوجه الخفي لهذه الحضارة والضريبة التي دُفعت لتشييدها لتكتمل نظرتنا لصورة النموذج الحضاري الغربي؟
أعتقد سيدي الدكتور أنك أعلم مني بما فعله مؤسسو هذه الحضارة بالسكان الأصليين في الأمريكيتين وفي أستراليا وآسيا مرورا بالزنوج في إفريقيا وصولا إلى ما فعله الاستعمار الفرنسي في إفريقيا عامة وفي الجزائر خاصة وما فعله الاستعمار الأمريكي في الفيتنام ولا يزال يكرره في العراق وأفغانستان.
علينا ألا ننظر فقط إلى مصانع، وكليات، ومستشفيات، وبرلمانات، وطرقات هذه الحضارة، وبرج إيفل، وساعة بيغ بان, وتمثال الحرية، بل أن ننظر كذلك إلى بوارج النفط القادمة إليها من الخليج، وقطارات الحديد والذهب القادمة إليها من مناجم إفريقيا، ومليارات الدولارات القادمة إليها من قصور الخليج والشام وشمال إفريقيا، وكل ذلك مرسوم باستراتيجيات القادة السياسيين لهذه الحضارة المتغلبة وهي سياسات دولية غير قابلة للنقاش أو التحوير.
سيدي الكريم: إنّ العيب الأساسي لهذه الحضارة هو أنها بُنيت على أساس المادية والعنصرية، فهي بقدر ما تحترم إنسانية أبنائها وترعى كرامتهم ومصالحهم بقدر ما تتاجر بإنسانية الآخر غير الغربي وتعمل جاهدة على تعطيل نهضته ونهب ثرواته من خلال دعم أنظمة تابعة ومستبدة مسلطة على رقابه، وتبرير الدخول المباشر في وطن "الآخر" عند الضرورة من خلال مجلس الأمن الدولي أو لنقل مجلس الأمن الغربي الذي لم يعرف العالم أمنا منذ تأسيسه.
صحيح أنّ التقدم والرخاء الغربي له عدة أسباب، ولكن نهب ثروات وخيرات الآخر غير الغربي هو من أهم أسباب رخاء واستقرار هذه الحضارة منذ تأسيسها إلى يومنا هذا.
سيدي الكريم: إنّ حضارة دمرت الطبيعة والتوازن البيئي لا يحكمها إلا مبدأ النفعية ومصلحة أصحاب الشركات العالمية الكبرى، وحولت الإنسان والثروة والزمن إلى عُملة تُقيٌم على أساسها الأفراد والمجتمعات، وتُربط على أساسها العلاقات، ويُطرد بسببها ملايين العمال لضمان بذخ ومصلحة عشرات أصحاب الشركات، وتُشن من أجلها الحروب، وتُدمر بسببها الدول والشعوب الضعيفة، لا تصلح لأن تكون النموذج الأمثل الذي نحتذ به لإصلاح أحوالنا. لهذا يمكننا تغيير طرح سؤال نهضتنا إلى النحو التالي: كيف يمكن أن نكوٌن مجتمعا ديمقراطيا يُبنى فيه التقدم على أساس احترام إرادة وكرامة الإنسان بقطع النظر عن لونه وعرقه ودينه ولغته، واقتسام الثروات فيه اقتساما عادلا واستثمارها استثمارا إيجابيا يعود نفعه بشكل أو بآخر على جميع أفراد المجتمع؟
أما بخصوص حُكمك على تجارب الوطنيين والقوميين والشيوعيين فلست معك في وضعهم جميعا في سلة واحدة. وأن تجاربهم في الحكم كانت كلها فاشلة بإطلاق. فأنا أذكر جيدا قولك في أحدى مقالاتك أنّ النظام البورقيبي مثلا قد حقق مكسبين مهمين للشعب الونسي هما تعميم التعليم وتحرير المرأة.
كما أنّ الناصرية رغم عديد أخطائها السياسية قد أعادت للأذهان إمكانية وحدة الشعوب العربية التي يشترك أبناؤها في عديد القواسم المشتركة كاللغة والتاريخ والثقافة، وسيظل حلم وحدة الشعوب العربية قائما في ضمير أبنائها إلى أن يتحقق كله أو بعضه.
أما التجربة اليسارية فإنّ أفضل ما حققه أبناؤها المخلصين كان ولا يزال في النقابات العمالية والطلابية وأنّ أسباب بقائهم ستظل قائمة ما دام هناك استغلال فاحش للفقراء من طرف قلة مُتنفذة من الأغنياء، فنحن لا زلنا نرى في المجتمع الواجد من مجتمعاتنا من هو أغنى أغنياء العالم ونجد في نفس المجتمع من هو أفقر فقرائه.
أما فيما يتعلق بموضوع الإسلام السياسي الذي هو محور مقالتك فدعني سيدي الكريم أبدأه بحقيقة أنثروبٌولوجية تقول أنّه لم يوجد مجتمع إنساني واحد بلا دين منذ بداية الخليقة إلي يومنا هذا، وهذه الحقيقة تفرض على كل عاقل إذا أراد أن يفهم جيدا علاقة الدين بالإنسان وبالتالي علاقة الدين بالسياسة أن يتأنٌى ويتدبر ويعتبر. فالإنسان كائن متدين بطبعه بقطع النظر عن طبيعة الدين الذي يرتاح إليه ويعتقد في صحته. كما أنه وبطبيعته كائن يطرح السؤال عن أصل الكون ومصيره، وعن أصل الإنسان ومصيره، وعن غيرها من المسائل المتعلقة بوجوده الفردي والجماعي، وسيظل هذا الإنسان وإلى الأبد إما أن يختلق ديانات وثنية ووضعية عقلية أو أسطورية تقدم له إجابات محددة عن الأسئلة التي يطرحها، أو أن يعتقد في دين من الديانات السماوية الذي ينسجم أكثر مع فطرته الفردية والجماعية، ويجيب بأعلى درجات من المعقولية عن أسئلته المصيرية. فتلازم الدين والإنسان هو تلازم أبدي لا ينقطع أبدا مهما سعى بعض الشواذٌ إلى تضييق مجال هذا التلازم أو إقصائه من حياة الناس.
أما بخصوص حضور الإسلام في الحياة الفردية والجماعية للمجتمعات العربية والإسلامية منذ ظهور هذا الدين إلى يومنا هذا، فهو أمر جليٌ بيٌن لا يخفى عن صاحب بصر سليم. فقد ظل هذا الدين منارة للعقول، ومطهرة للروح والوجدان، ومُقوٌما للسلوك والأعمال، وشوكة في حلق الظالمين والانتهازيين، وكابوسا مزعجا للمستعمرين. كما ظل بحكم طبيعته مستعصيا على كل محاولات تشويه شموليته، أو تضييق مجال حضوره في حياة الناس الخاصة والعامة إلى يوم الناس هذا. فالإسلام هو محور شخصية الشعوب العربية والإسلامية وروح ضميرها الجمعي وصانع أغلب أمجادها المشرقة.
وهذه الحقيقة رغم وضوحها ظل العديد من أصحاب القرار من العلمانيين في بلداننا يناطحونها إلى يومنا هذا ولا يريدون الاعتراف بها وتصديقها، وظلوا مصرٌين معاندين على إسقاط النموذج الغربي بحلوه ومره على شعوب سكن الإسلام فكرها، وخالط ضميرها ووجدانها، ونظم علاقاتها كلٌيُا أو جزئيُا، فقاموا ليس فقط بفصل الدين عن الدولة كما فعل العلمانيون "الحقيقيون" في الغرب بل بالغوا في ذلك فسلطوا عصى الدولة وأجهزتها الأمنية والإعلامية من أجل إقصاء هذا الدين وإفنائه من المجتمع وإفراغه من محتواه ليصبح قناعا مزيفا يزيٌن به علماء السلاطين قبح أعمال حكامنا المستبدين.
فأوٌل الخطوات العملية في بلداننا لحل المشكل السياسي عامة ومشكل الإسلام السياسي خاصة هي أن يكفٌ العلمانيون "المتطرفون" في السلطة والمعارضة على إسقاط النماذج الغربية الجاهزة التي نشأت وتطوٌرت وأثمرت في واقع غير واقعنا وثقافة غير ثقافتنا وبيئة غير بيئتنا، وأن يحاولوا أن يشربوا ولو قليلا من ماء ثقافة شعوبهم لا أن يشربوا فقط من وراء البحار، وأن ينطلقوا في حل مشكلات مجتمعاتهم من واقع حياتها اليومي، وان لا يبقوا فقط في كلُياتهم ونزلهم وأحيائهم الفاخرة وأبراجهم العاجية، بل من الأفضل لهم أن يسعوا إلى معاينة التطلعات والهموم "الحقيقية" لشعوبهم، وأن يستمعوا إلى أنين المرضى وصيحات المهمٌشين في الخريبقة والمتلوٌي وأسيوط وجنين لا إلى أوامر الرٌؤساء في باريس ولندن وواشنطن.
وثانيها: أن يقبلوا بتقنين وجود الإسلام السياسي لأنّ هذا الأخير حاضر وبشكل واسع في عقول شبابنا وكهولنا وشيوخنا، وفي مدننا وأريافنا، وفي جامعاتنا وحقولنا. وأنّ إسرار العلمانيين على مُناطحة هذه الحقيقة هو حقا تضييع ل "وقتهم ووقت الأمة". فالأفكار والعقائد الصالحة والفاسدة لا تُقاوم بالإقصاء والمعتقلات والسجون وقوانين الإرهاب، بل بالديمقراطية والحوار والحرية والإقناع الهادئ. ففي الديمقراطيات الغربية هناك العديد من الأحزاب السياسية من تسمي نفسها بالمسيحية وبالديمقراطية ولم يتهمها أحد أنها تستغل المسيحية لأغراض سياسية أو يقولون للآخرين بأنهم يحتكرون الديمقراطية. كما أنّ في الديمقراطيات الغربية أحزاب يمينية ويسارية متطرٌفة تعمل بشكل قانوني. ونظرا لضيق خياراتها ومخالفتها للفطرة الإنسانية السليمة، لفضها المجتمع وتركها على هامش حياته السياسية مثلها مثل ظاهرة طالبان والوهابية والتشيع التي سيضيق مجال وجودها آليا كلما ضاق مجال الاستبداد السياسي والوجود الأجنبي في بلداننا. فالتطرف الفكري والعقائدي هو ظاهرة اجتماعية إنسانية موجودة في كل أنحاء العالم تُضيٌقها الحرية والديمقراطية ويُوسعها الإقصاء والظلم والاستعمار.
وثالثها: أن يتخلوا وأنت منهم عن لغة "يجب" التي استعملتها كثيرا في آخر مقالتك هذه لأنها لغة المستبدين ومن يدعون امتلاك "الحقيقة المطلقة "وأن تُحاولوا تعييرها بكلمة "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" إلى مجتمع لا يُقصي أحدا من أبنائه، أساسه العدل والحرية والديمقراطية، وغايته التنمية وحفظ الكرامة الإنسانية.
ورابعها: أن يُبعِد هؤلاء العلمانيون المتطرفون عصى الدولة الغليظة عن أجساد معارضيهم عموما ومعارضيهم من أبناء الإسلام السياسي خصوصا حتى يلتقطوا أنفاسهم ويفكروا في حلول وبدائل عملية لقضايا شعوبهم اليومية لا أن يفكروا فيها في السجون والمنافي (سيد قطب) أو في الملاجئ والمنافي (راشد الغنوشي).
وخامسها: أن يعمل الجميع على تضييق وطرد الممارسات الاستبدادية من أسرنا ومدارسنا ومساجدنا وأحزابنا السياسية حتى تختفي إلى الأبد من قصورنا الرئاسية، وأن يسعى الجميع إلى نشر قيم العلم والعمل والحوار والتسامح الديني والفكري والتضحية وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية أو الحزبية.
فليثق جميع الأحرار في بعضهم البعض وليرددوا جميعا "فأما الزبد فيذهب جُفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
مصدر الخبر : بريد الحوار نت
a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=4076&t=الديمقراطية "الحقيقية" هي الحل ردا على مقالة "وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.