في الرشقة الأخيرة: إيران تستخدم صواريخ "أسرع من الصوت".. #خبر_عاجل    كأس العالم للأندية: الوداد البيضاوي ينهزم بثنائية أمام مانشستر سيتي    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    عاجل/ إستكمال إصلاح اختبارات الدورة الرئيسية للبكالوريا    توننداكس يسجل استقرارا عند النقطة 11128 في إقفال الإربعاء    "نهدف الى تطوير قاعدة ممارسي الرياضات البارالمبية في تونس" (رئيس اللجنة الدولية البارالمبية)    وزارة الفلاحة تدعو كافّة شركات تجميع الحبوب إلى أخذ كلّ الإحتياطات اللاّزمة والإستعداد الأمثل للتّعامل مع التقلبات الجوية المرتقبة    ترامب: لا أستطيع الجزم بشأن قصف إيران    بنزرت: العثور على جثة طفل ملقاة على الطريق    النادي الإفريقي: التركيبة الكاملة للقائمة المترشحة    جمعية سلك المعتمدين تطالب بتسوية وضعية المعتمدين المنهاة مهامهم    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    عاجل/ روسيا تحذّر من كارثة نووية وشيكة في الشرق الأوسط    هيونداي تونس تطلق النسخة الثانية من جولتها الوطنية المخصصة للنقل الجماعي    مكتب نتنياهو يعلن حصيلة أضرار الصواريخ الإيرانية وأعداد النازحين حتى اليوم    عاجل: ''الضمان الاجتماعي''يُكذّب منحة ال700 دينار ويُحذّر من روابط وهمية    وزارة الداخلية: تنفيذ 98 قرارا في مجال تراتيب البناء ببلدية تونس    عاجل/ وفاة أب وابنته غرقا والبحث جارٍ عن ابنته المفقودة    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    عاجل: وزارة الشباب والرياضة تفتح باب الترشح لانتداب أساتذة ومعلمين لسنة 2025... تعرّف على الروابط وطريقة التسجيل    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    خامنئي: الكيان الصهيوني ارتكب خطأ فادحا وسيلقى جزاء عمله    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عاجل : انتداب جديد في النادي الافريقي    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    غوارديولا: ''أحب تونس أقدر موهبة شمال إفريقيا''    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    بطولة برلين للتنس: "أنس جابر" تواجه اليوم المصنفة الخامسة عالميا    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    9 فواكه تناولها يوميًا لطرد السموم من الكبد والكلى..تعرف عليها..    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    ب50 مقاتلة.. إسرائيل تكشف تفاصيل هجوم "ليلة الأربعاء"    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    علاش يلسعك إنت بالذات؟ 5 أسباب تخليك ''هدف مفضل'' للناموس!    كأس العالم للأندية 2025 : فوز ريفر بلايت الأرجنتيني على أوراوا ريدز الياباني 3-1    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    طقس اليوم: خلايا رعية محلية مصحوبة ببعض الأمطار بهذه المناطق    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية "الحقيقية" هي الحل ردا على مقالة "وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟"
نشر في الحوار نت يوم 04 - 02 - 2010

ردا على مقالة "وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟" للدكتور منصف المرزوقي
الديمقراطية "الحقيقية" هي الحل

بقلم: منير السايبي
سيدي الدكتور: دعني في البداية أقول أنك رجل شجاع وصاحب مواقف مبدئية قولا وعملا. فأنت قد حاولت بقدر استطاعتك أن تقول "لا للاستبداد" في بلدك تونس، وقد دفعت الثمن في نفسك وبدنك وعرضك ومالك، ولم تستسلم أو تقبل المساومات الرخيصة التي قبل بها العديد من المعارضين. لهذا ورغم اختلافي معك في العديد من المسائل أقول إنك جدير فعلا بالاحترام والمناقشة.
ودعني ثانيا أقدم لك فكرة وجيزة عن صاحب هذا الرد لكي لا تعتبر ردي هذا من خارج ميدان المعركة مع الاستبداد. فأنا قد سُجنت ونُكل بي جسديا ونفسيا ووقع طردي من ميدان التعليم بسبب أفكاري السياسية. أعيش الآن في المنفى في أوروبا جنة الحريات وحقوق الإنسان منذ تسع سنوات طالبا لحقي في اللجوء السياسي من أجل صون كرامتي وحفظ إنسانيتي ولكنني لم أتحصل عليه إلى يومنا هذا. كما أنني من الذين تفحصوا مقالتك عدة مرات ولست من الذين رموا بها في سلة المهملات.
أما فيما يتعلق بمقالتك من حيث أسلوب خطابها فلي عليها ملاحظات عديدة منها:
1 اتهامك للعاملين في حقل الإسلام السياسي بالسطحية، وأنّ منهم "المتخلفون"، وأن أفضل مثقف فيهم لا يستطيع في أفضل الأحوال إذا ما أراد تشخيص أسباب تخلف شعوبنا العربية أن يصل إلّا إلى الوصفة المتكونة من العشر نقاط التي وصلت لها عبقريتك أنت. ولكي تتأكد من تهافت اتهامك لأغلب العاملين في حقل الإسلام السياسي بالعجز على تشخيص أسباب تخلف مجتمعاتنا أدعوك مثلا للحديث مع عديد السياسيين والمثقفين المحسوبين على التيار الإسلامي السياسي الوسطي من أمثال الشيخ راشد الغنوشي و د. محمد عمارة ومنير شفيق وطارق رمضان وغيرهم كثير، وستجد أن حكمك عليهم بالعجز هو مجرد وهم في خيالك لاغير وستكتشف أنّ هؤلاء لهم اطلاع واسع على مختلف العلوم الاجتماعية والنفسية والسياسية التي تُؤهلهم لتشخيص أسباب تخلفنا تشخيصا علميا ودقيقا. فطريقتك في الكلام عنهم والتهم غير المُثبة التي وجهتها إليهم فيها تنزيه وإعلاء للذات، وتقزيم وإهانة للآخر، وهو أسلوب مرفوض في آداب الحوار ولا يزيد علاقتك بفرقائك السياسيين إلا توترا وتباعدا. فالتواضع سمة نبيلة يتسم بها العلماء "الحقيقيون"، لأنّ من تقدم في علم قد يتأخر في علوم، ومن بان له شيء قد تغيب عنه أشياء، وقد قال "سقراط "مؤسس الفلسفة أنّ كل ما يعرفه أنه لا يعرف شيئا، وقال "نيوتن" مؤسس الفيزياء الحديثة أنه ليس سوى طفل صغير يلعب بالحصى على شاطئ بحر العلم، وقال ربُّ العزّة أن "فوق كل ذي علم عليم".
2 اتهمتهم باحتكار الحقيقة الإسلامية المطلقة، وأنا الآن أحيلك إلى نص رسمي من نصوص "الإسلام السياسي" الموجود في البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي في تونس والصادر يوم 6 / 6 / 1981 وفيه ما يلي: "على أنّ "حركة الاتجاه الإسلامي لا تُقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس ولا تطمع يوما في أن يُنسب هذا اللقب إليها ...غير مُلزمة بكل صنوف التحركات والمواقف التي قد تبرز هنا وهناك ... مهما أضفى أصحاب هذه التحركات على أنفُسهم من براقع التٌديٌن ورفعوا رايات الإسلام. ولكي يكون كلامك أكثر علمية ومصداقية مستقبلا عليك أن تذكر الأسماء والنصوص وإلّا فإنّ اتهامك يصبح اتهاما غير علمي وغير أخلاقي.
3 لقد سخرت أو لنقل عارضت استعمال غيرك لكلمة "الإسلام الحقيقي" ووقعت أنت في نفس المحظور باستعمالك لكلمة "الديمقراطية الحقيقية" فهل تقصد بهذه الأخيرة "الديمقراطية المباشرة " أم "الديمقراطية النيابية" أم غيرها من الديمقراطيات فمفهوم "الديمقراطية الحقيقية" سيبقى كذلك موضوع خلاف متواصل منذ بدايته في أثينا "وسيتواصل إلى يوم يبعثون".
أما فيما يتعلق بالأفكار والحلول التي حوتها مقالتك فأنت سيدي الكريم قد بدأتها بطرح سؤال: كيف يُمكن ردم الهوة بيننا وبين الغرب من أجل تجاوز حالة التخلف والتبعية؟
أفهم من متن هذا السؤال أنّ النموذج المجتمعي الذي ترتضيه للعرب كحل لإشكالية التخلف والتبعية التي يعيشونها هو النموذج المجتمعي الغربي.
صحيح سيدي الكريم أنّ الحضارة الغربية هي التي بانت فيها ملامح الديمقراطية وتشكلت كوسيلة إنسانية لحسم الخلافات السياسية بين أبناء المجتمع الواحد، وأنّ الديمقراطية هي أقل وسائل حسم الخلافات سوءا، وأنه لا بديل عنها سوى الاستبداد المتخفي تحت عباءات عدة، وأنه ليس أمامنا إذا ما أردنا ربح الوقت لتفعيل نهضتنا السياسية سوى التسليم بالديمقراطية كوسيلة وحيدة لحسم خلافاتنا الفكرية والسياسية.
وصحيح كذلك أنّ المجتمعات الديمقراطية الغربية قد حققت نهضة فكرية وعلمية وتقنية واقتصادية مكنت أبناءها من العيش في ترف واستقرار. هذا هو الوجه الظاهر للحضارة الغربية ومكاسبها.
لكن أليس من حق كل عاقل أن يعرف الوجه الخفي لهذه الحضارة والضريبة التي دُفعت لتشييدها لتكتمل نظرتنا لصورة النموذج الحضاري الغربي؟
أعتقد سيدي الدكتور أنك أعلم مني بما فعله مؤسسو هذه الحضارة بالسكان الأصليين في الأمريكيتين وفي أستراليا وآسيا مرورا بالزنوج في إفريقيا وصولا إلى ما فعله الاستعمار الفرنسي في إفريقيا عامة وفي الجزائر خاصة وما فعله الاستعمار الأمريكي في الفيتنام ولا يزال يكرره في العراق وأفغانستان.
علينا ألا ننظر فقط إلى مصانع، وكليات، ومستشفيات، وبرلمانات، وطرقات هذه الحضارة، وبرج إيفل، وساعة بيغ بان, وتمثال الحرية، بل أن ننظر كذلك إلى بوارج النفط القادمة إليها من الخليج، وقطارات الحديد والذهب القادمة إليها من مناجم إفريقيا، ومليارات الدولارات القادمة إليها من قصور الخليج والشام وشمال إفريقيا، وكل ذلك مرسوم باستراتيجيات القادة السياسيين لهذه الحضارة المتغلبة وهي سياسات دولية غير قابلة للنقاش أو التحوير.
سيدي الكريم: إنّ العيب الأساسي لهذه الحضارة هو أنها بُنيت على أساس المادية والعنصرية، فهي بقدر ما تحترم إنسانية أبنائها وترعى كرامتهم ومصالحهم بقدر ما تتاجر بإنسانية الآخر غير الغربي وتعمل جاهدة على تعطيل نهضته ونهب ثرواته من خلال دعم أنظمة تابعة ومستبدة مسلطة على رقابه، وتبرير الدخول المباشر في وطن "الآخر" عند الضرورة من خلال مجلس الأمن الدولي أو لنقل مجلس الأمن الغربي الذي لم يعرف العالم أمنا منذ تأسيسه.
صحيح أنّ التقدم والرخاء الغربي له عدة أسباب، ولكن نهب ثروات وخيرات الآخر غير الغربي هو من أهم أسباب رخاء واستقرار هذه الحضارة منذ تأسيسها إلى يومنا هذا.
سيدي الكريم: إنّ حضارة دمرت الطبيعة والتوازن البيئي لا يحكمها إلا مبدأ النفعية ومصلحة أصحاب الشركات العالمية الكبرى، وحولت الإنسان والثروة والزمن إلى عُملة تُقيٌم على أساسها الأفراد والمجتمعات، وتُربط على أساسها العلاقات، ويُطرد بسببها ملايين العمال لضمان بذخ ومصلحة عشرات أصحاب الشركات، وتُشن من أجلها الحروب، وتُدمر بسببها الدول والشعوب الضعيفة، لا تصلح لأن تكون النموذج الأمثل الذي نحتذ به لإصلاح أحوالنا. لهذا يمكننا تغيير طرح سؤال نهضتنا إلى النحو التالي: كيف يمكن أن نكوٌن مجتمعا ديمقراطيا يُبنى فيه التقدم على أساس احترام إرادة وكرامة الإنسان بقطع النظر عن لونه وعرقه ودينه ولغته، واقتسام الثروات فيه اقتساما عادلا واستثمارها استثمارا إيجابيا يعود نفعه بشكل أو بآخر على جميع أفراد المجتمع؟
أما بخصوص حُكمك على تجارب الوطنيين والقوميين والشيوعيين فلست معك في وضعهم جميعا في سلة واحدة. وأن تجاربهم في الحكم كانت كلها فاشلة بإطلاق. فأنا أذكر جيدا قولك في أحدى مقالاتك أنّ النظام البورقيبي مثلا قد حقق مكسبين مهمين للشعب الونسي هما تعميم التعليم وتحرير المرأة.
كما أنّ الناصرية رغم عديد أخطائها السياسية قد أعادت للأذهان إمكانية وحدة الشعوب العربية التي يشترك أبناؤها في عديد القواسم المشتركة كاللغة والتاريخ والثقافة، وسيظل حلم وحدة الشعوب العربية قائما في ضمير أبنائها إلى أن يتحقق كله أو بعضه.
أما التجربة اليسارية فإنّ أفضل ما حققه أبناؤها المخلصين كان ولا يزال في النقابات العمالية والطلابية وأنّ أسباب بقائهم ستظل قائمة ما دام هناك استغلال فاحش للفقراء من طرف قلة مُتنفذة من الأغنياء، فنحن لا زلنا نرى في المجتمع الواجد من مجتمعاتنا من هو أغنى أغنياء العالم ونجد في نفس المجتمع من هو أفقر فقرائه.
أما فيما يتعلق بموضوع الإسلام السياسي الذي هو محور مقالتك فدعني سيدي الكريم أبدأه بحقيقة أنثروبٌولوجية تقول أنّه لم يوجد مجتمع إنساني واحد بلا دين منذ بداية الخليقة إلي يومنا هذا، وهذه الحقيقة تفرض على كل عاقل إذا أراد أن يفهم جيدا علاقة الدين بالإنسان وبالتالي علاقة الدين بالسياسة أن يتأنٌى ويتدبر ويعتبر. فالإنسان كائن متدين بطبعه بقطع النظر عن طبيعة الدين الذي يرتاح إليه ويعتقد في صحته. كما أنه وبطبيعته كائن يطرح السؤال عن أصل الكون ومصيره، وعن أصل الإنسان ومصيره، وعن غيرها من المسائل المتعلقة بوجوده الفردي والجماعي، وسيظل هذا الإنسان وإلى الأبد إما أن يختلق ديانات وثنية ووضعية عقلية أو أسطورية تقدم له إجابات محددة عن الأسئلة التي يطرحها، أو أن يعتقد في دين من الديانات السماوية الذي ينسجم أكثر مع فطرته الفردية والجماعية، ويجيب بأعلى درجات من المعقولية عن أسئلته المصيرية. فتلازم الدين والإنسان هو تلازم أبدي لا ينقطع أبدا مهما سعى بعض الشواذٌ إلى تضييق مجال هذا التلازم أو إقصائه من حياة الناس.
أما بخصوص حضور الإسلام في الحياة الفردية والجماعية للمجتمعات العربية والإسلامية منذ ظهور هذا الدين إلى يومنا هذا، فهو أمر جليٌ بيٌن لا يخفى عن صاحب بصر سليم. فقد ظل هذا الدين منارة للعقول، ومطهرة للروح والوجدان، ومُقوٌما للسلوك والأعمال، وشوكة في حلق الظالمين والانتهازيين، وكابوسا مزعجا للمستعمرين. كما ظل بحكم طبيعته مستعصيا على كل محاولات تشويه شموليته، أو تضييق مجال حضوره في حياة الناس الخاصة والعامة إلى يوم الناس هذا. فالإسلام هو محور شخصية الشعوب العربية والإسلامية وروح ضميرها الجمعي وصانع أغلب أمجادها المشرقة.
وهذه الحقيقة رغم وضوحها ظل العديد من أصحاب القرار من العلمانيين في بلداننا يناطحونها إلى يومنا هذا ولا يريدون الاعتراف بها وتصديقها، وظلوا مصرٌين معاندين على إسقاط النموذج الغربي بحلوه ومره على شعوب سكن الإسلام فكرها، وخالط ضميرها ووجدانها، ونظم علاقاتها كلٌيُا أو جزئيُا، فقاموا ليس فقط بفصل الدين عن الدولة كما فعل العلمانيون "الحقيقيون" في الغرب بل بالغوا في ذلك فسلطوا عصى الدولة وأجهزتها الأمنية والإعلامية من أجل إقصاء هذا الدين وإفنائه من المجتمع وإفراغه من محتواه ليصبح قناعا مزيفا يزيٌن به علماء السلاطين قبح أعمال حكامنا المستبدين.
فأوٌل الخطوات العملية في بلداننا لحل المشكل السياسي عامة ومشكل الإسلام السياسي خاصة هي أن يكفٌ العلمانيون "المتطرفون" في السلطة والمعارضة على إسقاط النماذج الغربية الجاهزة التي نشأت وتطوٌرت وأثمرت في واقع غير واقعنا وثقافة غير ثقافتنا وبيئة غير بيئتنا، وأن يحاولوا أن يشربوا ولو قليلا من ماء ثقافة شعوبهم لا أن يشربوا فقط من وراء البحار، وأن ينطلقوا في حل مشكلات مجتمعاتهم من واقع حياتها اليومي، وان لا يبقوا فقط في كلُياتهم ونزلهم وأحيائهم الفاخرة وأبراجهم العاجية، بل من الأفضل لهم أن يسعوا إلى معاينة التطلعات والهموم "الحقيقية" لشعوبهم، وأن يستمعوا إلى أنين المرضى وصيحات المهمٌشين في الخريبقة والمتلوٌي وأسيوط وجنين لا إلى أوامر الرٌؤساء في باريس ولندن وواشنطن.
وثانيها: أن يقبلوا بتقنين وجود الإسلام السياسي لأنّ هذا الأخير حاضر وبشكل واسع في عقول شبابنا وكهولنا وشيوخنا، وفي مدننا وأريافنا، وفي جامعاتنا وحقولنا. وأنّ إسرار العلمانيين على مُناطحة هذه الحقيقة هو حقا تضييع ل "وقتهم ووقت الأمة". فالأفكار والعقائد الصالحة والفاسدة لا تُقاوم بالإقصاء والمعتقلات والسجون وقوانين الإرهاب، بل بالديمقراطية والحوار والحرية والإقناع الهادئ. ففي الديمقراطيات الغربية هناك العديد من الأحزاب السياسية من تسمي نفسها بالمسيحية وبالديمقراطية ولم يتهمها أحد أنها تستغل المسيحية لأغراض سياسية أو يقولون للآخرين بأنهم يحتكرون الديمقراطية. كما أنّ في الديمقراطيات الغربية أحزاب يمينية ويسارية متطرٌفة تعمل بشكل قانوني. ونظرا لضيق خياراتها ومخالفتها للفطرة الإنسانية السليمة، لفضها المجتمع وتركها على هامش حياته السياسية مثلها مثل ظاهرة طالبان والوهابية والتشيع التي سيضيق مجال وجودها آليا كلما ضاق مجال الاستبداد السياسي والوجود الأجنبي في بلداننا. فالتطرف الفكري والعقائدي هو ظاهرة اجتماعية إنسانية موجودة في كل أنحاء العالم تُضيٌقها الحرية والديمقراطية ويُوسعها الإقصاء والظلم والاستعمار.
وثالثها: أن يتخلوا وأنت منهم عن لغة "يجب" التي استعملتها كثيرا في آخر مقالتك هذه لأنها لغة المستبدين ومن يدعون امتلاك "الحقيقة المطلقة "وأن تُحاولوا تعييرها بكلمة "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" إلى مجتمع لا يُقصي أحدا من أبنائه، أساسه العدل والحرية والديمقراطية، وغايته التنمية وحفظ الكرامة الإنسانية.
ورابعها: أن يُبعِد هؤلاء العلمانيون المتطرفون عصى الدولة الغليظة عن أجساد معارضيهم عموما ومعارضيهم من أبناء الإسلام السياسي خصوصا حتى يلتقطوا أنفاسهم ويفكروا في حلول وبدائل عملية لقضايا شعوبهم اليومية لا أن يفكروا فيها في السجون والمنافي (سيد قطب) أو في الملاجئ والمنافي (راشد الغنوشي).
وخامسها: أن يعمل الجميع على تضييق وطرد الممارسات الاستبدادية من أسرنا ومدارسنا ومساجدنا وأحزابنا السياسية حتى تختفي إلى الأبد من قصورنا الرئاسية، وأن يسعى الجميع إلى نشر قيم العلم والعمل والحوار والتسامح الديني والفكري والتضحية وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية أو الحزبية.
فليثق جميع الأحرار في بعضهم البعض وليرددوا جميعا "فأما الزبد فيذهب جُفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
مصدر الخبر : بريد الحوار نت
a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=4076&t=الديمقراطية "الحقيقية" هي الحل ردا على مقالة "وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.