قسم طب وجراحة العيون بالمستشفى الجامعي بدر الدين العلوي بالقصرين سينطلق قريبًا في تأمين عمليات زرع القرنية (رئيس القسم)    صفاقس: توفر إجمالي 83 ألف أضحية بالجهة خلال الموسم الحالي    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا" في برلين    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    تونس.. زيادة في عدد السياح وعائدات القطاع بنسبة 8 بالمائة    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    القيروان: انتشال جثة طفل جازف بالسباحة في بحيرة جبلية    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    "نائبة بالبرلمان تحرّض ضد الاعلامي زهير الجيس": نقابة الصحفيين تردّ.. #خبر_عاجل    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوادث الطرقات في تونس: فوضى المواطن أو فوضى الوطن
نشر في الحوار نت يوم 09 - 02 - 2010

لم نعد في حاجة للأرقام و الإحصائيات للإطلاع على ما يجري من حوادث الطرقات في تونس، بعد ان باتت تتحدث عن نفسها بنفسها . إذ أينما ولى المرء وجهه إلا و واجهه حادث بين خفيف و خطير و قاتل ، بل يكفي أن نلقي نظرة إلى السيارات من حولنا أو المرور عبر مستودعات الطولة و الصيانة ليتضح حجم الكارثة. إذ لا تكاد تخلو سيارة من الضرر أو الهلاك، بفعل التصادم و الاصطدام. أما إذا ذهبنا إلى اقسام ألاستعجالي فهي الطامة الكبرى تتجلى أمامنا بكل تجلياتها المادية و المعنوية .
و السؤال الذي يطرح لماذا هذا المشهد الدراماتيكي ؟ و الجواب هي الفوضى و لا شيء غيرها، تلك الفوضى التي تسكن تصرفاتنا في الطرقات و قد ترجمت إلى حوادث. إنها الفوضىعينها التي تحكم تصرفاتنا اليومية و قد تحولت إلى كوارث، بعد أن وقف لها الموت مترصدا ليقطف أرواح الغافلين و العابثين و الطائشين و حتى الأبرياء. انها الفوضى عينها التي تعم حياتنا اليومية و يتم تجاوزها في كل لحظة و كل حين دون اكتراث أو مبالاة .

انها الفوضى عينها التي تعم خطابنا المركب من شتى اللغات ، الفوضى عينها التي تعم تفكيرنا المشوش بكل الأفكار، الفوضى عينها في ملابسنا المركبة من كل الأنماط و المستفزة لكل الأعراف ، انها الفوضى عينها التي تعم سلوكنا في البيت و المدرسة و مكان العمل ، و في علاقتنا مع الآخرين ، أنها تصرفاتنا التي تتميز بسوء الخلق ، و عدم الاحترام و تطغى عليها الأنانية و التهور و التسرع و العنف ، و حب الذات و تجاهل الآخرين و النرجسية و التعالي و العدوانية و الاقصاء ، أنها تصرفاتنا المتميزة بالنفاق و الخداع و السرقة و التحيل و الغش و الجهل بالقانون ، يتم تجاوزها باستخفاف يوميا لاعتبارات عدة، تلخصها عبارات شتى، من قبيل "شيء ما صار" و "دفع الله ما كان أعظم" و "المهم الصحة بخير" و" احنا و خيان" أي إخوة، و "الله غالب" و "هك حب ربي" أو" كان عجبك" و "هذا الموجود" و "سامحني" و "عندي سكون" و حتى " طير قرنك" (و هذه مفردات يومية من اللهجة التونسية التي تبعث على التقزز منشدة ما تتضمنه من عنف و عدوانية ...) و لكنها ذات التصرفات تترجم في الطريق العام عبر كسرأجهزة السيارة و و ضع سلامة الناس موضع تهديد،و عندما يصل سوء التصرف إلى مداه تكون الحوادث القاتلة .

هنا يكمن الجواب الحقيقي عن سبب كثرة الحوادث في بلادنا. و لا فائدة من الاحتجاج هنا بضعف البنية التحتية و تدهور حالة الطرقات، إذ رغم النقلة النوعية التي شهدتها شبكة الطرقات في تونس في المدة الأخيرة على مستوى تعبيد الطرقات و توفر المحولات و زيادة الطرق السيارة و السريعة ، فان ذلك لم يؤثر على انخفاض عدد الحوادث ، و هذا ما يدعونا إلى التساؤل عن أسباب ذلك و البحث في إمكانيات تجاوزها.

أما عن الاسباب فان الأمر يحتاج أولا إلى الاعتراف بحداثة عهدنا بوسائل النقل الحديثة ، و غياب القدرة على التعامل معها بالشكل المطلوب ، ما يعنى أننا لم نستوعب بعد كيفية التعامل مع هذه الوسيلة الحديثة التي دخلت البلاد مع دخول الغرب المستعمر ، بل لم نتخلص بعد في أعماقنا ووعينا الباطن من عقلية أو حالة قيادة العربات المجرورة من قبل الحيوانات (التي لا تستدعي احترام القواعد أو القانون) إلى حالة و سائل النقل الحديثة ، فتجدنا نقود السيارة كأننا نقود الحمير ، نوجهها متى شئنا إلى أين شئنا كيفما شئنا، دون مراعاة شروط و قواعد المرور . ليس صدفة و الحال تلك ، أن لا يتردد بعض الناس في السير بسياراتهم في زحمة الأسواق و على الرصيف و في كل مكان، بينما لا يتردد آخرون في إيقاف سياراتهم أمام مداخل منازلهم في جو من التصرفات تذكرنا بالتصرفات ذاتها التي كانت تحكم علاقتنا بالدواب ووسائل النقل البدائية- و لا يعترض احدا علينا بالقول ان الجيل الحالي نشأ و ترعرع في عصر لا علاقة له بالدواب، ذلك ان الامر يتعلق هنا بسلوك متوارث من الآباء و الأجداد، و هي تصرفات حاضرة باستمرار في معاملاتنا مع انفسنا و مع الآخرين و ليس التعامل مع الطريق العام الا احد تلك التجليات و انعكاساتها. و ليس صدفة ان يهيمن على معجمنا المتعلق بالطريق عبارات من قبيل "نسرق"، "نفصع"، "نقطع"، "نحرق"،"نهرب"، "نطفيه" ... وهي عبارات و مصطلحات سوقية لا تمت بصلة بثقافة الطريق، و لكن حضورها المكثف في خطابنا يؤشر بقوة على تفكيرنا الرعوي. اما الضجيج الذي يعم شوارعنا و مدننا في كل مكان فهو ليس الا مظهر آخر من مظاهر الثقافة الرعوية. فأنت تذهب إلى باريس مثلا و تقيم بها ما شاء الله أن تقيم و لا تسمع " زمارة" واحدة، بينما مدننا و عواصمنا العربية، تعج بضجيج منبهات الصوت، بل أن منبهات الصوت باتت حالة فطرية ملتصقة بأفراحنا و مسراتنا و أحزاننا و غضبنا و حتى وسيلتنا للمغازلة ، و بمجرد أن تتاح الفرصة الأولى، ترانا نندفع نحو الضغط على منبه الصوت في ما يشبه الهستيريا التي تصيب المجانين ، حتى باتت شخصيتنا مطبوعة "بالتزمير" ، دون وعي أو انتباه إلى أن في ذلك إيذاء للآخرين و خرقا للقانون.

لم يعد هناك بد من القول اننا ندفع ثمن الانتقال من مرحلة "الكريطة" و الطريق "العربي" إلى مرحلة السيارات آخر طراز و الطرق الحديثة و السريعة المنظمة بإشارات المرور المختلفة و إننا ما زلنا نتصرف مع الطريق على نفس طريقة الأجداد و بنفس العقلية ، و ذلك على عكس الغرب الذي استفاد من مدة انتقالية كافية سمحت له باستيعاب النقلة الحاصلة على مستوى استعمال وسائل النقل و التأقلم مع التطور الحاصل بشكل طبيعي و متدرج، و النتيجة ان الغربي الذي يستعمل السيارة اليوم يتعامل مع وسيلة حديثة بعقلية حديثة ، اما نحن فنتعامل مع و سيلة حديثة بعقلية عصور الانحطاط و سلوك عصر الدواب، و من هنا يأتي مصدر الصدام و التصادم و الحوادث، وعلى هذا الأساس يمكن أن نفسر ذلك التهور الذي يميزنا أثناء التعاطي مع الطريق.

ثم يجب ان نعترف انه ليس من يصنع السيارة و يبدعها كمن يكتفي بشرائها أو حتى إصلاحها. فالمتسبب في وجودها هو الأقدر على التعامل معها بتحضر ووفق القانون. أما نحن فتجدنا نعاني صعوبة فطرية ليس في قيادة السيارة فقط و لكن في التمييز بين الرصيف و الطريق ، الخاص و العام، الممنوع و المباح ، القانون و غير القانون. بل تجد سيارات البعض و قد تحولت إلى علب ليلية أو حانات متنقلة، و حتى أماكن للبغاء، و هذه قصة أخرى تكشف عن أزمة علاقتنا مع وسائل النقل الحديثة.

أشياء أخرى يصعب وصفها في ما يخص طريقة تعاملنا مع الطريق، و إلا كيف نفسر ذلك الإحراج المفرط الذي يداهمنا و ذلك التردد الذي يصيبنا و نحن نحاول ان نحترم إشارات المرور و كأن شيئا بداخلنا يدفعنا إلى عدم الامتثال لها، أو كأن الامتثال لها فيه نوع من الانكسار و الإذلال و العيب ، بل يهيء لي في بعض الأحيان و كأن الامتثال لإشارات المرور يستبطن نوعا من التزلف للسلطة أو ينطوي على نوع من السذاجة، الذي يستوجب معه النبذ. لذلك ترى الناس ينظرون إلى المترجل أو السائق الذي يعمل على احترامها نظرة ريبة و شبهة، هذا إذا لم يحسب على انه من جموع المغفلين.

ولن يتأتى معالجة كل هذه المشاكل إلا من خلال التشديد على تطبيق القانون و العمل المستمر على توعية الجمهور بكل الوسائل المتاحة و استغلال الفضاءات الثقافية و خاصة التعليمية منها في تغيير العقليات المتخلفة التي تحكم تصرفاتنا مع الطريق و تربية الشعب على أسس الاحترام و الانضباط مع الحذر الشديد من الوقوع في الابتذال و النمطية كما يحدث من خلال بث بعض الومضات الإعلانية الجامدة، و هو ما يحصل من حين لآخر، دون أن تلقى اهتماما من احد. فما يوجه إلى جميع يستثني الجميع. وبالتالي فان الامور لن تعالج إلا من خلال التوجيه المباشر و عند إشعار الفرد انه وحده المستهدف وهو وحده المقصود و المعني بالخطاب، و هذا ما لا يمكن أن يتكفل به الا المعلم و الأستاذ و المربي عموما.
شاكر الحوكي
جامعي من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.