عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    تركيز نظام معلوماتي للتقليص من مدة مكوث البضائع المورّدة بالمطار ..التفاصيل    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    بن عروس: اصابة 5 ركاب في اصطدام شاحنة بسيّارة أجرة تاكسي جماعي    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    البنك الدولي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية    أخبار اتحاد تطاوين..غزال يحمل الآمال    برنامج الدور ثمن النهائي لكأس تونس    كواليس الأهلي ...«معركة» بسبب حراسة المرمى    عاجل/ الديوانة تحذر التونسيين العائدين من الخارج..وهذه التفاصيل..    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    تحذير من الديوانة بخصوص المبالغ المالية بالعُملة الصعبة .. التفاصيل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    غوغل تطلق تحديثات أمنية طارئة لحماية متصفح Chrome (فيديو)    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    الإبقاء على مدير عام «إي آف آم» والممثل القانوني ل«ديوان آف آم» بحالة سراح    نقابة الصحفيين تنعى الزميلة المتقاعدة فائزة الجلاصي    ملفات «الشروق» (4) كيف تغلغلوا في الجامعات التونسية؟.. عندما يتحكّم الفساد يكون المجد للصامدين    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    مذكّرات سياسي في «الشروق» (22) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... ...لهذا كنّا نستورد الحبوب من أمريكا    أخبار المال والأعمال    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    صادم/ سائق بشركة يحول وجهة فتاة ويتحرش بها ويحاول اغتصابها..    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    مع الشروق ..صفعة جديدة لنتنياهو    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    مقتل 14 شخصا بعد انهيار لوحة إعلانية بهذه المنطقة جراء عاصفة رعدية..#خبر_عاجل    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    الصحة الفلسطينية: القصف الإسرائيلي على غزة يُخلّف 20 شهيدا    عاجل: الإذن بالاحتفاظ بالمحامي مهدي زقروبة    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ثمن النهائي    اتحاد تطاوين - سيف غزال مدربا جديدا    على خلفية حادثة حجب العلم الوطني بالمسبح الاولمبي برادس ... فتح بحث تحقيقي ضد 9 أشخاص    القصرين : عروض الفروسية والرماية بمهرجان الحصان البربري وأيام الإستثمار والتنمية بتالة تستقطب جمهورا غفيرا    وزارة الشؤون الثقافية: الإعداد للدّورة الرّابعة للمجلس الأعلى للتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية    المدير العام لوكالة احياء التراث والتنمية الثقافية : التشريعات الجارية المنظمة لشؤون التراث في حاجة الى تطوير وإعادة نظر ثقافة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    جراحو القلب والشرايين يطلعون على كل التقنيات المبتكرة في مؤتمرهم الدولي بتونس    المعهد الوطني للاستهلاك: 5 بالمائة من الإنفاق الشهري للأسر يُوَجّه إلى أطعمة يقع هدرها    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    الديوانة التونسية تضرب بعصا من حديد : حجز مليارات في 5 ولايات    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة متأنية في أحداث صور الاستهزاء و السخرية بمقام النبوة
نشر في الحوار نت يوم 26 - 02 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة متأنية في أحداث صور الاستهزاء و السخرية بمقام النبوة
كتبه ابراهيم بلكيلاني ( النرويج)

صور الاستهزاء و السخرية بالنبيء محمد صلى الله عليه و سلم ، عديدة و قد عايشها عليه أفضل الصلاة و السلام و واجهها بالصبر و المصابرة و الكلمة الحسنة و الدعوة بالحكمة ، و المنافحة بالحجة اليقينية النقلية و العقلية .
و لم تخل حقبة زمنية منذ ظهور نور الحق في السلسلة النبوية الطاهرة منذ خلق سيدنا آدم عليه السلام ، من كيد و سخرية و رفض للحق . فقد رفع ابليس عليه اللعنة لواء السخرية و الاستهزاء و الرفض لاستخلاف الانسان في الارض . و عميت بصيرته و حاجج الذات الالهية تعالى الله في قدسيته و تقديره ، و قد دوّن الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم نص الحجج الابليسية ، تُتلى في كتاب لا يأتيه الباطل و لا تحرّفه الألسن .
بل يتعدى الاستهزاء و السخرية في التاريخ الانساني ليكون آلية سياسية و أمنية ، استخدمت و لا تزال تستخدم في كل المعارك الفكرية و العقدية و السياسية ، و من جميع الفرق و الملل و المذاهب . بل يستخدم حتى داخل و بين أعضاء و أفراد الفرقة أو الملة الواحدة . و بحجة حرية التعبير توسع استخدام هذه الآلية و يتمترس الفاعل وراء الحجة الموهومة ، أما المنفعل فيُصوُر على أنه مستهدف لحرية التعبير و يُرمى بأوصاف تشكك في ايمانه بالحرية و قبول الرأي الآخر .
يسعى هذا المقال إلى النظر في حوادث نشر صور جديدة في النرويج تنال من مقام النبئ محمد صلى الله عليه و سلم ، و قراءتها على ضوء ردود الأفعال و مآلاتها .
1. استهداف مقام النبوة في الأديان :
تعتبر النبوة في جميع الأديان مقاما مهما و أسا عظيما . و ما يتميز به الاسلام أنه يؤمن بكل الأنبياء و المرسلين . و الايمان بهم جميعا ركن من أركان الايمان و فيصل بين الإيمان و اللا إيمان . و بما أن المنظومة الليبيرالية هي السائدة في الغرب و هي التي توجه الحياة العملية في جوانبها المختلفة . و هي على نقيض مع مقام النبوة الذي هو جسر من الوحي الالهي للانسان ، لتتقوّم حياة الانسان على تعاليمه . أما الليبيرالية تؤمن بأن الانسان وحده المتصرف في أفعاله و المنظم لقواعد الحياة و العلاقات و الدين في نظرها مسألة شخصية محضة . و نقض حاجة الانسان إلى الوحي ، سيظل من مهام الليبيرالية في صورها المختلفة . و في عرف و منطق الليبيرالية لا غيظ و لاجرم من الاستهزاء و السخرية من مقام النبوة الدينية .
و في تقديرنا مما غفل عنه المسلمون في مواجهتهم لأحداث الاستهزاء و السخرية ، أنهم لم يبنو جسور التواصل و الانتقال من مقام الدفاع عن نبئ الاسلام إلى تحشيد الملل و الفرق كلها للدفاع عن مقام النبوة في صورته الكلية . و هذا يتطلب من المسلمين جهودا كبيرة في التعريف بالاسلام و نبيه عليه أفضل الصلاة و السلام . و التجربة في الغرب تؤكد بأنه كلما تقوقع فريق على نفسه و انفصل بقضاياه عن قضايا المجتمع ، إلا و كانت قضاياه عرضة لمزيد من الضعف و التراجع . و كلما أفلح فريق بالتعريف و وصل قضاياه بقضايا المجتمع ، كان أجدى و أحرى بالسداد .
2. استهداف التعايش الديني و العرقي :
تشير الأحداث التالية لأية ردة فعل تجاه صور الاستهزاء و السخرية ، على أن استهداف مقام النبوة الشريف ، هو مطية و استفزاز و صيد لثغرات ردات الفعل ، تستهدف النيل و التشكيك في نمط التعايش الديني و العرقي السائد في اوربا و خاصة في الدول الاسكندنافية و في النرويج أساسا . هذا النمط المميز الذي تأمل الجالية المسلمة في النرويج أن تأخذ به بقية الدول الاوروبية . هذا النمط الذي يساوي في الحقوق و الواجبات بين جميع الديانات . و يمنح دعم مالي إلى كل جمعية دينية وفق عدد أعضائها ، بل تمنح مساعدة مالية إلى كل جمعية دينية تتجه إلى امتلاك مقر لها : شراء أو تشييدا و ذلك وفق آلية محددة تأخذ بعين الاعتبار عدد الأعضاء و مساحة المبنى . و كل امتياز للكنيسة ، يحق لأية مؤسسة دينية أخرى مهما كان دينها ، التمتع به . و مما يتميز به قانون الجمعيات الأهلية و الدينية منها بالخصوص ، فإذا تجاوزت المساعدة الحكومية السنوية مبلغ 100 ألف كرون نرويجي ، فيجب على الجمعية أن تقدم سنويا تقريرا أدبيا و ماليا مصدّقا من طرف محاسب مالي معتمد لدى الدوائر الرسمية . إضافة إلى تقديم قائمة سنوية بأسماء الأعضاء و يمنع القانون ازدواجية الانتماء إلى الجمعيات الدينية . و للنرويج نظام محكم ندعو إلى الأخذ به في هذا المجال . و هو ما أضاف على المؤسسات الدينية مسحة بارزة من الشفافية ، و فوّت على أعداء الحرية القدح أو الهمز في الجمعيات الدينية .
فقوى اليمين و العنصرية تصور هذا النمط على أنه تهديد للهوية الوطنية ، و لم تلو و لن تلو جهدا إلا و تبذله من أجل إعادة النظر فيه . و للأسف الشديد تتناغم بعض ردات الأفعال مع هذا التوجه ، و تسقط في حبال المكر اليميني .
3. تحرير النظر في العلاقة بين الحرية و المقدس :
مشكل نظري ، يتجسد في ردات فعل ، مآلاتها غير مأمونة . فالحرية في التصورات الغربية مفتوحة و ليس لها حدود و هي على نقيض كلي مع المقدس . بل تأسست على هدمه من خلال صراع مرير مع الكنيسة التي تمثل المقدس في الغرب . فالمولود في الغرب يولد في أفق حر ليس له حدود . و العقل و الجسد يسبحان في حرية مفتوحة في الغرب ، تبلغ حد الاشمئزاز الفردي و الجمعي دون أن تكون فرصة للمجتمع للحد منها . و هنا يبدأ التصادم النظري و العملي في العلاقة مع المقدس . و لم تفلح المقاربات الاسلامية إلى اليوم إلى تحرير المقدس من التشوهات الكنسية التي يسقطها الغرب على جميع الأديان بما فيها الاسلام و إن كانت أسسه وتجربته التاريخية تختلف عن التجربة الكنسية . و المواجهات العملية التي برزت من الجالية المسلمة في الغرب ، كان بعضها على صور كنسية ممعنة في تشويه المقدس ، مما أفقد المدافعين عن المقدس فرص تعديل الصورة . و أمعن الفريق الآخر في التشويه و الاستفزاز . فأين هي حدود الحرية ؟ و أين هي الصورة الحقيقية للمقدس ؟ و أين مساحة الحرية في المقدس ؟ و ما هو المقدس في الحرية ؟ هذه مجموعة من الأسئلة الفلسفية ذات الطابع الوجودي ، لا زال الفكر الاسلامي لم يقدم فيها مقاربات ناجحة ، تشبع حاجة الغرب للحرية ! ربما يقول قائل : نحن لسنا معنيون بتقديم إجابة نقنع بها الآخرون . و لكن ما هي الدعوة إن لم تكن اقناعا للآخرين ؟ و ما هي العالمية غير القدرة على اقناع الآخرين في كل زمان و مكان ؟ و ما هي صلوحية المقدس غير صلوحية حججه و مقارباته ؟ .
4. امتحان المواطنة :
لا تزال قوى اليمين السياسي في أغلب الدول الاوروبية مشككة في قدرة "المسلمين" على الايفاء بمتطلبات المواطنة . و ترى فيهم خطرا على الحرية و النظام الديمقراطي . و إثر كل حدث و ردات الفعل تجاهه ، تشرع قوى اليمين السياسي في توظيفها بالدفع نحو اصدار قوانين جديدة تحد من سلاسة القوانين و الاتجاه بها نحو التشدد . فمن اشتراط ساعات محددة في تعلم اللغة و الاطلاع على النطام المدني ، إلى اختبار في منظومة القيم و عدم ارتداء النقاب و منع الحجاب في المدارس .. الخ . و سلسلة التشدد تسير بسرعة ، و تزيل أمامها ردات الفعل غير الراشدة من المسلمين ، جميع الحواجز لتنخرط جميع الأطراف السياسية في هذا التوجه . فالمواطنة التي هي مكسب و ثراء و فرص متاحة للتفاعل و التأثير ، لم تحظ بالوعي الكافي من الجالية المسلمة في الغرب . و للأسف الشديد لم تقابل بالوفاء و الالتزام بمتطلباتها في حالات عديدة . فأبرز أهداف الصور الكاريكاتوية هو تعميق الريبة و الشك في وعي المؤسسات المدنية بأن المسلمين ليسوا أوفياء لمتطلبات المواطنة .
5. مأزق الأجيال :
تعيش الأجيال الجديدة من المسلمين في الغرب وضعية أقل ما يقال فيها بأنها صعبة . و للأسف الشديد تشير العديد من الاحصائيات إلى أن عدد الشبان المهاجرين و شبان الجالية المسلمة بالخصوص ، هم الأكثر ممارسة لأوجه عديدة من الجرائم و الممنوعات القانونية ، إضافة إلى قلة منهم فقط تواصل دراستها الجامعية . و هناك معاناة حقيقية بين متطلبات الهوية غير المعاشة في البيوت و بين أفراد الجالية و بين الانتماء الوطني و التزاماته. ربما نتفهم الحالة في النرويج باعتبار أن الجيل الأول المؤسس ، لم يكن له الوعي الكافي و المعرفة التي تمكنه من التنبه مبكرا إلى التحديات التي تواجه الأجيال الجديدة . و لكنها نجحت في توريث الهوية بأقدار محددة ، و المأمول أن تلتقطها الأجيال الجديدة و تهذبها وفق التزامات الهوية و متطلبات الانتماء الوطني ، في معادلة تزيل الالتباسات و الاشتباكات بين الحدين . و نحسب أن الجميع بحاجة إلى مزيد من الوقت . و لكن أحداث صور السخرية و الاستهزاء تسعى إلى تعميق الفصل بدل الوصل بين حدي الهوية و الانتماء الوطني . و المطلوب من المؤسسات الاسلامية التي لها بعد النظر ، تعميق الوعي بقيمة الوصل ، و كبح نزوات الفصل التي تديم الصراع ، و في ذلك تكمن مصلحة الأجيال الجديدة من المسلمين في أوطانهم الاوروبية .
6. اشباع الحاجات المرضية :
تؤكد المدارس النفسية أن للانسان مجموعة من الحاجات ، تطلب الاشباع . و الهوية تنظم شكل الاشباع و طرقه المشروعة . و لكن في المقابل هناك ما يطلق عليه حاجات مرضية ، نتيجة لاضطرابات نفسية و اضطرابات في الشخصية . و إذا نمعن النظر في أنماط الشخصيات التي كانت وراء رسم أو نشر الصور ، نجدها تعاني من اضطرابات واضحة ، فهي مسكونة بحب مرضي للذات ، و قلقة اجتماعيا ، رافضة للتعارف و تستمتع بالإستهزاء و السخرية و إذاء الآخر . وهي مهوسة بالشك و الخوف من المغاير لها .
و عندما ننظر في المقابل لأمثلة عديدة من ردات الفعل و التي تم صيد أخطائها ، نرى أن أفرادها تعيش حالة من الاضطرابات النفسية المشابهة . و بينهما تضيع مكاسب الهويات و ينال من أمن و استقرار المجتمعات .
7. التوظيف الاقتصادي :
نحسب أن هذا البعد أصبح جليا في العديد من الحالات السابقة و اللاحقة . فالصحيفة النرويجية التي هي من أبرز صحف الحوادث اليومية و التي نشرت صور السخرية من المعلوم أنها تعيش حالة مالية صعبة ، و إن نفوا بأن العامل المالي ليس هو الذي دفعهم إلى هذا الفعل . و لكنها في خطتها المالية لعام 2010 حددت الاستغناء عن ما يقارب 50 موظفا فيها ! .
فالإعلام في كل العالم يتأسس على الإثارة . و الإثارة تدر على وسائل الاعلام أموالا كثيرة ، خاصة لدى الوسائل التي لا تعتمد على نظام الاشتراكات ، بل على البيع اليومي المباشر فقط .
و في هذا الإطار يجب أن ننبه إلى أن سياسة اليمين في الغرب هي حشر القوى المدنية و الأهلية في العالم الاسلامي في زاوية خيار المقاطعة . فاليمين السياسي هو المستفيد الأول من انخفاظ التبادل الاقتصادي بين الدول الاوروبية و العالم الاسلامي . فالاقتصاد هو عصب العلاقات الدولية ، هو الذي يمكن لهذا الطرف أن يؤثر في مواقف الطرف الآخر . و الأحداث المتتالية من بداية الأزمة الاقتصادية إلى اليوم تشير إلى أن العديد من الدول الاوروبية ساعية في جذب مزيد من الاستثمار الاسلامي إلى و في أراضيها . و هذا يتطلب مناخا من التسامح و ازدياد مساحات الاحترام المتبادل . و هو نقيض الفكر اليميني الذي يسعى إلى تذكية مناخ التشكيك و الدس و الاستفزاز ، لتقليص فرص التعاون الاقتصادي و استثماره سياسيا و ثقافيا . و نتائج هذه السياسة اليمينية في دول العالم الاسلامي هو مزيد من دعم للاستبداد السياسي و تقليص لمناخ الحريات و استدامة سياسة التخويف التي تتلون في كل مرحلة بلون .
8. التوظيف السياسي :
لا شك أن الإثارة في الإعلام ، هو المركب السهل الذي تمتطيه الأحزاب السياسية اليمينية , فعند قرب محطة سياسية ما ، و خاصة الانتخابات البرلمانية أو البلدية ، تجد اليمين السياسي يدفع ب"مدافع الإثارة" للإنطلاق ، لتُدوي في سماء السياسة بأحداث ترفع رصيده في الاستبيانات على أمل أن تكون واقعا في نتائج الانتخابات . فقبيل الانتخابات البرلمانية التي عُقدت في السنة الماضية في النرويج و بعد أن فضحتهم حرب الإبادة التي تعرض لها قطاع غزة بوقوفهم خلف الاعتداء الاسرائيلي ، حاولت قوى اليمين السياسي استثارة بعض المواضيع الاسلامية مثل : الزي الرسمي للشرطة و امكانية دخول المسلمات المحجبات إلى هذا السلك ، إضافة إلى موضوع النقاب و غيرها ..
و ها هي و بعد الهزيمة في الانتخابات البرلمانية و في خضم الاستعدادات للإنتخابات البلدية ، تدفع قوى اليمين السياسي بآلية الإثارة الممجوجة من جديد لتستهدف نمط التعايش الديني و العرقي الذي يتبناه الإئتلاف الحاكم اليوم في النرويج لمرحلتين متتاليتين .
و أبعد من البعد القطري ، فالكل يتذكر أحداث الصور المسيئة للنبئ محمد صلى الله عليه و سلم في الدانمارك ، و الذي تلته اعتداءات غاشمة من الكيان الغاصب على لبنان ثم غزة . فما الذي يُخطط له بعد هذه الموجة الجديدة من الصور ؟ على العالم أن ينتبه إلى ما أبعد من نشر صور في الصحف . بل هو إشارة إلى قرب إعتداء جديد ، بعد أن تُربك الساحة الاوروبية و تُشحن ضد القضايا الاسلامية . فالصور ما هي إلا قرع لطبول حرب تدفع لتوسيع و إدامة الشرخ بين الغرب و العالم الاسلامي . فهل نعي الدروس !
9. التوظيف الأمني :
من حق كل بلد أن يحافظ على أمنه و استقراره . و من حق أجهزته الأمنية أن تتخذ كل الاجراءات وفق القانون و التزاما بالمواثيق الدولية لحقوق الانسان ما يمكّنها من الحفاظ على أمنه و مستقبل أجياله . فالأجهزة الأمنية معنية بقبول أو حتى صُنع قدر محدد من استفزاز خلايا العنف النائمة و اكتشافها قبل أن تستقيم على عودها .
و نحسب أن قبول الأجهزة الأمنية بهذا القدر من الاستفزاز ، ربما يُتفهم دواعيه . و لكن ما الضامن بأن لا تكون هذه الأجهزة تحت تأثير الإثارة و يُظلم أفراد لا يحملون العنف كمنهج في التغيير ، و لكن درجة حساسيتهم الدينية قوية ؟ . و على الأجهزة الأمنية الاوروبية أن تتحرر من عقدة الخوف من صور الالتزام الديني ، و يتم ذلك بتعميق الثقة بين الأجهزة الأمنية في الغرب و المؤسسات الاسلامية و أفرادها ، و على الجالية المسلمة أن تتحرر في المقابل من عقدة " صورة الأجهزة الأمنية المتضخمة " في العالم الاسلامي ، و أن لا تسقط في حبال كيد اليمين السياسي .
و للمسألة وجوه عديدة نتمنى أن تعالج دوما بالهدوء . و لا شك أن تراكم التجارب تساعد الجاليات المسلمة على التعامل مع كل المستجدات مهما كانت صعوباتها . و تعميق القيم المشتركة للمجتمعات متعددة الثقاقات ، الذي هو مسار مازال بحاجة إلى جهود كبيرة من جميع المكونات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.