[في كشف المستور ما بين السياسي و الجمهور كتبه ابراهيم بالكيلاني ]تذكرني الأحداث التي يريد بعضا من نخبنا صناعتها في هذه الأيام بتجاوزهم لحدود الاستفزاز ليطال المقدس في سعي منهم لإثبات أن المقدس هو نقيض الحريات و المدنية ، بما حدث منذ سنوات من صور كاريكاتورية تنال من مقام النبوة في أوروبا . و قد أفرزت تلك الأحداث تفاعلات متعددة الجوانب تتجاذب أطرافها بين حدي السلب و الايجاب . و ان لم تسدل أستار المعركة بشكل تام و لكن تمخض عنها نتائج مهمة ستحكم لسنوات عديدة قادمة العلاقة بين الاسلام و مؤسساته من ناحية و المجتمع الاوروبي و مكوناته و نؤكد هنا على المسائل التالية : 1. علو فكرة التنوع 2. توسّع دائرة الإيمان بمكوّن التعدد الثقافي للمجتمعات الاوروبية 3. عودة الحيوية للتدين لدى جميع المجموعات الدينية 4. التحرر من أحادية النظرة تجاه توصيف الارهاب ليطال المجموعات اليمينية 5. حيوية متزايدة للجيل الجديد من المسلمين و اندماجهم الايجابي 6. تطور في مأسسة المراكز الاسلامية 7. وعي متزايد بأهمية الهوية الاسلامية الاوروبية و وفقه الأقليات . و مما كتبناه إبان أحداث الصور المستهدفة لمقام النبوة و أكدنا عليه أن اشكالية الحدود بين المقدسات الدينية و حرية التعبير ليست مشكلة غربية، بل هي مشكلة تطال علاقة الإنسان بأخيه الإنسان أولا، وبالتالي هي مشكلة تتجاوز الجغرافيا والثقافة، بل تفرض إعادة النظر في العلاقة بين الجغرافيا والثقافة، ولا نغالي إذا قلنا إن صورة المشكلة خارج الغرب أكثر تعقيدا، وهذا يفرض علينا كمسلمين النظر بإمعان في خطابنا الديني والثقافي وكيفية الاستجابة للتحديات، ونحسب أن هذه الحوادث ستعطي للفكر الإسلامي حيوية ستمكنه من تفعيل دوره وتقديم إجابات للإنسان ككل، وليس للمسلم أو العربي فقط؛ لأن رسالة الإسلام عالمية وهو مطلب الفعل الإسلامي في هذه اللحظات. ففي مناخ الحريات تتطور الأفكار ويُمنح الفكر الإسلامي فرصة لإثبات وجوده في عالم الأفكار الذي أُخرجنا منه بفعل عقلية التحجّر والاستبداد، بل أدعي بأن الفكر الإسلامي لو قيضت له الظروف والإمكانات المناسبة ستكون مقاربته للعلاقة بين المقدسات الدينية وحرية التعبير الأكثر نفوذا، لأنها هي التي تعطي لإنسانية الإنسان المعنى، ولا يكون الإنسان حرّا إذا لم تنبنِ حريته على قاعدة «احترام الأفكار» كما يدعو إليها العلامة محمد الطاهر بن عاشور. من الناحية السياسوية يعلم الجميع أن أطرافا ايديولوجية معلومة اختارت تغيير مكونات الخلاف السياسي من البرامج السياسية و التنموية إلى المقدسات الدينية . و ذلك اعتقادا منها بأن الترفيع في درجة الاستفزاز ليطال المقدسات الدينية سيربكُ الساحة السياسية و يعيد ترتيبها من جديد على قاعدة المغالاة في المطالب و أولها مطلب الحرية المطلقة التي تأبى الحدود ، و لتتحرر من حدود الدين و الوحدة الوطنية معا. و هذا منطق "الفوضى الخلاقة". و لكن منطق الثورات يشير إلى أن هذه الأطراف ستُكوى بشظايا النار التي أشعلتها في معاركها السياسوية و أبرزها سعيها الطويل إلى تغليب حركة الشارع على حركة المؤسسات و القانون . و الذي نظن بأن النهضة و الترويكا نجحوا في امتصاصه و بدأت النتائج العكسية تطالهم و لكن لم يعوا الدرس بعد. فاتجاه الشارع معروف خاصة عندما تخطئ تلك الأطراف و تمعن في عماها السياسوي بالركون إلى بقايا الفساد و مافياته. عندها سيكون للشارع الكلمة الفصل. و سيتحول من حركة احتجاجية و اعتصامات و قفل للشوارع لتطويع الدولة إلى قوة دفع للمحاسبة و تصفية لفلول الفساد و من يحتضنهم اليوم و يسعى إلى إعادة الروح إليهم وهماً. أما من الناحية الثقافية و الفكرية ، فالحرية قيم قبل أن تكون تقويضا لمكونات المجتمع و أواصر وحدته . و سوف تنتهي إلى ما انتهت إليه محاولاتهم السابقة في معارك كشف المستور ما بين السياسي و الجمهور . و ستتمخض عن حركة ابداع ثقافي و فني و فكري ، ليُعيد للفكر العربي و الاسلامي نضارته و يمنحه قوة مضمونية و سلامة منهجية في حركة مستجيبة لتطلعات الثورة و شبابها. و تنهار معه "شبيحة" الفكر و الفن . فاستعارة وسائل"الشبيحة" و وسائل من سبقهم من قهر و امعان في هتك الأعراض و استباحة المحظورات و تقويض عرى الدين ، سينتهي بهم إلى المصير نفسه.