نوايا بالتجديد تحملها مجموعة صغيرة من الشباب العرب. طموح بأن يغيروا أنفسهم ومن ثم ما حولهم ، بأن يرتقوا بمجتمع وأن ينهضوا بأمة كان لها تاريخ عظيم حافل بالانتصارات ، بعد أن تحول النصر إلى هزيمة . أمل بأن يساعدوا إخوانهم ممن وقفت الظروف في وجوههم واعترضت طريقهم فحطمت آمالهم، ملأهم اليأس من الحياة فرضخوا لها وفقدوا عزيمتهم في المضي نحو الأفضل. هؤلاء جزء من الشباب العربي الذين يحملون هدفاً وحلماً وهمماً. يحاولون العمل على تحقيقها ويحتاجون لمن يشجعهم ويحفزهم على المبادرة بأفكارهم وتحويل تلك النوايا الخيِّرة إلى فعل على أرض الواقع ليغير من حال مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
أما الجزء الأكبر من الشباب العربي ، يعاني من الفراغ القاتل والتململ الدائم من كل شيء ، مبعثر الكيان ، عاجز عن ترتيب أفكاره وإيجاد تلك الأهداف التي تشغله وتملأ وقته بدلاً من أن يضيع عمره سدى ً، فيهدم مع حياته عموداً وأساسا ً ترتكز عليه هذه الأمة التي تفشى داء الفراغ بين شبابها. بالرغم من حالة الضياع هذه لا يمكننا تجاهل بذور الخير المزروعة في أعماق كل الشباب ، واحساسهم الداخلي بعدم الرضا عن أنفسهم ، يحرضهم على التغيير من وضعهم واثبات ذاتهم ، يبدأ فتيل الحماس بالاشتعال فيهم ثم ينطفئ مع مرور الوقت، بسبب هبة رياح خفيفة من الاعتياد وعدم عثورهم على مصدر يمدهم بنار الدعم التي يمكن أن تبقي الفتيل مشتعلا ً. كثيراً ما سمع الشباب وعظاً وإرشاداً من الدعاة والشيوخ ، وعبارات الحلال والحرام ، التشجيع والترهيب ، الجنة والنار التي اعتادت آذان الشباب على سماعها لكثرة ما رددت ، دون أن تساهم في التبديل أو الإصلاح من أحوالهم. ليس هذا للتقليل من قيمة الدعوة عبر الكلمة وأثرها العظيم في النفوس، ولكن في هذا العصر مع اختلاف اهتمامات الشباب وحيثية تفكيرهم عن الماضي لأن الوضع قد تغير ومع تطور التكنلوجيا والعولمة وكل هذه التغييرات العظيمة والتي لها التأثير الأكبر في هذه الفئة من المجتمع ،وحتى تحدث هذه الكلمة الطيبة وقعاً أكبر وأعظم يحب أن تكون مصحوبة بالعمل بشكل عصري. أصحاب العلم والدين في العالم العربي لا يقصرون في الخطب والدروس والنصح والتعليم في المساجد واللقاءات والبرامج التلفزيونية، وهذا مهم ولكنها طريقة تقليدية إضافة إلى أنها مقتصرة على الحديث فقط!، دون ابتكار أسلوب محبب وأفكار إبداعية يستطيعون من خلالها جذب فئة الشباب وبث روح التغيير في حياتهم وصرفهم عن إهدار الوقت واستغلال جهودهم بشكل ايجابي. إلا ان الداعية عمرو خالد في برنامجه " المجددون " استطاع أن ينتقل من القول إلى الفعل ، وحفّز الشباب على البدء في التجديد والتغيير. ساعده على ذلك كونهم يحسونه الأقرب إلى قلوبهم وتفكيرهم ، ويشابههم أيضا شكلاً ومعاصرة، وربما شعبيته الكبيرة قد كانت السبب في اختيار التايم له كأحد أكثر 100 شخصية مؤثرة عام 2007 وتختاره "فورين بوليسي" سادس أكثر شخصية مؤثرة عالمياً. انتقى خلال جولاته في البلدان العربية ومقابلاته مع الشباب العربي (16) شاب وشابة من أصل 250.000 ألف شاب متقدم للمشاركه في هذا البرنامج الذي لاقى نسبة مشاهدة مرتفعة واهتماماً كبيراً من الشباب من جميع الفئات والشرائح في المجتمع كما أنه بطبيعة الحال وجد له منتقدين أيضاً. عبر الحلقات الثلاثين ومن خلال تنافس كل من الفريقين بهدف النجاح والشعور بأنهم قدموا أكبر قدر من الخير من خلال المهمات المتجددة التي توجه لهم والتي مدة كل واحدة منها ثلاثة أيام فقط ، بهذه الطريقة استطاع البرنامج أن يعزز في داخلهم قيم وأفكار الإسلام حول العطاء بأسلوب سلس وجميل ، وجعلهم عبر هذا البرنامج قدوة لكل شاب عربي و مسلم كي يجتهد ويحاول قدر الإمكان في تقديم المساعدة للآخرين ممن يحتاجون لها. كما أنه على الصعيد الشخصي ساهم في تطوير أفكار المشارك بحيث يجدد ويغير ضمن امكانياته التي يمتلكها. أما الداعية عمرو خالد فقد قال عن برنامجه: "المجددون يختلف عن بقية برامجي، ومنها صنّاع الحياة، بانه لا يكتفي بطلب الأعمال وشرحها، بل يقدم نماذج عملية، للآخرين للعمل وفقها، فنحن لا نكتفي بالحديث، بل نقدم ترجمة عملية، كقدوة تحتذى". برنامج المجددون يعرض فكرة جديدة للعمل في العالم العربي، لاقت إقبالاً كبيراً ، إلا أنها وجدت أيضا من يعارضها وينتقدها في أكثر من نقطة. فقد وجه الكاتب الإسلامي المصري جمال سلطان نقداً للبرنامج من خلال إذاعة هولندا قال فيه: "إن قضية الاختلاط هي قضية ثقافة مجتمع ، وليس مجرد اهتمام للتيار السلفي، وإن كان الأخير أكثر اهتماماً بذلك وإن مثل هذه البرامج هي عرضة لتكرار نموذج الاغتراب عبر استنساخ تجارب غربية بحتة". إضافة إلى ذلك فقد أبدى اعتراضه على جائزة الفائز في المسابقة والتي قيمتها 100 ألف يورو معتبراً ذلك تكسباً دعوياً ، كما شكك بأفكار البرنامج قائلاً "أنها قد وضعت من قبل علمانيين" لقوله : "كيف يمكن لكاتب مصري كوميدي وصاحب اتجاهات علمانية أن يقدم رؤية دعوة وإصلاح وتجديد ديني ؟". تلك الانتقادات المتكررة وجهت للبرنامج ليس فقد من قبل جمال سلطان وإنما كذلك من عدة دعاة آخرين وبعض المشاهدين، خاصة قضية أن البرنامج "يشجع" على الاختلاط بين الجنسين . وفي مقابلة " طارق القزيري " مع الداعية عمرو خالد ، في البداية يعرف عمرو خالد بفكرة البرنامج قائلاً: "تلفزيون الواقع هو الرابط الوحيد بين برنامج "المجددون" وغيره من برامج تلفزيون الواقع، فبرنامج "المجددون" بدايةً يحمل رسالة وغرضاً تربوياً، وثانياً فهو ينتمي لثقافتنا - شبهنا وفيه ريحتنا - بخلاف البرامج الأخرى التي تحاكي ثقافات غربية أخرى".
ويرد عمرو خالد ويدافع عن برنامجه بأنه " لا يتضمن اختلاطاً، فالستة عشر متسابقا يؤدون مهامهم كل على حدة، ويلتقون مع عمرو خالد في الأستوديو لمناقشة ما أنجزوه، ومن يتحدث عن فصل تام بين النساء والرجال فهو يعيش في عالم آخر". كما أن خالد ينفي تدخل أي أشخاص من خارج البرنامج في أفكاره ومحتواه ويقول أنه قد وضع من قبل فريق العمل، وهي بحسب قوله أفكار لمشروعات ثقافية واجتماعية وحتى رياضية ، إلا أنها خاصة بالمجتمع العربي والمسلم، وأوضح أن جائزة الفائز لا تستلم عينياً و إنما ينفق المبلغ في مشروع تنموي وخيري يشرف عليه هو، ويختم قائلاً "فالبرنامج عملي خدمي وليس مجرد تكسب !" هذا وقد وصف طارق القزيري البرنامج بأنه "ستار أكاديمي إسلامي ، يعزز ظاهرة الدعاة الجدد"، واتفق معه معظم من أبدوا تأييدهم لرأيه بأن كثرة الانتقادات التي وجهت للبرنامج لا تمنع من أنه يقدم صورة مختلفة جذابة وهذا يحسب نجاحاً آخر للداعية عمرو خالد ، والأهم أنه استطاع أن يكوّن جمهوراً كبيرا من الشباب ، وأن ينافس برامج مثل " ستار أكاديمي" الذي توجه له أصابع الاتهام بنشر أفكار بعيدة كل البعد عن الثقافة العربية والإسلامية، أفكار تزين للشاب العربي حلم أن يكون مغنياً مشهوراً وغنياً. إذن كما يبدو هناك فرق في الاهداف بين البرنامجين، وبطبيعة الحال في الطريق الذي اختاره كل منهما للوصول إلى ما يريد. ومما لا شك فيه أن تلك الفكرة الهادفة التي نفذها الداعية عمرو خالد أسست للتعاون والتكافل بين الأفراد، فقد بنى حلقة ربط ووصل بين فئتي الشباب، وساعد وحفز أصحاب الهمم ، بجعلهم يمدون يد العون وإقناع الجزء الآخر من الشباب الذين لا أهداف لهم في التحري داخل أنفسهم وتبني هدف سامٍ يكونوا سعداء بتحقيقه. وهذا ما نراه واضحاً إذا ما قرأنا ردود البعض على فيديوهات البرنامج في موقع " اليوتيوب " فإن أحد الشباب قد علّق " بأنه كان سييأس من حياته لو لم يذاع هذا البرنامج ". إذن ما يحاول أن ينقله لنا عمرو خالد من خلال "المجددون" هو أن تبداً بنفسك، وتؤثر بمن حولك، لتنجز خطوة في رفعة أمتك، مدعوماً بما يساهم به رجال الأعمال من أموال لدعم الأفكار البناءة، في جو عام تُطَّوّر فيه وسائل التأثير والتغيير، فيكون الجميع على قلب واحد مجتهدين من أجل هدف واحد ، عندها حتماً لن تكون النتيجة إلا إيجابية ،فيصبح حلم النهضة قريب المنال.