مسؤول إيراني: غروسي خان الأمانة ولن نسمح بأن تطأ قدماه إيران أبدا    إيلون ماسك يعلن تأسيس "حزب أميركا"    مونديال الأندية : ريال مدريد يتجاوز عقبة بوروسيا دورتموند و يضرب موعدا ناريا مع باريس سان جيرمان في نصف النهائي (فيديو)    البطولة العربية لكرة السلة للسيدات (الدور 1-الجولة3): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المصري 80-55    ارقد بسلام يا ديوغو.. انهيار زوجة جوتا خلال مراسم تشييعه    استرجاع أرض غابية بسليانة    اعفاء رئيس مجلس "التونيسار"    ترامب: بوتين سياسي محترف    أخبار الحكومة    تقدّم موسم الحصاد    استعدادات موسم زيت الزيتون    بالمرصاد : لنعوّض رجم الشيطان برجم خونة الوطن    عاجل/ أول رد من حماس على مقترح وقف اطلاق النار في غزة..    إدارة الغابات.. إطلاق سراح طيور الساف التي تم القبض عليها لممارسة هواية البيزرة    في تونس: أسعار الزيوت تنخفض والخضر تلتهب!    القضاء يبرّئ وزير الاقتصاد الأسبق من تهم فساد مالي    الأولمبي الباجي: عدم ورود أي قائمة مُترشحة للإنتخابات وجلسة عامة عادية يوم 8 جويلية    خدمة مستمرّة للجالية: الخارجية تفتح أبواب مكتب المصادقة طيلة الصيف    أمطار رعدية في 9 دول عربية بعضها قد يسبّب فيضانات    هذه قوّة الزلزال الذي قد يُهدد تونس بتسونامي... والمعهد يراقب منذ 2016    "الثقافة الوطنية في عصر العولمة": قراءة للأستاذ توفيق بن عامر ببيت الحكمة    الشركة الجهوية للنقل بنابل.. برمجة عدة سفرات على مستوى الخطوط نحو الشواطئ    الليلة: خلايا رعدية مع أمطار متفرقة بهذه المناطق    وزارة النقل تعلن عن تغييرات إدارية كبرى في شركة الخطوط التونسية وتوجّه "تنبيها صارما" الي رؤساء المحطات    هام/ تكثيف حملات المراقبة لمياه الشرب بهذه الولاية تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة..    تطور مداخيل الشغل المتراكمة ب8.3% خلال السداسي الأول من 2025    "نور الدين الفرحاتي" يتوجه برسالة إلي إتحاد بن قردان والملعب التونسي    رحيل الممثل جوليان ماكماهون بعد صراع مع السرطان    مواجهة ودية منتظرة بين الأهلي المصري والترجي الرياضي    "كتائب القسام" تكشف عن تفاصيل عملية خان يونس يوم أمس    تنبيه عاجل من الحماية المدنية في تونس لمستعملي السيارات    نهاية مسيرة خالد بن يحيى مع مولودية العاصمة: الأسباب والتفاصيل    الزهروني: تفكيك عصابة تخصصت في خلع ونهب مؤسسات تربوية    الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية والبصرية بالمركبات الثقافية ودور الثقافة بمدينة مكثر يومي 11 و12 جويلية الجاري    "أوركسترا الفالس العربي الافريقي": موسيقى تتجاوز الحدود وتجمع الشعوب في المسرح الأثري بدقة    شنوة الجديد في مهرجان قرطاج 2025؟    سيدي بوزيد: وفاة طفلة في حادث دهس من قبل والدها عن طريق الخطأ    النوم قدّام ال ''Climatiseur''بعد الدوش: هل يتسبب في الوفاة اكتشف الحقيقة    شنوة يصير كان تاكل الكركم 14 يوم؟    ما هي الكمية المناسبة من الشوكولاتة لطفلك يوميًا؟    الإتحاد الأوروبي لكرة القدم يسلط غرامات مالية على عدد من الأندية    الشراردة: وفاة طفلة ال8 سنوات اثر سقطوها من شاحنة خفيفة    جريمة مروعة: العثور على جثة فتاة مفصولة الرأس وملقاة في الشارع..!!    مدير مهرجان بنزرت: تمّت برمجة ''بلطي'' فقط للارتقاء بالذوق العام    الفوترة الإلكترونية إلزامية ابتداءً من جويلية: الإدارة العامة للأداءات تحذّر المتخلفين    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    عاجل/ حكم قضائي جديد في حق عبير موسي..    عاجل/ سيعلنه ترامب: التفاصيل الكاملة لاتفاق غزة الجديد..    تشيلسي يتأهل لنصف نهائي كأس العالم للأندية    مدنين: تجهيزات طبية حديثة تدعّم المستشفيات ومراكز الصحّة الأساسية بقيمة تفوق 4.5 مليون دينار    سحابة سامة قرب مدريد وتحذير من مغادرة المنازل    وزارة الفلاحة تحذّر من تقلبات جوية    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    كوريا الجنوبية: تسجيل أعلى معدل للحرارة في تاريخ البلاد    عادات وتقاليد: «الزردة» طقوس متوارثة ...من السلف إلى الخلف    فوائد غير متوقعة لشاي النعناع    تاريخ الخيانات السياسية (5): ابن أبي سلول عدوّ رسول الله    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دواعي إظهار الأعمال
نشر في الحوار نت يوم 04 - 04 - 2010


دواعي الظهور

الكاتب: جمال زواري أحمد


قال الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله : (سألت شيخنا أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى:( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )(البقرة160).
مابيّنوا؟
قال : أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات.
قلت: ويلزم ذلك؟
قال : نعم، لتثبت أمانته، وتصح إمامته ، وتقبل شهادته.
قال ابن العربي : ويقتدي به غيره)(1).

في كثير من الأحيان تختلط عندنا المفاهيم وتتداخل المصطلحات وتختلّ الموازين ، فتغيب أدوات الفهم السليم ، فنقتنع بقضايا نحسبها من المسلّمات لو دقّقنا فيها النظر وفكرنا فيها بعمق ، لوجدنا أنفسنا ضحايا فهم خاطئ أو قاصر لاغير، كما قال الشاعر:

وكم من عائب قولا سليما وآفته من الفهم السقيم

من جملة هذه القضايا قضية إعلان الأعمال والظهور وارتياد مواقع الصدارة بها، فالبعض منّا بحجة أن حب الظهور يقسم الظهور ، يتوارى عن الأنظار ويبتعد عن الأضواء ويتملّص من تحمل المسؤوليات ، ويمارس نوعا من الورع السلبي ، ويصبح الفرد العامل النشط الفعال الحيوي المتوقّد المنفتح ، الذي يتصدّر القافلة متّهما في نظر هؤلاء ، وما دروا أنهم ضحايا إفهام مقلوبة ومغلوطة وقاصرة ، مما يتسبب في تدمير فاعليتهم وتهديم طموحاتهم وانحطاط هممهم ، ويجعلهم ذيولا في القافلة وهمّلا في الركب ، فيستثقلون الانفتاح ويندفعون إلى العزلة القاتلة والانسحاب من الميدان والجفول من العمل العام ، فيحرمون بذلك أنفسهم من خير جزيل وأجر كبير، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وقد فهم البعض قديما هذا الفهم واعتزلوا فنبّههم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى عظيم خطئهم وانحراف مسلكهم ، فقد بلغ ابن مسعود رضي الله عنه أن رجالا خرجوا من الكوفة ونزلوا قريبا منها يتعبدون (اعتزلوا)، فأتاهم ففرحوا بمجيئه ، فقال لهم: ماحملكم على ماصنعتم؟
قالوا : أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبّد.
فقال لهم : لو أن الناس فعلوا مثل مافعلتم، فمن يقاتل العدو؟ ، ماأنا ببارح حتى ترجعوا)(2).
فابن العربي وشيخه رحمهما الله ينبّهاننا إلى أن هناك أمورا تستدعي الظهور، بل تدفع إليه وتوجبه والتي حدّداها ب:

1 تثبيت الأمانة
2 صحّة الإمامة
3 قبول الشهادة
4 توفير شروط الإقتداء

بل أكثر من ذلك فإن بعض السلف كان يتحدّث بما أنعم الله عليه من التوفيق إلى الطاعات ، ويعدّ ذلك من التحدّث بنعمة الله المأمور بها شرعا، فقد كان عبد الله بن غالب رحمه الله إذا أصبح يقول :(لقد رزقني الله البارحة خيرا ، قرأت كذا ، وصليت كذا ، وذكرت كذا، وفعلت كذا !!
فيقال له : ياأبا فراس ، إن مثلك لايقول مثل هذا ! فيقول: إن الله تعالى يقول:( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث)(الضحى11) ، وأنتم تقولون : لاتحدّث بنعمة ربّك)(3)!!.
عبد الله بن غالب هذا الذي كان يقول في دعائه :(اللهم إنّا نشكو إليك سفه أحلامنا ، ونقص أعمالنا ، واقتراب آجالنا ، وذهاب الصالحين منّا)(4).
ومع كل هذا نحن لاننكر أن هناك نفوسا مريضة تستهويها الأضواء ويطغيها الإطراء ويسكرها الدلال ، فتنتفخ وتغتر وتنتشي ، لكن نحن نعرف أيضا أن :(من سامى نفسه فوق ما يساوي ردّه الله إلى قيمته)، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله(5).
فإن لم يراجعوا أنفسهم ويتوبوا ويستدركوا ، لانقسمت ظهورهم فعلا وانكشف زيفهم وخسروا الجولة وخرجوا من ميدان السباق واستمرت المسيرة بغيرهم، أما الموقف السليم فهو ماعبر عنه العبد الصالح أبو العباس المرسى رحمه الله بقوله:( من أراد الظهور فهو عبد الظهور ، ومن أراد الخفاء فهو عبد الخفاء ، أما عبد الله حقا فهو من إذا شاء الله أظهره ، وإذا شاء أخفاه لا يختار لنفسه ظهورا ولا خفاءً).
كما أنّنا ندرك كذلك أن المرء مع ضرورة التعامل الإيجابي مع دواعي الظهور التي أشرنا إليها لابد أن يكون له حظّه من عمل الخبيئة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :(من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل)( صحيح الجامع).
وقال الزبير بن العوام رضي الله عنه :(اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ ) ، وعمل الخبيئة هو عمل صالح تقدّمه إلى مولاك لايعلمه إلا هو سبحانه وأنت .
لكن ذلك لايعني بأي حال من الأحوال ترك ساحات العمل واستمراء منطق إذا غابوا لم يفتقدوا الذي يفهم في الكثير من الأحيان بغير مقصوده ، وتغليب منهجية التخفّي والانسحاب ، بحجة الخوف من الرياء والشرك ، فسهل أن يحبس العبد نفسه بين أربعة جدران ، مبتعدا عن ضوضاء العمل الجماعي العلني الملفت للأنظار ، ثم يقول أنني حصلّت الإخلاص وحافظت على النية الصحيحة وأدركت مرتبة التجرّد ، فإن المحك الحقيقي لاختبار الإخلاص، والامتحان الأمثل لمعرفة صدق النوايا من عدمها ، والميزان الأصح لابتلاء التجرد ، هو العمل العام والمخالطة والميدان ، أو ماعبّر عنه الرافعي رحمه الله :(في اللهب ولا يحترق).
فالحذر من الرياء والحرص على الإخلاص مطلوب ، وكذلك مراعاة دواعي الظهور التي أشار إليها الإمام ابن العربي وشيخه أبو منصور الشيرازي رحمهما الله مطلوب كذلك ، والجمع بينهما هو الأمثل.
(1) الموافقات للشاطبي ج1 ص 513.
(2) الزهد لابن المبارك ص390.
(3)، (4) أجمل الأزهار من حدائق الأبرار لموسى محمد الأسود ص77.
(5) العوائق للراشد ص 49.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.