تمرّ يوم 6 أفريل القادم الذكرى العاشرة لوفاة الرئيس الحبيب بورقيبة الذي أثر في تاريخ تونس الحديث بشكل لم يسبقه إليه أحد من رجال السياسة و سواء اتفقنا معه أو اختلفنا فقد ترك بصمات لا تمّحي من ذاكرة البلاد و ككل رجل سياسي فإن لبورقيبة سيئات و حسنات عديدة نترك للمؤرخين دراستها و تحليلها و تقييمها رغم أنه من المفيد التنبيه و الإشارة إلى أنه يجب التعامل مع التاريخ بكل موضوعية و دون طمس أو تحريف تماما مثلما يتعامل المرء مع صورته في المرآة ...
و لكن ما لا يجب أن ننساه هو الطريقة المخزية و المهينة التي تمت بها جنازته حيث تم وضع جثمانه في المستودع المخصص للبضائع في الطائرة التي نقلته من تونس إلى المنستير و حيل بين المواطنين - و خاصة في جهة الساحل - و بين حضور مراسم الجنازة من خلال وضع الحواجز في مداخل المدينة و منع السيارات و وسائل النقل الأخرى من الدخول و رغم ذلك فقد تمكن مئات المواطنين الذين قدموا من القرى المجاورة سيرا على الأقدام لعدة كيلومترات من حضور الجنازة ....
كما عمدت القناة التلفزية الرسمية - أثناء مراسم الجنازة - إلى بث أشرطة وثائقية عن الطيور و الحيوانات في حين كان عامة المواطنين يترقبون النقل المباشر لوقائع الجنازة لمتابعة الدقائق الأخيرة لمسيرة رجل شغل الناس قرابة النصف قرن قبل أن يوارى التراب إلى الأبد و كانت بعض القنوات الفرنسية تنتظر كذلك هي الأخرى الحصول على النقل المباشر من مدينة المنستير حتى يتمكن المشاهدون في جميع أنحاء العالم من مرافقته ولو بالصوت و الصورة إلى مثواه الأخير ... ذلك الزعيم الذي تجاوز صدى مواقفه و تصريحاته حيز الوطن إلى المحيط الإقليمي و الدولي و أثار من حوله الكثير من الجدل الذي يكاد لا ينتهي و لكن بعض القلوب المريضة و المليئة بالحقد اتخذت القرار الخسيس بحرمان المواطنين و بقية شعوب العالم من حق متابعة الدقائق الأخيرة لرجل طبّقت شهرته الآفاق و شذوا من خلال قرارهم التعيس و البائس عن عادات و تقاليد و أعراف دولية في نقل وقائع جنازات الرؤساء و الشخصيات المؤثرة مثلما حصل خلال العقود الماضية في مختلف بلدان العالم .... فقد تابعنا مباشرة على الهواء جنازة الملك الأردني حسين و الملك المغربي الحسن الثاني و الرئيس السوري حافظ الأسد و غيرهم من الزعماء و حتى الشخصيات الفنية و الإجتماعية ....
و بالرغم من كل ما حصل لم يستطع ذلك التعامل اللاحضاري حجب و إلغاء تاريخ الرجل بالرغم من التغييرات الكبيرة التي حصلت في كتب التاريخ و التربية المدنية المقررة في المدارس و المعاهد و التي حاول من قاموا بها طمس شخصية الرجل و ربما منع الأجيال الجديدة من التعرف عليه و حقيقة هناك من الشباب في الوقت الحاضر من إذا ذكرت له اسم بورقيبة لا يستطيع أن يعرّفه لك أو يتحدث عنه و لكن نسي من لم يعتبروا من التاريخ أن تاريخ الأمم و الشعوب و الشخصيات السياسية و الفكرية لا يمكن إلغاؤه أو طمسه بإجراءات تافهة خاصة في عصرنا الحالي حيث وفرت التكنولوجيا إمكانيات ضخمة لحفظ ذاكرة الشعوب و بالمناسبة يكفي الدخول إلى موقع " اليوتيوب " أو " الفايسبوك " للإطلاع على مراحل من تاريخ و حياة الرئيس بورقيبة و كذلك مشاهدة و الإستماع إلى العديد من خطبه التي ألقت بها إدارة الإذاعة و التلفزة في سلة المهملات بالرغم من أنها تعتبر ملكا للشعب التونسي و ليس لبورقيبة كشخص أو كزعيم و هي أحببنا أم كرهنا جزء من تراث و تاريخ البلاد ....