استقر الزعيم صالح بن يوسف في مرحلة أولى في ليبيا ثم في مصر حيث بقي على اتصال بأنصاره من عناصر المقاومة التي كانت ملتحمة مع الثورة الجزائرية. ولم تقبل الحكومة التونسية الفتية أن تتواصل تلك الزعامة وكانت ترى في نضال الزعيم بن يوسف تطاولا على دولة الاستقلال الفتية وترى في احتضان القاهرة له موقفا سلبيا تجاه حكومة تونس. في 8 أفريل 1956 انعقدت أول جلسة للمجلس القومي التأسيسي وانتخب الزعيم الحبيب بورقيبة رئيسا للمجلس. وفي 11 أفريل 1956 عين الحبيب بورقيبة رئيسا لأول حكومة في عهد الاستقلال.
وبمقتضى أمر مؤرخ في 19 أفريل 1956 تأسست محكمة القضاء العليا لمحاكمة «الذين يقومون بأعمال شغب بعد تاريخ إعلان الاستقلال» وذلك لصيانة استقلال البلاد من «عبث العابثين» وتمكين المعارضين للاتفاقيات التونسية الفرنسية من «العودة إلى الحضيرة القومية».
وكان الزعيم صالح بن يوسف مستقرا في تلك الفترة بالتراب الليبي بعدما غادر البلاد خفية لكن الحكومة التونسية احتجت لدى الحكومة الليبية التي قررت يوم 2 جانفي 1957 ترحيل بن يوسف عن أراضيها.
استقر الزعيم صالح بن يوسف بمصر «فأسرعت الحكومة التونسية إلى لفت نظر الحكومة المصرية إلى حقيقة الأمر» وتقابل الدكتور الصادق المقدم مع الرئيس جمال عبد الناصر ضمن مهمة قادته إلى كافة الأقطار العربية «لإطلاعها على حقيقة الوضع في تونس».
وفي جويلة 1956 استدعت الحكومة المصرية وفدا تونسيا لحضور عيد الجلاء فأوفدت تونس إلى القاهرة الباهي الأدغم وكيل رئيس الحكومة في ذلك الوقت والأمين العام للحزب الحر الدستوري التونسي. وتقابل الأدغم مع الرئيس جمال عبد الناصر «وشرح له حقيقة الوضع في تونس وأظهر الرئيس المصري كل التفهم»
وبناء على ذلك ربطت تونس علاقات ديبلوماسية مع مصر وانتصبت سفارة مصرية بتونس وأخرى تونسيةبالقاهرة وعين المقدم سفيرا لتونس لدى جمهورية مصر.
ولما فتحت تونس سفارتها بالقاهرة «كان صالح بن يوسف يقوم بنشاطه المعادي للحكومة التونسية بواسطة مكتب تونس المتفرع عن لجنة تحرير المغرب العربي، وكانت الصحافة المصرية وإذاعة صوت العرب تفسحان المجال واسعا لدعايته فلفت الدكتور الصادق المقدم أنظار الحكومة المصرية إلى:
وجوب غلق مكتب تونس المتفرع عن لجنة تحرير المغرب العربي حيث أسّس هذا المكتب في عهد الاستعمار الفرنسي ليقوم مقام سفارة، ونظرا إلى أنّ تونس أصبحت دولة مستقلة لها سفارتها بالقاهرة فإنّه لم يبق موجب للإبقاء على ذلك المكتب خصوصا وأنّ المغرب أغلق مكتبه وأنّ الجزائريين عوضوه بجبهة التحرير الوطني الجزائري.
لا يجوز شنّ الحملات الصحفية والإذاعية على النظام القائم في تونس الأمر الذي يتنافى مع علاقات الأخوة التي تربط البلدين علاوة عن العلاقات الديبلوماسية. وقد وعد المسؤولون المصريون وفي طليعتهم الرئيس جمال عبد الناصر بغلق مكتب تونس وإيقاف نشاط صالح بن يوسف وكذلك، إيقاف الحملات الصحفية والإذاعية».
وفي أفريل 1957 زار القاهرة علي البلهوان بدعوة من جامعة الدول العربية لإلقاء محاضرات، فاغتنم فرصة وجوده بمصر وقابل الرئيس جمال عبد الناصر صحبة الدكتور الصادق المقدم سفير تونس ودارت محادثات هامة بينهم أكّد أثناءها الرئيس المصري تفهمه لحقيقة الوضع في تونس.
ويوم 20 مارس 1957 في العيد الأول لاستقلال تونس حضر الاحتفالات وفد من مصر ضمّ بالخصوص أنور السادات وحسين الشافعي، وخطب الرئيس بورقيبة فحيّى الجمهورية المصرية ووفدها ورئيسها جمال عبد الناصر وقلد الشافعي والسادات وسام الاستقلال بينما قلد الوفد المصري الرئيس بورقيبة وسام قلادة النيل والأدغم الوسام الأكبر من وسام الجمهورية المصرية «وكان التونسيون يعتقدون بعد هذه الزيارة التي مكنت مسؤولين من أبرز رجال الجمهورية المصرية من الاطلاع على حقيقة الوضع بتونس وما يتمتع به هذا القطر من استقلال حقيقي وما شرع في إنجازه من تأسيس جيش وطني وتمثيل ديبلوماسي وإنجازات في ميادين الاقتصاد والاجتماع وأنّ ما شهده الوفد المصري وما سمعه سيقنع الحكومة المصرية بوجوب التخلي عن حركة صالح بن يوسف وتمتين الصلة بالجمهورية التونسية وتوثيق التعاون معها.
ولكن شيئا من ذلك لم يتم، إذ بعد عودة الوفد المصري إلى القاهرة استمر صالح بن يوسف في نشاطه كالعادة».
وفي أوت 1957عينت تونس الطيب السحباني سفيرا لها بالقاهرة بعد الإعلان عن الجمهورية التونسية التي كانت مصر أوّل من اعترف بها الأمر الذي اعتبر في تونس بادرة طيبة «لتصفية مشكلة بن يوسف» وواصل السحباني العمل الذي قام به سلفه المقدم بلفت نظر الحكومة المصرية إلى وجوب غلق مكتب تونس ووضع حدّ للحملات الصحفية ضد تونس والرئيس بورقيبة ولنشاط بن يوسف.
وأوضحت الحكومة التونسية آنذاك أنّها لم تطلب من الحكومة المصرية «خلافا لما تدعيه الدعاية المصرية» أن تسلم لها صالح بن يوسف لتنفذ فيه حكم الإعدام ولا أن تطرده من القاهرة، بل كانت تقتصر على لفت نظر المسؤولين المصريين إلى وجوب إيقاف «نشاطه المعادي لها».