بضاعة قديمة يتم إعادة تصنيعها أو تدويرها كلما اقتضت الحاجة أو جاء موسم الهجوم على الإخوان ، وهو غالباً يرتبط بالانتخابات ، أو تمرير بعض التشريعات أو عقد الصفقات ، هجوم بهدف وضع الإخوان في الزاوية وشغلهم بأنفسهم دفاعاً وتوضيحاً ، تمويل الإخوان ... من أين ؟ وفيما ينفق؟ وكيف يدار؟ وأسئلة أخرى كثيرة يتناولها البعض بخلفيات متنوعة ، ومع ذلك فإن هذا التناول يتطلب عدة أمور منها : ** تجنب الانتقائية في التناول ، بمعنى طرح التمويل عند الإخوان وغيرهم حتى لا يفهم أنه نوع من التشويه أو الانحياز لطرف ضد طرف ، ** اعتبار المناخ العام حيث أزمة الثقة بين مكونات المشهد المصري العام ، أزمة الثقة في منظومة الحكم بجناحيها الحزبي والحكومي ، وأزمة الثقة بين الحكومة والمعارضة وأزمة الثقة بين المعارضة بعضها البعض ، ** اعتبار غياب ضمانات الأمن والعدالة وغلبة تجاوز الدستور بالقوانين والمحاكم الاستثنائية ، ** المعرفة الدقيقة والقريبة بالجماعة ومشروعها ومواردها المتاحة وأنشطتها المتنوعة موضوع التمويل المالي يأتي في ترتيب متأخر لدى جماعة الإخوان ، بمعنى أن المورد المالي يحتل درجة متأخرة في سلم نقاط القوة التي تملكها الجماعة ، فقد يأتي المورد البشري وإعداده تربوياً في موقع متقدم عن المورد المالي ، وقد يأتي متانة التنظيم وضماناته في موقع متقدم عن المورد المالي ، وحتى المورد المالي نفسه فالجماعة لا تملك ثروة كبيرة بل أتصور أن ثروة أحد متوسطي الحال من رجال الأعمال تفوق بكثير ما تملكه الجماعة ، كما أتصور أن هناك جملة من الاعتبارات تؤكد صعوبة بل استحالة تمويل الجماعة من خارج جيوب الإخوان أنفسهم ، من هذه الاعتبارات : ** حرص الجماعة على استقلال قرارها " لأن من يدفع يوجه ويشترط ويؤثر" ** حجم الرقابة والمتابعة الأمنية المفروضة على الجماعة " لو أن النظام يملك دليلاً واحداً ضد الجماعة لكان له شأناً أخر أشد شراً وقسوة وانتهاكاً" ** الكلفة الأمنية الباهظة التي يتحملها من يغامر بدعم الجماعة مالياً ** انهيار تهم غسيل الأموال التي وجهت للجماعة في قضايا عُرضت بعيداً عن القضاء الطبيعي وأمام القضاء العسكري وقد حُسم موضوع التمويل منذ عقود عندما تناوله الإمام المؤسس حسن البنا بتحديد ووضوح في "رسالة إلى أي شئ ندعو الناس" حين قال : يتساءل هؤلاء الإخوان المحبوبون الذين يرمقون الإخوان المسلمين عن بعد و يرقبونهم عن كثب قائلين: من أين ينفقون؟ و أنى لهم المال اللازم لدعوة نجحت و ازدهرت كدعوتهم و الوقت عصيب و النفوس شحيحة؟ و إني أجيب هؤلاء بأن الدعوات الدينية عمادها الإيمان قبل المال ، و العقيدة قبل الأعراض الزائلة ، و إذا وجد المؤمن الصحيح و جدت معه وسائل النجاح جميعا، و إن في مال الإخوان المسلمين القليل الذي يقتطعونه من نفقاتهم و يقتصدونه من ضرورياتهم و مطالب بيوتهم و أولادهم، و يجودون به طيبة نفوسهم سخية به قلوبهم، يود أحدهم لو كان له أضعاف أضعاف فينفقه في سبيل الله ، فإذا لم يجد بعضهم شيئا تولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون. في هذا المال القليل و الإيمان الكبير و لله الحمد و العزة بلاغ لقوم عابدين و نجاح للعاملين الصادقين , و إن الله الذي بيده كل شيء ليبارك في القرش الواحد من قروش الإخوان , و (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة:276)....(وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم:39) . خلاصة المسألة أن المورد المالي هام وحيوي لكن التنظيمات التي تعتمد الأساس العقدي والبناء التربوي لا تراهن كثيراً على الأموال بقدر ما تراهن على الأفكار والأفراد الذين يؤمنون بها ويصطفون حولها حماية وحراسة وفداءً.