1 الفاروق الذي توسل بالعباس عليهما الرضوان ليس محل إسوة في الدين ملزمة ولا من أقرب منه إلى الله أو إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام من مثل الصديق أو الأمهات أو المبشرين بالجنة وهم أحياء يمشون في الأسواق يأكلون ويشربون. هذا المحل هنا لازمة من لازمات العقيدة الإسلامية : ليس هناك بشر يمشي فوق الأرض ويأكل ويشرب هو محل إسوة في الدين لازمة ملزمة أو قدوة في الدين بالضرورة عدا محمدا عليه الصلاة والسلام والسبب في ذلك معروف معلوم وهو أن العصمة سيما عصمة الدين والبلاغ عن الله سبحانه في الغيب والعبادة. والتوسل غيب وعقيدة وعبادة دون ريب خاصة بالأنبياء والمرسلين ولا نقر الشيعة على خلع العصمة على كائن من كان من رجالهم أو نسائهم ولو كان عليا نفسه عليه الرضوان وكرم الله وجهه وحاشا لعلي أن يدعي العصمة أو يرضى نسبتها إليه أو فاطمة أو السبطين فضلا عمن دونهم وما كان علي سنيا ولا شيعيا وأهل بيته بل هو رائد فدائيي الإسلام وصهر الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام و لا يضيره أن قدسه قوم وألهه آخرون أو أنكرته الخوارج. من لازمات عقيدة الإسلام الناصعة : العصمة ماتت مع محمد آخر معصوم فوق الأرض. أما الفاروق والصديق وعلي والصحابة والأمهات وغيرهم كثير فنتأسى به ونقتدي إستئناسا وحبا أو نأخذ عنهم ما رووه عنه عليه الصلاة والسلام أو نتأثر بهم في هذا الجانب أو ذاك ونعتز بهم ونفخر ولكن لا نضعهم أسوات وقدوات في الدين ( الدين غير الإسلام عند التحقيق حتى لو كان الدين هو مخ الإسلام فليس هو كل الإسلام لأن الدين عقيدة وغيب وعبادة وتوقيف في كل حقل لا يطاله الإجتهاد ولا التغيير ) إذ لو فعلنا ذلك لخاصمنا قوله الذي هو من آخر ما نزل إن لم يكن آخر ما نزل : „ اليوم أكملت لكم دينكم “.. فالتمييز بين الإتساء الديني الملزم شرطا من شروط الإيمان والإسلام وبين الإتساء الإستئناسي حبا وتأثرا أو إقتداء في الإسلام وليس في الدين .. التمييز بين الأمرين واجب منهجي لحسن فقه الدين والإسلام. 2 الفاروق الذي توسل بالعباس مجتهد في الدين والإسلام والدنيا. مجتهد مطلق بل هو أكثر المجتهدين في التاريخ الإسلامي وهو مؤسس المذاهب الفقهية الغابرة والمعاصرة بحق سيما الإستصلاح المالكي والإستحسان الحنفي والمقاصدية الشاطبية والعاشورية ومن قبلها المقاصدية الغزالية والجوينية إلخ .. الفاروق هو المجتهد الديني والإسلامي المطلق الذي تأسست أغلب الإجماعات الإسلامية المعروفة على يديه وهي أقوى الإجماعات طرا مطلقا أي إجماع الصحابة المشهود لهم بالفقه منه مباشرة عليه الصلاة والسلام.. وشأن المجتهد المطلق غير شأن المقلد وشتان بين الثرى والثريا كما تقول العرب. 3 الفاروق الذي توسل بالعباس إنما فعل ذلك بمحضر الصحابة من أهل الفضل العلمي والتفوق الفقهي والنبوغ في الذكاء والإخلاص في العبادة والإيمان ممن بشر بالجنة وممن لم يبشر بما عد ذلك إجماعا منهم وهو أعلى أنواع الإجماع الذي لم يخرم ولم يعارض مجرد معارضة وليس عمل الفاروق هنا أمرا مختلفا فيه أو عملا فرديا أو إجتهادا بمحضر صحابي أو عشرة منهم أو عملا مغمورا. 4 الفاروق الذي توسل بالعباس كان يومها أمير المؤمنين وخليفتهم ونائب نائب رسول الله عليه الصلاة والسلام. بكلمة الفقهاء : الفاروق ليس هو الفاروق يومها بل هو : الحاكم الإسلامي المجتهد دينا ودنيا المعزر بشهادة الرسول الأكرم له من جانب وبإجماع الصحابة من حوله سيما من أهل الذكر في العلم والإجتهاد والفقه وسياسة الدنيا بالدين. 5 الفاروق الذي توسل بالعباس يومها إنما توسل برجل حي لحما ودما وليس بميت قد يثير التوسل به ثائرة شرك أو إثارة شغب ضد عقيدة الإسلام الصافية النقية الطاهرة. رضي المتوسل بذلك ورضي المتوسل به به ورضي الصحابة بهما معا رضى قبول ديني إسلامي وليس مجاملة لا للمتوسل ولا للمتوسل به. 6 المتوسل به هو عم الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام وليس عمه فحسب بل هو صحابي كريم معروف طالما آزر الدعوة حتى في الأيام التي لم يعلن فيها إسلامه. المتوسل به حي لحما ودما يرزق يراه الناس ويعرفونه وهو من هو فيهم صلة ونسبا وفضلا في الإسلام وبمرأى ومسمع منهم أجمعين. 7 المتوسل به هو من بيت النبوة الأحب وأهل البيت وذلك هو ما علل به الفاروق توسله إلى ربه سبحانه أننا نتوسل إليك بعم حبيبك محمد عليه الصلاة والسلام وهو من آل البيت النبوي الشريف رغم أنف الشيعة الذين إستولوا على مفاتيح البيت النبوي وإغتصبوا بابه فهم يدخلون فيه من شاؤوا ويخرجون منه من شاؤوا وأي نكبة عليهم عندما يخرجون من البيت النبوي الطاهر أمه من مثل خديجة أول أس في ذلك البيت النبوي الكريم الكبير العريق الطاهر ومن مثل عائشة حبه الأكبر عليه الصلاة والسلام وفي مقابل ذلك يدخلون من هو أدنى فضلا من مثل السبطين الكريمين الحسن والحسين ثم لا يتوقف أمر التزييف عند ذلك بل يتمادون في نسلهما حتى يصلونهما بأعراق فارسية أو بربرية أو غير ذلك نسبة فاحشة في الظلم والغة في الزيف والحمد لله الكريم المنان الذي لم يجعل للنسب من شرف إذا غاب الإسلام وكفى بالإسلام شرفا وعزة.. المتوسل به إذن هو رمز للبيت النبوي الكريم الطاهر لعل الله سبحانه يغيث الناس ببيت محمد عليه الصلاة والسلام.. وللبيت النبوي في الإسلام حرمة وأي حرمة. يكفيها حرمة وشرفا قوله سبحانه فيه : „ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا “..
خلاصة المشهد. المشهد كله نقاء عقدي وصفاء إيماني عجيب. المتوسل في قمة العقيدة والإيمان والمتوسل به كذلك فضلا عن كونه من أم البيت النبوي العريق العتيق الطاهر الطيب. المتوسل به حي يرزق لحما ودما بما يطرد شائبات الشرك وشاغبات الوثنية. مشهد التوسل هو مشهد الصحابة فضلا في العلم والفقه والإجتهاد والسابقة والجهاد. المشهد كله إذن طاهر مطهر من كل شائبة شرك وشاغبة صنمية. إذا كان ذلك كذلك اليوم وفي كل يوم فلا بأس. ولكن سد الذريعة أصل من أصول التشريع الإسلامي يستخدمه أهل الذكر فتحا لذرائع الخير وسدا لذرائع الشر. أما أن يستخدم عمل الفاروق توسلا بالعباس ليتذرع به إلى الشرك عائدا إلى الإسلام وأمة الإسلام عن جهل أو كفر فلا سبيل إلى ذلك وتلك هي مهمة العلماء لا بل دعني أقول مهمة الفقهاء المجتهدين المخلصين الذين يعرفون فقه الموازنات والأولويات وحسن تقدير المواقف دينا ودنيا وإسلاما وحياة.. أما غيرهم من الجهلة فلا.
كلمة أخيرة خاتمة في التوسل. 1 التضييق في إستخدام التوسل بما فيه المشروع منه عدا ما ثبت في السنة النبوية أي توسل بالأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة وبالدعاء وبالعمل الصالح والطاعات والقربات وبقلب ضارع ندي حيي ملح يلجأ إليه سبحانه في كل نائبة بل يلجأ إليه سبحانه لجوء المضطر قبل النائبة وفي النائبة وبعد النائبة... ذلك تضييق مطلوب صيانة لحمى العقيدة أن تداس تحت مطارق الإلف الشركي والعادة الصنمية. ذلك تضييق عملا بسد ذرائع الشرك بل إن التشدد في العقيدة وليس فيما هو دون العقيدة أي العمل مطلوب في حدوده. 2 لا أنكر التوسل بما عظم سبحانه بما لم ترد فيه سنة من مثل التوسل بالصحابة جملة دون تفصيل ولا تسمية وبالكعبة والكتاب العزيز والعرش والكرسي وجبريل وغير ذلك .. بل أتوسل بمحمد عليه الصلاة والسلام مؤمنا أنه لا يملك لنفسه شيئا كما أخبر عنه ربه سبحانه فضلا عن أن يملك لغيره شيئا.. أتوسل به وبسنته وسيرته إجمالا دون تفصيل وبالأمهات وبيته الذي شرفه سبحانه وكرمه وطهره ورفعه إجمالا دون تفصيل ولا تسمية.. بل أتوسل في بعض الأحيان بالكتاب والكعبة والعرش والكرسي وغير ذلك مما ورد في الكتاب .. لكني لا أفعل ذلك إلا لماما .. أغلب دعائي وهو مخ توسلي بالأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة سواء حفظت من الأدعية ما حفظت أو جهلت الذي جهلت .. لا أنكر ذلك لأنه لا يفضي إلى الشرك وكل توسل أو دعاء لا يفضي إلى الشرك ولو مظنة بعيدة بحكم التشدد في العقيدة وليس في العمل .. كل توسل تلك طبيعته لا بأس به ولكن لا يستحب الإسراف فيه لئلا يصبح هو الأصل والمأثور من السنة هو الفرع والإستثناء.. 3 الكلمة المهمة جدا هنا هي : أ إنما جعل الإمام في الدين ليؤتم به فيما هو مختلف فيه خاصة إذ أثر عن بعض العلماء المجتهدين العاملين أنهم لا يأتون كل المستحبات أمام الناس من حين لآخر لئلا يعتقد غير المثقفين منهم بالدين أنها واجبات أو فرائض بل إن منهم يرتكبون في بعض الأحيان بعض المكروهات التنزيهية الخفيفة أمام الناس حتى يعلم الناس أنها ليست محرمة حرمة لحم الخنزير والخمر وما في حكمها تشديدا.. ب ذلك في ظني بعض مما دفع الفاروق إلى التوسل بالعباس في مشهد إستسقاء عام ليكون لمن بعده من المدارس الأصولية والفقهية والكلامية فسحة في الإختلاف والتعدد في فروع العقيدة وليس في أصولها إذ التعدد في أصولها كفر وضلال. ج التوسل بغير المأثور مما هو مشروع لا إنكار عليه أمر يجب أن يأتيه الأئمة الذين يقتدى بهم تدينا من جهة وتعليما للتدين من جهة أخرى وتوفيقا بين مختلف الموازنات الشرعية حتى ينداح منهاج التفكير التعددي التنوعي فينا تحت سقف الثوابت المرعية وكذلك لأجل تيسير التدين وإحتضان إتجاهات ورؤى وتيارات إسلامية قد يند بها لجهل قادتها بعض مما يؤتى من الإختلاف في الفروع حتى الفروع الكبيرة من مثل الشبهات رغم خطرها إلى ما لا تحمد عقباه.. التوسل بغير المأثور مما هو مشروع هو إذن ساحة تعليم وتربية وتوجيه أو ساحة سياسة شرعية يضرب فيها الأئمة المقتدى بهم بأسهم من علم وفقه وإجتهاد وتأثير حفظا لوحدة الأمة ولإشاعة التعدد المحكوم بالوحدة.. ومقاصد أخرى كثيرة منها تقديم الأكابر تقديما يرضاه الدين ويخدم مصلحة الإسلام ودعوته وغير ذلك من المقاصد التي لا تحصى ولكن يحصيها الأئمة الذين يحولون عباداتهم إلى منارات دعوة وتعليم وتوجيه وإرشاد وتأثير يفيد منها الناس معهم ومن بعدهم ولا تكون العبادات خاصة بهم .. ذلك شأن الأئمة وإمام الأئمة من بعد الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام وصديقه : الفاروق .. وحتى لقاء قابل. الهادي بريك ألمانيا