الفتوحات الفاروقية في العقيدة تكاد لا تحصى. منها أنه إجتث شجرة البيعة بالحديبية وهي التي قال فيها سبحانه : „ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة “. كانت البيعة يومها عهدا منهم له عليه الصلاة والسلام بصفته الحاكم يومها بأكثر من صفته النبوية لأن صفة النبوة تمت لها البيعة قبل ذلك بأن يأخذوا بثأر عثمان سفيره إلى قريش في مفاوضات طويلة مضنية ختمت بالفتح المبين منه سبحانه في إثر شائعة مفادها أن عثمان عليه الرضوان قتلته قريش ومعلوم أن العرب يومها أي في الجاهلية ولكنها شرعة أخذ بها الإسلام بمثل ما أخذ شرعات كثيرة ألفها الناس وجاء الإسلام يؤكدها من مثل الدية وغير ذلك تعمل بقانون دولي عام إسمه : البرد لا يقتلون. البرد جمع بريد وهو الرسول والسفير.
أنى للفاروق أن يجتث شجرة ذكرها سبحانه في كتابه العزيز. العقل الفاروقي الإسلامي الرشيد المتزين باليقين العقدي .. ذلك العقل الذي أرشد صاحبه إلى قول قالته التي مرت بنا قبل أيام حول الحجر الأسود : „ إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقبلك ما قبلتك “.. تلك الشجاعة العقدية التي عبر بها الفاروق يومها وهو يقبل الحجر الأسود ليعلم الإنسان لبنة من لبنات العقيدة الإسلامية .. هي الشجاعة ذاتها التي إستخدمها الفاروق فإجتث الشجرة المذكورة في القرآن الكريم وما سطا عليه الرضوان على القرآن الكريم وأنى للفاروق إلا أن يكون خادما أمينا ولكن قويا للقرآن الكريم .. أن تكون خادم القرآن الكريم بأمانة فتلك يسيرة ولكن أن تكون خادما للقرآن الكريم تجمع مع الأمانة القوة فتلك هي العسيرة ولكنها يسيرة على من يسرها الله له عملا بأن العامل كل عامل في كل حقل وفي كل زمان ومكان لا يسند لنفسه عملا ولا يسند له من باب أولى وأحرى إلا بعد التأكد من سلامته أمانة وقوة وهو القانون الذي إلتقطه القرآن الكريم من في إبنة شعيب وزوج موسى عليهما السلام : „ إن خير من إستأجرت القوي الأمين “..
لم إجتث الفاروق الشجرة. لمقصد واحد أسنى لا ثاني له وهو أن تتحرر العقيدة عند الناس بعد ملامستها شغاف القلوب من كل أوضار الشرك وأوحال الوثنية وأطياف الصنمية مهما كانت ضمنية بعيدة غير مباشرة. قد يكون الفاروق أبصر ما يسيء إلى تلك العقيدة سيما من المسلمين الجدد أو ممن لم يترب في حجر الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام أو حجر الصحابة .. قد يكون ذلك دافعا مباشرا ولكن من يدرك عقل الفاروق عليه الرضوان يدرك أنه يتصدى للبلاء قبل أن يحيط بالناس فيعمل بقاعدة سد الذرائع أي ذرائع الشر المحقق .. ربما فكر الفاروق أن الشجرة التي ذكرها سبحانه قد تصبح في يوم من الأيام وثنا يعبد أو صنما تؤدى له الطقوس أو مكانا يخشاه الناس أو يلبسون به الذين يلبسون أو يهدون له الشموع والنقود وينظمون له الزيارات أو غير ذلك مما يفعل الناس اليوم بألف ألف معبد في الأرض العربية والإسلامية من قبور الموتى وقبور كلاب الموتى .. ربما أبصر الفاروق ذلك بعينه يومها أو أبصر ذلك بقلبه وفؤاده بلاء قد يحيق بالناس فبادر إلى إجتثاث شجرة لم تكن في الأرض سوى مكان طيب طاهر بايع تحته النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام صحابته لئلا يفروا من الأخذ بثأر عمثان عليه الرضوان أما ما عدا ذلك من الفضل وما يمكن أن ينسب إليها فلا. وأنى لها ذلك؟ هل هي كعبة المسلمين أو قبر الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام أو المقدس الشريف ؟ ليست هي أيا من ذلك. ذلك هو العقل الفاروقي الذي لك أن تسميه بحق : حارس العقيدة الإسلامية وحاميها والعامل على تطهير الصدور من مضاداتها الخبيثة.. عقل فاروقي لا ينظر إلى المكان والزمان في العقيدة ولكن ينظر إلى مقصد العقيدة الأسنى ومكانتها في الإسلام وفي الحياة فهي الرأسمال الذي يجب أن يكون دوما جاهزا للإستثمار وأنى لحياة أسن رأسمالها وأنى لساع كادح عامل ضارب في الأرض بارت رساميله.. أنى له أن يضرب في الأرض بأسهم تفتح العقول إلى الهدى والحق والخير .. ذلك هو مقصدي من قولي في حلقة سابقة بأن علماء العربية السعودية وأمراءها عندما بادروا بطمس كثير من المعالم الإسلامية خشية أن يعبدها الناس .. قلت : ذاك عمل فيه وجاهة كبيرة بسبب أنه سد لذريعة الشرك .. ربما بالغوا في ذلك ولكن أصل العمل صحيح سيما في زمن رق فيه دين الناس وتهافتوا فيه على عبادة كل ما تعلق به عليه الصلاة والسلام أو صحابته وهو الشرك الأكبر المخرج من الملة والعياذ بالله وأنى للشرك أن يعود سيما إلى الجزيرة العربية بعد أن أخرج منها بحمده سبحانه .. وفي الجملة فإن سياسة الذرائع فتحا وسدا وليس سدا فحسب .. سياسة الذرائع سياسة دينية وإسلامية معروفة يجب أن يعمل بها الأئمة والحكام نشدانا لمصالح الناس ودرءا لما يضرهم وخاصة في القضايا الكبرى من مثل العقيدة وهل هناك أكبر من قضية العقيدة في الحياة..
أين فاروقنا اليوم الذي يجتث ألف ألف معبد للشيطان في بلادنا العربية. أنى لنا بفاروق ينتهج نهج عمر عليه الرضوان .. أنى لنا بمن يهدم صنمية جديدة إشتعلت بها نجاد في أرضنا التي حررها الإسلام ونهاد .. ها أنت تسير في أرض عربية وإسلامية واسعة فهل تعدم باصرتك أن تلفى معبدا من معابد الأوثان تقدم له القرابين .. هذه شجرة وتلك مقبرة وهذا ولي وذاك كلب ولي .. معابد عالية من الوثنية المعاصرة تشجعها الحكومات العالمانية المستبدة لصرف الناس عن العقيدة التي تقمصها الأصحاب وخير القرون فهوت بإثرها مماليك كسرى وهرقل.. أليس صرف الناس عن عقيدة تحسب الملك والسلطان والإصلاح والتغيير والإنخراط في السياسة من صميم لبها .. أليس ذلك أولى لها؟ إنها بذلك تأمن مكر المؤمنين الذين يحملون عقيدة الفاروق .. ومعابد أخرى يحرسها شيوخ معممون وهم يتلون قوله سبحانه الذي توجه به إليهم هم : „ يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل “.. سل نفسك : لم توجه بالنداء إلى الذين آمنوا والحديث عن أحبار ورهبان؟ والجواب يسير وهو أنه يحذر علماء المسلمين وفقهاءهم ومشايخهم من أن ينهجوا النهج ذاته الذي نهجه الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل من خلال بناء الأبهات الدينية الزائفة والإنتصاب واسطة بين العبد وربه .. لا أكتم نفسي وإخواني جمعيا وأخواتي وأعوذ بالله أن أكون يائسا بل ممتلئ أملا ومفعم رجاء.. لا أكتمكم أني أقول في نفسي عندما أحصي عدد المعابد الوثنية المعاصرة التي يحج إليها المسلمون الذين قال فيهم سبحانه : „ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون “. برعاية حكومية أو علمية من المشايخ والمنتسبين إلى الدين .. لا أكتمكم أني أقول في نفسي : هل بعث في هؤلاء فعلا وحقا رجل إسمه محمد إبن عبدالله صلى الله عليه وسلم وجاء بكتاب من الله سبحانه إنما رسالته الأولى لا ثاني لها هي : طرد الشرك والوثنية والصنمية وعبادة غير الله سبحانه وإحلال التوحيد الصافي من كل شائبة شرك؟؟؟ أؤمن بذلك بأكثر مما أؤمن بالمحسوسات من حولي والموجودات ولكن أثر ذلك اليوم فينا ضعيف جدا .. ربما تختلف بلاد في ذلك عن بلاد .. ولكن بلادا كثيرة في المغرب العربي الذي أعرف بعضه جيدا وبعضه نسبيا .. بلاد كثيرة طعن فيها الشرك برموزه المنتشرة في الأرض سيما بعد أن ضربت الصحوة الإسلامية هناك حيث كانت تخلص الناس بإذن ربهم سبحانه من أوضار الشرك وأوحال الوثنية المعاصرة.. دعوني أقول صارخا مستصرخا في لوعة لا يأس معها ولا قنوط : فتنة شرك معاصرة متعددة الصور والأشكال ولا فاروق لها .. الحقيقة أن الأمة ممتلأة فواريق ولكن سياط الحكام تعضلهم أن يؤدوا الأمانة وينصحوا الأمة إلا من غالب فتنتهم وجاهر بعدائهم في الله سبحانه وتحمل ما كتب له من العذاب عسى أن يكون يوم العذاب بمنأى عن العذاب .. وحتى لقاء قابل. الهادي بريك ألمانيا