تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس وقصة الحرب على الحجاب !!
نشر في الحوار نت يوم 02 - 10 - 2009


تونس وقصة الحرب على الحجاب !!

راغب السرجاني
26-9-2009
إنه لغز معقد جدًّا، ومحيِّر للغاية.. هذا الذي نراه في تونس! إنها حرب منظمة ومستمرة دون كلل أو ملل ضد حجاب المرأة المسلمة!! فتونس دولة إسلامية منذ الأيام الأولى للإسلام، وليست دولة إسلامية عادية، بل إنها دولة رائدة كان لها السبق في الإسلام في منطقة شمال إفريقيا، وكانت قاعدة مهمَّة لانطلاق الجيوش والدعاة والعلماء إلى أقطار إفريقيا المختلفة، وبها القيروان من أعظم الحواضر الحضارية الإسلامية، وفيها جامعة الزيتونة المنارة الإسلامية الشاهقة، والتي كان لها أبلغ الأثر في نشر الدعوة الإسلامية، وفي الحفاظ على ثوابت الدين والعقيدة، لا في تونس وحدها ولكن في العالم الإسلامي بأسره.
إنها تونس المسلمة التي كانت قاعدتنا لفتح الأندلس ثم صقلية... تونس المسلمة بشعبها الذي يعشق الإسلام بالفطرة، والذي يمثل الأغلبية الكاسحة من إجمالي عدد السكان، حيث يصل المسلمون في تونس إلى 98% من العشرة ملايين الذين يسكنون تونس الحبيبة؛ لهذا كله نقول إن الحرب على الحجاب في تونس لغز معقد ! وآخر فصول هذه الحرب ما رأيناه مؤخرًا في الأسبوع الماضي من قرار الجامعات التونسية أن توقِّع الطالبات الملتحقات بالجامعة على أنهن لن يدخلن الجامعة إلا "برأس مكشوف"!! هكذا.. فليس الممنوع هو الحجاب فقط، ولكن الطاقية أو القبعة أو المنديل أو أي شيء يغطِّي الشعر للمرأة!! والطالبة التي لن توقع على المرسوم لن تدخل الجامعة، بل وستتعرض لملاحقة قضائية على حدِّ وصف المرسوم. كما لم يغفل المرسوم الطلاب الذكور، حيث شرط عليهم دخول الجامعة "بذقن محلوق"؛ حيث إن اللحية تُعَدّ خطرًا داهمًا على الجامعات التونسية!!

ما هذا الذي نراه في تونس الحبيبة؟! إنه انتهاك خطير لحرمة المرأة المسلمة، بل إننا لا نرى مثل هذا الانتهاك في دول غير إسلامية معروفة بعدائها للمسلمين، فهل صارت الحرب ضد الإسلام في تونس أشد ضراوةً من حروب غير المسلمين؟! ولكي نفهم هذا اللغز المعقد لا بُدَّ من العودة إلى الجذور، ولا بد من دراسة القصة من أوَّلها، وهي في الواقع قصة مؤلمة غاية الإيلام.

جذور قصة الحجاب في تونس
لقد عاشت تونس قرونًا طويلة تحافظ على الإسلام وقيمه ومبادئه، ولم تهتز فيها الثوابت الإسلامية على مر عصورها السابقة، غير أنه في سنة 1881م ابتليت تونس بالاحتلال الفرنسي الذي غيَّر كثيرًا من الأوضاع في الشقيقة تونس.
إن الاستعمار الفرنسي استعمار خاص جدًّا، له سمات معينة معروفة للدارسين، ولعلَّ من أهم سماته أمرين مهمَّين..
أما الأمر الأول -وهو الأخطر- فهو الاهتمام بتغيير ثقافة المجتمع الذي تقوم فرنسا باحتلاله، وتحويل مبادئه وثوابته وقيمه إلى النظام الفرنسي، ويشمل ذلك اللغة والأخلاق وطرق التعليم والإعلام، وغير ذلك من أمور تحدد هوية البلد. ولا يسعى الفرنسيون -بخبثٍ شديد- إلى مهاجمة الدين بأنفسهم، ولكنهم ينتقون بعض الرموز والنُّخب السياسية والدينية والفكرية من أهل البلد المحتَلّ ليقوموا هم بتشجيع أهلهم على هجر ثوابتهم، والاتجاه إلى الثقافة الفرنسية بكل طاقاتهم.
وتهتم فرنسا أن تتابع هذا التغير الثقافي حتى بعد خروجها من البلاد المحتلة، ولا تتوانى عن توفير وسائل الاتصال الدائم بين الشعوب المحتلة وبين الجامعات والمراكز الثقافية والمنتديات الفرنسية؛ حتى يستمر المد الثقافي الفرنسي في البلد حتى بعد خروج الجيوش الفرنسية، وهذا ما يفرز مواقف سخيفة للغاية مثل التي نراها الآن في تونس من حرب على الحجاب والإسلام، مع أن الجنود الفرنسيين خرجوا من 53 سنة!

وأما الأمر الثاني الذي يميز الاحتلال الفرنسي فهو الضراوة الشرسة، والعنف المبالَغ فيه مع الذي لا يسير وفق المخطط الفرنسي؛ ولذلك ليس عجيبًا أن ترى عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الشهداء في البلاد التي تحتلها فرنسا، بل تجاوز العدد رقم المليون في الجزائر الحبيبة، وهذا العنف منهج أصيل تورثه فرنسا إلى أتباعها في أيِّ بلد محتل، فتصبح هذه القبضة الحديدية هي وسيلة الإدارة للبلاد بعد تحررها من المحتلين الفرنسيين. هذا هو الاحتلال الفرنسي.. علمانية تكره الإسلام وتمقته وتسعى إلى هدم ثوابته، وعنف ظاهر يكسر عظام كل من يقاومه.
دخل الاستعمار الفرنسي تونس سنة 1881م بهذه المبادئ، وواجهه الشعب التونسي الأصيل بمقاومة شرسة، وسقط الشهداء والشهداء، ولكن فرنسا بدأت في تدرج في ممارسة سياستها الماكرة باستقطاب رموز تونسية تتولى تحطيم الثوابت الإسلامية.. وكانت فرنسا تعلم أن إفساد المرأة التونسية المسلمة هو أحد أهم معاول الهدم في المجتمع؛ ففساد المرأة سيدمِّر الأسرة، وسينشر الإباحية بين الشباب، وسيلهي هؤلاء الشباب عن أدوارهم تجاه وطنهم وأمتهم ودينهم.
وبدا الفرنسيون وكأنهم يقرءون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المحذِّرة من فتنة النساء أكثر من قراءة المسلمين أنفسهم لهذه الأحاديث، فوضحت أمامهم الرؤية، بينما غابت الرؤية عن كثيرٍ من المسلمين.. روى الترمذي وحسنه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان".
- وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". فهذه هي أول فتنة، ثم تأتي الفتن بعد ذلك تباعًا.
- وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدون ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
- إن هذا العقاب الشديد لهذه النساء ليس مردُّه إلى وقوعهن في ذنب يخصهن فقط، بل إن هذا الذنب الذي ارتكبنه أدى إلى إفساد المجتمع الذي يعشن فيه؛ لذلك فالمرأة الكاشفة لشعرها وجسدها تحمل من السيئات بقدر من يراها من الناس، وهذا يثقل كاهلها، فتقع بأوزارها في النار، ولا تجد ريح الجنة. . روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا" يعني زانية. وفي رواية النسائي تصريح بأنها زانية، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية"؛ ذلك لأنها دفعتهم إلى النظر إليها، وأوقعتهم في زنا العين، وقد يدفع هذا بعد ذلك إلى الزنا الحقيقي.
إن الأمر جِدُّ خطير! .. لقد كانت فرنسا تقرأ -بخبث شديد- هذه المعاني والتوجيهات فعلمت أن إفساد المجتمع المسلم يعتمد على إفساد المرأة، ومن ثَمَّ اجتهدت بكل طاقتها في إخراج المرأة التونسية المسلمة من حجابها وحشمتها وعفتها، واجتهدت في إيجاد جيل من المفكرين العلمانيين والسياسيين الفاسدين الذين يحملون هذا الملف الدنيء، ويدافعون عنه أكثر من الفرنسيين ذاتهم.


علمانيو تونس والحجاب

كانت البداية في أوائل العشرينيات (بعد 40 سنة من الاحتلال الفرنسي) عندما دفع الفرنسيون أذنابهم من العلمانيين التونسيين لكي يناقشوا مسألة حجاب المرأة، وأعلن هؤلاء أن تغطية وجه المرأة فيه اضطهاد لها، كما أنه يعطِّل مسيرتها في خدمة المجتمع.. وثار علماء الزيتونة في وجه هؤلاء المخرِّبين، واحتدم جدال شرس بين الفريقين، واعتبر العلماء الأفاضل أن هذا هجوم على الإسلام ذاته، ومن ثَم تكاتفوا لكشف هذا المخطَّط الفرنسي الخبيث.
ثم حدث تطور نوعي في الحرب ضد الحجاب عندما عقدت جمعية "الترقي" الثقافية -وهي جمعية علمانية متفرنسة- ندوة بعنوان "مع أو ضد الحركة النسوية"، وذلك في 15 يناير سنة 1924م، وفوجئ الجميع بدخول "منوبية الورتاني" -وهي إحدى التونسيات المتفرنسات- القاعة، وصعود منبر الجمعية، وهي كاشفة وجهها، داعية المرأة التونسية إلى "التحرر" من الحجاب! إنه نفس السيناريو الذي قامت به قبل ذلك بسنوات قليلة في مصر هدى شعراوي وصفية زغلول.. {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53].
وقامت الدنيا ولم تقعد في تونس، واحتدم النقاش والصراع، وطرحت القضية بعنف في الصحف والمجلات، وناقشها الشارع التونسي، واستنكرها أغلب الشعب، لكنها كانت بداية.

مرت خمس سنوات كاملة دون أن تتجرأ امرأة تونسية أخرى على تكرار تجربة "منوبية الورتاني"، ولكن في يوم 8 يناير سنة 1929م عقدت نفس الجمعية (جمعية الترقي) ندوة بنفس العنوان (مع أو ضد الحركة النسوية)، وقامت "حبيبة المنشاري" بإلقاء محاضرة في هذه الندوة وهي كاشفة لوجهها، وتحدثت عن تعاسة الفتاة التونسية التي تغطِّي جسدها بالحجاب، بينما تعيش الفتاة الفرنسية في حرية وانطلاق.

طاهر الحداد والتحرر من الحجاب
وفي سنة 1930م حدث تطور نوعي آخر عندما قام منحرف علماني يُدعى "طاهر الحداد" بإصدار كتاب تحت عنوان "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، وفي هذا الكتاب تهجَّم بشدة على ثوابت الدين، ودعا المرأة إلى نبذ الحجاب والتحرُّر منه، ودعا إلى نزع حق الطلاق من يد الرجل وإعطائه إلى القضاء، ودعا إلى رفض تعدد الزوجات، ودعا أيضًا المرأة إلى الخروج إلى كل الساحات بما فيها الساحات الرياضية، ومنافسة المرأة الأوربية في الألعاب المختلفة، وهاجم الإسلام الذي يفرض قيودًا كثيرة على المرأة تعوق مسيرتها في المجتمع.
ومع كون تونس محتلة في ذلك الوقت من فرنسا إلا أن الكتاب أحدث ثورة مضادة قام بها العلماء والإعلام والشعب نفسه، فقد كانت ثوابت الدين واضحة إلى حد كبير في عيون المجتمع برغم الاحتلال..
لقد صدرت عدة كتب تهاجم هذا الكتاب المضلّ، كان منها "الحداد على امرأة الحداد" للشيخ محمد الصالح بن مراد، وكتاب "سيف الحق على من لا يرى الحق" للشيخ عمر البري المدني، وقامت عدة صحف مثل "الزهرة" و"النهضة" و"الوزير" بمهاجمة طاهر الحداد بشدة، ووصل الأمر إلى إصدار فتوى وقّع عليها العلاّمة الكبير "الطاهر بن عاشور" بتكفير الحداد، وضرورة مصادرة الكتاب.
وفتح هذا الكتاب الباب أمام العلمانيين الآخرين للكلام بجرأة في حق الحجاب، وهذا ما يدعو العلمانيين الآن إلى اعتبار طاهر الحداد "رائد نهضة المرأة التونسية"، ومع ذلك فمظاهر السفور لم تتفشَّ بشكل كبير في المجتمع التونسي الذي ظل محافظًا على ثوابته الإسلامية برغم التغريب المستمر، وتحررت تونس من فرنسا سنة 1956م.

بورقيبة والتشريعات المخالفة للإسلام

لكنها -للأسف- لم تتحرر من العلمانيين المتفرنسين، الذين يحملون أسماءً إسلامية، ويتخذون شكلاً تونسيًّا، لكنهم يحملون قلوبًا تمتلئ بالضغينة على الإسلام أشدَّ من الفرنسيين أنفسهم! لقد تولى حكم تونس "الحبيب بورقيبة".. وما أدراك مَن الحبيب بورقيبة!!
لقد أصدر هذا الرجل بعد ثلاثة أشهر فقط من الاستقلال مجلة أسماها "مجلة الأحوال الشخصية"، وفي هذه المجلة بدأ يصدر التشريعات التي تعيد تشكيل المجتمع التونسي وفق الرؤية الفرنسية، بل وأفسد!!
وهكذا صدرت التشريعات المخالفة للإسلام منذ الأيام الأولى لحكم بورقيبة، فصدر قانون منع تعدُّد الزوجات، وصدر قانون يبيح التبني، وصدر أيضًا قانون يمنع الزوج من العودة إلى مطلقته التي طلقها ثلاثًا بعد طلاقها من زوج غيره، وصدر قانون يمنع الزوج من طلاق زوجته إلا بإذن من القضاء. وسمح بورقيبة للمرأة بالإجهاض، بل سمح للزوجة أن تجهض نفسها دون استشارة زوجها، ورفع سن زواج الرجال إلى عشرين سنة، والبنات إلى 17 سنة، بل إن تونس صادقت على اتفاقية نيويورك المؤرخة في 10 ديسمبر سنة 1962م، والتي تقضي بأن من حق المرأة أن تتزوج من أي رجل دون اعتبار للدين، ومن ثَم يمكن للمرأة التونسية المسلمة أن تتزوج من غير مسلم!
لقد صدرت هذه القوانين تباعًا في مجلة الأحوال الشخصية، وحدثت اعتراضات كبيرة جدًّا في المجتمع التونسي، غير أن بورقيبة الذي تشرَّب المنهج الفرنسي كاملاً واجه هذه الاعتراضات بدموية شديدة، وبقسوة بالغة، ولم ينظر إلى أن الدستور التونسي يعتبر الإسلام دين الدولة، ولعب بمشاعر الشعب بشكل لم يره الشعب من المحتل الفرنسي! ووقعت المرأة التونسية -للأسف الشديد- في شراك فرنسا وبورقيبة، وخرجت من حجابها وحشمتها، وانزلق المجتمع التونسي في هاوية الإباحية، واتجهت الكثير من التونسيات إلى فرنسا بعقولهن وقلوبهن، ورأت البلاد شرًّا مطيرًا.
بورقيبة وحظر الحجاب في تونس

ولكن -يا إخواني وأخواتي- الإسلام قد يضعف، ولكنه أبدًا لا يموت.. لقد ظهرت في السبعينيات الصحوة الإسلامية في تونس كما ظهرت في بلاد إسلامية عديدة، وبدأ المخلصون والمخلصات من أبناء تونس يعملون لإعادة المجتمع التونسي إلى الله عز وجل، فهل سكت بورقيبة على هذه الأوضاع الجديدة؟!
لقد تحرك بورقيبة -في تهور عجيب- تحركًا مشينًا، وقام في سنة 1981م عندما رأى ظاهرة انتشار الحجاب - بإصدار قانون عُرف بالقانون رقم (108) يحظر فيه ارتداء الحجاب على المرأة التونسية!!
لقد أصبح الحجاب مجرَّمًا في تونس بحكم القانون!! والسبب الذي أعلنه بورقيبة لهذا التهور هو أن الحجاب زي طائفي، يؤدي إلى انقسام المجتمع، مع أن نسبة المسلمين في تونس أكثر من 98%، ونسبة النصارى 1%، ونسبة اليهود أقل من 1%!
ونشطت الشرطة في مطاردة المحجبات في الشوارع، ومنعت المحجبات من الأعمال الحكومية، وتعرض الأزواج والآباء للمساءلة في حالة وجود محجبة في بيوتهم، بل إن المحجبة كانت لا تستطيع أن تلد في مستشفيات الحكومة!!
لقد كانت حربًا سافرة على العفة والمرأة المسلمة، بل إن الحرب في الحقيقة كانت على الإسلام ذاته؛ فبورقيبة لم يكن يضرب الإسلام في هذا الباب فقط، بل كان يهزُّ كل ثوابت الدين، حتى إنه كان يدعو شعبه إلى الإفطار في رمضان؛ لأن الصيام -على حد تعبيره- يقلل الإنتاج!
وفي خطوة تأكيدية لهذا القانون الإجرامي صدر قانون آخر يُعرف بقانون (102) في سنة 1986م يؤكد على خطر الحجاب على نساء تونس!!
ونتيجة لهذا الاضطهاد غير المسبوق، والذي لم نره من التتار أو الصليبيين أو الفرنسيين، قَلَّ الحجاب جدًّا في تونس لدرجة تقترب من الانعدام، وتراجعت الصحوة الإسلامية خطوات كبيرة، وامتلأت السجون بالمعتقلين الإسلاميين الذين وقفوا في مواجهة هذا الإفساد.
وفي عام 1987م -وبعد 31 سنة من حكم بورقيبة- قام وزير الداخلية "زين العابدين بن علي" بانقلاب على الرئيس بورقيبة ليتولى زمام الحكم في البلاد، من وقتها وإلى زماننا هذا!
تُرى ماذا فعل زين العابدين في فترة رئاسته؟ وهل التزم بقوانين بورقيبة أم خالفها؟ وما هو مصير معركة الحجاب في تونس؟ وما هي الآثار المتوقعة لهذه الحرب الضروس على ثوابت الدين؟ وأخيرًا ما هو دورنا تجاه هذه الهجمة الشرسة على الحجاب والإسلام؟
هذه الأسئلة مهمَّة تحتاج إلى مقال خاص، وستكون بإذن الله موضوع مقالنا القادم.
وأسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.
http://www.hejabweb.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.