ما زال حديث الإرهاب وأثره باديا على محيا فكر الغرب وعيونه متجهة لبلاد الإسلام رغم تبدل الإدارات والأسماء بأخرى تنادي بالحوار، إلا أن الجرح أعمق من أن يداوى بخطابات لا ترى حقيقتها على أرض الواقع. فخطاب التطرف ما يزال واقعا، ونبرته ما تزال تعلو باسم الإسلام. إذا صحت اتهاماتنا لهذا الأخر المختلف - والذي رغم اختلافه نهجر بلادنا للعيش في أحضانه والتملق لرضاه - فان اتهاماتنا لذواتنا يجب أن تشتد حتى النخاع، إلى أن تتصلب في شراييننا دماء الاستكانة وتتحرك فينا نخوة العزة والعلم التي افتقدناها لقرون وما سعانا إلا أننا نقرأ عنها في كتب لم نكتبها إنما كتبها السابقون منا ..– فكم فعلوا وبحثوا وكتبوا لعلنا نخوض في أكثر مما خاضوا ولكننا لا خضنا ولا عل الأقل واصلنا المسير - وما زلنا نخطب الخطب ونتمنى الأمنيات ولا نفعل الأفعال. ما ذلك بقدرنا ولا ما يرضاه ديننا، ولكن ذلك كل ما وسعنا. لمِِؤرخي الهجرة واندماج المهاجرين في أوروبا قصص تروى وتأويلات تتلاحق، وكثيرة تلك التي تجد فيها براءة الإسلام واضحة وجرم صاحبها بين ُّ، لكن المتربصين بهذا الدين والمِؤولين له كثر، وبعد القصص عن الجانب الديني لا يكفهم عنها إلى أن يعلقوا عليها بأحرفه وبصمات التطرف لاصقة به وكأنها فيه ومنه. في السابع عشر من الشهر الجاري صرحت الشرطة الايطالية بضواحي مدينة "بوردينوني" (شمال شرق البلاد) أن مغربيا يدعى "القطاوي ضفاني" (45سنة) تهجم ليلة أول أمس على ابنته "سناء" (18 سنة)، التي كانت برفقة عشيقها الإيطالي "ماسيمو دي بيازيو" (31سنة)، طاعنا إياهما بسكين أدى إلى وفاة ابنته في الحال فيما أصيب عشيقها بجروح أدت إلى نقله إلى المستشفى. وأوردت صحيفة "لاريبوبليكا" الواسعة الانتشار أن العلاقة بين الشابين بدأت منذ ما يقارب خمسة إلى ستة أشهر وان الشاب الإيطالي هو أحد مالكي المطعم الذي كانت تشتغل به "سناء" كنادلة، ومن بعدها كخليلة قررت رغم رفض والديها العيش مع عشيقها الإيطالي، وهو ما أساء علاقتها بأبيها وقاده توتره إلى ما فعل. وتجدر الإشارة إلى أن الايطاليين لم ينسوا بعد حادثًا مماثلاً وقع في 11 أغسطس 2006 حين أقدم باكستاني على قتل ابنته 'هينا' التي اختارت العيش على الطريقة الغربية ودفنها بحديقة المنزل. تلت حادث 'سناء' إشارات عدائية واضحة للإسلام فقد صرح عمدة البلدة التي تسكن بها عائلة الشابة المغربية والذي ينتمي إلى حزب رابطة الشمال المعروف بعدائه للإسلام أن هذه الحادثة دليل على استحالة التعايش والاندماج، كما صرحت وزيرة تكافؤ الفرص " مارا كارفانيا" أن" الأمر نتيجة لحرب بين الأديان. وذهب العمدة إلى حد تهديد أم الضحية بانتزاع ابنتيها الأخريين منها ووصفها بدعم التطرف لأنها عابت علاقة الشاب الايطالي بابنتها وقالت انه السبب في المأساة. وفي سياق نفس الحادث أدانت الجالية الإسلامية في إيطاليا بشدة جريمة القتل التي نفذها المهاجر المغربي، وأدان رئيس اتحاد الجاليات الإسلامية نور الدهشان الحدث الذي اعتبره مساساً بالحق في الحياة التي يضمنها الإسلام ومساسا بصورة ديننا الحنيف نافيا لوسائل الإعلام الإيطالية أن تكون للجريمة دوافع تتعلق بالإسلام. ويطرح هذا الحادث أسئلة عديدة على ذهن الغربي، كما على ذهن المسلم المغترب، والمسلم المتغرب، والمسلم في ديار الإسلام. فمنهم من يلوم الإسلام لأنه يحرم زواج المسلمة من اليهود والنصارى فيما يحق للمسلم الزواج من معتنقي الديانتين –أهل الكتاب، مع العلم بأننا نرى ونسمع عن بعض المسلمات المتزوجات بأجانب خاصة للحصول على أوراق الإقامة بأوروبا. من هؤلاء من يعيب عن الإسلام هذا ويصفه بعدم قدرته على أن يبني مجتمعًا متعددًا ثقافيًا كما في الغرب. لكن في حالة 'سناء' و 'هينا' فالأمر لا يتعلق بزواج أصلا بقدر ما هو علاقة خارج إطار الشرع، والتي تسمى هنا في الغرب بالحرية الفردية، وهنا مجدداً يوصف الإسلام بأنه دين يكبل قيود الأفراد. فكيف نرد على هذه الأقاويل؟ الحلال بين والحرام بين، والتلاعب بهما باسم الحرية الفردية شيء أخر، فمصلحة المجتمع تأتي فوق رغبات الأفراد الجامحة واللأخلاقية، وبسط القانون الوضعي على القانون الإلهي قصة أخرى بناها الغرب ودرسها واعتنقها حتى النخاع لدرجة لا تحتمل النقاش لديه ولا لدينا في هذا المقال. قد يقول قائل آخر: إذا أردت العيش في الغرب فتقبل قيمه أو ارحل وهذا فكر الكثيرين، مسلمين وغير مسلمين! لكن التساؤل يبقى دائما هو هل تلك القيم الفردية قيم أصلا؟ أليست خروجا عن المألوف ومع الزمن سميت قيما بعدما كانت بداية نقما وتابوهات؟.