رغم أنّ القمة العربية الأخيرة في سرت لم تكن كسابقاتها بمستوى طموحات الشعوب، إلا أنها شهدت بعض التغييرات الإيجابية على طريق تنفيذ توصياتها والمقصود هنا القمة الخماسية. فمعروف أنّ القمة العربية في دورتها الثانية والعشرين أجازت مقترحا بتشكيل لجنة خماسية عليا تكون مهمتها التقدم بمقترحات لحل أزمة العمل العربي المشترك ورغم أنّ البعض شكك في إمكانية تنفيذ مثل تلك التوصية بالنظر لتجارب القمم السابقة، إلا أنه في 28 يونيو / حزيران، فوجيء الجميع بالقمة الخماسية العربية تنعقد بالفعل في طرابلس بمشاركة الزعيم الليبي معمر القذافى والرئيس المصري حسني مبارك والشيخ حمد بن خليفة آل ثانى أمير دولة قطر والرئيس اليمنى علي عبد الله صالح والرئيس العراقى جلال طالباني، بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. ومع أنّ البيان الختامي للقمة الخماسية اكتفى بالإشارة إلى إصدار توصيات لتطوير منظومة العمل العربى المشترك سترفع إلى القمة العربية الاستثنائية المقرر عقدها في ليبيا في أكتوبر القادم دون الخوض في تفاصيل تلك التوصيات، إلا أنّ مصادر مقربة من القمة كشفت أنّ القادة بحثوا آليات تطوير منظومة العمل العربي المشترك فضلا عن إعادة هيكلة منظومة الجامعة العربية وتم التركيز في هذا الصدد على إصدار توصيات بشأن التحرك نحو تحقيق اتحاد الدول العربية وتقديم التصورات فيما يتصل بشكل هذا الاتحاد وأهدافه ومؤسساته وموعد إطلاقه. هذا بالإضافة إلى أنّ القمة بحثت الرؤية الخاصة بتطوير الجامعة العربية والأجهزة الرئيسية التابعة لها والتي من بينها إمكانية عقد القمة العربية مرتين في العام تكون إحداهما عادية وأخرى تشاورية تعقد في دولة المقر. كما تطرق القادة المشاركون في القمة إلى إمكانية إعادة تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليعقد على مستوى رؤساء الحكومات وإلى وضع المنظمات والمجالس الوزارية العربية المتخصصة وتطوير مجلس السلم والأمن العربي وتشكيل قوات حفظ السلام العربية والبرلمان العربي الدائم. وأخيرا، تطرقت القمة الخماسية إلى إمكانية إنشاء جهاز تنسيقي عربي للإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة في حالات الطواريء والكوارث والأزمات الإنسانية والنزاعات والحروب إلى جانب منتديات التعاون ورابطة الجوار العربية والإطار الزمني لإقرار التعديلات على أجهزة العمل العربي المشترك.
رابطة الجوار العربي
ويبدو أنّ التوصيات الخاصة برابطة الجوار العربي تكتسب أهمية خاصة بعد مواقف تركيا الأخيرة المساندة للقضية الفلسطينية ومجزرة أسطول الحرية وما تبعها من حديث متصاعد في العالم العربي عن ضرورة تعزيز العلاقات على جميع المستويات مع أنقرة. وكانت قمة سرت أسفرت عن تطور هام جدا فيما يتعلق بتعزيز العلاقات مع دول الجوار باعتبار ذلك ركيزة أساسية للأمن القومي العربي، حيث أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في الجلسة الختامية للقمة في مارس الماضي أنّ القادة العرب قرروا عقد قمة عربية استثنائية هذا العام لبحث مشروع إنشاء رابطة الجوار العربي وتطوير الجامعة العربية. وأضاف موسى أنّ القادة طلبوا منه رفع تقرير حول اقتراحه المتعلق برابطة الجوار لدارسته خلال القمة الاستثنائية. وجاء القرار السابق بعد أن تقدم موسى إلى القادة العرب في افتتاح قمة سرت بمشروع قرار ينص على البدء بالدعوة إلى تشكيل "رابطة إقليمية" بين الدول الإقليمية الصديقة ودول الجامعة العربية تدعى رابطة الجوار العربي وتتأسس على سياسة جوار عربية تقوم على تطوير المصالح المشتركة والتنسيق الأمني في مجمل دول الرابطة. واقترح موسى أن تضم الرابطة مختلف الدول المحيطة بالعالم العربي في آسيا وإفريقيا، كما اقترح أن توجه الدعوة الأولى إلى تركيا والثانية إلى تشاد وتشكل فور قبولهما أو قبول إحداهما رابطة الجوار العربي. ورغم أنه ظهرت خلافات بين الدول العربية حول انضمام إيران للرابطة، إلا أنه في النهاية لا بديل عن الحوار مع طهران لتوحيد الصف العربي والإسلامي في مواجهة إسرائيل، بالإضافة إلى إنهاء ما يعرف بالخلاف الطائفي الشيعي السني والذي روجت له إدارة بوش السابقة لتنفيذ مخططاتها ضد العرب والمسلمين. ولعل تصريحات موسى حول إيران تؤكد صحة الفرضية السابقة، حيث أعلن أمام قمة سرت أنّ إسرائيل تستغل قضية إيران لتحقيق مصالحها على حساب العرب، وهاجم جهود الولاياتالمتحدة وإسرائيل لتشكيل جبهة إقليمية ضد طهران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، قائلا: "إنّ إسرائيل تستغل قضية إيران لتحقيق مصالحها على حساب العرب، أنا أعرف أنّ هناك قلقا لدى العرب تجاه إيران، لكن هذا الوضع يؤكد ضرورة وجود حوار مع إيران". وما ضاعف من أهمية اقتراح موسى حول "رابطة الجوار العربي" هو استفحال الخطر الاستيطاني الإسرائيلي وتراجع إدارة أوباما عن ضغوطها على تل أبيب ، ولذا فإنه لا بديل عن استغلال الفرصة الذهبية بعد مجزرة أسطول الحرية وما أعقبها من إدانة عالمية لإسرائيل لتعزيز التضامن العربي والعلاقات مع دول الجوار وخاصة تركيا وإيران وإثيوبيا. ولعل الخلافات الحالية بين مصر والسودان من ناحية ودول منابع النيل وعلى رأسها إثيوبيا من ناحية أخرى تعطي أهمية إضافية لاقتراح "رابطة الجوار العربي" خاصة وأنّ إسرائيل استغلت انشغال العرب بأزماتهم الداخلية والخلافات فيما بينهم لإثارة القلاقل على أطراف العالم العربي وتحديدا في دول منابع النيل ومنطقة القرن الإفريقي. وبصفة عامة، فإنه بعد انكشاف زيف الغرب وانقلابه ضد حليفته تركيا لمجرد أنها رفعت راية العصيان في وجه إسرائيل، فإنه يجب على العرب الاستفادة من الدرس جيدا وعدم الثقة في وعود أمريكا والتركيز بدلا من ذلك على تعزيز التضامن العربي من ناحية وتمتين العلاقات مع دول الجوار من ناحية، فمثلث القوة في المنطقة يعتمد على التنسيق بين العرب وتركيا وإيران وهذا ما حاولت تل أبيب وواشنطن عرقلته حتى الآن بشتى الطرق.
مصالحة مصرية قطرية
مبارك وأمير قطر ويبدو أنّ إيجابيات القمة العربية الخماسية لم تقف عند التركيز على تنفيذ توصيات قمة سرت أو بحث اقتراح "رابطة الجوار العربي"، وإنما تحدثت تقارير صحفية أيضا عن حدوث مصالحة مصرية قطرية برعاية الزعيم الليبي معمر القذافي وهو أمر من شأنه أن يساهم بتنقية الأجواء العربية أكثر وأكثر. وكان تردد أن القذافى جمع الرئيس حسنى مبارك والشيخ حمد بن خليفة آل ثانى فى لقاء خاص على هامش مشاركتهما فى القمة العربية الخماسية، وبعد أن أنهى القادة الثلاثة مشاوراتهم انضم إليهم الرئيسان اليمنى على عبد الله صالح والعراقى جلال طالبانى قبل أن يخرج القادة الخمسة لالتقاط الصور التذكارية قبيل انعقاد القمة. وجاء التطور السار السابق بعد أن كشفت صحيفة "الشروق" المصرية المستقلة عشية انطلاق القمة أنّ قطر أوقفت تدخلها في جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس التي تديرها مصر، مقابل حصول الدوحة على صوت القاهرة خلال التصويت في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" على استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022. ووفقا للصحيفة، فإنّ إعلان مصر دعمها لرغبة قطر في استضافة كأس العالم 2022 وما واكبه من اتصالات دبلوماسية بين العاصمتين أسهم في دعم التقارب المصري القطري وتوقف تدخل الدوحة في ملف المصالحة. ومعروف أنّ العلاقات بين مصر وقطر شهدت توترا منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، حيث تأخذ القاهرة على الدوحة ما تعتبره هجوما من قناة "الجزيرة" على مواقف مصر السياسية ونقلها لتصريحات قادة في حماس انتقدوا فيها بشدة رفض القاهرة فتح معبر رفح، متهمين إياها بالمساهمة في حصار قطاع غزة وهو الأمر الذي دفع مصر لمقاطعة القمة التي استضافتها الدوحة في 15 يناير 2008 وأطلق عليها "قمة غزة الطارئة". وبعد حدوث المصالحة المصرية القطرية خلال القمة الخماسية، فإنه يتوقع أن تكون هناك مفاجآت سارة خلال الأيام المقبلة على صعيد تحقيق المصالحة العربية الشاملة وهو أمر سينعكس إيجابيا على القضية الفلسطينية. صور القمة العربية الخماسية