وفاء لأهل الخير في السعودية د.جهاد عبد العليم الفرا مكتب الدعوة والتعريف بالإسلام المجلس الإسلامي الدانمركي أنعم الله سبحانه وتعالى علي بأداء العمرة في شهر رمضان المبارك لهذا العام 1431 من الهجرة وزيارة مسجد حبيبي المصطفى عليه الصلاة والسلام برفقة أخي وحبيبي وقرة عيني الشيخ عبد الناصر القاسمي " أبو بلال " والذي أنعم الله عليه بادائها سنويا ومنذ ثمانية عشر عاما وله ركن تحت الرواء العثماني أمام ميزاب الكعبة المشرفة ويلتقي هناك وفي نفس المكان من كل عام برجل فاضل من مصر الحبيبة ورجل طيب خير من الرياض في المملكة العربية السعودية الحبيبة، ونشأ بينهم بسبب هذه الرفقة الطويلة والمتكررة كل عام مودة وأخوة ومحبة عظيمة فهم يعتكفون العشر الأواخر من رمضان في تلك البقعة من الحرم المكي الشريف . قال الحبيب المحبوب عليه الصلاة والسلام : " عمرة في رمضان كحجة معي " وهذا الحديث المبارك وغيره من الأحاديث ما يجعل أفئدة المسلمين تهوي إلى العمرة في رمضان من كل فج عميق حتى صار الازدحام في رمضان كالازدحام في موسم الحج . والعمرة في رمضان وبحق صفاء للروح ومبعث طمأنينة للقلب ونقاء للنفس، كيف لا والمرء يشهد من إقبال الملايين من المسلمين على الله يتضرعون إليه ويتذللون بين يديه في بيته العتيق وفي حرم نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ليس لهم بغية إلا رضوان الله وليس لهم شغل إلا عبادة الله . والمعاني العظيمة التي يشهدها الإنسان في تلك البقاع الطاهرة أكثر من أن تحصى وأعظم من أن يحاط بها . لكن أكثر ما أثر بي في هذه الرحلة المباركة مارأيته من عظيم خير أهل السعودية وتنافسهم في نيل الأجر والثواب وخدمة الصائمين وإطعامهم. ففي المدينةالمنورة وبينما كنت منشغلا في البحث عن الفندق مع اختي الكبيرة وابنتيها و عن أختنا التي قدمت لأداء العمرة مع ابنها الأكبر ولم أكن قدرأيتها منذ واحد وثلاثين سنة ووجدتها بعد عناء طويل وتعانقنا وبكينا في رحاب المسجد النبوي الشريف وكان ذلك قبيل المغرب .أنساني البحث عنها ولقاءها البحث عن طعام الإفطار. لكن ما أن ركبنا السيارة متجهين نحو الفندق حتى انهال علينا الخيرون من أهل المدينة بوجبات الإفطار يوزعونها علينا .. وتكرر هذا المشهد عندما زرنا المساجد السبعة وشهداء أحد ومسجد القبلتين .. وفي المسجد النبوي الشريف ما أن تصلي العصر حتى يتخاطفك الخيرون من أهل المدينة لتفطر على موائدهم . وفي مسجد قباء ما إن دخلناه بعد العصر حتى انهال علينا الخيرون يدعوننا إلى موائدهم الخيرة تنافس في الخير قل مثيله في الدنيا " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " . وعندما عدنا من المدينةالمنورة مع أختي الكبيرة وابنتيها واختي الوسطى وابنها لنزور أختي الثالثة في مدينة جدة فما أن وصلنا الحاجز الأمني على مشارفها إلا والمغرب قد أذن وكنا نحسب أن نصل لعند أختي قبيل المغرب ولم نكن قد تزودنا للإفطار فإذا بالحاجز الأمني يستوقفنا لا ليفتشنا ولكن ليقدم لنا الماء البارد المثلج والتمر الفاخر ويتمنى لنا السلامة بابتسامة لايملك الإنسان معها إلا أن يدعو لهم بكل خير . عدت إلى الحرم المكي الشريف ورفقة أخي الحبيب الشيخ أبو بلال وصاحبيه الجليلين السعودي والمصري وبينا كنا نتناول طعام الإفطار على موائد أحد الخيرين السعوديين صب الشيخ أبو بلال القهوة السعودية على رجله خطأ فأصيب بحرق طفيف في قدمه اليمنى فبدأ بصب الماء عليها لتبرد وقلت له بعد أن تبرد لابد لها من مرهم فلامازين للحروق وهممت أن أذهب إلى الصيدلية بعد الصلاة لآتيه به ثم انشعلت عن ذلك بالسلام على بعض الإخوان والأحباب ممن التقيناهم في الحرم المكي الشريف بعد غياب طويل وتفاجأت بعد الصلاة بصاحبه الأخ الفاضل السعودي يأتي من الصيدلية وبيده المرهم المطلوب ولا يخفى على أحد صعوبة الخروج والدخول إلى الحرم بين المغرب والعشاء بسبب الزحام الشديد إلا أن ذلك لم يثني الاخ السعودي عن المسارعة إلى الخير طمعا في الأجر فاستحييت من الأخ الشيخ أبي بلال حيث كنت أعتبر نفسي أولى به من غيري لكني قلت في نفسي ياسبحان الله هؤلاء لايسبقهم في الخير أحد. وفي ليلة التاسع والعشرين ليلة ختم القرآن حيث الزحام في أوجه أتيت للعمرة محرما ووصلت الحرم قبيل المغرب وكان المصلون قد حجزوا أماكن لهم في الحرم وفي ساحاته والشوارع المؤدية إليه من قبل صلاة العصر وأغلقت أبواب الحرم كلها إلا ممرا هيأه رجال الأمن للمحرمين فإذا مارأوك في ثياب الإحرام سمحوا لك بالدخول وإلا يقولون لك "الحرم ممتلئ بالمصلين ياحاج" عبارة يعيدوها ويكررونها بلطف دون كلل أو ملل على كل من يهم باقتحام الزحام . دخلت في ذلك الممر لأرى الخيرين مصطفين على جانبية منهم من يقول لك :" تمر ياحاج " ومنهم من يقول لك " زمزم ياحاج " ومنهم من يقدم لك القهوة السعودية والكعك ولا تخلو منهم حتى ساحة الطواف غير عابئين بازحام ولامبالين بالشدة والحر . ومرة خرجت من أحد مساجد مكة بعد أن أديت فيه صلاة العصر فإذا بمحسن يوزع صناديق تمر كبيرة فاخرة على المصلين .. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان كأنه الريح المرسلة فمنه تعلم أهل السعودية الكرام هذا الخير ومن أئمتهم ومن ولاة أمورهم . فخيرهم عميم داخل المملكة وخارجها . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة " فلكم الله يا أهل السعودية الأخيار على حسن عطائكم وطوبى لكم وحسن مآب بذلكم وتنافسكم في الخير.حقا إن بلدكم الطاهر هو بلد الخير والعطاء وحق لكم أن تنالوا شرف إكرام ضيوف الرحمن اللهم اجزهم عنا جميعا وعن ضيوف الرحمن خير الجزاء وأجزل لهم المثوبة والعطاء وأدم خيرهم وبذلهم وعم به الأرجاء إنك يامولانا سميع قريب مجيب الدعاء.