لمّا تقرأ القرآن الكريم تجد أنّ فرعون رغم أنّه علا في الأرض وجعل أهلها شيعا، كما يقول الله سبحانه وتعالى "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ"، إلى درجة أنّه قال: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" وهدّد النّبيّ موسى عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام "لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ"...، تجده قد اعتمد على مَن يزيّن له ما لم يره هو وقد طغى أو غفل عنه هو وقد لامسه بعض من حياء، "قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ"... من قومه أي من الذين استخفّهم فأطاعوه، أي من أولئك الذين وصفهم القرآن الكريم بالفاسقين، كما قال تعالى: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ"... فقد فسقوا بطاعتهم إياه أو أنّهم فسقوا من قبل ولذلك أطاعوه ففدوه بأرواحهم ومهجهم كما نراهم في كلّ عهد وفي كلّ مصر، ولو رشدوا وصلحوا ما فعلوا ذلك أبدا لأنّه كان من المفسدين... ثمّ إنّهم لم يكلّفوه بحثا عمّا يمكن فعله ضدّ هذا الرّسول المتجرّئ على لقبه – لقب الألوهية والأوحديّة - أو ضدّ هذا الذي يريد اتّباع الرّسول المبلّغ عن إله غيره، بل سارعوا إلى الإشارة عليه "قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ"... أذك العيون بينهم وحولهم... حاصرهم في أرزاقهم... صادر ممتلكاتهم... راقب تحرّكاتهم وأقطع صلاتهم... أسجنهم... عذّبهم... شهّر وشرّد بهم وبكلّ من يتعامل معهم... أزرع الشقاق والفتنة بينهم... لا تسمع لعاقلهم فإنّهم و"المتنطّعون" منهم سواء... ولا ترحم ضعفاءهم فإنّهم إن قووا على الحياة نازعوك أسباب الحياة... لا تسمع حتّى لتوسّلاتهم فإنّهم يتمسكنون حتّى يتمكّنون... لا تدرس مقترحاتهم فإنّهم مخادعون أعداء للديمقراطيّة وللمرأة... امنعهم فعل الخير فإنّه مطيّتهم إلى انتزاع الحكم منك وسبيل لإظهار درجات إفسادك لغيرك!...
إنّه كان من المفسدين ومن المنافقين... ممّن نقض العهد وأخلف الوعد وكذب الحديث وغيّر الدستور والبلاد وداس على الأصول وظلم الرعيّة وأبكى النّساء والرجال بالسويّة... ممّن طرد الفضيلة والمروءة من البلاد فأكثر الفحش والفاحشة والآلام والأسقام والزواني بلقب عازبات واللقطاء بإثبات هويّة اتهمّها مثقّفوه الفاسقون (من قومه) بأنّها مجرّد أشياء خرافيّة... قضى على الحياء فتجرّأ الولد على والده... وقضى على الأعراف فداست الزوجة على زوجها تعبّده بعد أن كانت بالطاعة السمحة تعبده، فدبّ الخلاف وكثر الخصام والطلاق وانتشرت دور إيواء المعنّفين من زوجاتهم... ضبط الأملاك بين الأزواج فبات الزواج شركة ربحيّة خاسرة... ضيّع الأملاك فبات ملك الدولة مشاعا للأصهار المعربدين... فتح البلاد لليهود الصهاينة القتلة فباتت مرتعا نجسا يُضحك منّا الأعداء ويُدمي قلوب الإخوة والأصدقاء!...
إنّهم كانوا فاسقين!... فانتظموا في عريضة طويلة ينشدون تطويلها مطالبين - حرصا منهم على تأمين مسيرة النماء والرخاء التي تعيشها بلادنا منذ التغيير المبارك وحرصا على الاستقرار والاستمرارية والعزة والكرامة التي تنعم بها بلادنا في ظل القيادة الحكيمة حسب زعمهم – سيادته بمواصلة المسيرة، وقد رأوه فيها الرّازق الطاعم الكاسي!...
وقد ساءني أن أرى ضمن القائمة أناسا ما كان لهم أن يتواجدوا فيها لولا حرصُ منشئي القائمة على التلميع الذي أتقنوه باستعمال النّجاسات السنين الطويلة... كرهت لإنسان بسيط بيّض وجه تونس برجليه - كما قال ذات يوم - أن يتواجد مع الكثير ممّن سوّد وجه تونس بمعتقداته الشاذّة أو بتصرّفاته المتخلّفة أو بمبادراته المنافقة أو بسلوكاته الساقطة... كرهت لمن لم يجد العون ذات يوم من التونسيين لمّا اتّهم بتناول المنشّطات أن ينضمّ إلى قائمة ترسّخ عدم الاهتمام به وبأشكاله وصنفه... كرهت لفنّانة حاولت جهدها المحافظة على سمتها غير المولغ في الرّداءة التواجد بجانب أخرى تمرّغت على خشبة المسرح تبلّغ بإثارة غير مسبوقة رسالتها الفنيّة "الساميّة"، في وضع يصرفنا رمضان الفضيل عن وصفه محافظة على صوم الصائمين... كرهت دمج القائمة ما لا يُدمج والتأليف بين ما لا يتآلف أبدا... وإملاء ما لا يُستساغ إملاؤه... ولولا قول الله تعالى لأصابني ما أصابني من مصطلح الحضارة والتوجّه الحضاري والتغيير والتونسيين وغير ذلك من المصطلحات التي جاءت تهدم البناء التونسي الرّاشد، فقد قال تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ"!... ومن فسق "أبدع" (من البدعة وليس من الإبداع)!...، وسارعتُ إلى قائمة أخرى تحذّر من استمرار الخَبث والخبائث أرسم اسمي بها، غير مقتنع بمجرّد تسيير العرائض إذ لا بدّ من وقفة نصوح تنبّه الفرعون إلى حتميّة الغرق وإن بإغراقه، وتنبّه الفاسقين إلى سوء مآل اتّباعهم... وإنّهم - للأسف - لن ينبهوا إلاّ إذا انبه هو أو غرق!...
كتبها عبدالحميد العدّاسي الدّنمارك في 15 أغسطس 2010