الصوناد: نظام التقسيط مكّن من اقتصاد 7 % من الاستهلاك    جلسة عمل وزارية حول ملف الهجرة    عاجل/ بعد حادثة مسبح رادس: هذا ما أمر به رئيس الدولة..    تمديد الاحتفاظ بسعدية مصباح    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    عاجل/ ديلو: قوات الأمن تحاصر عمادة المحامين للقبض على سنية الدهماني..    ترغم التحسّن الملحوظ : تعادل لا يرضي احبّاء النادي الصفاقسي    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    طقس الليلة    عاجل/ يستهدفان النساء: القبض على نفرين يستغلان سيارة تاكسي للقيام بعمليات 'براكاج'    وزير الخارجية في زيارة رسمية إلى العراق    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    قريبا ..مياه صفاقس المحلاة ستصل الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى    عاجل/ القسّام تفجّر نفقا بقوة تابعة للاحتلال في رفح.. والأخير يعلن عن قتلاه    عاجل/ الإحتلال يوسّع عملياته في رفح    نحو تنظيم مهرجان عالمي للكسكسي بهذه الولاية    قوافل قفصة تفوز على مستقبل سليمان...ترتيب مرحلة تفادي النزول للبطولة الوطنية    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    تونس ضيف شرف مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بمصر    وزارة الشباب تفتح تحقيقا في واقعة حجب علم تونس بمسبح رادس    جندوبة: حريقان والحماية المدنية تمنع الكارثة    القطاع الغابي في تونس: القيمة الاقتصادية وبيانات الحرائق    السلاطة المشوية وأمّك حورية ضمن أفضل السلطات حول العالم    قفصة: تأثيرات إيجابية لتهاطل الأمطار على مواسم الزراعات الكبرى والغراسات المثمرة والخضروات والأعلاف    الكاف: عروض مسرحية متنوعة وقرابة 600 مشاركا في الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    بقيمة 7 ملايين دينار: شركة النقل بصفاقس تتسلم 10 حافلات جديدة    بلطة بوعوان: العثور على طفل ال 17 سنة مشنوقا    بطولة روما للتنس: أنس جابر تستهل اليوم المشوار بمواجهة المصنفة 58 عالميا    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    61 حالة وفاة بسبب الحرارة الشديدة في تايلاند    دائرة الاتهام ترفض الإفراج عن محمد بوغلاب    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    بلا كهرباء ولا ماء، ديون متراكمة وتشريعات مفقودة .. مراكز الفنون الدرامية والركحية تستغيث    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    بلاغ هام للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    أبناء قرقنة ...سعداء بهزم الترجي ونحلم بالعودة إلى «الناسيونال»    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    بنزرت.. الاحتفاظ بثلاثة اشخاص وإحالة طفلين بتهمة التدليس    نبات الخزامى فوائده وأضراره    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفتتاحية العدد الأول مجلة "المنتقى من فكر الإصلاح والتجديد والوسطية"...
نشر في الحوار نت يوم 27 - 08 - 2010


مجلة "المنتقى من فكر الإصلاح والتجديد والوسطية"...
رئيس التحرير: الدكتور سعود المولى
فصلية- فكرية- حوارية- محكمة- تصدر في بيروت.
إفتتاحية العدد الأول- خريف 2010

ساهمت أحداث 11 أيلول والتطورات اللاحقة في دفع الأزمات الكامنة بين العالم العربي والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، إلى حدها الأقصى. ومن هذه الأزمات، تلك الناجمة عن سياسة "الكيل بمكيالين" التي أعتمدها الغرب منذ زمن بعيد، ومنها:
- تطبيق قرارات الامم المتحدة في حق دول عربية وإسلامية رغم ما ألحقته وتلحقه من خسائر فادحة في صفوف المدنيين، وعدم تطبيقها عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وإيجاد المبررات لتهربها من الخضوع للشرعية الدولية..
- إدانة النضال الوطني المشروع في فلسطين وتصنيفه في خانة الارهاب، بينما يتم التساهل إزاء إرهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل.
- مكافحة إنتشار أسلحة الدمار الشامل في الدول العربية والإسلامية، والتغاضي عن إمتلاك اسرائيل السلاح النووي، علماً أن مجلس الأمن كان قد أصدر بتاريخ 19/6/1981 قراراً رقمه 487 ينص على أن تضع اسرائيل منشآتها النووية فوراًً تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية، ولم تمتثل إسرائيل.
- رفع شعار الديموقراطية في العالم، وتأييد كثير من الأنظمة الاستبدادية خصوصاً في العالم العربي والاسلامي.

إن إنحياز الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، لإسرائيل واعتماده سياسة " الكيل بمكيالين" هما في جوهر الأزمة القائمة بين العالمين العربي والغربي. وقد استفادت الاتجاهات الأصولية المتطرفة من هذه الأزمة لاكتساب شرعية شعبية في المجتمعات العربية والاسلامية ، الأمر الذي أدى الى نشوب أزمات خطيرة في عدد من الدول العربية..
هذا التقابل الحاد بين الغرب والعرب، وفي أساسه قيام دولة اسرائيل، أدى الى إعاقة التطور في العالم العربي، لكنه ليس السبب الوحيد. فهناك أزمات أخرى يتحمل العرب مسؤولياتها، منها:

1. الأزمة الناجمة عن العجز عن بلورة مشروع حضاري يؤمّن مصالحة المجتمعات العربية مع الذات ومع العصر. فالعالم العربي يُعاني، لكونه جزءاً من العالم الثالث، من مخاض حضاري عميق. فهو عالم يبحث عن ذاته، وعن صيغة لوجوده، وعن موقع له في عالم اليوم يستطيع من خلاله أن يكون عنصراً إيجابياً في صنع الحضارة الإنسانية، والمساهمة في تثبيت دعائم الإستقرار والسلام، إنطلاقاً من أصالة هويته وفرادة تراثه.
2. أزمة التنمية في العالم العربي الذي يشهد إنخفاضاً في إنتاجية عناصر الانتاج بمعدل سنوي يعادل 0،2 في المئة خلال الفترة 1960-1990 في حين تسارعت معدلات التنمية في مناطق أخرى من العالم، والفجوة آخذة في الاتساع. وأسباب هذه الازمة تعود في الأساس إلى تعذر إقامة أنظمة حكم ديموقراطية قائمة على حكم القانون والمشاركة الشعبية وقادرة على رسم السياسات الإنمائية وتوفير رقابة حقيقية على تنفيذها على أسس المساءلة والشفافية. ومن الأسباب الأساسية الأخرى لهذه الازمة: وجود قيود كثيرة على مشاركة النساء في الحياة العامة، وغياب التنوع في البنية الاقتصادية بسبب الإتكال على عائدات النفط الخام والغاز، وتضخّم الإستدانة الخارجية، وتفشي ظاهرة الإهدار، والاندفاع المحموم في شراء السلاح، فضلاً عن انتشار الفساد بجميع أنواعه من رشاوى وسرقات وعمولات مشبوهة.
3. أزمة الديمقراطية في العالم العربي حيث أن الأنسان لا يستطيع ممارسة حقه في توليد السلطة ومحاسبتها. ففي العالم العربي نوعان من الأنظمة: أنظمة تقليدية لا تقر للشعب بحقه في ممارسة سيادته عبر اختيار ممثليه وتكوين مؤسساته الدستورية، وأنظمة إستبدادية تصادر مجتمعاتها، فتختزلها بحزب وتختزل الحزب بشخص. وما يجمع بين النظامين التقليدي والإستبدادي، رفضهما لمبدأ تداول السلطة وحكم القانون وحق المشاركة واحترام حقوق الانسان.
ولا يجد الإنسان من سبيل للخروج من هذا الوضع سوى العودة إلى الماضي هرباً من الحاضر وخوفاً من المستقبل. ولهذه العودة إلى الماضي أشكالها المختلفة: فإما تكون عودة إلى نوع خرافي من الدين بعد أن تكون السياسة قد اختزلته، وإما تكون عودة إلى التكوينات الطائفية والإثنية التي كانت سائدة قبل قيام الدولة الوطنية.وأحياناً تكون مزيجاً من هذا وذاك حيث تحتضن القبيلة والعشيرة والطائفة شتى التكوينات الأصولية الظلامية.
4. أزمة الحرية في العالم العربي حيث تحوّل هذا العالم إلى "سجن كبير" تعيش وتموت بين جدرانه العالية أجيال وأجيال لم يعط لها حق المشاركة في تقرير مصيرها وتحقيق ذاتها، أجيال تنظر إلى العالم فتراه في حركة دائمة يتقدم حيناً ويتراجع أحياناً، بينما الزمن، زمنها، هو زمن معلق يحرسه الخوف، الخوف من كل شيء، من الوشاية والتجسس والتنصت والأجهزة. حتى أن هذا الخوف لم يعد بحاجة إلى خارج يستند إليه، فصار خوفاً يولد نفسه بنفسه، يجعل الإنسان رقيباً على ذاته، يتولى هو بنفسه مهمة قمع كل ما من شأنه أن يعرضه إلى خطر الملاحقة. وهذه الحراسة الذاتية هي التي دفعته وتدفعه إلى التخلي عن حقه في حياة طبيعية وتعطل حسه النقدي. هكذا حكم على الإنسان العربي أن يعيش حياة كئيبة وذليلة ومملة، تنعره عقدة نقص دائمة بمجرد مقارنة وضعه مع وضع الآخرين. وتفرض هذه المقارنة نفسها عليه كل يوم، لمجرد جلوسه أمام شاشة التلفزة، فلا يجد من تفسير لوضعه سوى حجج غير مقنعة، تصّر أجهزة السلطة على تكرارها إلى ما لا نهاية، محمّلة مسؤولية مأساته إلى عدو يمتلك قدرة لا حد لها.
5. أزمة التواصل مع العالم: إن عجز العرب عن مخاطبة العالم، بما فيه من رأي عام ودول وقوى سياسية ومرجعيات دينية تدعم الحقوق العربية المشروعة، يعود الى سببين رئيسيين:
* السبب الأول هو أن بعض العرب لا يزال أسير نظرة أصولية للعالم تقوم على فرزه إلى معسكري الخير والشر، أو فسطاطي نحن وهم، فيتحول الإختلاف والتنوع في هذا المنظار الى خطر دائم وداهم ينبغي مواجهته وإلغاؤه.
* السبب الثاني هو أن غياب الديموقراطية وعدم إحترام حقوق الانسان وإعتماد أساليب القمع والقتل، وهي أمور تمارسها الأنظمة العربية، تحد من القدرة على التواصل مع شرائح واسعة من الرأي العام العالمي.

إن ما يجري في المنطقة العربية يشكل خطوة في استكمال الاجراءات الآيلة الى إرساء نظام عالمي جديد يعتمد على ليبرالية اقتصادية غير محدودة، الأمر الذي يفترض ترتيب أوضاع المنطقة سياسياً وثقافياً بشكل يمكّن منطق السوق وآلياته من التحكم في حركة الإقتصاد.
ما العمل؟
نعم إن العالم العربي يتمزق داخلياً بين فئات تعيش هواجس الماضي وآلامه وترفض عودته وبين فئات اخرى تعيش قلق المستقبل وأخطاره وتريد إعادة الماضي.. وعلى المستوى الإقليمي يتمزق العالم العربي بين وجود صهيوني توسعي استيطاني واحتلال أميركي ودولي يهدد الأمن القومي للمنطقة وبلدانها ولاستقرارها وازدهارها، وبين صراع عربي- عربي، وعربي- إيراني وعربي- تركي، يلقي بظلاله القاسية والمدمّرة على أمن العرب ووحدتهم كما على أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها.والى هذه الهواجس العربية المشروعة هناك هاجس الصعود الشيعي الذي يقلق دول المنطقة حيث للشيعة وزن وإن لم يكن لهم دور في الحكم والسلطة (السعودية،الكويت،البحرين، الامارات ،واليمن مؤخراً)، وهاجس الصعود الكردي أيضاً والذي يقلق دول المنطقة حيث للأكراد وزن ولا دور (تركيا، سوريا، إيران) ..
إلا أن كل هذه الهواجس والأخطار ليست ولا يجوز أن تكون من النوع الذي يهدد استقرار وأمن وأمان المنطقة العربية-الاسلامية الشرق أوسطية وإنما ينبغي أن تكون من نوع التحديات التي يتوجب أن نعمل جميعاً وكل من موقعه على وضعها في سياقاتها الفعلية وطرحها ضمن أطرها وإيجاد حلول لها تكون واقعية وعملية ولمصلحة العرب ودول الجوار أولاً ثم لمصلحة كل العرب والمسلمين ثانياً، ناهيك عن مصالح المجتمع الدولي والسلم العالمي..
إن على العرب والمسلمين اليوم المبادرة إلى العمل على تحييد وشل الصراعات الخارجية وضرب معادلة الغلبة والاستقواء التي أضعفت العرب كما أضعفت وأضرت دول الجوار، واستشراف مستقبل العرب من خلال صياغة خلاقة لدورهم في المنطقة وعلاقاتهم بدول الجوار والأخذ بالمثال التركي في هذا المجال.إن الحرص على العلاقات الاخوية والمميزة مع الجيران وفي طليعتهم الأخوة في الإسلام (تركيا-إيران) يتطلب أن يتم توضيح جملة حقائق أولها أن بلاد العرب لم تعد مسرحاً لتضارب السياسات الدولية وإنما يتوجب أن تكون ملتقى العرب والمسلمين لصياغة دور حضاري يليق بهم في عالم اليوم.. إن المطلوب اليوم هو الدعوة الى صياغة شراكة إقليمية استراتيجية حقيقية بين الدول العربية-الإسلامية الشرق أوسطية تشمل الأمن والاقتصاد والسياحة والزراعة والصناعة والخدمات وتضمن دوراً محدداً لكل دولة وحدوداً منطقية معقولة ومقبولة ومتعاهد عليها لكل دور، دون افتئات ولا طغيان، وعلى أسس الحوار الدائم، وحل المنازعات بالوسائل السلمية، والتحكيم في النزاعات، والاحترام المتبادل لمصالح الجميع، والتعاون والتضامن على البر والتقوى ورد الإثم والعدوان، وحسن الجوار، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل..وبإمكاننا أن أن نلعب دور المحرّض والمحفّز لإقامة شرق أوسط جديد فعلاً هو شرق أوسط الشعوب والدول العربية-الاسلامية المتعايشة لا المتحاربة، المتعاونة لا المتضاربة...شرق أوسط تتحقق فيه وبواسطة شعوبه ودوله الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والديمقراطية والتنمية والاستقرار والإزدهار لكل العرب والمسلمين...
ومن هنا مشروعنا هذا :
إن السنوات والتجارب الماضية قد كشفت لنا عن أن الهول الذي يواجهنا عرباً ومسلمين، كما مسلمين ومسيحيين، كبير جداً، ويتناول سلامتنا الجسدية المادية، ومضموننا الثقافي والقيمي، ومصالحنا الإقتصادية، في أخص ما لها من خصائص وفي أشمل ما لها من أطر. كما يتناول دورنا في العالم، إذ يراد لنا أن نكون مجموعة من البشر تزّود العالم المتقدم إمكانات السوق وتستهلك ما ينتجه على كل الصعد، وتبقى كماً مهملا لا دور لها ولا ريادة في صنع هذه المرحلة من التاريخ.
إننا في العالمين العربي والإسلامي بما نحمل من قِيَم الإسلام، نريد أن نتواصل مع العالم ونثريه، ونتعاطى معه على قاعدة "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"... فليس موقفنا من أية صيغة للنظام العالمي موقف الرفض أو التبني، وإنما نريد أن نكون جزءاً من هذا النظام الجديد إذا كان عادلاً ونريد أن نتكامل معه على أساس المساهمة في صيغته لا على أساس التلقي والخضوع.
إن الوضع العالمي الجديد يبعث على القلق وهو يثير أسئلة قلقة حارة لا نملك أجوبة لها بعد. وعلينا أن نطرح هذه الأسئلة وأن نقترح ما ينبغي أن يكون وأن نطلق حالة حوار فكري ثقافي سياسي تتواصل مع غيرها من المؤتمرات والمنتديات العربية والإسلامية ومع حركات اليقظة والتجديد والإبداع في اجتراح الأطروحة الإسلامية المعاصرة.
إن العالم الثالث عموما، والعالم العربي والإسلامي بالتحديد، يسير نحو أوضاع مثيرة للقلق. ولا تنفع هنا الوصفات الجاهزة من قبيل الإسلام هو الحل أو الدولة الإسلامية هي البديل. إن علينا تقديم أجوبة على التحديات التي تثيرها إشكالية بناء الدولة المدنية في عالمنا العربي والإسلامي، وإشكاليات العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الأمة والوطن.
إن من همومنا أيضاً أن نبحث مع غيرنا عن الشروط الضرورية لمصالحة الأمة مع ذاتها، وعن الشروط الضرورية لبناء الدولة الجامعة المتواصلة مع مجتمعها، المتكاملة معه والمعبّرة عنه، الدولة المتوازنة غير المستبدة أو المتسلطة، ولا الغائبة أو المغيبة. إن إجتراح صيغ تنظيمية جديدة لفكر سياسي جديد، هو الطريق لنهضة حقيقية وتاريخية.
إن الحريات شرط للمعرفة وبقاء المجتمع الأهلي، وإن الديمقراطية والشورى شرط لتطور مجتمعاتنا ونهوض أمتنا وتقدم شعوبنا. إن الدولة الحديثة في العالمين العربي والإسلامي لم تنتج نموذجاً للديمقراطية الخاص بها فلجأت إلى أشكال من الديكتاتورية الظاهرية والمقنعة.
إننا ندعو إلى المهادنة والمصالحة الداخلية ووقف الاحتراب والنزيف في مجتمعاتنا العربية وذلك على قاعدتي الحوار والتعددية : الحوار الإسلامي المسيحي، والحوار الإسلامي العلماني، والحوار بين الأنظمة والقوى السياسية والجماهير الشعبية. إن هذه الدعوة قد تكون مثيرة للجدل الكبير والكثير ذلك أنها تصدم نمطاً وسياقاً في العمل السياسي والديني وفي الفكر والمناهج، حكمت أمتنا ومجتمعاتنا وحركاتنا السياسية، وكانت برأينا المسؤولة عما نحن عليه اليوم من تخلف وهزيمة ومن إنتظار وتوقع لأكبر المخاطر في المستقبل. ولقد آن الأوان لإطلاق طاقات الحوار السياسي وقبول الآخر، والسلم الأهلي، والنهضة والإنماء الإنساني الشامل، ولقبول التعددية الحزبية والسياسية، وتداول السلطة بالوسائل السلمية وعبر صناديق الاقتراع، ولتوطين الديمقراطية في حياة مجتمعاتنا وصون الحريات واحترام الحقوق والواجبات.
إن دخولنا عالم الغد باعتبارنا شركاء ومسؤولين لا عملاء وتابعين مرهون بتنظيم شروط ذلك أي أن نغيّر ما بنا ليمكننا الله من تغيير وضعنا وما حولنا.
إن الشرط الداخلي للنهضة هو نحن: وحدتنا الداخلية وسلامنا الأهلي وديموقراطيتنا وحرياتنا.
وإن الشرط الخارجي للنهضة هو التوازن والعدل في السياسة الدولية. غير إن عدم تأمين الشرط الخارجي لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى التضحية بالشرط الداخلي.
إن طموحنا هو المساهمة في أطروحة انخراط الأمة من خلال قياداتها كلها في مجال الفكر والمعرفة والسياسة والتنظيم لمواجهة التحديات، وإلى دمج القوى الكامنة في أمتنا عبر المصالحة والحوار الحي المفتوح بين مجموعاتنا دولاً وموارد وقوى سياسية وفئات ثقافية وإجتماعية.
إن السياقين الكبيرين في صنع الحاضر والمستقبل منفصلان. فالقرار السياسي يعمل في سياق ومؤسسات الفكر والبحث تعمل في سياق آخر. صحيح أنه توجد مادة معرفية ولكنها لا تدخل في الآلية التي تحولها إلى طاقة. فآلياتنا تعمل من دون طاقة لأن طاقاتنا مبددة أو مخزونة أو مستغلة للآخرين. لن تستطيع المبادرة بالطبع حل هذه الإشكالات ولكن يكفي طرحها بوضوح وجرأة والحوار حولها وتعميم ذلك لتكوين حالة من المعرفة ومن التضامن تسمح بخطوات لاحقة.
إن المطلوب طرح الأسئلة بطريقة جديدة تستعيد وتستدعي وتحمل هموم مفكري النهضة جميعاً، وبالأخص السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا ( مصر) والأستاذ علال الفاسي (المغرب) والأستاذ مصالي الحاج (الجزائر) والشيخ الأعظم مرتضى النصاري والميرزا محمد حسن الشيرازي والأخوند محمد كاظم الخراساني والشيخ محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة الأصفهاني والميرزا محمد حسين النائيني والشيخ عبد الكريم الحائري والسيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد هبة الله الشهرستاني والسيد محسن الحكيم (العراق) والسيد عبد الرحمن الكواكبي والسيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين والأمير شكيب أرسلان (سوريا ولبنان)..وإعادة طرحها آخذين في الاعتبار ما استجد من معرفة ومن تجارب وتحولات واحتمالات مستقبلية وشؤون حياتية وعلاقات بين الأمم والشعوب، تمهيداً للإنشغال في الإجابة المفتوحة القابلة للاغتناء بكل ما يطرأ ويستجد بالعلاقة مع وقائع التاريخ ومعايشة الحاضر واستشراف المستقبل.
إن مشروع النهوض الحضاري وتياره هو مشروع لتجاوز التفكير المذهبي والطائفي الضيق الأفق، ولإعادة الاعتبار للعلم والمعرفة، للفكر والوعي النقدي، للجد والجهد والاجتهاد، للحوار وللممارسة النظيفة، للتضامن وللمشاركة، فنعيد الاعتبار بذلك للسياسة كعلم وفن، كممارسة نظرية وكفاعلية إجتماعية، لمصلحة الناس، وبواسطة الناس، أي لنعيد موضعة السياسة في سياق تجربة الحق والعدل في حياة البشر.
إن على المشروع الحضاري الجديد للنهضة أن يطل عبر هذه الإشكاليات والتحديات على رحابة الفكر الإسلامي وقدرته على الإغناء والتجديد والتطوير والإنماء. وأن يطل على ضرورة تكوين مناخ نفسي وجداني عقلي يعزز ويدعم الشخصية الحضارية السوية للفرد وللمجتمع.
إن ثقافة الحرب والاحتراب، والفتنة والجهل، والتكفير والهجرة، قد أكلت وتأكل عقول الناس، وأفسدت وتفسد قلوب وأذواق الناشئة. وهي أفقدت مجتمعاتنا روحها السمحة وفرحها القرآني ، وسويتها المطمئنة، وإن من أولى واجباتنا إطلاق طاقات الخير والبركة والحب والتضامن، وإعادة ترميم ذاكرة العيش المشترك وثقافة الوحدة، أي إعادة بناء الشخصية الحضارية السوية للفرد وللمجتمع.
إن إعادة البناء هذه هي عملية ثقافية ضرورية تشمل اللغة السياسية اليومية والأفكار المسبقة الرائجة، والمسلمات الخاطئة، والسلوكيات الشاذة المقيمة بين ظهرانينا، والأخلاق المستوردة والمشوهة، والانبهار السطحي بالخارج، والامتلاء المغرور الفارغ، وفقدان الشخصية الواثقة الناضجة الحكمية المطمئنة. إن إعادة البناء والتأهيل هذه تمر عبر تأصيل القيم والمبادئ الدينية المشتركة والأخلاق الإنسانية العالمية.
إن فهم الواقع واستشراف آفاق المستقبل وبالتالي رسم خطة لانتقال صحي سليم باتجاه المرتجى لا يمكن أن تتم إلا من خلال الحوار كمنهج وليس فقط كشعار. ان الحوار الساعي إلى تطوير المساحات المشتركة وتعزيز التضامن حولها، بعيداً عن نزعات الاجتزاء أو المصادرة، هو منهجنا.
إن هذا المعنى يتطلب صياغة تفكير إسلامي أصيل ومجدد، منفتح ومتجذر، تطويري تضامني، يعيد إدراج الناس في التاريخ وفي صنع المستقبل.
إن التجديد هو عملية علمية فكرية دائمة ومستجدة، إنه حركة رعائية دائبة للنتاج الإنساني بين البداية والغاية تقتضي التصحيح والتصويب حيناً كما الخلق والإبداع حينا آخر، إنه حركة تتحمل مسؤولية تحويل النظرية الى إنجاز يصوغ الواقع على أسس تحفظ للشخصية توازنها ووحدتها من خلال التمسك الواعي بالجذور وتلقي الوافد بروح نقديه.
إن التجديد يرمي إلى جعل الفكر مؤسسة ثقافية كاملة تتغلغل في ثنايا الأمة لتولد تشكيلاتها وتنتج مؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية، والتي تؤمن للأمة استمرارها التاريخي المنتظم وتطورها المنسجم وشخصيتها السوية وتفاعلها المميز في حوار الحضارات! الأمر الذي يؤمن الدور والمعنى، وهو المقصود بكونها خير أمة أخرجت للناس وبأنها الأمة الوسط..
إننا ندعو إلى الإرتباط الفكري النظري، كما السياسي العملي، بمدرسة النهضة والإصلاح والتجديد والوسطية الإسلامية، من خلال إستعادة تراث رجالها الأعلام الكبار من قادة هذه المدرسة الشهداء : الإمام روح الله الخميني والشيخ مرتضى مطهري والشيخ حسين منتظري والسيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد الغزالي ، والسيد محمد باقر الصدر والسادة مهدي الحكيم ومحمد باقر الحكيم ،والأستاذ مالك بن نبي، والدكتور مهدي بازركان والدكتورعلي شريعتي والدكتور عادل حسين والدكتور عبد الوهاب المسيري والدكتور فاضل رسول... وإن فكر هؤلاء الكبار يحيا ويتجدد ويتطور من خلال مسيرة الأحياء من طلائع النهضة المعاصرة أمثال الدكتور حسن الترابي (السودان) والأستاذ راشد الغنوشي (تونس) والمستشار الدكتور طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا (مصر) وحزب العدالة والتنمية والبديل الحضاري والأمة (المغرب) وحزب العدالة واالتنمية (تركيا) والدكتور عادل عبد المهدي (العراق) وغيرهم من أعلام النهضة والتجديد والإصلاح في لبنان وسوريا وفلسطين وكل بلاد العرب والمسلمين، الذين سنعمل على نقل إسهاماتهم الفكرية، والحوار حولها من خلال مجلتنا...

العدد الأول= 320 صفحة – يصدر في أول أيلول 2010
مقالات حول الدين والدولة والعلمانية والديمقراطية: محمد مهدي شمس الدين- عادل عبد المهدي- فاضل رسول- وجيه كوثراني- رضوان السيد- علي شريعتي- مالك بن نبي- عبد الوهاب المسيري- عبد الله النعيم- جيروم شاهين- توفيق الشاوي- سعد الدين العثماني- راشد الغنوشي- طارق البشري- رفيق عبد السلام- صلاح أرقه دان- غالب الشابندر... الخ...
نصوص تاريخية مستعادة:
1- كتاب الرسول لأهل المدينة
2- جمال الدين الأفغاني
3- محمد عبده
4- حسين النائيني
5- عبد الرحمن الكواكبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.