في رحاب كتاب "مدارج السالكين" للإمام بن القيم رحمه الله تعالى بقلم أحمد بوعشرين الأنصاري الحلقة السادسة حول أقسام الناس في "إياك نعبد وإياك نستعين"
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأصلي وأسلم على الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبعد فإني اتقدم إليكم بهذه الكلمات /النفحات من قلب كتاب مدارج السالكين للعلامة الشيخ ابن القيم رحمة الله عليه راجيا من الله أن تنفعنا جميعا هذه الكلمات وان نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ذكرنا في الحلقة الماضية، أن معنى "إياك نعبد" هو الإقرار بتوحيد ألوهية الله، بحيث لا معبود بحق سواه سبحانه، ومعنى"إياك نستعين" هي الإقرار بتوحيد ربوبيته، فهو رب العالمين وخالق كل شيء سبحانه، والجمع بين عبادته سبحانه والاستعانة به هو غاية ما ينبغي أن يكون عليه العبد، والناس بذلك على أقسام: فمنهم من يعبد الله ويستعين به على عبادته، وهم أهل التقوى والمغفرة وأهل الحق الذي يسلمون بألوهيته وحده سبحانه وربوبيته سبحانه ويفردونه في العبادة كما في الاستعانة به عليها، وهذه أجل الأقسام وأفضلها كما يقول ابن القيم رحمة الله عليه "أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، فعبادة الله غاية مرادهم وطلبهم منه أن يعينهم عليها، ويوفقهم للقيام بها، ولهذا كان من أفضل ما يسأل الرب تبارك وتعالى: الإعانة على مرضاته" وفي الحديث كما ذكر ذلك ابن القيم ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ ! و الله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، و شكرك، و حسن عبادتك" حديث صحيح في صحيح الجامع للألباني رحمه الله. ومنهم من لا يعبد الله ولا يستعين به، وهذا حال المعرضين عن الله عبادة واستعانة من كفار وجاحدين و من الذين هم في نسيان دائم لله ونعمه وكرمه سبحانه،" بل إن سأله أحدهم كما يقول ابن القيم، واستعان به. فعلى حظوظه وشهواته، لا على مرضاة ربه وحقوقه، فإنه سبحانه يسأله من في السموات والأرض: يسأله أولياؤه و أعداؤه ويمد هؤلاء وهؤلاء. و أبغض خلقه: عدوه إبليس، ومع هذا فقد سأله حاجة فأعطاه إياها، ومتعه بها، ولكن لما لم تكن عونا له على مرضاته، كانت زيادة له في شقوته، وبعده عن الله وطرده عنه. وهكذا كل من استعان به على أمر وسأله إياه، ولم يكن عونا على طاعته: كان مبعدا له عن مرضاته قاطعا له عنه ولابد" انتهى كلام ابن القيم، فليحذر المرء من عطاء الله فقد تكون نقمة عليه تزده بعدا عن الله سبحانه إذا كان متماديا في فعل ما لا يرضيه سبحانه.
ومنهم من يعبد الله ولا يستعين به، وهؤلاء إما من المتواكلين الذين كان له حظ ناقص في التوكل والاستعانة، فهم يغيبون ارتباط الأسباب بالأقدار"فلم تنفذ قوى بصائرهم على حد تعبير ابن القيم من المتحرك إلى المحرك، ومن السبب إلى المسبب، ومن الآلة إلى الفاعل. فضعفت عزائمهم وقصرت هممهم" انتهى كلام ابن القيم، ومن هؤلاء أيضا الذين يقولون "بأنه قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف، وأنه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل فإنه قد أعانه بخلق الآلات وسلامتها، وتعريف الطريق، وإرسال الرسل، وتمكينه من الفعل... فهؤلاء لهم نصيب منقوص من العبادة، لا استعانة معه. فهم موكلون إلى أنفسهم. مسدود عليهم طريق الاستعانة والتوحيد."" والكلام لابن القيم ومنهم من يقر بربوبية الله، لكنه لا يستتبعها بأن يفعل ما يرضيه سبحانه، فهو يستعين به على قضاء حوائجه وشهواته وأغراضه، فهؤلاء من جنس ما ذكرنا من قبل الذين يمدهم الله من نعمه لكن ما يزيدون إلا بعدا عنه وعن رحمته لأنهم لا يستعينون به ابتغاء مرضاته بل ابتغاء شهواتهم ورضى هواهم، فلا يظنن أحد أن إمداد الله لهؤلاء أن الله يحبهم ويرضى عنهم، يقول ابن القيم :" فمن استدل بشيء من ذلك على محبة الله لمن آتاه إياه ورضاه عنه، وأنه من أوليائه المقربين. فهو من أجهل الجاهلين، وأبعدهم عن معرفة الله ومعرفة دينه والتمييز بين ما يحبه ويرضاه ، ويكرهه ويسخطه" انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة بحول الله حول كيف هي أفضلية العبادة؟