عندما كانت الأمة الإسلامية تستعدّ لاستقبال عيد الأضحى المبارك في مثل هذا اليوم من عام 2006 لم يصدّق الكثيرون خبر إعدام القائد صدام حسين فجرا وكان عيدا مشؤوما حزنت فيه الإنسانية جمعاء على إعدام صدام بتلك الطريقة التي تدخلت فيها الإرادة الصهيو أميركية وباركها الفُرس بينما احتجت الفاتيكان واعتبرت عملية الإعدام فاجعة كبرى فيما اعتبرها الاتحاد الأوروبي خطأ فادحا وأدانت روسياالولاياتالمتحدة مباشرة. أما عربيا فقد التزمت معظم الدول العربية الصمت تجاه ما جرى في عقر دارهم ويوم عيدهم, بينما كانت فرائص القادة العرب ترتعد لئلا يلقوا ذات يوم ما لقيه صدام حسين. لم تعبّر الدول العربية جميعها عن الاحتجاج أو الرفض ولو من جانب إنساني ما عدا ليبيا التي أعلنت الحداد على إعدام صدام لمدة ثلاثة أيام. مباشرة بعد إعدام صدام خرج الرئيس الأميركي آنذاك ليعلن للعالم أن بإعدام صدام تنطلق أولى مراحل الديمقراطية في العراق. وكان كل المصفقين له خاصة من العالم العربي يعرفون أنه يضحك على ذقونهم وكانوا يتوقعون ما ألت إليه الأوضاع اليوم في العراق من قتل وذبح وتفجير وتناحر لم يهدأ يوما منذ ذلك التاريخ. وكانت تلك هي الديمقراطية التي بشّر بها الأميركان. ولم تغب الفراسة عن الراحل معمر القذافي الذي قالها صراحة ''للزعماء العرب'' في أحد اجتماعات الجامعة العربية ''اليوم صدام وغدا أنتم وستُصفّون واحدا تلو الآخر''. ومن شدة بلاهتهم وضعفهم ضحك ''الزعماء'' ولم يضحك القذافي الذي تحققت تكهناته بعد سنوات قليلة. وقُتل القذافي نفسه شر قتلة ودخلت بلاده من بعده في دوامة من العنف أتعس مما عرف العراق الشقيق. وفيما يسمونه ''ربيعا عربيا'' شاءت إرادتهم الإطاحة ببن علي التونسي ومبارك المصري وصالح اليمني وتصدع الوطن العربي فبات مشهد الدمار يتكرر يوميا في أوطننا وباتت رائحة الدم البشري تزكم أنوفنا. صدام حسين يوم إعدامه قبل أن ينطق بالشهادتيْن كانت آخر كلماته موجهة للقادة العرب وقال لهم: ''أنا أعدمتني أميركا أما أنتم فستعدمكم شعوبكم'' ثم سلّم رقبته لسفاحه وهو يرتدي معطفه الأسود الشهير لئلا ترتعد فرائصه من برد الفجر فتظن العرب أن صدام مات وهو يرتعش من شدة الخوف كما برّر وقال. ما أطول الربيع في أوطانكم أيها العرب, منذ ثماني سنوات نزلت أول قطرة ندى من رشاش أميركي لتعلن بداية ربيع دموي في وطننا العربي اختلطت فيه الرشاشات وتمازجت ولم يعد الأمريكيون لوحدهم متحلّقين حول الخارطة العربية يرومون إعادة رسمها ولم تنفذ مما يسمونه ربيعا إلا تونس التي أطلت على قعر الهاوية السحيقة ولم تقع تماما كما تقول الرواية الشعبية عندما غضب سيدي بن عروس على أهل تونس فهمّ بإلقاء المدينة في البحر لولا شفاعة سيدي محرز. واليوم تخرج تونس بشفاعة شعبها وشجاعته واعتداله بأخف الأضرار من دوامة الربيع العربي رغم أنها دفعت ثمنا باهضا. صدقت نبوءة صدام ''أما أنتم فستعدمكم شعوبكم''