أثملتها النشوة حتى عاودها الشوق إليه و ذكرت كيف أنها التقته البارحة قرب العصر.. كان يلهو بخطاه، يسير متحاملا على الأرض يرُجُّها برجولته و سرعته .. ممسكا حقيبة بيسراه و سيجارة بيمناه ..لم يلتفت نحوها.. لم يلحظ أنها كانت ترتعش فرحا لمرآه، و أنها كانت تلاحقه بأعذب قصائد الشوق و العشق، و بأنها .. كانت .. تحبه . كادت تفقد حياتها لولا هذا الرجل الطيب الذي أسرع لِينتشلها من ذكرياتها اللعينة، و يقذفها نحو قارعة الطريق صارخا " أ أنتِ عمياء ؟ "، مرت السيارة كالبرق الخاطف.. و بكت .. بكت بشدة .. بكت كثيرا، كأنها لأول مرة تبكي .. ذرفت دموعا حارقة و لاسعة كضربات سوط جلدي.. كأنها لأول مرة تتذوق طعم المرارة و تحسه صار حبلا يحيك حولها رداء البؤس ،و صارت مُخرجا لمشهد درامي بطلاه الحزن و الألم .. تقيأت قلبها و أحاسيسها، رمت بهما في ركنٍ للنسيان .. و أمسكت الكأس تفرغ ما بقي منه في جوفها.. استسلمت للحيطان في لعبة القذف الكريهة و التمايل على وقع نبضات القلب المضطربة ..كانت كلما احتضنها حائط نفر منها الآخر .. حتى بلغت الغرفة اليتيمة التي هي دائما بآنتظارها.. ارتمت بين أحضان الفراش الدافيء لِيُذيب الثلج العالق بأفكارها و يُهدِّأ من روع ثورتها ... هدهدتها ترانيم الليل تُخفف عنها وجع الفراق ..و داعبتها أحلام الطفولة البعيدة .. فارقت دموعها بقرار حاسم، خلعت عنها ما تبقى من تباريح الهوى .. و غرقت في نوم لذيذ رافقتها فيه أمانيها العِذاب و أمل صادق في أن الغد سيحمل معه إشراق الشمس و ابتسام الصباح..ألهمها السكينة إحساس جميل بأن الغد سيكون أفضل .