ردّ المؤرخ التونسي استاذ التعليم العالي بالجامعة التونسية الدكتور عبد الحميد الفهري على ادعاء شكيب درويش حول قرقنة والتي اسالت الحبر على شبكات التواصل الاجتماعي الفايسبوك وفي ما يلي رده: "رغم انشغالي دوما وبدون ملل بقضايا شعبنا وأمتنا وطبقتنا الشغيلة، فقد وجدت نفسي للمرة الثانية... مضطرا لخوض أوجاع الردّ على مسألة ذات بعدٍ جهوي في ظاهرها لكنها تخفي أمراضا وقضايا ذات أبعاد خطيرة. فردّا على العالم "البار" الدرويش أحد موالي النهضة المسخّر لتبليغ صوت حزبه في وسائل الإعلام بعد أن ترك مهنة الشرف المحاماة وتحوّل إلى مهرج رخيص، أزعج بعض أهالينا بقرقنة بإساءة الأدب وهو يتحدّث عن روايات أدرجها بين الجدّ والهزل في شكل معطيات حول النفي في الجزيرة، وجاء هذا الاعتداء بشكل مجاني ومسقط وخارج كل سياق. غير أنّ الحفر في أسباب هذا التحامل السافر على الأعراض ليس صدفة. فلأنّ هذا المرتزق أراد مباركة ارتماء يوسف الشاهد في أحضان النهضة بعد حملة غبية مسعورة تُشيْطن الجزيرة وتحمّلها مسؤولية فشل حكومته ودولته وبرلمانه في موت شبابنا غرقا في محيط الجزيرة البحري، تخلّص سي الدرويش من شرفه وهمته وضميره بمليمات قذرة ووسخة مقابل تزكية مواقف أولياء نعمته، وسقط بشكل وضيع في مستنقع الهجوم على قرقنة وهو يعلم علم اليقين أنّ ابن عمّه عماد الدرويش سلك نفس المسلك واستعمل قوّة الدولة وجهازها الأمني وأدرك بعد كل ما حصل... أنّنا لم نركع يوما للجبابرة، منذ غزوات النورمان والوندال والفرنسيين إلى زمن بورقيبة وبن علي وراهنا في عهد زبانية السبسي وعصاباته. ولا شكّ أنّك تعلم أيضا، أيها الحقوقي الممسوخ إلى دمية تحركها أطراف شيخ الوهابية والتيمية في بلادنا، أنّ أهالينا دفعوا عند الردّ على المظالم النفس والنفيس دفاعا عن كرامتهم وعزتهم . فكيف أخذك جهلك المطبق وطمعك الجشع لتمسّ بلسانك العفن من لا يقبلوا بمثلك قنّا في ضياعهم ومنظّفا لمراكبهم. فأعلم أنّ قرقنة كانت فعلا منفى، لكن لمن؟ ومتى؟ وكيف؟ كانت قرقنة منفى وملجأ للأمراء والأميرات والزعماء والشعراء وملاذا للعظماء ومستقرا أبديا لمن شرّف تونس الأمس وغدا. وإليك هذه الدفعة على الحساب في انتظار قرأتك الكتاب الذي نشرته بثلاث لغات، مع علمي أنك منذ تركت مهنة الشرف لم تعد تقرأ سوى "طرهات" بالية لتضحك عليك العامة والخاصة: إقرأ : Kerkena in cours of history، نشر مركز سىرسينا وكلية الآداب، جامعة صفاقس 2008) أهم الأحداث حول النفي واللجوء في تاريخ قرقنة من خلال المصادر اليونانية واللاتينية والعربية (ترجمة موجزة). *في 450 ق م يذكر هيرودوتوس قرقنة "كيرانيس" في أوّل كتاب في تاريخ الإنسانية قاطبة (Hérodote, Histoires, IV, 195.) *في 195 ق.م. يلجأ القائد القرطاجني حنّبعل إلى قرقنة، ويجهز في ميناءها الحربي أسطولا ويتوجّه إلى شرق المتوسط لملاقاة الرومان. ( كورونيوس نوبوس، حنّبعل، VII. .ص7.) *في 88 ق.م يلجأ ماريوس القائد القيصري وابنته إلى قرقنة في قارب صيد (Plutarque, ch. 40, p. 145). *في 2 ق م ينفي الإمبراطور الروماني Auguste ابنته جوليا Julie وعشيقها الأمير Caius Sempronius Gracchusفي قرقنة (Tacite, Annales, I, 53 et VI, 13). و (J. Mesnage, Evangélisation, p 41.) *في 484 م يتم نفي الراهب l'évêque Athénius Cercinatanus إلى قرقنة باعتباره أول داعية لحركة الاحتجاج المسيحية le Protestantisme Chrétien. (Notitia épisc. Byz) * في نهاية القرن 5 م يبني المنفي الراهب Saint Fulgence كنيسة الاختلاف مع الكلاريوس في جزيرة الرمادية (G. Lapeyre, Petite histoire de l'Eglise d'Afrique, Marseille, Publiroc. 1937. p. 37). *في 1805 يلجأ الجنرال بديع إلى قرقنة ويكتب حولها كتاب (Les archives de l'Ecole Militaire du Bardo). * في 1806 يلجأ Chateaubriand إلى قرقنة ويصف أهلها بشاعرية بالغة (l'Itinéraire, t.II, p. 196-198) * في 1839 يلجأ Félix Flachenaker إلى قرقنة ويكتب فيها تاريخ الرحلات (D'Avezac, Iles de Qerqeneh, p.77-79). * في 1947 يلجأ الحبيب بورقيبة خلسة إلى قرقنة ليتحوّل إلى القاهرة . وكان قد أمّن رحلته على متن مركب لود الرايس علي الزاهي بمساعدة خليفة حواس ومحمّد العون (موجز تاريخ تونس ، محمد الهادي الشريف) * في5 ديسمبر 1952 تغتال الدولة الفرنسية فرحات حشاد، ويتم تحويل جثمانه الطاهر بواسطة بارجة حربية إلى قرقنة ويُدفن في قريته العباسية (ع. الفهري، قرقنة من سرسيتا إلى حشاد، 2002). * في 14 مارس 1999 تودّع تونس الحبيب عاشور بطل أحداث 5 أوت، ويتمّ دفنه بقرية العباسية. *في 8 جوان 2018 يطل علينا عبر الشاشة الصغيرة بيدق مرتزق ليقول أن قرقنة كانت تستقبل النساء المغضوب عليهن. وأفيدك رفعا لجهلك أن النساء اللواتي تتحدث عنهن مذكورات في الأرشيف الوطني، اشتغل عليهن الأستاذ عبد الواحد المكني وكان عددهن أربعة أهداهن الباي لشيخ (عمدة) إحدى القرى لتشتغلن في ضيعته في شكل صخرة. لذلك قلت لك أنك لا تستطيع أن ترتقي حتى إلى مجرّد قنّ في ضيعاتنا فقد كانت الأميرات يحرثن أرضنا وذلك بشهادة عدد من الرحالة... وأخيرا ولولا احترامي لأهالينا من عائلة الدرويش الأكارم بمنزل بورقيبة لذكرت لك أشياء وأشياء قد تجبرك على هجرة البلاد لما سيلحقك من عار وعار. وأنا على يقين من أن صاحب القناة التي تشغّلُك سيؤكد لك شرفه بالانتماء للجزيرة ولقرية أبيه وجده العباسية بالذات .