عاجل/ بعد اعتراف الكيان بأرض الصومال: حماس تصدر هذا البيان وتفجرها..    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مقابلات اليوم السبت    لا تفوتوا غطسة رأس السنة بهذا الشاطئ يوم 1 جانفي 2026..    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    مستخدمو التواصل الاجتماعي مجبرون على كشف أسمائهم الحقيقية    عاجل/ تنبيه: انقطاع التيار الكهربائي غدا بهذه المناطق..    تقدم أشغال بناء المستشفى الجهوي بالقصرين مع توقع انطلاق استغلاله بداية السنة    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    هذه المرة من قابس: نجاح طبي جديد للمستشفيات التونسية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ بشرى سارة لمستعملي وسائل النقل..    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    أبرز الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 20 ديسمبر إلى26 ديسمبر 2025)    كرهبتك ''ن.ت''؟ هذا آخر أجل لتسوية الوضعية؟    سيدي بوزيد: تحرير 17 تنبيها كتابيا وحجز كميات من المواد الغذائية    السلطات التركية تصدر مذكرات اعتقال بحق 29 شخصا بسبب فضيحة مراهنات كرة القدم    قابس: تقدم مشروع اصلاح أجزاء من الطرقات المرقمة بنسبة 90 بالمائة    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    بعد ليلة البارح: كيفاش بش يكون طقس اليوم؟    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    الركراكي: التعادل أمام مالي كان محبطًا لكنه سيكون مفيدًا مستقبلاً    التشكيلة المحتملة للمنتخب التونسي في مواجهة نيجيريا    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    طقس السبت.. انخفاض نسبي في درجات الحرارة    مانشستر يونايتد يتقدم إلى المركز الخامس بفوزه 1-صفر على نيوكاسل    إعادة انتخاب محرز بوصيان رئيسًا للجنة الوطنية الأولمبية التونسية    ألمانيا.. الأمن يطلق النار على مريض بالمستشفى هددهم بمقص    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    مزاجك متعكّر؟ جرّب هذه العادات اليومية السريعة    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    الإتفاق خلال جلسة عمل مشتركة بين وزارتي السياحة والفلاحة على إحداث لجنة عمل مشتركة وقارة تتولى إقتراح أفكار ترويجية ومتابعة تنفيذها على مدار السنة    استراحة الويكاند    نشرة متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..#خبر_عاجل    فيليب موريس إنترناشونال تطلق جهاز IQOS ILUMA i في تونس دعماً للانتقال نحو مستقبل خالٍ من الدخان    قرقنة تكشف مخزونها التراثي: الحرف الأصيلة تحول إلى مشاريع تنموية    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    أيام القنطاوي السينمائية: ندوة بعنوان "مالذي تستطيعه السينما العربية أمام العولمة؟"    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    القيروان: حجز كمية من المواد الغذائية الفاسدة بمحل لبيع الحليب ومشتقاته    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    ترامب يعلن شن ضربات عسكرية أمريكية قوية في نيجيريا...لماذا؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجانب المشرق للثورة التونسية
نشر في الخبير يوم 19 - 12 - 2011

جمعية العدالة و رد الاعتبار تنشأ بعد طول انتظارجمعية سقفها وطني و عمقها إنساني كل الدماء التونسية مقدسة و لا وجودلاستثناءات أهدافنا وطنية و آلياتنا حقوقيةلا نعمل ضمن أي أجندا سياسية أو رزنامة زمنية نعمل على إنجاح العدالة الانتقالية و نرفض العدالة الانتقامية...
قال الروائي المغربي محمد شكري في رواية "الخبز الحافي":
" لقد علمتني الحياة أن انتظر؛أن اعي لعبة الزمن دون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته: قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف حتما طريقها.لا يهم ما ستؤول إليه ؛الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزنا أو نزوة غافية...أن تشعل لهيبا في المناطق الغافية...فيا أيها الليليون و النهاريون؛أيها المتشائمون و المتفائلون.أيها المتمردون ؛أيها المراهقون؛أيها العقلاء...لا تنسوا ان لعبة الزمن أقوى منا؛لعبة مميتة هي؛ لا يمكن أن نواجهها إلا بان نعيش الموت السابق لموتنا ؛أن نرقص على حبال المخاطرة نشدانا للحياة..."
تلك هي فلسفة الحياة وتلك هي حكمتها عند كل من يؤمن بحتمية التغيير فمهما تشابكت الوقائع و تقلبت المعطيات وتغلغلت الديكتاتورية فهناك إيمان راسخ بأنه لا شيء ثابت ولابد لليوم من غد.عندما أردت معرفة المعنى الحقيقي للمعاناة و تفكيك رموز الظلم و الاضطهاد لم أجد أمامي خيارا سليما سوى الحديث مع سجناء الرأي و الموقف الذين أنهاهم نظام بن علي و طحنهم ضمن تاريخ الماضي؛عذبهم بأبشع الآليات و جردهم من كل معنى وجودي؛اختار أن ينهي وجودهم من المنظومة المجتمعية؛انتقى لهم جملة من التهم الكيدية ليرتاح من عناء معارضتهم و عنادهم السياسي و الفكري و كي يخلو له الجو ليتلاعب بالرأي العام و يغلغل في أعماقه كل مقومات الديكتاتورية المطلقة...هم سجناء وهم من ظلموا و اضطهدوا غصبا عنهم ؛هم من همشهم بن علي و أزلامه وهم كذلك من تواطأت في قمعهم أطراف عديدة وجعلتهم يقبعون سنوات طوال وراء قضبان السجون و وراء أشعة الشمس...و سلسلة الوصف تطول وتطول و لا تستوفي حقهم الذي هضمه نظام بن علي و طوعه لخدمة أهدافه السلطوية.
الحديث عن ضحايا نظام بن علي الديكتاتوري يطول و يطول ولكن دعوني أقف عند هذا الحد و أوريكم الوجه المشرق للثورة التونسية بعد سقوط الطاغية؛فهذا الكم الهائل من ضحايا النظام البائد استعاد اعتباره و أفتكت وجودها ثانية اثر ثورة الحرية و الكرامة التي منحتهم الحرية و أعادت لهم قيم الإنسانية؛منحتهم لحظة أمل في غد أفضل قوامه حقوق الإنسان و أبعاد الديمقراطية.صدقوني الحديث عن ضحايا النظام ذو شجون والحديث مع مؤسسي جمعية العدالة و رد الاعتبار ذو قيمة و ذو أبعاد سامية...
هم ثلة جمعتهم أسباب و أهداف واحدة فاختاروا أن يعيدوا صياغة التاريخ بأسلوب ثوري مسالم؛هدفهم العدالة ورد الاعتبار لكل ضحايا نظام بن علي دون أسقف سياسية او رزنامات زمنية؛ لم نتعامل ببروتوكولات المجتمع المدني و لم نتقيد بالزمان و المكان عندما التقيت بالسيد كريم عبد السلام رئيس جمعية العدالة و رد الاعتبار و السيد صابر الحمروني نائب رئيس الجمعية و السيد خالد الفوني عضو هيئة مديرة مكلف بالاتصال الذين لفحت وجوههم قسمات القهر و الظلم ؛او سكنت التنهيدات وجع قلوبهم و ظل الأمل عنوان ابتساماتهم و اختزلت معاني التاريخ الإنساني في نبرات أصواتهم ؛أما مواقفهم فحملت كل مقومات الإنسانية و صورت لنا عمق بساطتهم و تجردهم من كل التهم الكيدية التي لفقت ضدهم وأودت بحياة بعضهم وكادت تنهي حياة البقية لولا مشيئة الأقدار و صدفة ثورة 14 جانفي التي انتشلتهم من رحم ديكتاتورية بن علي.
ثورة الحرية و الكرامة هي نتيجة حتمية لتراكمات اضطهادية منذ1957 وقيام الدولة التونسية على مقومات الظلم و الاستبداد هكذا كان تعريفهم المشترك للثورة التونسية التي اجمع ضيوفي على أنها ثورة متوقعة و حتمية الحدوث في نظام ديكتاتوري و استبدادي رسمه بورقيبة و كشف ملامحه المخلوع.
جمعية العدالة و رد الاعتبار تولد في رحم الثورة و التمرد
في مستهل حديثنا عن جمعية العدالة و رد الاعتبار عرفها السيد كريم عبد السلام على أنها مخاض عسير داخل آلاف السجناء السياسيين السابقين وقد عملت منذ 9 اشهر أي منذ فيفري الماضي على استقطاب اكبر عدد ممكن من ضحايا النظام و ركزت كل المبادئ التأسيسية التي ستعمل على أساسها ثم تمكنت من الشرعية القانونية منذ 17 نوفمبر الفارط و هاهي تستعد لمؤتمرها التأسيسي و انطلاق صلاحياتها الفعلية على ارض الواقع.أما السيد خالد الفوني فقد اختار أن يعرف لنا الجمعية على أساس أنها وسط منظم يعمل على إعادة الاعتبار وكل مقومات الوجود الإنساني لكل من تضرر منذ 1957 وخاصة في فترة حكم بن علي و مارست عليه أنظمة الديكتاتورية أقصى أنواع التعذيب و التهميش و الإرهاب و بالتالي تأتي هذه الجمعية من اجل تأسيس ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية المنشودة و آلية فاعلة لضمان حقوق الإنسان.من جانبه قال السيد صابر الحمروني إن جمعية العدالة و رد الاعتبار هي في حد ذاتها إعادة اعتبار لضحايا أنظمة الظلم التي عايشها الشعب التونسي بكل مستوياته و بالتالي هي هيكل حقوقي مهمته حماية الفرد التونسي من تجاوزات الأنظمة السياسية و كل عناصر الدولة و استرجاع مجمل حقوقه التي انتهكتها النظم دون أي شرعية.
هذا و قد اتفق ضيوفي على تحديد شعار أساسي لجمعية العدالة و رد الاعتبار ألا وهو"سقفنا و طني و عمقنا إنساني"و على أساس هذا الشعار أبدى كل من السيد خالد و السيد كريم و السيد صابر التزامهم الشخصي لتفعيل هذا الشعار و استعدادهم للتعاون مع كل فرد أو جهة أو منظمة أو ...تتبنى هذا المبدأ و تعمل على تفعيله في إطار قانوني وشرعي يسعى إلى المحافظة على المصلحة الوطنية و تعزيزها باليات الإصلاح الاجتماعي و شروط الانتقال الديمقراطي.
الأهداف وطنية و الآليات حقوقيّة
في السؤال عن الأهداف الكبرى لجمعية العدالة و رد الاعتبار أجابنا السيد كريم عبد السلام و حدد لنا جملة الأهداف الكبرى التي رسمتها الجمعية و ستعمل على تحقيقها و هي كما يلي:
-العمل على رد الاعتبار المادي و المعنوي لكل المناضلين ضد الديكتاتورية.
-العمل على تنقية الذاكرة الجماعية.
-الأخذ بيد ضحايا الاستبداد و إعادة إدماجهم على جميع المستويات.
- ترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية و التهيئة لمصالحة وطنية منصفة.
- التوثيق لجميع الانتهاكات المرتكبة .
ولكن بعد معرفة جملة الأهداف المرسومة للجمعية تساءلنا عن الآليات المنتظرة لتكريس هذه الأهداف و تحقيقها على ارض الواقع.وعن هذا السؤال أجابنا السيد صابر قائلا"آليات تنفيذ هذه النقاط الخمس تتمثل في طرح الأفكار و المقترحات الفعلية على الحكومة و تطويعها مع معطيات القضايا ؛هذا إلى جانب طرح هذه المآسي على مستوى جهوي و وطني و لم لا دولي حتى يعلم الرأي العام التونسي و الدولي بشاعة الجرائم النكراء التي ارتكبت في حق الشعب التونسي في كواليس اللعبة السياسية القذرة لبن علي و أزلامه التي غيرت خارطة موازين القوى و ابتدعت لنفسها قانونا و شرعية سياسية كي تتلاعب بمصير الشعب التونسي و تتشدق في المقابل بالحديث عن الديمقراطية و مدى إيمانها بحقوق الإنسان.
السيد خالد الفوني هو الآخر تحدث عن موضوع آليات تحقيق أهداف الجمعية و قال ان العمل الحقوقي في المطلق هو عمل إنساني ولكنه في تونس هو عمل مسيّس و نحن نريد القطع مع هذه الفكرة السائدة و بالتالي آلياتنا لن تنطوي تحت أي مظلة سياسية أو حزبية بل ستكون آليات موضوعية ملموسة من خلال فضح كل تجاوزات النظام السابق و عرضها على الرأي العام التونسي و الدولي و تفكيك رموزها في إطار مشروع العدالة الانتقالية التي تمثل آلية ناجعة لتحقيق العدالة و رد الاعتبار لكل من عاش الظلم و التعذيب زمن الطاغية بن علي.وأضاف ان آليات الجمعية تتجاوز الزمان و المكان في كل ما يتعلق بالانتهاكات و لا تقتصر على تاريخ 17 ديسمبر 2010 زمن اندلاع ثورة الحرية و الكرامة بل هي جرد لكل تجاوزات هياكل الدولة التونسية منذ1957 تاريخ قيامها على أنظمة الظلم و الاستبداد.وهنا استدرك السيد كريم عبد السلام قائلا" تاريخ 7 نوفمبر 1987 ليس لحظة تغيير بل هو استمرار و مواصلة للديكتاتورية و بالتالي لا يمكن غض النظر عن حقوق كل من عاش الظلم و الاستبداد قبل ذلك التاريخ...وبالتالي من الضروري القطع مع كل مقومات الديكتاتورية و على كل المتدخلين في الشأن العام التونسي العمل على حماية مكاسب الثورة و أهدافها الرامية إلى تحقيق المصلحة الوطنية"
تونس اليوم تعيد إنتاج "ماكينة" الديمقراطية
تجاذبت الحديث مع هذه الثلة اللامعة لجمعية العدالة و رد الاعتبار الذين قضوا أكثر من نصف عمرهم داخل أقفاص الاتهام و في عمق زنزانات التعذيب و التنكيل حديثي معهم لم يكن مملا بل تشعب أكثر عندما تطرقنا إلى أهم محور للجمعية و هو مشروع العدالة الانتقالية كعنصر منجّح للجمعية أو عنصر ضروري لتحقيق أهدافها و حول هذا المحور بالذات قال السيد عبد الكريم" ما يحدث اليوم في تونس هو إعادة تجديد الديمقراطية بكل مقوماتها و أهمها مشروع العدالة الانتقالية التي لا تستثني احدا من المساءلة والمحاسبة فكل الدماء التونسية مقدسة و لا وجود لاستثناءات..."
وفي خضم الحديث عن دور الجمعية أكد السيد خالد الفوني التزام جمعيتهم بالدفاع ضد كل انواع الاضطهاد السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي و الفكري و حتى الاضطهاد في لقمة العيش اليومية...إلى جانب العمل على تفكيك وحلّ الآليات التي رسخت الديكتاتورية و تقييم مؤشراتها التي تبقى مستمرة في الزمان و المكان وبالتالي تصبح لجمعية العدالة و رد الاعتبار شرعية الاستمرار و العمل دون أي قيود زمنية أو مكانية تكبلها و تنفي دورها الإنساني.
مشروع العدالة الانتقالية ترجمة صادقة للانتقال الديمقراطي
العلاقة بين جمعية العدالة و رد الاعتبار و مشروع العدالة الانتقالية هي علاقة تلازمية دون اي شك و علاقة ضرورية لتنزيل المشروعين على ارض الواقع فالعدالة الانتقالية على حد تعبير السيد رئيس الجمعية هي مرحلة انتقالية في التاريخ التونسي و هي تكريس لبداية الديمقراطية و بالتالي التعامل معها يكون على أساس عدالة انتقالية و ليست انتقامية أو تصفية حسابات شخصية أو جماعية أو عدالة منتصر بل الغاية منها هي المصلحة الوطنية و العبرة لمن يعتبر حتى لا يعاد إنتاج الديكتاتورية بأي شكل من الأشكال وللمحافظة على مبدأ السلم الاجتماعية و تحقيق مصالحة التونسي للتونسي...فنحن نرفض المحاسبة من اجل المحاسبة فقط و المسؤولية هنا جماعية في نحت الديكتاتورية كما أن العدالة الانتقالية لا يمكن ان تتخذ مكان العدالة الجنائية التي عليها ان تاخذ مجراها خاصة في قضايا القتل العمد التي يطالب أهالي الضحايا برد الاعتبار ماديا ضمن حكم جنائي عادل.
كيف يكون رد الاعتبار؟و ما هي آلياته المنطقية؟
عنصر رد الاعتبار لا جدال حول لزوميته فلن تستقيم الديمقراطية مادامت حقوق الناس مهضومة و هذه مرحلة بديهية في بناء الانتقال الديمقراطي و لكن تبقى طرق رد الاعتبار متعددة وبالنسبة لجمعية العدالة و رد الاعتبار فقد اجمع كل من السيد عبد الكريم و السيد خالد و السيد صابر على الطرق التالية لتحقيق مبدأ رد الاعتبار لضحايا أنظمة الفساد:
- رد الاعتبار ينبغي ان يكون من راس الدولة باعتبارنا اضطهدنا بكل إمكانيات الدولة المادية و المعنوية.فحتى في عمليات دفن أمواتنا لم نكن نتمتع بالمبلغ البلدي للدفن او حتى سيارات الدفن و هذه أقصى درجات الحيف و الاضطهاد.
- نطالب بالاعتذار عما اقترف ضدنا و كل ما عايشناه منذ 7 نوفمبر 1987
- نطالب بإدراج هذه"المحرقة"او المأساة ضمن مناهج التعليم و نمررها لكل الأجيال حتى تتسنى لهم معرفة بشاعة الديكتاتورية و ما تفرّخه من قمع و ظلم و اضطهاد.
- جبر الضرر ماديا و معنويا من خلال تحديد حجم الأضرار المباشرة التي طالت الضحية و غير المباشرة الي طالت عائلته و محيط علاقاته العائلية و الاجتماعية و يكون هذا التقييم من طرف الضحية نفسه.
وفي هذه النقطة بالذات استدرك ثلاثتهم ليسردوا لنا بعض الوقائع التي طالت اسرهم بسببهم و اعتبروا انفسهم ضحايا و جلادين في الوقت نفسه ؛جلادون لانهم في اعتقادهم عذبوا عائلاتهم معنويا من خلال تصديرهم في واجهة عمليات المداهمة و التحقيق معهم و استدعائهم المتواصل لبحثهم الى جانب حرمان بعض شباب العائلة من حق السفر للدراسة او اختيار الشعبة التي يريدها و يخولها له معدله بتعلة أن له أخا أو أبا أو قريبا متهم باستهداف امن الدولة و محاولة الانقلاب على النظام...وحتى زواج أفراد عائلاتهم فشل و تأخر بسبب هذه التهم و غيرها.
-المطالبة بمحاسبة الطرف الغربي نظرا لتحمله مسؤولية أخلاقية لكل ما حدث ضمن ديكتاتورية بن علي و بالتالي هو شريك او طرف في مشروع العدالة الانتقالية و هو لم يعد يشارك سلطة او شخصا معينا بل أصبح يشارك شعبا واعيا و بالتالي عليه ان يعترف بتواطئه مع نظام بن علي لحرق الوجود الإنساني للشعب التونسي و التلاعب بحقوقه لأغراض سلطوية بالأساس.
محاسبة كل الأطراف الفاعلة في العملية الاضطهادية و هي عملية جماعية و ليست فردية و بالتالي الجلاد في هذا المنظور ليس من نفذ الأوامر و قام بالتعذيب المادي وهو "البوليس" و انما هو كذلك الجلاد المعنوي الذي مارس الإرهاب الإيديولوجي و الفكري و المعنوي و يتمثل بالأساس في النخب بمختلف توجهاتها و التي أعلنت على الملإ ان قتل او حرق بعض الأشخاص هو خدمة للوطن و للصالح العام؛ بالإضافة الى الإعلام الذي اتهمه الأستاذ خالد الفوني بالتواطؤ مع ديكتاتورية بن علي و لم ينصف الى حد اليوم هذه الشريحة المضطهدة التي عانت الويلات منذ قيام الدولة التونسية و خاصة زمن المخلوع.
الجلاد في نظر المضطهدين هو ضحية أوامر فوقية فهو إنسان ضعيف لا يقدر على التمرد و الرفض لأوامر الدولة و الدليل و كما ذكر لي ضيوفي ان نسبة هامة من الجلادين يشفقون علينا و يطلبون السماح و المعذرة بعد ان يقوموا بمهمتهم ويعبرون عن عجزهم أمام غطرسة و عنجهية أصحاب القرار و السلطات الفوقية.
فعلا الحديث عن مثل هذه المشاريع الجمعياتية مهم جدا و الأهم من ذلك هو تسويق هذه المشاريع لدى الرأي العام التونسي و الدولي حتى يتسنى لهم الإطلاع على أقصى درجات الديكتاتورية المغرقة في الظلم و الاضطهاد لذلك ساترك كلمة الختام على لسان ضيوفي الذين اتفقوا على هذه الخلاصة:"جمعيتنا سقفها و طني و عمقها إنساني و هي تسعى الى بناء عدالة انتقالية حقيقية مبنية على أسس صحيحة و ليس على فراغات و أهم الأشياء فيها هو تشريك و تفعيل جميع الأطراف داخلها و الكف عن الصياغات الفوقية و تلبيسها للأطراف الحقيقيين؛ كما تسعى الى خلق حوار وطني بين الضحية و الجاني من اجل الوصول الى اتفاق أخلاقي و اجتماعي و قانوني يرمي الى مصالحة التونسي مع التونسي و تنقية ذاكرته و تفكيك جميع الألغام التاريخية و الاجتماعية و بناء ديمقراطية حقيقيّة محافظة على السلم الأهلية و الاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.