604 تبليغ بشأن امدادات مياه الشرب    مبادرة لتنظيم "الفرنشيز"    مدير جديد لوكالة التحكم في الطاقة    عاجل: تونس ضمن النخبة السياحية العالمية... أرقام قياسية في النصف الأول من 2025    مع الشروق : نذر الانفجار الداخلي قائمة    بنزرت الجنوبية: وفاة مسترابة لإمرأة مسنة    حسّان الدوس في مهرجان ليالي المهدية: فلسطين في القلب... ولمسة وفاء لزياد الرحباني    مكانة الوطن في الإسلام    وزارة الداخلية تعلن الشروع في تتبّع كل من يقف وراء حملات التضليل التي تهدد وحدة البلاد    بطولة الرابطة المحترفة الاولى: الاولمبي الباجي يعلن عن تسوية كل النزاعات والمشاركة في البطولة    الوضعية التقنية والمالية للشركة التونسية الهندية للأسمدة وآفاق إعادة هيكلتها محور جلسة عمل برئاسة وزيرة الصناعة    انطلاق فعاليات الملتقى الوطني حول الدمج المدرسي "التحديات والأفاق" ليتواصل إلى غاية 8 أوت الجاري    ترامب يفرض رسوما جمركية إضافية على الهند بنسبة 25 ٪    قفصة : برمجة 18 مهرجانا صيفيّا خلال هذه الصائفة    وزير الشؤون الدينية يكشف: إجراءات جديدة للقيام بمناسك العمرة    عاجل/ مقتل وزيرين في تحطم مروحية بهذه الدولة..    مصر تشن حملة واسعة ضد محتوى ''تيك توك''    كرة اليد: منتخب الأصاغر يفوز على المنتخب الأمريكي    السالمي: إلغاء جلسات التفاوض حاجة خطيرة وبرشة حاجات صارت اليوم تفوق الخطورة    عاجل: لقاء الترجي مهدّد بالتأجيل... وهذا هو السبب !    فتح باب الترشح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية بالمغرب وبالجزائر    اعتقال شقيق الممثلة أسماء بن عثمان في أمريكا : زوجته تكشف هذه المعطيات    توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    بعد 14 عاما من الغياب : أصالة نصري في زيارة مرتقبة لسوريا    نابل: محضنة المشاريع الناشئة "حمامات فالي هاب" تنظم لقاء التواصل بين رواد الاعمال المقيمين في تونس وفي الخارج    النوبة الجندوبية بمهرجان بلاريجيا تستعيد أمجاد الفن الشعبي    اليوم: السخانة ترتفع شوي.. وين وقداه؟    عاجل : الحرس الوطني يكشف معطيات حول فاجعة اشتعال النّار في يخت سياحي بسوسة    عاجل- سوسة : غرفة القواعد البحرية للتنشيط السياحي تنفي و توضح رواية السائحة البريطانية    عاجل: ماهي حقيقة تنحي الطبوبي؟ تصريحات رسمية تكشف كل شيء!    نجم المتلوي يعزز صفوفه بالمهاجم مهدي القشوري    50 درجة حرارة؟ البلاد هاذي سكّرت كل شي نهار كامل!    عاجل: دولة عربيّة تعلن الحرب عالكاش وتدخل بقوّة في الدفع الإلكتروني!    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    علامات في رجلك رد بالك تلّفهم ...مؤشر لمشاكل صحية خطيرة    كيلي ماك.. نجمة The Walking Dead تخسر معركتها مع المرض    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    اختتام فعاليات المهرجان الدولي للفنون الشعبية وسط أجواء احتفالية وحضور جمهوري واسع    قوات الاحتلال تعتقل صحفية فلسطينية بالضفة الغربية..#خبر_عاجل    لبنان يغيّر اسم شارع حافظ الأسد إلى زياد الرحباني    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    إحداث قنصلية عامة للجمهورية التونسية بمدينة بنغازي شرق ليبيا    كتب ولدك للسنة الثامنة أساسي (2025-2026): شوف القائمة الرسمية    جريمة مروعة تهز هذه الولاية..والسبب صادم..#خبر_عاجل    أوساكا تتأهل إلى قبل نهائي بطولة كندا المفتوحة للتنس وشيلتون يُسقط دي مينو    عاجل : وفاة بطل كأس العالم مع منتخب ألمانيا    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    فرنسا: حريق ضخم يلتهم آلاف الهكتارات بجنوب البلاد    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    مستقبل القصرين.. انهاء التعاقد مع ماهر القيزاني بالتراضي    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    استراحة صيفية    أضرار كبيرة تطال الزياتين والأشجار المثمرة في هذه الولاية بسبب "التبروري" والرياح العاتية..    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجانب المشرق للثورة التونسية
نشر في الخبير يوم 19 - 12 - 2011

جمعية العدالة و رد الاعتبار تنشأ بعد طول انتظارجمعية سقفها وطني و عمقها إنساني كل الدماء التونسية مقدسة و لا وجودلاستثناءات أهدافنا وطنية و آلياتنا حقوقيةلا نعمل ضمن أي أجندا سياسية أو رزنامة زمنية نعمل على إنجاح العدالة الانتقالية و نرفض العدالة الانتقامية...
قال الروائي المغربي محمد شكري في رواية "الخبز الحافي":
" لقد علمتني الحياة أن انتظر؛أن اعي لعبة الزمن دون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته: قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف حتما طريقها.لا يهم ما ستؤول إليه ؛الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزنا أو نزوة غافية...أن تشعل لهيبا في المناطق الغافية...فيا أيها الليليون و النهاريون؛أيها المتشائمون و المتفائلون.أيها المتمردون ؛أيها المراهقون؛أيها العقلاء...لا تنسوا ان لعبة الزمن أقوى منا؛لعبة مميتة هي؛ لا يمكن أن نواجهها إلا بان نعيش الموت السابق لموتنا ؛أن نرقص على حبال المخاطرة نشدانا للحياة..."
تلك هي فلسفة الحياة وتلك هي حكمتها عند كل من يؤمن بحتمية التغيير فمهما تشابكت الوقائع و تقلبت المعطيات وتغلغلت الديكتاتورية فهناك إيمان راسخ بأنه لا شيء ثابت ولابد لليوم من غد.عندما أردت معرفة المعنى الحقيقي للمعاناة و تفكيك رموز الظلم و الاضطهاد لم أجد أمامي خيارا سليما سوى الحديث مع سجناء الرأي و الموقف الذين أنهاهم نظام بن علي و طحنهم ضمن تاريخ الماضي؛عذبهم بأبشع الآليات و جردهم من كل معنى وجودي؛اختار أن ينهي وجودهم من المنظومة المجتمعية؛انتقى لهم جملة من التهم الكيدية ليرتاح من عناء معارضتهم و عنادهم السياسي و الفكري و كي يخلو له الجو ليتلاعب بالرأي العام و يغلغل في أعماقه كل مقومات الديكتاتورية المطلقة...هم سجناء وهم من ظلموا و اضطهدوا غصبا عنهم ؛هم من همشهم بن علي و أزلامه وهم كذلك من تواطأت في قمعهم أطراف عديدة وجعلتهم يقبعون سنوات طوال وراء قضبان السجون و وراء أشعة الشمس...و سلسلة الوصف تطول وتطول و لا تستوفي حقهم الذي هضمه نظام بن علي و طوعه لخدمة أهدافه السلطوية.
الحديث عن ضحايا نظام بن علي الديكتاتوري يطول و يطول ولكن دعوني أقف عند هذا الحد و أوريكم الوجه المشرق للثورة التونسية بعد سقوط الطاغية؛فهذا الكم الهائل من ضحايا النظام البائد استعاد اعتباره و أفتكت وجودها ثانية اثر ثورة الحرية و الكرامة التي منحتهم الحرية و أعادت لهم قيم الإنسانية؛منحتهم لحظة أمل في غد أفضل قوامه حقوق الإنسان و أبعاد الديمقراطية.صدقوني الحديث عن ضحايا النظام ذو شجون والحديث مع مؤسسي جمعية العدالة و رد الاعتبار ذو قيمة و ذو أبعاد سامية...
هم ثلة جمعتهم أسباب و أهداف واحدة فاختاروا أن يعيدوا صياغة التاريخ بأسلوب ثوري مسالم؛هدفهم العدالة ورد الاعتبار لكل ضحايا نظام بن علي دون أسقف سياسية او رزنامات زمنية؛ لم نتعامل ببروتوكولات المجتمع المدني و لم نتقيد بالزمان و المكان عندما التقيت بالسيد كريم عبد السلام رئيس جمعية العدالة و رد الاعتبار و السيد صابر الحمروني نائب رئيس الجمعية و السيد خالد الفوني عضو هيئة مديرة مكلف بالاتصال الذين لفحت وجوههم قسمات القهر و الظلم ؛او سكنت التنهيدات وجع قلوبهم و ظل الأمل عنوان ابتساماتهم و اختزلت معاني التاريخ الإنساني في نبرات أصواتهم ؛أما مواقفهم فحملت كل مقومات الإنسانية و صورت لنا عمق بساطتهم و تجردهم من كل التهم الكيدية التي لفقت ضدهم وأودت بحياة بعضهم وكادت تنهي حياة البقية لولا مشيئة الأقدار و صدفة ثورة 14 جانفي التي انتشلتهم من رحم ديكتاتورية بن علي.
ثورة الحرية و الكرامة هي نتيجة حتمية لتراكمات اضطهادية منذ1957 وقيام الدولة التونسية على مقومات الظلم و الاستبداد هكذا كان تعريفهم المشترك للثورة التونسية التي اجمع ضيوفي على أنها ثورة متوقعة و حتمية الحدوث في نظام ديكتاتوري و استبدادي رسمه بورقيبة و كشف ملامحه المخلوع.
جمعية العدالة و رد الاعتبار تولد في رحم الثورة و التمرد
في مستهل حديثنا عن جمعية العدالة و رد الاعتبار عرفها السيد كريم عبد السلام على أنها مخاض عسير داخل آلاف السجناء السياسيين السابقين وقد عملت منذ 9 اشهر أي منذ فيفري الماضي على استقطاب اكبر عدد ممكن من ضحايا النظام و ركزت كل المبادئ التأسيسية التي ستعمل على أساسها ثم تمكنت من الشرعية القانونية منذ 17 نوفمبر الفارط و هاهي تستعد لمؤتمرها التأسيسي و انطلاق صلاحياتها الفعلية على ارض الواقع.أما السيد خالد الفوني فقد اختار أن يعرف لنا الجمعية على أساس أنها وسط منظم يعمل على إعادة الاعتبار وكل مقومات الوجود الإنساني لكل من تضرر منذ 1957 وخاصة في فترة حكم بن علي و مارست عليه أنظمة الديكتاتورية أقصى أنواع التعذيب و التهميش و الإرهاب و بالتالي تأتي هذه الجمعية من اجل تأسيس ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية المنشودة و آلية فاعلة لضمان حقوق الإنسان.من جانبه قال السيد صابر الحمروني إن جمعية العدالة و رد الاعتبار هي في حد ذاتها إعادة اعتبار لضحايا أنظمة الظلم التي عايشها الشعب التونسي بكل مستوياته و بالتالي هي هيكل حقوقي مهمته حماية الفرد التونسي من تجاوزات الأنظمة السياسية و كل عناصر الدولة و استرجاع مجمل حقوقه التي انتهكتها النظم دون أي شرعية.
هذا و قد اتفق ضيوفي على تحديد شعار أساسي لجمعية العدالة و رد الاعتبار ألا وهو"سقفنا و طني و عمقنا إنساني"و على أساس هذا الشعار أبدى كل من السيد خالد و السيد كريم و السيد صابر التزامهم الشخصي لتفعيل هذا الشعار و استعدادهم للتعاون مع كل فرد أو جهة أو منظمة أو ...تتبنى هذا المبدأ و تعمل على تفعيله في إطار قانوني وشرعي يسعى إلى المحافظة على المصلحة الوطنية و تعزيزها باليات الإصلاح الاجتماعي و شروط الانتقال الديمقراطي.
الأهداف وطنية و الآليات حقوقيّة
في السؤال عن الأهداف الكبرى لجمعية العدالة و رد الاعتبار أجابنا السيد كريم عبد السلام و حدد لنا جملة الأهداف الكبرى التي رسمتها الجمعية و ستعمل على تحقيقها و هي كما يلي:
-العمل على رد الاعتبار المادي و المعنوي لكل المناضلين ضد الديكتاتورية.
-العمل على تنقية الذاكرة الجماعية.
-الأخذ بيد ضحايا الاستبداد و إعادة إدماجهم على جميع المستويات.
- ترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية و التهيئة لمصالحة وطنية منصفة.
- التوثيق لجميع الانتهاكات المرتكبة .
ولكن بعد معرفة جملة الأهداف المرسومة للجمعية تساءلنا عن الآليات المنتظرة لتكريس هذه الأهداف و تحقيقها على ارض الواقع.وعن هذا السؤال أجابنا السيد صابر قائلا"آليات تنفيذ هذه النقاط الخمس تتمثل في طرح الأفكار و المقترحات الفعلية على الحكومة و تطويعها مع معطيات القضايا ؛هذا إلى جانب طرح هذه المآسي على مستوى جهوي و وطني و لم لا دولي حتى يعلم الرأي العام التونسي و الدولي بشاعة الجرائم النكراء التي ارتكبت في حق الشعب التونسي في كواليس اللعبة السياسية القذرة لبن علي و أزلامه التي غيرت خارطة موازين القوى و ابتدعت لنفسها قانونا و شرعية سياسية كي تتلاعب بمصير الشعب التونسي و تتشدق في المقابل بالحديث عن الديمقراطية و مدى إيمانها بحقوق الإنسان.
السيد خالد الفوني هو الآخر تحدث عن موضوع آليات تحقيق أهداف الجمعية و قال ان العمل الحقوقي في المطلق هو عمل إنساني ولكنه في تونس هو عمل مسيّس و نحن نريد القطع مع هذه الفكرة السائدة و بالتالي آلياتنا لن تنطوي تحت أي مظلة سياسية أو حزبية بل ستكون آليات موضوعية ملموسة من خلال فضح كل تجاوزات النظام السابق و عرضها على الرأي العام التونسي و الدولي و تفكيك رموزها في إطار مشروع العدالة الانتقالية التي تمثل آلية ناجعة لتحقيق العدالة و رد الاعتبار لكل من عاش الظلم و التعذيب زمن الطاغية بن علي.وأضاف ان آليات الجمعية تتجاوز الزمان و المكان في كل ما يتعلق بالانتهاكات و لا تقتصر على تاريخ 17 ديسمبر 2010 زمن اندلاع ثورة الحرية و الكرامة بل هي جرد لكل تجاوزات هياكل الدولة التونسية منذ1957 تاريخ قيامها على أنظمة الظلم و الاستبداد.وهنا استدرك السيد كريم عبد السلام قائلا" تاريخ 7 نوفمبر 1987 ليس لحظة تغيير بل هو استمرار و مواصلة للديكتاتورية و بالتالي لا يمكن غض النظر عن حقوق كل من عاش الظلم و الاستبداد قبل ذلك التاريخ...وبالتالي من الضروري القطع مع كل مقومات الديكتاتورية و على كل المتدخلين في الشأن العام التونسي العمل على حماية مكاسب الثورة و أهدافها الرامية إلى تحقيق المصلحة الوطنية"
تونس اليوم تعيد إنتاج "ماكينة" الديمقراطية
تجاذبت الحديث مع هذه الثلة اللامعة لجمعية العدالة و رد الاعتبار الذين قضوا أكثر من نصف عمرهم داخل أقفاص الاتهام و في عمق زنزانات التعذيب و التنكيل حديثي معهم لم يكن مملا بل تشعب أكثر عندما تطرقنا إلى أهم محور للجمعية و هو مشروع العدالة الانتقالية كعنصر منجّح للجمعية أو عنصر ضروري لتحقيق أهدافها و حول هذا المحور بالذات قال السيد عبد الكريم" ما يحدث اليوم في تونس هو إعادة تجديد الديمقراطية بكل مقوماتها و أهمها مشروع العدالة الانتقالية التي لا تستثني احدا من المساءلة والمحاسبة فكل الدماء التونسية مقدسة و لا وجود لاستثناءات..."
وفي خضم الحديث عن دور الجمعية أكد السيد خالد الفوني التزام جمعيتهم بالدفاع ضد كل انواع الاضطهاد السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي و الفكري و حتى الاضطهاد في لقمة العيش اليومية...إلى جانب العمل على تفكيك وحلّ الآليات التي رسخت الديكتاتورية و تقييم مؤشراتها التي تبقى مستمرة في الزمان و المكان وبالتالي تصبح لجمعية العدالة و رد الاعتبار شرعية الاستمرار و العمل دون أي قيود زمنية أو مكانية تكبلها و تنفي دورها الإنساني.
مشروع العدالة الانتقالية ترجمة صادقة للانتقال الديمقراطي
العلاقة بين جمعية العدالة و رد الاعتبار و مشروع العدالة الانتقالية هي علاقة تلازمية دون اي شك و علاقة ضرورية لتنزيل المشروعين على ارض الواقع فالعدالة الانتقالية على حد تعبير السيد رئيس الجمعية هي مرحلة انتقالية في التاريخ التونسي و هي تكريس لبداية الديمقراطية و بالتالي التعامل معها يكون على أساس عدالة انتقالية و ليست انتقامية أو تصفية حسابات شخصية أو جماعية أو عدالة منتصر بل الغاية منها هي المصلحة الوطنية و العبرة لمن يعتبر حتى لا يعاد إنتاج الديكتاتورية بأي شكل من الأشكال وللمحافظة على مبدأ السلم الاجتماعية و تحقيق مصالحة التونسي للتونسي...فنحن نرفض المحاسبة من اجل المحاسبة فقط و المسؤولية هنا جماعية في نحت الديكتاتورية كما أن العدالة الانتقالية لا يمكن ان تتخذ مكان العدالة الجنائية التي عليها ان تاخذ مجراها خاصة في قضايا القتل العمد التي يطالب أهالي الضحايا برد الاعتبار ماديا ضمن حكم جنائي عادل.
كيف يكون رد الاعتبار؟و ما هي آلياته المنطقية؟
عنصر رد الاعتبار لا جدال حول لزوميته فلن تستقيم الديمقراطية مادامت حقوق الناس مهضومة و هذه مرحلة بديهية في بناء الانتقال الديمقراطي و لكن تبقى طرق رد الاعتبار متعددة وبالنسبة لجمعية العدالة و رد الاعتبار فقد اجمع كل من السيد عبد الكريم و السيد خالد و السيد صابر على الطرق التالية لتحقيق مبدأ رد الاعتبار لضحايا أنظمة الفساد:
- رد الاعتبار ينبغي ان يكون من راس الدولة باعتبارنا اضطهدنا بكل إمكانيات الدولة المادية و المعنوية.فحتى في عمليات دفن أمواتنا لم نكن نتمتع بالمبلغ البلدي للدفن او حتى سيارات الدفن و هذه أقصى درجات الحيف و الاضطهاد.
- نطالب بالاعتذار عما اقترف ضدنا و كل ما عايشناه منذ 7 نوفمبر 1987
- نطالب بإدراج هذه"المحرقة"او المأساة ضمن مناهج التعليم و نمررها لكل الأجيال حتى تتسنى لهم معرفة بشاعة الديكتاتورية و ما تفرّخه من قمع و ظلم و اضطهاد.
- جبر الضرر ماديا و معنويا من خلال تحديد حجم الأضرار المباشرة التي طالت الضحية و غير المباشرة الي طالت عائلته و محيط علاقاته العائلية و الاجتماعية و يكون هذا التقييم من طرف الضحية نفسه.
وفي هذه النقطة بالذات استدرك ثلاثتهم ليسردوا لنا بعض الوقائع التي طالت اسرهم بسببهم و اعتبروا انفسهم ضحايا و جلادين في الوقت نفسه ؛جلادون لانهم في اعتقادهم عذبوا عائلاتهم معنويا من خلال تصديرهم في واجهة عمليات المداهمة و التحقيق معهم و استدعائهم المتواصل لبحثهم الى جانب حرمان بعض شباب العائلة من حق السفر للدراسة او اختيار الشعبة التي يريدها و يخولها له معدله بتعلة أن له أخا أو أبا أو قريبا متهم باستهداف امن الدولة و محاولة الانقلاب على النظام...وحتى زواج أفراد عائلاتهم فشل و تأخر بسبب هذه التهم و غيرها.
-المطالبة بمحاسبة الطرف الغربي نظرا لتحمله مسؤولية أخلاقية لكل ما حدث ضمن ديكتاتورية بن علي و بالتالي هو شريك او طرف في مشروع العدالة الانتقالية و هو لم يعد يشارك سلطة او شخصا معينا بل أصبح يشارك شعبا واعيا و بالتالي عليه ان يعترف بتواطئه مع نظام بن علي لحرق الوجود الإنساني للشعب التونسي و التلاعب بحقوقه لأغراض سلطوية بالأساس.
محاسبة كل الأطراف الفاعلة في العملية الاضطهادية و هي عملية جماعية و ليست فردية و بالتالي الجلاد في هذا المنظور ليس من نفذ الأوامر و قام بالتعذيب المادي وهو "البوليس" و انما هو كذلك الجلاد المعنوي الذي مارس الإرهاب الإيديولوجي و الفكري و المعنوي و يتمثل بالأساس في النخب بمختلف توجهاتها و التي أعلنت على الملإ ان قتل او حرق بعض الأشخاص هو خدمة للوطن و للصالح العام؛ بالإضافة الى الإعلام الذي اتهمه الأستاذ خالد الفوني بالتواطؤ مع ديكتاتورية بن علي و لم ينصف الى حد اليوم هذه الشريحة المضطهدة التي عانت الويلات منذ قيام الدولة التونسية و خاصة زمن المخلوع.
الجلاد في نظر المضطهدين هو ضحية أوامر فوقية فهو إنسان ضعيف لا يقدر على التمرد و الرفض لأوامر الدولة و الدليل و كما ذكر لي ضيوفي ان نسبة هامة من الجلادين يشفقون علينا و يطلبون السماح و المعذرة بعد ان يقوموا بمهمتهم ويعبرون عن عجزهم أمام غطرسة و عنجهية أصحاب القرار و السلطات الفوقية.
فعلا الحديث عن مثل هذه المشاريع الجمعياتية مهم جدا و الأهم من ذلك هو تسويق هذه المشاريع لدى الرأي العام التونسي و الدولي حتى يتسنى لهم الإطلاع على أقصى درجات الديكتاتورية المغرقة في الظلم و الاضطهاد لذلك ساترك كلمة الختام على لسان ضيوفي الذين اتفقوا على هذه الخلاصة:"جمعيتنا سقفها و طني و عمقها إنساني و هي تسعى الى بناء عدالة انتقالية حقيقية مبنية على أسس صحيحة و ليس على فراغات و أهم الأشياء فيها هو تشريك و تفعيل جميع الأطراف داخلها و الكف عن الصياغات الفوقية و تلبيسها للأطراف الحقيقيين؛ كما تسعى الى خلق حوار وطني بين الضحية و الجاني من اجل الوصول الى اتفاق أخلاقي و اجتماعي و قانوني يرمي الى مصالحة التونسي مع التونسي و تنقية ذاكرته و تفكيك جميع الألغام التاريخية و الاجتماعية و بناء ديمقراطية حقيقيّة محافظة على السلم الأهلية و الاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.