تقلبات جوية مرتقبة.. ومرصد سلامة المرور يحذّر مستعملي الطريق    سفينة "عمر المختار" الليبية تبحر رسميا نحو غزة    ألمانيا تدعو لبدء عملية حل الدولتين مع الفلسطينيين وتدين هجوم الكيان على قطاع غزة    مستوطنون يقتحمون الأقصى المبارك مجددا    هزة أرضية بقوة 4.8 درجة تضرب تركيا.. #خبر_عاجل    29 ساعة في السماء.. أطول رحلة جوية مباشرة في العالم..!    البطولة الإسبانية : برشلونة يفوز على خيتافي 3-0 ويستعيد الوصافة    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    القبض على مروّج مخدرات بحوزته كوكايين وزطلة ..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "السودان يا غالي" للمخرجة التونسية هند المدب يحصد أفضل وثائقي في مهرجان بغداد السينمائي    من برلين إلى لندن: الطيران الأوروبي في قبضة هجوم سيبراني    عاجل: التيارات الباردة تدخل من طبرقة وعين دراهم.. بداية الاضطرابات الجوية    أول لقاء علني بعد الخلاف.. تأبين الناشط اليميني كيرك يجمع ترامب وماسك    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    الاستاذ سفيان بلحاج محمد رئيسا جديدا للفرع الجهوي للمحامين بتونس    قضية حاوية المخدرات بميناء رادس.. الاحتفاظ بموظفة بشركة خاصة وموظف بالديوانة    البرتغال تعلن رسميا اعترافها بدولة فلسطين    قابس...انطلاق الاستعدادات للموسم السياحي الصحراوي والواحي    آفاقها واعدة .. السياحة البديلة سند للوجهة التونسية    مع الشروق : الطباشير في عصر "شات جي بي تي"!    حافلةُ الصينِ العظيمةُ    لأول مرة في تاريخها ...التلفزة التونسية تسعى إلى إنتاج 3 مسلسلات رمضانية    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    بطولة انقلترا: ارسنال يختطف التعادل مع مانشستر سيتي 1-1    بعد جولة أوروبية راقصون من فرقة باليه أوبرا تونس يقدمون عرض "كارمن دانسي"    بطولة افريقيا لكرة اليد للصغريات (الدور النهائي): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المصري 21-33    الملعب التونسي سنيم الموريتاني (2 0) انتصار هام ل«البقلاوة»    هل تعرف أيهما أخطر على الصحة... نقص الوزن أم زيادته؟    في اليوم عالمي للزهايمر: هذه توصيات وزارة الصحة    الدورة السادسة من تظاهرة "الخروج إلى المسرح" من 26 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 2025    الحوت الميت خطر على صحتك – الهيئة الوطنية تحذر    عاجل: ثلاثية نظيفة للترجي على القوات المسلحة وتقدم كبير نحو الدور الثاني!    الشمال والوسط تحت الرعد: أمطار قوية تجي الليلة!    مشاركة 1500 عداء وعداءة في ماراطون بالمرسى عائداته مخصصة لمجابهة الانقطاع المدرسي المبكر    وزير الخارجية يترأس وفد تونس في الأشغال رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك من 22 الى 29 سبتمبر    عاجل/ هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تحذر من خطورة استهلاك هذه الأسماك..    كأس الكنفدرالية الإفريقية: النتائج الجزئية لذهاب الدور التمهيدي الأول    بطولة سان تروبيه الفرنسية للتحدي: التونسي معز الشرقي يحرز اللقب    المراقبة الاقتصادية تحجز 55 طنا من الخضر والغلال ببرج شاكير والحرايرية    قلة النوم تهدد قلبك.. تعرف شنو يصير لضغط الدم!    أمطار الخريف ''غسالة النوادر''.. شنية أهميتها للزرع الكبير؟    بحسب التوقعات: تونس الكبرى وزغوان تحت الخطر...أمطار بين 60 و90 ملم!    عاجل- تذكير: آخر أجل لإيداع التصريح بالقسط الاحتياطي الثاني للأشخاص الطبيعيين يوم 25 سبتمبر 2025    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    انتشال جثتي طفلين توفيا غرقا في قنال مجردة الوطن القبلي    سوسة: جلسة عمل لمتابعة وضعية شركة الألبان الصناعية بسيدي بوعلي    فيتنام بالمركز الأول في مسابقة إنترفيجن وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    السبت: أمطار متفرقة بالجنوب الشرقي وسحب عابرة    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجانب المشرق للثورة التونسية
نشر في الخبير يوم 19 - 12 - 2011

جمعية العدالة و رد الاعتبار تنشأ بعد طول انتظارجمعية سقفها وطني و عمقها إنساني كل الدماء التونسية مقدسة و لا وجودلاستثناءات أهدافنا وطنية و آلياتنا حقوقيةلا نعمل ضمن أي أجندا سياسية أو رزنامة زمنية نعمل على إنجاح العدالة الانتقالية و نرفض العدالة الانتقامية...
قال الروائي المغربي محمد شكري في رواية "الخبز الحافي":
" لقد علمتني الحياة أن انتظر؛أن اعي لعبة الزمن دون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته: قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف حتما طريقها.لا يهم ما ستؤول إليه ؛الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزنا أو نزوة غافية...أن تشعل لهيبا في المناطق الغافية...فيا أيها الليليون و النهاريون؛أيها المتشائمون و المتفائلون.أيها المتمردون ؛أيها المراهقون؛أيها العقلاء...لا تنسوا ان لعبة الزمن أقوى منا؛لعبة مميتة هي؛ لا يمكن أن نواجهها إلا بان نعيش الموت السابق لموتنا ؛أن نرقص على حبال المخاطرة نشدانا للحياة..."
تلك هي فلسفة الحياة وتلك هي حكمتها عند كل من يؤمن بحتمية التغيير فمهما تشابكت الوقائع و تقلبت المعطيات وتغلغلت الديكتاتورية فهناك إيمان راسخ بأنه لا شيء ثابت ولابد لليوم من غد.عندما أردت معرفة المعنى الحقيقي للمعاناة و تفكيك رموز الظلم و الاضطهاد لم أجد أمامي خيارا سليما سوى الحديث مع سجناء الرأي و الموقف الذين أنهاهم نظام بن علي و طحنهم ضمن تاريخ الماضي؛عذبهم بأبشع الآليات و جردهم من كل معنى وجودي؛اختار أن ينهي وجودهم من المنظومة المجتمعية؛انتقى لهم جملة من التهم الكيدية ليرتاح من عناء معارضتهم و عنادهم السياسي و الفكري و كي يخلو له الجو ليتلاعب بالرأي العام و يغلغل في أعماقه كل مقومات الديكتاتورية المطلقة...هم سجناء وهم من ظلموا و اضطهدوا غصبا عنهم ؛هم من همشهم بن علي و أزلامه وهم كذلك من تواطأت في قمعهم أطراف عديدة وجعلتهم يقبعون سنوات طوال وراء قضبان السجون و وراء أشعة الشمس...و سلسلة الوصف تطول وتطول و لا تستوفي حقهم الذي هضمه نظام بن علي و طوعه لخدمة أهدافه السلطوية.
الحديث عن ضحايا نظام بن علي الديكتاتوري يطول و يطول ولكن دعوني أقف عند هذا الحد و أوريكم الوجه المشرق للثورة التونسية بعد سقوط الطاغية؛فهذا الكم الهائل من ضحايا النظام البائد استعاد اعتباره و أفتكت وجودها ثانية اثر ثورة الحرية و الكرامة التي منحتهم الحرية و أعادت لهم قيم الإنسانية؛منحتهم لحظة أمل في غد أفضل قوامه حقوق الإنسان و أبعاد الديمقراطية.صدقوني الحديث عن ضحايا النظام ذو شجون والحديث مع مؤسسي جمعية العدالة و رد الاعتبار ذو قيمة و ذو أبعاد سامية...
هم ثلة جمعتهم أسباب و أهداف واحدة فاختاروا أن يعيدوا صياغة التاريخ بأسلوب ثوري مسالم؛هدفهم العدالة ورد الاعتبار لكل ضحايا نظام بن علي دون أسقف سياسية او رزنامات زمنية؛ لم نتعامل ببروتوكولات المجتمع المدني و لم نتقيد بالزمان و المكان عندما التقيت بالسيد كريم عبد السلام رئيس جمعية العدالة و رد الاعتبار و السيد صابر الحمروني نائب رئيس الجمعية و السيد خالد الفوني عضو هيئة مديرة مكلف بالاتصال الذين لفحت وجوههم قسمات القهر و الظلم ؛او سكنت التنهيدات وجع قلوبهم و ظل الأمل عنوان ابتساماتهم و اختزلت معاني التاريخ الإنساني في نبرات أصواتهم ؛أما مواقفهم فحملت كل مقومات الإنسانية و صورت لنا عمق بساطتهم و تجردهم من كل التهم الكيدية التي لفقت ضدهم وأودت بحياة بعضهم وكادت تنهي حياة البقية لولا مشيئة الأقدار و صدفة ثورة 14 جانفي التي انتشلتهم من رحم ديكتاتورية بن علي.
ثورة الحرية و الكرامة هي نتيجة حتمية لتراكمات اضطهادية منذ1957 وقيام الدولة التونسية على مقومات الظلم و الاستبداد هكذا كان تعريفهم المشترك للثورة التونسية التي اجمع ضيوفي على أنها ثورة متوقعة و حتمية الحدوث في نظام ديكتاتوري و استبدادي رسمه بورقيبة و كشف ملامحه المخلوع.
جمعية العدالة و رد الاعتبار تولد في رحم الثورة و التمرد
في مستهل حديثنا عن جمعية العدالة و رد الاعتبار عرفها السيد كريم عبد السلام على أنها مخاض عسير داخل آلاف السجناء السياسيين السابقين وقد عملت منذ 9 اشهر أي منذ فيفري الماضي على استقطاب اكبر عدد ممكن من ضحايا النظام و ركزت كل المبادئ التأسيسية التي ستعمل على أساسها ثم تمكنت من الشرعية القانونية منذ 17 نوفمبر الفارط و هاهي تستعد لمؤتمرها التأسيسي و انطلاق صلاحياتها الفعلية على ارض الواقع.أما السيد خالد الفوني فقد اختار أن يعرف لنا الجمعية على أساس أنها وسط منظم يعمل على إعادة الاعتبار وكل مقومات الوجود الإنساني لكل من تضرر منذ 1957 وخاصة في فترة حكم بن علي و مارست عليه أنظمة الديكتاتورية أقصى أنواع التعذيب و التهميش و الإرهاب و بالتالي تأتي هذه الجمعية من اجل تأسيس ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية المنشودة و آلية فاعلة لضمان حقوق الإنسان.من جانبه قال السيد صابر الحمروني إن جمعية العدالة و رد الاعتبار هي في حد ذاتها إعادة اعتبار لضحايا أنظمة الظلم التي عايشها الشعب التونسي بكل مستوياته و بالتالي هي هيكل حقوقي مهمته حماية الفرد التونسي من تجاوزات الأنظمة السياسية و كل عناصر الدولة و استرجاع مجمل حقوقه التي انتهكتها النظم دون أي شرعية.
هذا و قد اتفق ضيوفي على تحديد شعار أساسي لجمعية العدالة و رد الاعتبار ألا وهو"سقفنا و طني و عمقنا إنساني"و على أساس هذا الشعار أبدى كل من السيد خالد و السيد كريم و السيد صابر التزامهم الشخصي لتفعيل هذا الشعار و استعدادهم للتعاون مع كل فرد أو جهة أو منظمة أو ...تتبنى هذا المبدأ و تعمل على تفعيله في إطار قانوني وشرعي يسعى إلى المحافظة على المصلحة الوطنية و تعزيزها باليات الإصلاح الاجتماعي و شروط الانتقال الديمقراطي.
الأهداف وطنية و الآليات حقوقيّة
في السؤال عن الأهداف الكبرى لجمعية العدالة و رد الاعتبار أجابنا السيد كريم عبد السلام و حدد لنا جملة الأهداف الكبرى التي رسمتها الجمعية و ستعمل على تحقيقها و هي كما يلي:
-العمل على رد الاعتبار المادي و المعنوي لكل المناضلين ضد الديكتاتورية.
-العمل على تنقية الذاكرة الجماعية.
-الأخذ بيد ضحايا الاستبداد و إعادة إدماجهم على جميع المستويات.
- ترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية و التهيئة لمصالحة وطنية منصفة.
- التوثيق لجميع الانتهاكات المرتكبة .
ولكن بعد معرفة جملة الأهداف المرسومة للجمعية تساءلنا عن الآليات المنتظرة لتكريس هذه الأهداف و تحقيقها على ارض الواقع.وعن هذا السؤال أجابنا السيد صابر قائلا"آليات تنفيذ هذه النقاط الخمس تتمثل في طرح الأفكار و المقترحات الفعلية على الحكومة و تطويعها مع معطيات القضايا ؛هذا إلى جانب طرح هذه المآسي على مستوى جهوي و وطني و لم لا دولي حتى يعلم الرأي العام التونسي و الدولي بشاعة الجرائم النكراء التي ارتكبت في حق الشعب التونسي في كواليس اللعبة السياسية القذرة لبن علي و أزلامه التي غيرت خارطة موازين القوى و ابتدعت لنفسها قانونا و شرعية سياسية كي تتلاعب بمصير الشعب التونسي و تتشدق في المقابل بالحديث عن الديمقراطية و مدى إيمانها بحقوق الإنسان.
السيد خالد الفوني هو الآخر تحدث عن موضوع آليات تحقيق أهداف الجمعية و قال ان العمل الحقوقي في المطلق هو عمل إنساني ولكنه في تونس هو عمل مسيّس و نحن نريد القطع مع هذه الفكرة السائدة و بالتالي آلياتنا لن تنطوي تحت أي مظلة سياسية أو حزبية بل ستكون آليات موضوعية ملموسة من خلال فضح كل تجاوزات النظام السابق و عرضها على الرأي العام التونسي و الدولي و تفكيك رموزها في إطار مشروع العدالة الانتقالية التي تمثل آلية ناجعة لتحقيق العدالة و رد الاعتبار لكل من عاش الظلم و التعذيب زمن الطاغية بن علي.وأضاف ان آليات الجمعية تتجاوز الزمان و المكان في كل ما يتعلق بالانتهاكات و لا تقتصر على تاريخ 17 ديسمبر 2010 زمن اندلاع ثورة الحرية و الكرامة بل هي جرد لكل تجاوزات هياكل الدولة التونسية منذ1957 تاريخ قيامها على أنظمة الظلم و الاستبداد.وهنا استدرك السيد كريم عبد السلام قائلا" تاريخ 7 نوفمبر 1987 ليس لحظة تغيير بل هو استمرار و مواصلة للديكتاتورية و بالتالي لا يمكن غض النظر عن حقوق كل من عاش الظلم و الاستبداد قبل ذلك التاريخ...وبالتالي من الضروري القطع مع كل مقومات الديكتاتورية و على كل المتدخلين في الشأن العام التونسي العمل على حماية مكاسب الثورة و أهدافها الرامية إلى تحقيق المصلحة الوطنية"
تونس اليوم تعيد إنتاج "ماكينة" الديمقراطية
تجاذبت الحديث مع هذه الثلة اللامعة لجمعية العدالة و رد الاعتبار الذين قضوا أكثر من نصف عمرهم داخل أقفاص الاتهام و في عمق زنزانات التعذيب و التنكيل حديثي معهم لم يكن مملا بل تشعب أكثر عندما تطرقنا إلى أهم محور للجمعية و هو مشروع العدالة الانتقالية كعنصر منجّح للجمعية أو عنصر ضروري لتحقيق أهدافها و حول هذا المحور بالذات قال السيد عبد الكريم" ما يحدث اليوم في تونس هو إعادة تجديد الديمقراطية بكل مقوماتها و أهمها مشروع العدالة الانتقالية التي لا تستثني احدا من المساءلة والمحاسبة فكل الدماء التونسية مقدسة و لا وجود لاستثناءات..."
وفي خضم الحديث عن دور الجمعية أكد السيد خالد الفوني التزام جمعيتهم بالدفاع ضد كل انواع الاضطهاد السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي و الفكري و حتى الاضطهاد في لقمة العيش اليومية...إلى جانب العمل على تفكيك وحلّ الآليات التي رسخت الديكتاتورية و تقييم مؤشراتها التي تبقى مستمرة في الزمان و المكان وبالتالي تصبح لجمعية العدالة و رد الاعتبار شرعية الاستمرار و العمل دون أي قيود زمنية أو مكانية تكبلها و تنفي دورها الإنساني.
مشروع العدالة الانتقالية ترجمة صادقة للانتقال الديمقراطي
العلاقة بين جمعية العدالة و رد الاعتبار و مشروع العدالة الانتقالية هي علاقة تلازمية دون اي شك و علاقة ضرورية لتنزيل المشروعين على ارض الواقع فالعدالة الانتقالية على حد تعبير السيد رئيس الجمعية هي مرحلة انتقالية في التاريخ التونسي و هي تكريس لبداية الديمقراطية و بالتالي التعامل معها يكون على أساس عدالة انتقالية و ليست انتقامية أو تصفية حسابات شخصية أو جماعية أو عدالة منتصر بل الغاية منها هي المصلحة الوطنية و العبرة لمن يعتبر حتى لا يعاد إنتاج الديكتاتورية بأي شكل من الأشكال وللمحافظة على مبدأ السلم الاجتماعية و تحقيق مصالحة التونسي للتونسي...فنحن نرفض المحاسبة من اجل المحاسبة فقط و المسؤولية هنا جماعية في نحت الديكتاتورية كما أن العدالة الانتقالية لا يمكن ان تتخذ مكان العدالة الجنائية التي عليها ان تاخذ مجراها خاصة في قضايا القتل العمد التي يطالب أهالي الضحايا برد الاعتبار ماديا ضمن حكم جنائي عادل.
كيف يكون رد الاعتبار؟و ما هي آلياته المنطقية؟
عنصر رد الاعتبار لا جدال حول لزوميته فلن تستقيم الديمقراطية مادامت حقوق الناس مهضومة و هذه مرحلة بديهية في بناء الانتقال الديمقراطي و لكن تبقى طرق رد الاعتبار متعددة وبالنسبة لجمعية العدالة و رد الاعتبار فقد اجمع كل من السيد عبد الكريم و السيد خالد و السيد صابر على الطرق التالية لتحقيق مبدأ رد الاعتبار لضحايا أنظمة الفساد:
- رد الاعتبار ينبغي ان يكون من راس الدولة باعتبارنا اضطهدنا بكل إمكانيات الدولة المادية و المعنوية.فحتى في عمليات دفن أمواتنا لم نكن نتمتع بالمبلغ البلدي للدفن او حتى سيارات الدفن و هذه أقصى درجات الحيف و الاضطهاد.
- نطالب بالاعتذار عما اقترف ضدنا و كل ما عايشناه منذ 7 نوفمبر 1987
- نطالب بإدراج هذه"المحرقة"او المأساة ضمن مناهج التعليم و نمررها لكل الأجيال حتى تتسنى لهم معرفة بشاعة الديكتاتورية و ما تفرّخه من قمع و ظلم و اضطهاد.
- جبر الضرر ماديا و معنويا من خلال تحديد حجم الأضرار المباشرة التي طالت الضحية و غير المباشرة الي طالت عائلته و محيط علاقاته العائلية و الاجتماعية و يكون هذا التقييم من طرف الضحية نفسه.
وفي هذه النقطة بالذات استدرك ثلاثتهم ليسردوا لنا بعض الوقائع التي طالت اسرهم بسببهم و اعتبروا انفسهم ضحايا و جلادين في الوقت نفسه ؛جلادون لانهم في اعتقادهم عذبوا عائلاتهم معنويا من خلال تصديرهم في واجهة عمليات المداهمة و التحقيق معهم و استدعائهم المتواصل لبحثهم الى جانب حرمان بعض شباب العائلة من حق السفر للدراسة او اختيار الشعبة التي يريدها و يخولها له معدله بتعلة أن له أخا أو أبا أو قريبا متهم باستهداف امن الدولة و محاولة الانقلاب على النظام...وحتى زواج أفراد عائلاتهم فشل و تأخر بسبب هذه التهم و غيرها.
-المطالبة بمحاسبة الطرف الغربي نظرا لتحمله مسؤولية أخلاقية لكل ما حدث ضمن ديكتاتورية بن علي و بالتالي هو شريك او طرف في مشروع العدالة الانتقالية و هو لم يعد يشارك سلطة او شخصا معينا بل أصبح يشارك شعبا واعيا و بالتالي عليه ان يعترف بتواطئه مع نظام بن علي لحرق الوجود الإنساني للشعب التونسي و التلاعب بحقوقه لأغراض سلطوية بالأساس.
محاسبة كل الأطراف الفاعلة في العملية الاضطهادية و هي عملية جماعية و ليست فردية و بالتالي الجلاد في هذا المنظور ليس من نفذ الأوامر و قام بالتعذيب المادي وهو "البوليس" و انما هو كذلك الجلاد المعنوي الذي مارس الإرهاب الإيديولوجي و الفكري و المعنوي و يتمثل بالأساس في النخب بمختلف توجهاتها و التي أعلنت على الملإ ان قتل او حرق بعض الأشخاص هو خدمة للوطن و للصالح العام؛ بالإضافة الى الإعلام الذي اتهمه الأستاذ خالد الفوني بالتواطؤ مع ديكتاتورية بن علي و لم ينصف الى حد اليوم هذه الشريحة المضطهدة التي عانت الويلات منذ قيام الدولة التونسية و خاصة زمن المخلوع.
الجلاد في نظر المضطهدين هو ضحية أوامر فوقية فهو إنسان ضعيف لا يقدر على التمرد و الرفض لأوامر الدولة و الدليل و كما ذكر لي ضيوفي ان نسبة هامة من الجلادين يشفقون علينا و يطلبون السماح و المعذرة بعد ان يقوموا بمهمتهم ويعبرون عن عجزهم أمام غطرسة و عنجهية أصحاب القرار و السلطات الفوقية.
فعلا الحديث عن مثل هذه المشاريع الجمعياتية مهم جدا و الأهم من ذلك هو تسويق هذه المشاريع لدى الرأي العام التونسي و الدولي حتى يتسنى لهم الإطلاع على أقصى درجات الديكتاتورية المغرقة في الظلم و الاضطهاد لذلك ساترك كلمة الختام على لسان ضيوفي الذين اتفقوا على هذه الخلاصة:"جمعيتنا سقفها و طني و عمقها إنساني و هي تسعى الى بناء عدالة انتقالية حقيقية مبنية على أسس صحيحة و ليس على فراغات و أهم الأشياء فيها هو تشريك و تفعيل جميع الأطراف داخلها و الكف عن الصياغات الفوقية و تلبيسها للأطراف الحقيقيين؛ كما تسعى الى خلق حوار وطني بين الضحية و الجاني من اجل الوصول الى اتفاق أخلاقي و اجتماعي و قانوني يرمي الى مصالحة التونسي مع التونسي و تنقية ذاكرته و تفكيك جميع الألغام التاريخية و الاجتماعية و بناء ديمقراطية حقيقيّة محافظة على السلم الأهلية و الاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.