من منا لم يشاهد فيلم « زوربا الاغريقي » و لم ينخرط في مشروع بطله وهو جالس على مقعده في قاعة مظلمة؟ من منا لم يحلم بان يعيش ولو يوماً واحداً، ما قراه عن هبات الامم و حراك شعوبها؟ من منا لم يتلذذ بما كتب على اللوحات التي تباهت بها سواعد الناس خلال اعتصامات القصبات الثلاث أو حلقات الممر الأوسط لشارع الثورة و خاصةً على مستوى معبد النسيان ( المسرح) ؟ أغلب الاغنيات كان مطلعها : « الشعب يريد… » و أراد الشعب، تقريباً كل شيء….و أخذت تونس تسترخي فوق كنبة طبيب نفساني لتهذي كبتها أو لتستعين بمن يخرج من جوف جوفها أحناشاً ابتلعتها في عهود السحرة القدامى…اللحظات حافلة و ذات هيبة…والخوف، كل الخوف من تحقيق تنبؤات « غرامشي » : ما بين وضع إنقضى و وضع جديد لم يستقر بعد يمكن ميلاد مردة و كائنات ممسوخة »…و بدأ الحديث عن الفراغ بكل أنواعه و لم يكن مع ذلك كلاماً فارغاً. و الغريب أن الانعتاق ولد و لكن قسمات وجوه أهله على حالها إبان الولادة القيصرية…الأغلبية مارست طقوسها بالكثير من الحركة و القليل من الخشوع وذلك بالرغم من قداسة اللحظة. السياسيون في الاستمرار أباحوا لانفسهم الفوضى الخلاقة و استكثروا على المسوس فوضاه لانهم اعتبروها خانقة. و كان زوربا أصبح تونسياً و قد إنخرط الكثيرون في مشروعه الذي رأى بعضهم أنه يدنس عذرية الجبل و يمس من قداسته…لا يهم إن فشلت المشاريع الاولى، الأهم هو أن نخرج ابطالنا ومفكرينا من صفحات الكتب و أن نزج بها في شارع التاريخ و أن نرقص كلنا رقصة « السيرتاكي » و نردد : يا لها من ورطة جميلة.