إذا كان «القهر» يحطم مناعة الإنسان و«الظلم» يضعف الجهاز المناعي و«الاستبداد» يجعل جسم الإنسان فريسة سهلة... للفيروسات والميكروبات و«الطغيان» يدمر الخلايا المناعية و«التسلط» يجعله ضحية للأمراض و«الديكتاتورية» تهزم المناعة الذاتية وتسبب السرطان فماذا بقي للإنسان المقهور من صحته وحياته وهو يعيش طفولته وصباه وشبابه وكهولته تحت سماء الطغيان والاستبداد والظلم وبين ظلمة الزنزانات؟ ماذا يفعل القهر والظلم فى صحة الإنسان؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعرف أولا مفهوم «القهر» عند الحكام الطغاة وعلاقتهم بشعوبهم والصدمة المروعة فعلا على مر التاريخ هى نظرة «الحاكم المستبد الظالم شعبه» والعجيب الذى يدعو إلى السخرية أنها نظرة واحدة لا تتغير فالمواطن العادي ضعيف لا حول له ولا قوة، شخصية عاجزة تعشق الخضوع والتبعية وتستعذب الألم والمعاناة والعذاب، يعيش فى بؤس ويأس. أما الحاكم الظالم المتسلط المستبد فهو يرى نفسه أنه فوق الجميع فهو القائد والزعيم الملهم ومبعوث العناية الإلاهية وهو القوة الآمرة التي لا تعترف بالمساواة بين الناس وهو الشخصية المسيطرة التي يجب أن تخضع الشخصية الدنيا ولأن رغبة القهر والظلم تسيطر عليه فإنه يبحث عن أمانه في شخص «يبتلعه» فيبتلع المواطن العادي ويبتلع الدولة وتصل الوقاحة بالحكام الطغاة والمستبدين والذين يقهرون شعوبهم أن يفسروا هذا السلوك المريض بعشق ممارسة القهر والسيطرة، إنه الشعور «بالدونية» فى مقابل القوة والسيطرة فالمواطن العادي الذي يعاني من وجهة نظرهم المريضة «بالشعور بالدونية» واحتقار نفسه يريد أن يصبح جزءا في كل أكبر وأعظم قوة، وقد تكون هذه القوة الكبرى هي الحاكم الطاغي والظالم والمستبد. لا يخفى عن احد أن هذه المتناقضات عاشها الشعب التونسي منذ قيام الدولة عام 1956 ولم تتغير الوضعية ويعتبر أصحاب الفكر المعادي و المخالف للسلطة و الحاكم هم أكثر المستهدفين بالظلم و القهر وهم أكثر من سلبت حريتهم وقمعت أفكارهم وجهضت ثوراتهم الفكرية فلم يبق أمامهم سوى قضبان الزنزانات وأقفاص الاتهامات الكيدية والباطلة ولكن ثورة 14 جانفي قلبت موازين القوى وغيرت الوقائع و أخرجت سجناء الرأي وكل من قهر زمن الطاغية من عنق الزجاجة لتمنحهم فرصة لإعادة اعتبارهم و إرساء جمعية العدالة ورد الاعتبار التي بدأت متزنة المبادئ موضوعية الأهداف و قوية البنية. جمعية العدالة ورد الاعتبار اختارت التدرج في تحركاتها فجمعت تحت رايتها كل الأشخاص السياسيين وغيرهم الذين طالهم جبروت وحيف بن علي لتكون أكثر صلابة وصمودا أمام أي محاولات جديدة من شانها أن تعيد التاريخ إلى الوراء و تقمع مثل هذه الجمعيات الحقوقية.ولعل التأييد الوطني للجمعية هو اكبر دليل على أن فيروس ظلم بن علي قد نخر جسد الشعب التونسي بأكمله. ايمان الدجبي