الصدق من الخصال الأساسيّة لأهل الإيمان، و من لوازم الاعتقاد و العبادة و الأخلاق و العمل و السلوك، فلا تستقيم عقيدة و لا عبادة و لا إيمان... حقّ من دون صدق.. و لا تقبل عبادة من غير صدق.. و لا يصحّ عمل صالح يتجرّد عن الصدق.. و الصدق في الأخلاق و الآداب و السلوكيات.. و الصدق دليل قوّة الإرادة و صلابة الشخصية.. فالإيمان يرفض الكذب لأنّه إحدى خصال النّفاق.. وهو يدلّ على الشخصية الضعيفة و القلقة و الخائفة.. وهو أمارة عن فقدان الرجولة و اختلال توازن الشخصية، لذلك أمرنا الحقّ تبارك و تعالى بالصدق و بشّر بالثواب عليه، و حرّم علينا الكذب و أنذر بالعقاب عليه، فقال تبارك و تعالى: " يا أَيُّها الذينَ آمنوا اتّقُوا اللهَ و كونوا مع الصَّادِقِينَ ". ( سورة التوبة الآية: 119 )، و قال سبحانه في بيان أوصاف المؤمنين: " إنّ المسلمينَ و المسلماتِ و المؤمنينَ و المؤمناتِ و القانتين و القانتاتِ و الصّادقينَ و الصّادقاتِ... ". ( سورة الأحزاب من الآية: 35 )، و حذّر الله سبحانه من الكذب و الكاذبين، فقال عزّ و جلّ: " قُلْ إنَّ الذينَ يَفْتَرُونَ على اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ".( سورة يونس الآية: 69 )، لأنّ الكذب رذيلة، و تغيير للأحداث و قلب للموازين، و سبب من أسباب تضليل النّاس و الإيقاع بهم في متاهات الشك و القلق و اليأس.. فكيف تكون صادقا و تحفظ لسانك من قول الزور و البهتان و الكذب !!؟ أيّها المسلم: لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن صورة و ميّزه على كثير من المخلوقات.. ثمّ أكمل الله سبحانه حسن تلك الصورة، بأن أرسل إليه رسله مبشّرين، و منذرين، حتّى يتميّز هذا الإنسان على بقيّة المخلوقات بالهدى، و المنهاج القويم.. فإذا قد أعطاه: جمال الظّاهر، و جمال الباطن.. و بجمال الباطن يتميّز المؤمن عن الكافر.. فالمؤمن جمّل الله صورته و سريرته، و أمّا الكافر فهو: جميل الصّورة، قبيح السريرة !! و جمال باطن المسلم بحسب أخذه من هدي الشّرع، فكلّا كان نصيبه من ذلك كبيرا، كان حظّه من جمال الباطن أكثر.. و خير ما جمّل به المسلم المؤمن باطنه قبل صورته: حفظ اللّسان. كيف ذلك ؟!! اللّسان نعمة من الله كغيره من النعم العديدة، فهو عضو من أعضاء الإنسان، له مهمّة يؤدّيه كبقية الأعضاء لها مهمّات تؤدّيها في جسم الإنسان.. و يمكن الجزم بأنّ هذه المهمّة تعدّ عظيمة مقارنة بمهمّات بقية الأعضاء، إذ هو القائد فيها بما تفعل من خير أو شرّ.. به يستقيم البدن، فإذا استقام اللّسان استقامت بقية الأعضاء، و إذا فسد اللّسان فسدت بقية الأعضاء.. قال عليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهه: اللّسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح، و إذا اضطرب اللّسان لم تقم له جارحة.. و الدّليل على مكانة اللّسان و دوره الهام في جسم الإنسان، أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم، ربط استقامت الإيمان باستقامة اللّسان فقال: " لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، و لا يستقيم قلبه، حتّى يستقيم لسانه، و لا يدخل الجنّة رجل لا يأمن جاره بوائقه ". ( أخرجه الإمام أحمد و ابن أبي الدّنيا في الصمت، صحيح الترغيب للشيخ الألباني رقم: 2865 ). و ذكر الله تعالى نعمة اللّسان في سورة البلد، قوله سبحانه: " أَلَمْ نَجْعَل لَهُ عَيْنَيْنِ* و لِسَانًا و شَفَتَيْنِ ". ( سورة البلد الآيتان: 8 و 9 ). أيّها القارئ الكريم، هذه إشارات تدلّ على أهميّة اللّسان، و عظيم خطره، فواجب كل مسلم وقّاف عند حدود الله، حريص على ما يحقّق له النفع في الدّنيا و الفوز و النجاة في الآخرة، أن يحفظ لسانه، و أن لا يستعمله في أغراض السوء و التعدّي على الآخرين.. فكيف تحفظ لسانك، و لا تسلك بها طريق المهالك..؟ لم يعد لنا مزيد و غدا هناك جديد