دفاع مستميت ومنابر حوار وأشياء أخرى هل يمثل 2600 شخص الشعب التونسي يا "سيقما كونساي"؟
يبدو أنه كتب على هذا الشعب أن يعيش مهازل السياسيين مهزلة بعد مهزلة وفصلا بعد فصل..فبعد الصراع حول تركيبة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وما نتج عنه من انشقاقات وتصدع..وبعد "المبادرات" التي تظهر بين الحين والحين...والمهاترات والتحالفات والتآلفات..تأتي "نمنامة" الاستفتاء لتدخل البلاد في دوامة لا أحد يعر كيف الخروج منها. وعندما يطرح موضوع الاستفتاء في هذا التوقيت بالذات فإنه يفرض الكثير من التساؤل والاستفهامات خاصة في ظل تجند بعض الأطراف للدفاع بكل استمانة عن استفتاء يبدو للبعض الاخر ارتدادا وتنكرا لتضحيات الشعب الذي قام بالثورة وحده...وبلا أحزاب سياسية أصلا. "تبلعيط" لخدمة الأهداف كثرت الاجتماعات هنا وهناك ورفعت شعارات عديدة مفادها أننا "جميعا" مع الاستفتاء...و"جميعا" هذه لست ادري من أين أتوا بها اللهم إلا إذا كان كل واحد من دعاة الاستفتاء يرى في نفسه عشرة آلاف شخص في شخص واحد...! ( 10000 en 1) ولعل أغرب ما في الحكاية أنك عندما تسأل احد هؤلاء لماذا تريد الاستفتاء يجيبك بأن الشعب التونسي يريد الاستفتاء. أما الحقيقة الوحيدة في كل ما يجري فهي أن الشعب هو الغائب الوحيد في كل هذه المهاترات السياسية..كلهم يتحدثون باسمه وكلهم يزعمون أنهم يمثلونه والحال أنه لا واحد فيهم يمثل غير نفسه. دور حنبعل المشبوه! بعد حوالي شهر من الثورة كتبت وقلت إن قناة حنبعل تلعب دورا مشبوها في هذه البلاد...آنذاك لامني البعض لكن الأيام بينت باستمرار أنني لم أكن مخطئا.فبما أن باعث القناة يحلم بأن يصبح رئيسا للبلاد (ومرة أخرى أقول له تعيى وتقبض) فقد فصّل المحيطون به وخيطوا ثوب تونس في المستقبل من خلال تلك الومضة الدعائية التعيسة التي يزعم هؤلاء اننا "كلنا نريد أن نعرف الرئيس الجديد الذي سيحكمنا" و"كلنا مع الاستفتاء الحاسم يوم 23 اكتوبر"!! يا عبد من قال لك أصلا إن الشعب سيختار النظام الرئاسي أصلا؟! لقد سخرت حنبعل كافة إمكاناتها لإيهام الشعب بأنه (أي الشعب نفسه) يرغب في الاستفتاء...وبناء عليه كثرت منابر الحوار الداعية للاستفتاء وكثرت استضافات الداعين للاستفتاء وكل ذلك بدعوى وهمية مفادها أن الشعب مع الاستفتاء...! بالحاج علي للمرة الألف وطبعا كي تنجح المسرحية لابد من دعوة أشخاص يتقنون فن الخطابة والكلام..وأول أمس في "ملف الساعة" جاء منذر الحاج علي رئيس حزب "وعد" (وقد حضر بحنبعل للمرة الألف) ودافع عن فكرة الاستفتاء معتمدا على مخاطبة الشعب مباشرة ودعوته إلى "أخذ حقه" بنفسه وعلى أسلوب خطابة يلامس الوجدان قبل العقل...أما محتوى "الدفاع" فلم يقنع إلا القليل. النهضة والإقناع والتجمع في البرنامج ذاته حضر "سمير ديلو" ممثلا عن حزب النهضة ومنذ البداية كان على خلاف مع منذر بالحاج علي...أنا شخصيا ومنذ ولادتي,ضد فكر النهضة ورغم ذلك أعترف بأن "ديلو" كان مقنعا في كلامه على عكس "صاحبة" تماما. فقد قال إن الاستفتاء لا معنى له وإن المطلوب مجلسا تأسيسيا لا تكون مهمته مقتصرة على وضع دستور جديد بل يمارس سلطة حقيقية في زمن محدد استرجاعا للشرعية وتكريسا لسلطة الشعب من خلال الانتخابات النزيهة.وقال كذلك إن الذين يخافون من نتائج صناديق الاقتراع هم الذين يروّجون للاستفتاء وإنهم في النهضة لا يقبلون أن يحدد مصير البلاد تجمعيون أصليون عادوا إلى الواجهة السياسية من شبابيك بعض الأحزاب المشكوك في أمرها وبعض الأحزاب التي لا تملك غير المال المشبوه الذي نهبه التجمع من جيوب أفراد الشعب. هذا الكلام لا اعتقد أن هناك من يرفضه حتى لو كان على طرفي نقيض من الفكر النهضوي على غرار حمة الهمامي الشيوعي الذي يكاد يقف على نفس الخط من موقف النهضة في خصوص الاستفتاء. الاستفتاء على ماذا؟ دون لف أو دوران أقول إن الاستفتاء كلمة حق أريد بها باطل.ففي المطلق يعتبر الاستفتاء أرقى أنواع الديمقراطية لكن بشرط أن تتهيأ له أرضية مناسبة وحقيقية تسمح للشعب بقول كلمته بصفة واضحة. أما الاستفتاء المفبرك المستعجل الغامض (رغم أن الداعين إليه يصورنه مسألة بسيطة) فهو أسهل طريق لعودة الاستبداد إذ لا يمكن أبدا ان يعبر عن إرادة الشعب بل عن إرادة بعض الأطراف التي تريد استعمال الشعب مطية للابتعاد عن صناديق اقتراع لا يضمنون..بل يخافون من نتائجها..ثم أريد أن أسأل هؤلاء: إذا كانت أغلبية النخبة السياسية أو لنقل المثقفة لا تفهم ما معنى المجلس التأسيسي وماذا ستنتخب يوم 23 أكتوبر تحديدا فهل ستفهم إذا أضفنا لها استفتاء في نفس اليوم مثلما يدعو هؤلاء الداعون؟! لماذا كل هذا التعب؟ لنفترض الآن جدلا أن فكرة الاستفتاء طيبة ومقبولة وأننا سنمضي في ركابها...ألا يعتبر هذا مضيعة للوقت وأننا رمينا بحوالي 40 مليارا (تكلفة الانتخابات وتبعاتها) في الزبالة في وقت يحتاج فيه الشعب إلى كل مليم؟!ثم لماذا هذا التعب الزائد أصلا؟!ألم يكن من الأفضل أن نكلف لجنة من الخبراء تضع دستورا جديدا في شهر ثم نمضي بعد ذلك إلى انتخابات تشريعية ثم رئاسية وانتهى الأمر؟! لماذا قامت الثورة أصلا إن لم يكن من أجل استئصال نمط الحكم الذي جثم على الصدور عقودا طويلة والذهاب إلى نمط آخر من الحكم يضمن سيادة الشعب وعدم العودة إلى الاستبداد؟ إن كل ما في الحكاية أن رائحة التجمع لم تغادر هذه البلاد وأن بعض الأحزاب السياسية التي ولدت بعد الثورة بكل انتهازية (طمعا في التمويل العمومي) وأن بعض الخائفين من نتائج صناديق الاقتراع..كل هذه الأطراف تلعب لعبة مشبوهة وقذرة بالتواطؤ مع حنبعل وغيرها..لكن هيهات فإن الشعب التونسي لم يعد غافلا يا من تستغفلونه بغباء. جمال المالكي