تطالعك أحيانا، ومن خلال شاشة التلفزة، وهي تقرأ النشرة المسائية للأنباء، كعادتها، وكأن شيئا لم يحدث ولم يتغير في هذه البلاد... ولكنّ الذي فاتها ولم تنتبه إليه إدارة التلفزة هي تلك النبرة اللسانية التي خفتت، ... والحماسة التلقائية التي ضعفت، وتلك البسمة الموجهة والجريئة التي انطفأت من محياها عند قراءتها الآن للأخبار... سبب ذلك في تقديري، هو الشعور بالخجل والاحساس بالذنب وعدم الرضا عن النفس... وكأني بها تقول في قرارة نفسها " بأي وجه، سأقابل المشاهدين...". وهذا قدرها. وقدر كل من لم يحكم عقله ، فأنساق وراء مشاعره... تقرأ في ملامحها، أنها تريد إيهام المشاهدين ومن خلال الابتسامة الباهتة والمتكلفة، التي تمررها من حين لآخر إلى زميلها بأنها موجودة ثابتة لم تتزحزح، وكل ما في الأمر، أن ما حصل في السابق يدخل تحت طائلة المحافظة على لقمة العيش... وقد نسيت هي وأمثالها، أن الخبزة والكرامة وجهان لعملة واحدة... وقد تناست أيضا عن قصد أو غير قصد، أن موقعها هذا الذي أدخلها الى كل البيوت التونسية، لم يعد يسمح لها بالظهور بعد الثورة، لأنها وببساطة شديدة، خدمت النظام السابق حتى إن سلمنا بأنها كانت مكرهة على ذلك... فالشجاعة والأخلاق المهنية يقتضيان منها ومن أمثالها الانسحاب من الواجهة، والدخول الى الكواليس...وهذا السؤال يطرح على الإدارة العامة للتلفزة التونسية...؟ وحتى لا أكون ممن يرمون بالتهم جزافا، فإن تلك المذيعة ومن خلال قراءتنا لماضيها التلفزي، كانت تسيطر سيطرة كلية على النشرة الرئيسية المسائية للأنباء في عهد المخلوع، من خلال ظهورها المستمر تقريبا في هذا الموقع، فضلا عن حضورها القوي والحماسي عند أدائها للحوارات الباهتة التي تبث من حين لآخر... كما أن خدمتها للسيدة الأولى اعلاميا موثقة ومعروفة... فمهما أقنعتنا بمبرراتها، فهي تبقى في ذهن كل المشاهدين، مذيعة النظام البائد تماما كبقية زملائها من الكتاب والاعلاميين الذين اختاروا نفس الطريق... تذكرتها، مساء الثلاثاء الموافق للثالث عشر من سبتمبر عندما أطلت علي من خلال الشاشة، وأنا أتناول عشائي، فأردت أن أدلي بدلوي في اطار حرية التعبير التي تعيشها بلادنا، فصدقوني ان قلت لكم، أنها نغصت علي سهرتي وأرجعتني مباشرة الى اعلام ما قبل الثورة... وبسرعة جنونية ضغطت على الزر وانتقلت الى قناة أخرى... وصدق من قال : عاش من عرف قدره... ووقف عنده... فرحات بوصاع