نجحت البرامج التلفزية الاجتماعية الأخيرة في مزيد الكشف عن مدى توتر العلاقة بين المواطن والإدارة... فيكفي أن توضع هذه الأخيرة موضع اتهام حتى تنهال عليها السكاكين من كل مكان. وإن ما يؤسف له حقّا أن عديد المواطنين لا يرون من مرام لتلك البرامج غير الفرجة على الطريقة الرياضية التي تنتهي بفائز وخاسر وتتخلّلها أهازيج و«أغان سبابية» أمام الشاشة (الحمد لله) مع رغبة شديدة في أن يعود فريق الزائرين مهزوما مهما كان «الحق معه» أو كان «عن حسن نيّة». وهكذا تحوّلت شاشة التلفاز إلى كوليزي روماني يجمع ملايين المشاهدين... كوليزي يملأ ركحه بوحوش ضارية تبدأ في استعراض قواها قبل أن يدخل من سيصارعها ولكم أن تتصوّروا البقية بالعودة إلى الأفلام التاريخية لتتخيّلوا بقية المشهد الذي تعرفونه جيدا. إن هذا التشفّي وتلك الرغبة الدفينة في أن تخرج الإدارة مهزومة يدلّ على مدى اهتزاز صورتها لدى المواطن وتوتّر العلاقة بينهما رغم الإصلاحات المتتالية وإصلاحات الإصلاحات... فعلاقة «كوبل» الإدارة المواطن أبعد من أن تكون مبنية على الصفاء رغم المجهودات المبذولة لفرض الشفافية... وحتى من نجح في الحفاظ على علاقة الودّ مع الإدارة فلأنه خلص إلى أن أقرب طريق لكسب ودّ الزوج المستبدّ هي بطنه... في حين من اختار طريق العدالة وعلى عكس أحكام مجلة الأحوال الشخصية فإن قرارات المحكمة الإدارية ليست دوما قابلة للصرف لدى الإدارة. ومن نقاط قوة الإدارة التي يقرأ لها ألف حساب أنه مهما نجحت في أن تكسب معارك ضدّها فإنه من المستحيل أن تكسب الحرب... فقوّة الإدارة أنها قادرة في كل زمان ومكان أن تفتح درجا وتخرج منه قرارا نائما أو قانونا قديما لتسقط كل شيء في الماء... مثل هذه القوانين تحبط عزائم السياسيين الصادقة الذين تجدهم يرغبون في الدفع إلى الأمام فتسمّرهم في أمكنتهم لأن عليهم إما الانصياع لما تسطّره الإدارة أو مخالفة القانون وما أدراك ما مخالفة القانون لعضو حكومة أو رئيس مدير عام. ورغم أن جذوة الحديث عن البيروقراطية خفتت ورغم السيل الجارف لكراسات الشروط ورغم الالتزام بخدمة المواطن المعلّقة في كل بهو إدارة... ورغم ورغم.. فإن علاقة المواطن مع الإدارة لا تزال علاقة مهزوزة لاعتقادهم أن الإدارة تكبّل ولا تعدل بالقدر الكافي وأن بابها الخلفي المفتوح حتى خارج الأوقات الإدارية يحدث تيارات هوائية تعبث بترتيب الملفات وبأشياء أخرى... وهكذا تجده لا يترك فرصة تمرّ دون أن يبرز عداءه لها... وبعد سنوات من إطلاق شعار المصالحة مع الإدارة تحوّل الحال إلى مصارعة مع الإدارة في كوليزي التلفزيون! حافظ الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: