· موفى أكتوبر موعد رسمي مع تقرير لجنة تقصي الحقائق "التصويت الناجع وفاعلية التصويت " كان هذا محور جلسة حوارية نظمها نادي روتاري تونس الخليج يوم الأربعاء 12 أكتوبر... في إطار الاستعداد لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي .... حضر هذه الندوة كل من السيد ناجي البكوش دكتور في القانون العام والسيد معتز ڨرڨوري والسيدة لمياء الناجي أستاذان جامعيان في كلية الحقوق بصفاقس . جاءت هذه الجلسة الحوارية في إطار منظومة الانتقال الديمقراطي التي يعيشها الشعب التونسي بعد ثورة 14 جانفي . استهل الندوة ممثل عن نادي روتاري الخليج حيث قدّم المحاور الرئيسية للجلسة واستعرض قراءته للوضع السياسي الراهن في تونس في خضم الكمّ الهائل من الأحزاب والتعددية الحزبية المتعارضة التي من شأنها أن تخلق فوضى فكرية لدى المواطن التونسي الذي يعيش لأول مرة في تاريخه مرحلة الانتقال الديمقراطي والانتخابات الحرّة والشفافة . " الانتخاب .التصويت" هي مصطلحات حديثة هكذا قال عنها الدكتور ناجي البكوش في مستهل حديثه حيث أكد العلاقة الانفصالية بين مصطلحي " التصويت الناجع وفاعلية التصويت voter utile et utilité de voterواعتبر أن الفرق بينهما موجود . "الانتخاب في تونس كان مبايعة" هذا وقد وضح السيد ناجي حداثة مصطلح الانتخاب أو التصويت في الفكر السياسي التونسي وقال عنه " التصويت في تونس كان بمثابة المبايعة ولم يكن هناك اختيار حقيقي ..." وأضاف أن تونس لا تملك موروثا انتخابيا منذ 14 قرنا عندما كان الحكم يتجسد في الخليفة الذي كان يمنح نفسه الشرعية الدينية وينصب نفسه حاكما علينا باسم الدين والشريعة حتى يضمن شرعية أحكامه وقراراته . ثم يقول الدكتور ناجي البكوش أن سنة 1864 تمثل مرحلة انتقالية هامة في تاريخ السياسة التونسية حيث تم إنشاء دستور 64 ودخلنا في وضعية الحكم المدني والقوانين الوضعية وأصبحنا نتحدث عن مصطلح رئيس الدولة والقوانين المدنية والمنظومة الانتخابية . وأشاد السيد البكوش بأسبقية الدولة التونسية في تغيير وضعية الحكم من الشريعة إلى المدنية . ولكن اعتبر هذه القفزة السياسية فهمت خطأ من قبل الحقبة البورقيبية وحقبة الطاغية بن علي اللذان شوّها هذا التغيير السياسي الفعلي وخلقوا مفهوما جديدا وهو "شخصنة السلطة" أي انفراد شخص واحد بدواليب السلطة وخلق مفهوم الزعامة مثل الزعيم الحبيب بورقيبة . في نفس الإطار اعتبر السيد ناجي البكوش أن ثورة 14 جانفي هي قادرة على إعادة تونس إلى خط الأسبقية في مسألة الديمقراطية السياسية والاستحقاق الانتخابي وبالتالي الخروج من دائرة الزعامة الرئاسية والشخصنة السلطوية التي كرسها بورقيبة وبن علي . في مستوى آخر ، اعتبر الدكتور ناجي أن الفترات السياسية السابقة قد تركت فضاءا سياسيا صحراويا غابت فيه التعددية الحزبية والمعارضة السياسية الفعلية ، وبالتالي غابت فيه الشخصيات السياسية التي هي قادرة على فرض ذاتها والوقوف ندّا مع الأنظمة السابقة . ولكن أكد السيد الناجي إيجابية وسلبية هذا التصحّر السياسي وقال عنه أنه سلبي باعتباره خلق تذبذبا وتأرجحا سياسيا لدى المواطن التونسي وهو ما جعله خارج المنظومة السياسية,واعتبره كذلك إيجابيا في ظل هذا الانتقال الديمقراطي حيث قال " إنها فرصة إيجابية لعدم الرجوع إلى الوراء وفرض شخصية سياسية معينة على الذوق السياسي العام ، إذا سيقع البحث في جملة الشخصيات السياسية المتواجدة الآن وبالتالي سيكون التصويت واع ومسؤول وبالتالي ناجع لخلق أرضية سياسية فاعلة" . هذا وقد أكد السيد ناجي البكوش تنديده المستمر لمركزية القرار الذي عاشه الشعب التونسي وخلق منه شعبا مفعولا به وليس فاعلا . ودعا إلى ضرورة إعمال العقل ودراسة الاختيارات السياسية والاقتناع قبل كل شيء بمدى قدرة الحزب الذي سيقع اختياره على تمثيل المطلب التونسي والنجاح في تطوير أو تغيير الثوابت السياسية المجتمعية البالية وغير المجدية . الناجي البكوش يتهم بعض الأحزاب باستبلاه الشعب التونسي هذا وقد اتهم السيد البكوش بعض الأحزاب باستبلاه الشعب وتقزيمه من خلال طرح برامج انتخابية مبتذلة تتلاعب بعواطف المواطن التونسي وهنا أشار إشارة واضحة إلى حزب الإنفتاح والوفاء وقال بصريح العبارة المستهزئة " ما هذا ..الخبزة ب 100 مي و 5 ملايين لكلّ من ينوي الزواج..." كما أكد ضرورة اختيار الحزب المعتدل في مبادئه وبرامجه وأفكاره السياسية حتى فيما يتعلق بالأحزاب ذات المرجعية الدينية ودعاهم إلى عدم اللعب على الورقة الحسية الدينية للشعب التونسي وعدم تطويع الدين في خدمة السياسية وهنا دعوة واضحة إلى القطيعة مع حزب النهضة وحزب التحرير وبقية الأحزاب الدينية . ثمّ استشهد السيد البكوش بالولي الصالح التونسي" سيدي محرز" الذي اعتبره قدوة دينية قدمت الكثير لتونس ولكن بأسلوب سلمي وديني معتدل غير متطرّف. وفي نفس الموضوع دعا الدكتور ناجي إلى ضرورة التصويت كذلك لأحزاب تولي أهمية للجهاز الاقتصادي في إطار برامجها السياسية والتي من شأنها تغيير الوضعيات الاجتماعية العامة للشعب التونسي الذي يبحث عن مقومات العيش الكريم وخلق موازين قوى متساوية غير إقصائية . وحذر من الانحراف في عملية التصويت من تصويت لا يخدم أهداف الثورة ومن التصويت الإقصائي الذي فيه تصفيات حسابية أو دوافع ذاتية شخصية لن تقدم الإضافة إلى الوضعية السياسية للبلاد . هذا وأكد السيد الناجي على ضرورة توفر مقومات الحداثة والاقتصاد لإنجاح العملية الانتخابية وضمان مردودية التصويت الناجع وفاعلية التصويت . الديمقراطية رهينة الحداثة كما أكد كذلك أن الديمقراطية هي الحداثة وأن الحداثة رهينة الوطنية وأن الوطنية نتاج التحضر الفكري والمعنوي . هكذا أنهى السيد الناجي البكوش مداخلته مشيرا إلى أن نجاح انتخابات 23 أكتوبر بكل مقاييسها يبقى رهين الوعي السياسي لدى الرأي العام التونسي واقتناعه بضرورة التصويت للأحزاب المعتدلة وتجنب التصويت الاقصائي أو المبني على خلفية إيديولوجية غير واعية وغير منطقية أو عقلانية . من جانبها أكدت الأستاذة لمياء الناجي في مداختلها ضرورة تفعيل مفهوم الديمقراطية وتطويعه لخدمة المنظومة السياسية التونسية وذلك من خلال توسيع مفهوم الديمقراطية حتى لا يقتصر على مسألة طريقة الحكم فحسب بل يصبح المواطن هو الذي يخلق الديمقراطية من خلال التبني والتشبع بالوطنية التي هي نتاج التحضر المعنوي والفكري للمواطن التونسي . لا يجتمع التحضر والأنانية معا وأشارت إلى أنه لا يجتمع التحضر والأنانية بل على هذه الأخيرة أن تضمحل حتى يكتمل التحضر وبالتالي تنشأ الوطنية التي ستؤدي مباشرة إلى الديمقراطية والتي ستضمن التصويت الناجع وفاعلية التصويت . لا للتصويت الإقصائي هذا وقد نددت السيدة لمياء بكل التجاوزات الحزبية التي قد تنحرف بمسار الديمقراطية نحو تصفيات حسابية وتخلق فتن دينية . وهنا أشارت إلى أن التصويت الناجع يقتضي العقلانية الفكرية وليس العاطفة الحسية التي تطوعها بعض الاحزاب الدينية لتستميل بها الناخب التونسي . كما دعت إلى تجنب التصويت الاقصائي الذي يعمد إلى تهميش أحزاب على حساب أخرى بأساليب غير واعية وبدوافع خفية لن تخدم أهداف الثورة بل تخدم مصالح شخصية لا تراعي المصلحة العامة . الجهل السياسي في تونس عائق أمام مبدأ التصويت الناجع هذا وقد نوهت بأقلية الناخبين العقلانيين وكثرة الناخبين العاطفيين بمعنى أن الناخب التونسي يلجأ إلى عواطفه في عملية تصويته للأحزاب وفسرت هذا بغياب المعلومة لديه وابتعاده عن الفكر السياسي لذلك يعتبر الجهل السياسي في تونس عائقا أمام مبدأ التصويت الناجع . وفي ختام مداخلتها اقترحت السيدة لمياء طريقة لضمان التصويت الناجع في انتخابات 23 أكتوبر وهي تحسيس وتوعية أكبر عدد ممكن من الناخبين من خلال مخاطبة وعيهم الوطني وتوسيع دائرة الحوار مع الناخب التونسي . هكذا كانت قراءة السيدة لمياء الناجي للواقع السياسي التونسي . من جهته اعتبر السيد معتز الڨرڨوري أستاذ القانون أن التصويت الفاعل يكون في حضور مجموعتين مهيمنتين بمعنى أن التصويت الفاعل لن يخدم كلّ الأحزاب بل هو محصور بين جبهتين قويتين لهما وزنهما السياسي في الساحة الانتخابية . دعوة إلى عقلانية الانتخاب وقد أشار السيد معتز أنه قانونيا لا يمكن أن يحدث التصويت الناجع في ظل هذا الكمّ الهائل من الأحزاب والقائمات المستقلة المترشحة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي ولكن تبقى هناك أسباب أخرى لتفعيل هذا التصويت الناجع خارج إطاره القانوني وذلك من خلال عقلانية الاختيار والاقتناع وفهم تداعيات هذا الانتخاب الوطني على الأجيال القادمة . نهاية شهر اكتوبر موعد رسمي مع تقرير لجنة تقصي الحقائق وفي ختام الجلسة صرّح السيد الناجي البكوش أنه مع موفى شهر أكتوبر سيقع إصدار تقرير للجنة تقصي الحقائق والفساد يشمل كل جزئيات التجاوزات والقضايا التي توصلت إليها اللجنة وكشفت عنها الملفات السرية والشخصيات العامة في البلاد . التصويت الناجع وفاعلية التصويت هي مصطلحات جديدة تدخل قاموس السياسية التونسي وقد أجمع كل الحضور بما فيهم أساتذة القانون على ضرورة اتباع هذه الاستراتيجيا السياسية في انتخابات 23 أكتوبر حتى تضمن نجاح الانتقال الديمقراطي والدخول في مرحلة سياسية واعية ونشيطة متغيرة تخدم مصالح الشعب التونسي وتؤسس لتونس الديمقراطية وتخرج المواطن من دائرة التبعية السياسية والخضوع لهيمنة الفكر الواحد والحزب الواحد والإيديولوجيا الواحدة . بقلم : إيمان الدجبي