· ليبرمان ينفذ تهديداته لتركيا واللوبي الصهيوني بدأ التحرك... · تركيا أمام خيارين الحاسم فيهما الشارع العربي. دعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أنقرة إلى تحسين علاقاتها مع إسرائيل إذا كانت ترغب في لعب دور إقليمي في الشرق الأوسط. تأتي تصريحات كلينتون إثر حالة التباعد التي ميزت العلاقات التركية الإسرائيلية على خلفية الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة في ديسمبر سنة ثمان وألفين وازدادت توترا على خلفية الاعتداء على سفينة مرمرة المشاركة في أسطول الحرية العام الماضي لكسر الحصار عن غزة قتل فيه تسعة أتراك وجرح آخرون. وكان الإدعاء التركي قد طلب القبض على مائة وأربعة وسبعين عسكريا إسرائيليا شاركوا في الهجوم على الأسطول في شهر ماي سنة ألفين وعشرة في إطار محاولات تركية تهدف إلى محاكمة كل من شارك في عملية الاعتداء على أسطول الحرية ومن أعطى الأوامر بذلك خاصة بعد صدور ما يعرف بتقرير بالمر عن الأممالمتحدة والذي قضى بشرعية ما قامت به إسرائيل ورفضت إسرائيل الاعتذار لأنقرة وتعويض أسر الشهداء رغم أن ديبلوماسيين أتراك وإسرائيليين كانوا قد توصلوا إلى اتفاق يقضي باعتذار إسرائيلي عن الصيغة التنفيذية التي شن بها الاعتداء على الأسطول وليس عملية الاعتداء في حد ذاتها مقابل عدول تركيا عن تتبع العسكريين الإسرائيليين عدليا. ونتيجة للتعنت الإسرائيلي قررت الحكومة التركية في شهر سبتمبر من هذا العام قطع علاقاتها العسكرية مع تل أبيب وخفض التمثيل الديبلوماسي معها إلى مستوى السكريتير الثاني في تطور غير مسبوق منذ أن اعترفت تركيا بالكيان الإسرائيلي سنة 1949. ويعتبر تصريح وزيرة الخارجية الأمريكي رسالة إنذار إلى تركيا تفيد بأن الأمريكيين لن يسمحوا لتركيا بالتقارب مع شعوب المنطقة العربية على حساب علاقاتها مع إسرائيل. هذا الإنذار الأمريكي سبقته تهديدات إسرائيلية على لسان وزير خارجية الكيان أفيقادور ليبرمان موجهة إلى تركيا مفادها أن إسرائيل سوف تتخذ تدابير صارمة وقاسية ضد الأتراك وذلك بدعم قرار الكنغرس الأمريكي الاعتراف بإبادة الأرمن ودعم أكراد تركيا الذين يشكلون هاجسا أمنيا بالنسبة إلى الدولة التركية يهدد وحدتها سياسيا وعسكريا. وتأتي تصريحات ليبرمان ردا على تصريحات أردوغان بشأن عزم تركيا إرسال سفن حربية لحماية سفن فك الحصار عن غزة. ويدور جدل واسع في إسرائيل بشأن مدى عقلانية قرار قيادتهم برفض الاعتذار لتركيا خاصة في ظل الثورات العربية التي تشهدها المنطقة والتي أفضت إلى انتصار أحزاب إسلامية تعادي الكيان الصهيوني وترفض التطبيع معه، ذلك أن مزيد تأزيم العلاقات التركية الإسرائيلية يزيد العزلة الإسرائيلية في المنطقة ويمكن أن يعطي شعوب المنطقة دفعا معنويا إضافيا للضغط على الحكومات المنتخبة في اتجاه قطع العلاقات معها تأثرا بمواقف أردوغان خاصة بعد الاستقبال الكبير الذي حضي به لدى زيارته مصر وتونس يعكس شعبيته في الوطن العربي ويحرج الحكام العرب المتواطئين في السر والعلن مع إسرائيل ضد مصلحة الشعب الفلسطيني. فإسرائيل تعي جيدا أن خسارتها الحليف التركي في المنطقة يعني أنها في طريق خسران بقية الحلفاء خاصة في ظل التوترات في الأردن وحالة الغليان الشعبي المصري في أرض الكنانة لذلك فهي تحاول جاهدة الضغط على الحكومة التركية من أجل افتكاك نصر سياسي يقيها شر الاعتذار من جهة ويعيد تركيا مجبرة إلى الحضن الغربي من جهة ثانية من خلال استغلال اللوبي الصهيوني المتغلغل في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وعليه فإن الحكومة التركية مضطرة إلى البحث عن مخرج يقيها شر التصادم مع الولاياتالمتحدة ويضمن لتركيا فرص البقاء قوة إقليمية لها رواج في المنطقة العربية، فالتصعيد الأخير من قبل الإسرائيليين يضع تركيا أمام مأزق جدي ستختبر فيه مدى نجاعة نظرياتها المعتمدة في تحديد سياساتها الخارجية خاصة في ظل الحديث عن فشلها في إقناع مصر بقيادة المجلس العسكري بالتوقيع على اتفاقيات من شأنها أن ترتقي بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى تحالفات إستراتيجية تستغلها أوراقا للضغط على إسرائيل لذلك فإنه من المتوقع أن تدعم تركيا الحركات الإسلامية وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين في الانتخابات القادمة في مصر. والحكومة التركية تعي جيدا أن الغرب لن يسمح لها بالتمادي في اتخاذ قرارات ضد مصلحة الكيان الإسرائيلي المدلل لذلك فهي تعول كثيرا في هذه المرحلة الحالية على الشعوب العربية المحررة التي بات يشعر إسلاميوها أن هويتهم مهددة وعليه فإن مساندة الأحزاب الإسلامية هو الحل الأمثل للتصدي للهجمة غير المسبوقة على الإسلام دينا لا كما يحاول البعض الترويج لها باعتبارها هجمة على ما يطلقون عليه القوى الرجعية والظلامية من خلال مسميات عدة أولها حرية التعبير وليس آخرها التعدي على الذات الإلهية. فوصول أحزاب إسلامية للحكم يمثل انتصارا تركيا آخر يضاف إلى سلسلة انتصاراتها الداخلية وفي علاقاتها الخارجية خلال العقد الأخير يزعج الإسرائيليين ويزيدهم ارتباكا. واستنادا إلى كل ما سبق فإن القيادة التركية تواجه تحديا كبيرا لا يرتبط كسبه فقط بذكاء القادة الأتراك في قيادة المرحلة الحالية وإنما هو رهن أيضا بما ستفضي إليه صناديق الاقتراع في مصر وردود الفعل الشعبية على امتداد العالم العربي. .