يتمثل الذكاء التجاري في المعلومات و المعطيات الغير منشورة. فالإعلام التجاري المتكامل و المتطور لا يقتصر فقط على المنشورات و قواعد... المعطيات حيث لا تمثل المعلومة المكتوبة والموثقة إلا جزءا من المعطيات الضرورية التي يحتاجها المتعامل الاقتصادي. وبالإضافة إلى المعلومة المتداولة والمنشورة، فان أوساط الأعمال من المستهلكين الكبار يحتاجون إلى المعطيات الشفهية المؤقتة والمعطيات البصرية والسرية والشخصية. ويمكن إدراج تلك المفاهيم تحت مسمى "ذكاء الأعمال" أو الذكاء التجاري الذي يجب على المؤسسة أخذه بالاعتبار عند رسم مخططاتها الإستراتيجية. إن التصرف في الإعلام المنشور أو المتداول أيسر، بالنسبة للمسئولين عن الإعلام التجاري، من محاولة تنظيم وترتيب المعطيات الغير منشورة والمؤقتة. والذكاء التجاري هو بكل تأكيد الميدان المفضل للفاعلين التجاريين من مسئولين و وسطاء و باعة و أوساط إعمال. وفي العديد من الحالات ، تفشل محاولات إنتاج المعلومة المكتوبة انطلاقا من بيانات ظرفية بسبب عامل الوقت او بسبب عدم قدرة الكلمات على ترجمة إلا النذر القليل من المعطيات التي يحملها مفهوم " الذكاء " الذي يعتمد أيضا على الصور والأصوات والأشكال والانطباعات...الخ. إلا انه يجب ملاحظة أن مصير جزء من الذكاء التجاري هو أن يتحول إلى معلومة تجارية. ويذكر في هذا الشأن وعلى سبيل المثال أن موظفي مصلحة المعلومات حول الأسواق بالمركز العالمي للتجارة يستعملون الهاتف لجمع معطيات ذكاء تجاري يحولونها فوريا إلى تقارير أسبوعية. ولا شك أن هذه الإضافة تمكن المستعملين البعيدين من الاستفادة من معلومات قد لا تكون متوفرة إلا للمستعملين المحليين. ومن المؤكد أن هذا العمل على غاية من الأهمية والجدوى بالنسبة لجميع أوساط الأعمال. إن معطيات الذكاء التجاري لا يجب أن تنظم بالضرورة على شكل كتابي، ويجب على الهيكل المعني بالإعلام التجاري أن يبحث في إيجاد الظروف الملائمة لتنقل بيانات الذكاء التجاري بين الفاعلين التجاريين أنفسهم. كما أن الدورة التقليدية لتجميع و معالجة و توزيع المعلومة يجب أن تترك ظرفيا جانبا وتركز كل الجهود على وسائل تيسير انتقال الذكاء التجاري . و لكن ما هي اطر وضع هذه التوصيات موضع التطبيق؟ الاجتماعات و الزيارات ان الذكاء التجاري هو قبل كل شيء مسالة لقاء أشخاص وزيارات مواقع. وعلى مصالح الإعلام التجاري المشاركة بجدية في تنظيم الاجتماعات والزيارات حيث الفرص السانحة لرجال الأعمال للحصول على منافذ ذكاء تجاري. وبكل بساطة يجب الوضع في الحسبان أن عمل الذكاء التجاري يبرز أساسا في مد جسور تواصل بين رجال الأعمال أنفسهم حيث بالإمكان حل العديد من من العرائض الواردة على المصالح المهتمة بالإعلام التجاري بمجرد طرح أجوبة على شكل أسئلة كان نسال مثلا " لماذا لا تتصل بالسيد فلان الذي لديه الخبرة في الميدان كذا؟ " كما انه بالإمكان عقد جلسات عمل جماعية تتطرق إلى عديد المحاور التي تستقطب أوساط الأعمال المحليين ، وذلك هو ديدن اغلب الهياكل المهتمة بالتنمية التجارية النشيطة في هذا المجال. وإن كانت مثل هذه الاجتماعات تنظم عادة من قبل مصالح أخرى بالمؤسسة، فان مشاركة المصلحة المختصة في الإعلام التجاري بنفس المؤسسة فيها ضروري للتأكد من أن كل الضمانات قد اتخذت لتحقيق فعلي لنقاشات وتبادل أراء و أفكار بين المشاركين . وإن لم يكن الأمر كذلك، فلا بد على مصلحة الإعلام التجاري أن تبادر هي بنفسها بتنظيم اجتماعات ذات محاور تستجلب المؤسسات المحلية. ويجب عليها أيضا الاهتمام بتبادل الخبرات وذلك ببرمجة لقاءات ثنائية بين المشاركين. وعند تقييم مثل هذه الفعاليات، يتبين أحيانا أن الفوائد التي تمتع بها المشاركون نتجت عن الاحتكاكات والنقاشات التي تمت من خلالها . ومن أفضل الطرق لتنظيم اللقاءات بين رجال الأعمال هي التحفيز على إحداث فضاءات للتلاقي والتواصل على غرار نوادي المصدرين و الموردين مثلا. كما انه بالإمكان الحصول على معطيات ذكاء تجاري من خلال زيارة مواقع عديدة ك : - الأسواق والمغازات و المساحات الكبرى - المصانع والمستودعات - المقرات الاجتماعية للشركات - المعارض و التظاهرات الاقتصادية - غرف التجارة و الصناعة والغرف النقابية والمهنية - الوزارات المعنية... وتستطيع مراكز الإعلام التجاري ، لاعتبارات سرية وذات علاقة بالمنافسة، تنظيم زيارات جماعية لوحدات محلية بطريقة أسهل مما إذا ما نظمت من قبل المعنيين بالأمر أنفسهم . وتوفر مثل هذه الزيارات المحلية الجماعية ، اذا ما نظمت بصفة منتظمة شهريا على سبيل المثال في إطار النوادي السابقة الذكر، عددا كبيرا من سبل الذكاء التجاري للمشاركين . وتعتبر الزيارات بالخارج وخاصة للمعارض التجارية الدولية دون شك الطريقة المثلى للمصدرين والموردين للحصول على معطيات ذكاء تجاري أخذا بالاعتبار أن اغلب رجال الأعمال الناشطين بالمؤسسات الكبرى يسافرون فرادى. ولكن مراكز الإعلام التجاري لها القدرة على فعل الكثير لفائدة المؤسسات المتواضعة الحجم والتي لا تتمتع بالضرورة بميزانية كافية تمكنها من القيام بتلك السفريات حيث يمكنها القيام ب : جمع و توزيع المعلومات حول المعارض التجارية الخصوصية تسهيل الأسفار الجماعية للشركات المعنية بنفس الزيارات تعيين شخص للقيام بزيارة المعرض التجاري المختار باسم مجموعة من الشركات المحلية المعنية، وتكليفه بمهمة ذكاء تجاري محددة . الشبكات حتى لا يتم الاقتصار على الإعلام المنشور ( المنشورات و قاعدات المعطيات ) ولا على المعلومات والمعطيات المجمعة من خلال السفر إلى الخارج ، يجب على مركز الإعلام التجاري ان يكّون ويطور شبكة علاقات واتصالات خاصة به . ويمكن لهذه الشبكة أن تكّون مجموعة أشخاص مستعدين لتوفير المعلومة وانجاز أبحاث او دراسات لفائدة المركز. وتتضمن أنشطة الذكاء التجاري خاصة الدراسات التي لا تتوفر بشأنها أجوبة على الطريقة المكتوبة، وترتكز هذه الدراسات أساسا على الأبحاث والاتصالات الشخصية. مختلف الشبكات المستعملة في إطار أنشطة الذكاء التجاري : *شبكة الممثلين التجاريين بالخارج هؤلاء الممثلون المعينون من قبل وزير الخارجية أو الوزير المكلف بالتجارة أو مباشرة من قبل منظمات التنمية التجارية مكلفون بمساندة رجال الأعمال للوطن الأم لدى البلدان الممثلون لديها. ويعتبر جمع المعلومات التجارية إحدى المشمولات الموكلة إليهم، إلا أن قدرة هؤلاء على الإجابة تعتمد على مدى تفرغهم لهذه المهمة و على التزامهم الشخصي. لذلك لابد من التأكيد على ضرورة التعرف شخصيا على هؤلاء الممثلين لتقييم مدى قدرتهم على الاستجابة لما يطلب منهم من معطيات و معلومات ذكاء تجاري. *شبكة منظمات تنمية التجارة بالبلدان الاخرى تمثل غرف التجارة والأقطاب التجارية ابرز الأمثلة لهذه الفئة من الشبكات. إلا أن مساهمتهم في توفير المعلومات التجارية يخشى ان تكون محدودة بفعل قلة عدد موظفيها المختصين في الإعلام التجاري مما يجعل هذه الوحدات تتجه أكثر فأكثر لبيع خدماتها وتقبل بانجاز أبحاث وأنشطة ذكاء تجاري لمن هم مستعدون للدفع. *شبكة المهاجرين العاملين بالخارج لقد نجحت بلدان عديدة في إحداث شبكات فعالة لعمالها بالخارج المستعدين لخدمة مصالح بلدانهم الأصلية ببلدان الإقامة، وتمثل شبكة (ريد كلداسRED CALDAS ) مثالا ناجحا في كولومبيا لتمكنه مبكرا من وضع نظام للبريد الالكتروني يسمح لأعضائه من التواصل الناجع. *شبكة الطلبة الدارسين بالخارج لا شك في ان الطلبة الوطنيون المنتصبين بالخارج قادرون على توفير أفضل المعلومات والإرشادات التجارية لفائدة مؤسسات بلدانهم الأصلية. إنهم يمتازون بتكوين أكاديمي محترم ولهم ما يكفي من الوقت أكثر من المهنيين ولكن ينقصهم التمويل. إنهم يرغبون لا شك في نسج علاقات وطيدة مع المشغلين ببلدانهم الأصلية، ولكن اغلب البلدان لم تعر بعد الأهمية اللازمة للإمكانيات الهائلة التي تتوفر لهؤلاء الأشخاص. لذا من الضروري التفكير في تكوين مثل هذه الشبكات وإحاطتها بكل الدعم والتشجيع. *شبكات الاتصال رغم أن معظم أنشطة الذكاء التجاري تنجز من قبل أشخاص مختارين ومحفزين إلا انه لا يجب التغافل عن الأهمية التي يمثلها استعمال الشبكات الكبيرة للاتصالات وبصفة خاصة شبكة الانترنت لما توفره من إجابات لعدد كبير من التساؤلات المطروحة من قبل رجال الأعمال. محمد فوزي الكوكي