تفصلنا الآن ساعات معدودة تتناقص على موعد الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة وتتبارى الجهات المؤيدة لهذا المترشح أو الآخر لإقناع ناخبي الساعات الأخيرة قبل أن يطبق الصمت الانتخابي على الجميع اليوم السبت 22 نوفمبر… ولقد كانت الحملة الانتخابية الرئاسية مشحونة الأجواء عند بعض المترشحين لدرجة تجاوز القانون أحيانا ولدرجة التشويش أيضا على عدد آخر من المترشحين الذين اختاروا خطابا أكثر تعقلا… ولكن المتابع والمحلل للأسابيع الثلاثة التي احتلتها هذه الحملة يخلص إلى استنتاجات وقراءات ستكون لها وقعها حتى بعد الانتخابات على المستوى السياسي في البلاد… * لم تثن خطورة روابط حماية الثورة وشيوخ السلفيين وعتاة الغلاة من الاسلاميين المتنطعين على توجيهات حركتهم بالحياد المرشح منصف المرزوقي من استعمال الجميع في حملته الانتخابية وبأشكال بدت فجة في أغلب الأحيان حتى لمن ظلوا يحملون للمرزوقي الكثير من الاحترام نظرا لماضيه النضالي. والإشكالية المطروحة في حالة المرشح محمد منصف المرزوقي لا تتعلق في الواقع بالنتيجة التي سيحصل عليها بل تتعداها إلى تأثير هذا الخليط الغريب على مستقبل الرجل لا السياسي فقط بل الانساني والاجتماعي … * بالرغم من الحظوة الواضحة لحركة نداء تونس لدى الناخبين مثلما أثبتت نتائج التشريعية ذلك إلا أن النداء وقع في مصيدة صورة نمطية من المرجح أن تعيق عمله كثيرا ..لقد نجح خصوم النداء في إلصاق تهمة "العهد القديم" بالنداء ولم يحاول هو كثيرا التملص من هذه الصورة ومن تبعات تواجد التجمعيين فيه ..مما أدى إلى نعت الباجي قايد السبسي بالغول واتهام الحركة بنية التغول. هذه التهمة الثقيلة ستتواصل بعد الرئاسية من الأصدقاء ومن الأعداء في آن واحد… * كان لمفهوم الاستقطاب حضورا كبيرا في الرئاسية بعد أن حمله فاشلو التشريعية كل مصائبهم. مرة أخرى يهرع البعض ممن لا حظوظ كبيرة لهم إلى هذا المفهوم الفضفاض لسب منافسيهم دون التوقف عند أسباب بروز استقطاب في ساحة سياسية ما وارتباطه الوثيق بحجم الفاعلين في هذه الساحة …ويصبح الاعلام المتهم الأول حينئذ في ظهور الاستقطاب وكأنما الاعلام هو الذي خلقه بينما يكتفي في الواقع بالإخبار عن حجم كل مرشح على حدة…فإذا ما قام المرزوقي بجولة في جل المدن التونسية المهمة وعقد اجتماعات كبيرة بها فإن حجم ظهوره الاعلامي سيكون أكبر بكثير ممن لم يتجاوزوا محطة الاستخلاص بمرناق… * بعد النجاح الذي حققته الجبهة الشعبية بحصولها على 15 مقعدا في البرلمان القادم يبدو كأن " شعب اليسار" قد استعاد حيويته وعنفوانه عبر النجاح الكبير الذي تحققه حملة حمة الهمامي أدى غلى في الرئاسية. اليسار التونسي كان ولا يزال عصب الثورة في هذه البلاد. هو الذي أعطى أفواجا متتالية من المناضلين منذ نضالات البعثيين وحركة آفاق في أوائل الستينات وحتى أوج هيمنة ماكينة بن علي البوليسية على البلاد بالرغم من تحالف شق منه مع نظام بن علي ضد الاسلاميين…اليسار المنقسم طوال سنين بين تياراته التي كانت تكفر بعضها البعض يكتشف أولا عبر تجربة الجبهة التي قاده إليها دم الشهداء أكثر من أي سبب آخر وثانيا عبر الترحاب الكبير بترشح حمة الهمامي أن وحدة الخطاب بمكن أن تذلل أعتى العواقب وأن مخزون النضال يمكن توظيفه في محله عند ظهور الهدف والتوحد من أجله. وبغض النظر عن النتيجة التي سيحصل عليها حمة الهمامي فإن الأكيد اليوم هو ميلاد حزب يساري جديد (الجبهة ) وزعيم جديد (حمة الهمامي) والمواعيد مازالت كثيرة. * لا عزاء للمستقلين إلا لماما…أثبتت هذا التشريعية وستزيد من إثباته الرئاسية بلاشك. المترشحون المستقلون الذين لا جهاز حزبي ورائهم لا يملكون أدوات كافية للوقوف أمام الأحزاب الكبرى. حركة نداء تونس من جهة والجبهة الشعبية من جعة أخرى وماكينة حركة النهضة لا الرسمية وإنما القاعدية تحدد في شكل كبير نسق الحملة الانتخابية ووقعها في الشارع وفي الاعلام ولدى الجمهور العريض. وهذا ليس عيبا البتة وفي كل الديمقراطيات وإلا فلماذا تكون الأحزاب من الأساس؟؟