المراسل-حين رفضت الجزائر الرضوخ للمطالب الغربية بالتدخل عسكريا في مالي و التي وصلت حد نزول وزيرة خارجية واشنطن هيلاري كلينتون في الجزائر العاصمة و طلبها المساعدة شخصيا من الرئيس بوتفليقة، نوه الكثير و منهم كاتب هذا المقال شخصيا بالموقف الجزائري، و الذي رأيت فيه ليس فقط رفضا للتعدي على بلد مجاور، و إنما كذلك حكمة تأخذ العبرة من دول أخرى تدخلت في شؤون جيرانها الداخلية، و دفعت الثمن باهضا... فما يحدث اليوم في سوريا يعود بالإضافة إلى عوامل أخرى إلى تدخل النظام السوري الذي يصارع الموت في الشأن الداخلي العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين. و لقد عانت أثيوبيا طويلا من تدخلها في الشأن الصومالي، كما تعاني اليوم باكستان جراء تدخلها في الشأن الأفغاني و ها أن تركيا بدأت تقبض ثمن تدخلها في الحرب السورية و ستدفع المزيد في المستقبل..و هكذا يكون رفض الجزائر أنذاك التدخل في الشأن المالي بمثابة تأكيد على مخاوف حكومة هذا البلد من إنعكاس هذا التدخل على وضعها الداخلي خاصة في ضل تشابه بعض المكونات العرقية بين البلدين و نذكر الطوارق على سبيل المثال، كما أن الإسلاميين المتشددين يمثلون طرفا في النزاع المالي، و للجزائر إسلامييها كذلك مما يجعل إمكانية إنتقال نيران الأزمة إلى الداخل الجزائري واردة جدا. لهذا السبب مدحنا في ذلك الوقت ما رأيناه حكمة سياسية من حكومة تحول الربيع العربي من تهديد لوجودها إلى مصدر قوة لها في المنطقة الشمال إفريقية، حيث إفتكت الجزائر من فرنسا إعترافا بجرائم الحرب إبان حرب التحرير، و أفتكت دور الوساطة بين أطياف الأزمة المالية، و أرغمت رجال السياسة في تونس إلى التراجع عن أقوالهم المنتقدة للسياسة الجزائرية حتى أن الجبالي صار يبذل الغالي و النفيس من أجل الحصول على فرصة لزيارة الجزائر و صار حسين الجزيري يمدح علاقات الصداقة التي تجمع حركة النهضة بحكومة الجزائر كما نجحت الجزائر في تفادي حملات إعلامية خليجية و غربية تهدف إلى تصدير الربيع العربي لها لغاية في نفس جاكوب. حينها خال الجميع أن للجزائر ربيعها الخاص و الذي تميز بدوءه. بل إن الكثيرين إعتبروها قطبا جديدا للممانعة. لكن فتح الجزائر لحدودها الجوية أمام الطائرات الفرنسية لتضرب في العمق المالي و ما تبعه من أحداث يجعلنا نراجع هذه التخمينات إذ تبدو الجزائر بهذا الموقف عاجزة عن السباحة عكس التيار الغربي و لو مانعت، و قد يكون للنهم الفرنسي و اللهث وراء إشعال المنطقة دور في ذلك، ففرنسا هي من تحمست لإذكاء لهيب الحرب الأهلية في ليبيا، و هي الحرب التي ساهمت في تكدس السلاح في شمالنا الإفريقي، و وصوله إلى أيدي جماعات إرهابية في الجزائر.. و فرنسا هي كذلك من بادرت بالتدخل في مالي في وقت عبر فيه الكثير من القادة الغربيين عن تحفظهم من وجود غربي في مالي، و موقف فرنسا هذا أضر بالجزائر التي صارت تدفع ثمن جشع فرنسي متزايد في المنطقة... ذنب الجزائر في ذلك هو أن موقفها كان مترددا و لم يكن صارما حيث تأرجح بين رفض التدخل المباشر و قبول فتح المجال الجوي و المساعدة اللوجستية لأي تدخل غربي، فلم ترضي الجزائر الغرب و لم تحضى برضاء الجماعات المتشددة و في إختطاف الرعايا الأجانب في الجزائر دليل على ذلك فالدول الغربية بادرت بنقد التدخل الجزائري من أجل إنقاض راعاياها رغم الصعوبات و التضحيات الجمة للجيش الجزائري في مثل هذه العمليات. الرد الإسلامي على الحكومة الجزائرية لم يتأخر كثيرا و كان قويا و موجعا، وفي ذلك دليل على أن هذه العناصر مازالت تتحرك بسهولة في التراب الجزائري و هي لم تضعف عما كانت عليه أيام الحرب الأهلية، إنما إختارت الإنسحاب لأسباب تتجاوزنا، وعليه، يمكن القول أن ما يعرف بالمعجزة الأمنية الجزائرية باتت جزء ا من قصص الماضي، التي تتغنى بالقضاء على الإرهاب، ولعله من الممكن القول أن الجزائر و جارتها تونس صاحبة الأساطير الأمنية هي الأخرى باتتا مهددتان بخطر إرهاب ذي مناعة مكتسبة..