المراسل-صلاح الدين الجورشي-ما يجري بين حركة النهضة وحزب نداء تونس لا يبشر بخير .وإذا لم تتم مراجعة أسلوب التعامل بين كوادر التنظيمين، والارتقاء بالعلاقة بينهما الي مستوي التنافس النظيف ،فان النتائج ستكون وخيمة ،ليس فقط عليهما ،ولكن أيضا على البلاد التي لا تحتمل هذا الاحتقان المتزايد .فالعنف يبدأ أولا بالكلام ثم سرعان ما ينتقل الي الأيدي، وربما الي أشياء أخري.فما الذي جعل العلاقة تتدهور بهذه السرعة قبل الدخول بوقت قياسي في الحملة الانتخابية التي يخشي ان تتحول إلي كابوس إذا ماستمرت طبول الحرب تدق بهذا الإيقاع الموتر للأنفاس والأجواء العامة؟ كانت المياه تجري بشكل عادي بين النهضة والسيد الباجي القائد السبسي ،الذي تجاوز بطرافته رد فعل الأستاذ راشد الغنوشي على تعيينه وزيرا أول ،عندما علق قائلا" من اي أرشيف خرجوه" ؟وقد تحسنت العلاقة بين الرجلين ، حتي كادت ترتقي إلي مستوي الصداقة،خاصة بعد تنظيم الانتخابات وتسليم السلطة بطريقة حضارية غير معهودة في تاريخ المنطقة العربية. بدأت النفوس تتغير عندما قرر سي الباجي مواصلة نشاطه السياسي ،وهو ما فدا قيادة حركة النهضة.وانفجرت عاصفة شديدة ضد الرجل،بلغت حد التشكيك في مداركه العقلية ،وتعييره بسنه،كما تم تحميله الصعوبات التي تواجهها الحكومة الراهنة، وتلغيم جهودها من خلال عدد من القرارات المالية والاقتصادية التي اتخذها في عهده دون مراعاة الإمكانيات الفعلية لميزانية الدولة. رغم ذالك بقيت المناوشات السياسي بين الطرفين محدودة الي ان اكتملت ملامح حزب نداء تونس الذي بدا أشبه بكرة الثلج التي تجرف أثناء انحدارها المتسارع كل الغاضبين على حركة النهضة،والمعادين لها،سوي لأسباب سياسية او لاعتبارات إيديولوجية،او غيرها من الدوافع.طبعا قيادة الحزب تنفي ان يكون الجامع بين الأعضاء هو العداء لحركة النهضة، ،لكن الانطباع السائد في أوساط المراقبين والمتابعين للشأن السياسي يتجه نحو خلاف ذالك. بقطع النظر عن هذه الحيثيات،فالمؤكد ان الاستقطاب الإيديولوجي الذي هيمن على البلاد بعد فترة وجيزة من هروب بن علي ،والذي استفادت منه حركة النهضة خلال الحملة الانتخابية السابقة ،كان سيئي إلي حتما إلي خلق قطب او أقطاب مناهضة لها سياسيا وفكريا.وقد تعززت هذه الرغبة بعد ان اختزل المشهد السياسي خلال الأشهر القليلة الماضية بين أغلبية تحكم وأقلية تحتج، وغابت كل أشكال الحوار ،فهيمن منطق اصطياد الأخطاء التي كلما تكاثرت في صفوف الحكومة إلا وازداد الأمل في صفوف معارضيها في تغيير الموازين خالا الانتخابات القادمة. في هذه الأجواء بدأت تسود مشاعر حادة ومقلقة ، فمن جهة أصبحت النهضة وحلفائها يشعرون بكونهم يخوضون معركة من اجل البقاء،وفي المقابل يعتمد الخصوم تكتيك الملاكم، الذي كلما وجد ثغرة في جسد المنافس وجه له سلسلة من اللكمات في مواقع حساسة ما في ذالك تحت الحزام من اجل إنهاك قواه والإجهاز عليه في اللحظة المناسبة قد يكون ما يجري أمرا طبيعيا في بلد يتعلم فيه الجميع العيش المشترك في ظل الصراع الديمقراطي.لكن قد ينسي الكثيرون ،سواء في الحكم او في المعارضة ، أننا لم ننتهي بعد من وضع العربة وراء الحصان.فالانتقال الديمقراطي يستوجب تعاون الجميع على وضع قواعد اللعبة بشكل توافقي قبل الشروع في التنافس من اجل الضفر بالسلطة.ومن أهم هذه القواعد الانتهاء من صياغة الدستور. بناء عليه، تعتبر المواجهة الحالية بين حرك النهضة ونداء تونس ليست في صالح هذا الانتقال،ويمكن اذا لم تتغلب الحكمة-ان تزيد ارباك الوضع العام الذي يتسم بالهشاشة وعدم الوضوح .فعديد المؤشرات تدل على ان الذين اخناروا الاتفاق حول شخصية الباجي القائد السبسي في ازدياد متسارع ،مما قد يجعل من حزبه رقما لا ياستهان به،وقد يصبح الرقم الأصعب في المعارضة وبالتالي لايكمن للنهضة تجاهله او ان تعمل على نفيه وشطبه بحجة انه مجرد حصان طروادة"للتجمعيين".وفي هذا السياق، يعتقد الكثيرون بان القرار الذي اتخذته حركة النهضة بمقاطعة كل فظاء يوجد فيه ممثل عن نداء تونس ،ليس سليما، ومن شانه ان يؤدي الي نتائج عكسية.وقد سبق ان حاول بن علي استعمال هذا الأسلوب لعزل حركة النهضة ،ففشل في ذالك فشلا ذريعا.في حين ان القاعدة في الديمقراطية هي مواجهة الحج بالحجة ،والخاسر هو من يترك مقعده شاغرا في المقابل،لا يصح الاستمرار في شيطنة حركة النهضة، التي مهما تعددت أخطاؤها، وتراجعت شعبيتها بعد ان اقر بذالك رئيسها الأستاذ راشد الغنوشي، فانها ستبقي لمدة طويلة حركة شعبية مناضلة لها امتدادها العميق في اوساط الشعب التونسي.وبناء عليه،سيكون من غير الجدية افتراض مشهد سياسي من دون الإسلاميين، ولا تحتل فيه حركة النهضة مكانة أساسية. في ضوء هذه المخاوف التي تستند على مؤشرات سلبية وخطيرة،خاصة بعد الأحداث التي شهدتها قليبية ،وقبلها صفاقس،قان مصلحة البلاد العليا ،ومقتضيات الانتقال الديمقراطي،تستوجب تطويق هذا التصعيد وإطفاء الحريق قبل ان تتسع دائرته