المراسل-تونس - حذرت كتلة المعارضة داخل المجلس التأسيسي من "الضغوطات التي تمارسها حركة النهضة بهدف صياغة دستور يحد من حرية الإعلام والإبداع" فيما حمّل رئيس هيئة إصلاح الإعلام المنحلة كمال العبيدي حكومة النهضة "مسؤوليتها كاملة" من خطورة تداعيات "تلكؤها في إصلاح الإعلام" و"إصرارها على انتهاج الأسلوب نفسه" الذي تعامل به نظام الرئيس بن علي الذي أطاحت به ثورة 14جانفي 2011. وكشف عدد من أعضاء التأسيسي خلال مسامرة رمضانية نظمتها نقابة الصحفيين التونسيين حول "دسترة حرية الإعلام والتعبير"يوم 3اوت أشغال لجان التأسيسي تشهد منذ أشهر صراعا حادا حول الفصول المتعلقة بالإعلام والصحافة إذ يصر نواب كتلة النهضة على "صياغة فصول تحد من حرية الصحافة الإعلام والإبداع فيما تتمسك الكتل المعارضة بدسترة تلك الحريات. وقال مراد العمدوني عضو لجنة الحقوق والحريات نائب عن حركة الشعب إن الفصل المتعلق بالإعلام من أكثر الفصول التي ناقشتها اللجنة التي تشكل الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي تقوده النهضة مضيفا أن "نواب النهضة أرادوا، من خلال مقترحهم، تقييد حرية الإعلام والتعبير متعللين بالمس من النظام العام والأخلاق الحميدة". ويتعلل نواب النهضة ب "حماية المقدسات" و"احترام مشاعر المجتمع" وعم المساس بالأخلاق العامة" ليدفعوا باتجاه صياغة دستور يقيد حرية الإعلام والإبداع. ولاحظ العمدوني أنه رغم أن التصويت لفائدة إقرار حرية الإعلام والإبداع والتعبير دون تقييد قد تم، إلا أن الجلسة العامة التي ستنعقد لمناقشة الدستور قد تقلب المعادلة لفائدة مقترح كتلة النهضة عبر آلية التصويت. وأعرب عن مخاوفه من "إعادة تدجين الإعلام عبر المجلس الوطني التأسيسي لصالح "الائتلاف" الحاكم مشيرا إلى أن هناك بوادر تراجع في أداء الإعلام العمومي خاصة في القناتين التلفزيتين الأولى والثانية. وكان رئيس قسم الأخبار بالتلفزيون الحكومي سعيد الخزامي تذمر مما يتعرض إليه من ضغوطات من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة مشددا على أنه يتلقى مكالمات هاتفية تطلب "تخصيص تغطية أوسع" لنشاط المرزوقي ونشاط الجبالي. من جهته حذر اسكندر بوعلاقي، نائب عن العريضة الشعبية من سعي النهضة إلى" تدجين الإعلام" وتركيعه ليكون بوق دعاية لحركة النهضة خلال الانتخابات القادمة ملاحظا أن سقف الحريات يحدده الصحفيون أنفسهم وعلى السياسي أن لا يتدخل في هذه المسالة. وكانت الهيئة التونسية لإصلاح الإعلام والاتصال التي رأسها الناشط كمال العبيدي أعلنت يوم 4 جويلية إنهاء عملها لعدم قدرتها على أداء مهمتها واتهمت حكومة النهضة بفرض "الرقابة والتضليل". وقال العبيدي "إن إعلان الهيئة عن نهاية أعمالها هو رسالة قوية للرأي العام والمجتمع المدني أنه بعد ستة أشهر من حكم الائتلاف الذي تقوده النهضة لم تصدر أية مبادرة أو إشارة جدية للشروع في إصلاح قطاع الإعلام". وكشف لأول مرة أن الهيئة أعدت مشروعا لإصلاح الإعلام مرفوقا بتقرير مفصل عما يجب اتخاذه من إجراءات لإرساء "إعلام حر وتعددي ومستقل" منذ بداية العام "لكن للأسف آثرت الحكومة عدم الاكتراث بل على العكس من ذلك تعددت المؤشرات الخطيرة التي أقدمت عليها الحكومة والتي تؤكد عدم استعدادها للتقدم خطوة واحدة نحو الإصلاح". وشدد العبيدي على أن حكومة حمادي الجبالي أمعنت في إصرارها على "ممارسة سلطتها المطلقة على وسائل الإعلام العمومية بالتعيينات التي تخضع للولاءات ولا تلتزم بعنصر الكفاءة إلى جانب ممارسة الضغط على تلك الوسائل كي تلقي مزيدا من الضوء على نشاط الحكام الجدد". وكانت الحكومة نفت الاتهامات الموجهة إليها بمحاولة السيطرة على وسائل الإعلام او بممارسة الرقابة عليها. وقال لطفي زيتون الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة حمادي الجبالي في مؤتمر صحفي "ليس هناك أي جهة في الحكومة تراقب ما تبثه وسائل الإعلام". غير أنه لاحظ "إن المشهد الإعلامي ذو اتجاه واحد" في إشارة إلى أن وسائل الإعلام تكتفي بنقد الحكومة وتتعفف عن تلميع صورتها لدى الرأي العام. ووصف زيتون ب"المفاجئ" إعلان "الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام " حل نفسها معللة ذلك برفض حكومة الجبالي تفعيل القانونين 115 و116 اللذين ينظمان قطاع الإعلام واستقلاليته في تونس. لكن كمال العبيدي ردّ بحدة على زيتون مشددا على أن الحكومة "تمارس الرقابة والتضليل" مشدد على أن حكومة حمادي الجبالي "تريد لا تريد إعلاما مستقلا مشددا على أن الحكومة ستبعث وزارة تشرف على القطاع مثلما كان الأمر في عهد بن علي". ولاحظ أن إصرار الحكومة على عدم تطبيق القانونين يؤكد أنها "تريد أن تبقى المسيطر الوحيد على ملف التعيينات في الإعلام العمومي وهو ما يتعارض كليا مع شروط الأنظمة الديمقراطية". وأوضح العبيدي أن "تهديدات رئيس النهضة راشد الغنوشي بخصخصة الإعلام العمومي" تتنزل في إطار تصور معين لدور الإعلام باعتباره وسيلة يمكن التحكم فيها لخدمة أهداف النهضة مثلما كان يحدث في نظام بن علي. ويرى المراقبون أنه "لا يمكن تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي في ظل حكومة تريد أن تستفرد بهيمنتها لا على الإعلام فقط بل تعمل على وضع يدها على مختلف المؤسسات السيادية للدولة ومؤسسات المجتمع. ويضيفون إن "تعاطي حكومة النهضة مع الإعلام يتناقض مع التجارب الديمقراطية ويخيب تطلعات التونسيين إلى إعلام حر ونزيه وموضوعي" مشيرا إلى أنه بدل أن تنتهج الحكومة سياسة ديمقراطية فإنها على العكس من ذلك لا تتردد في "التهجم والتشهير بكل من يختلف في الرأي مع الحكام الجدد". واتهمت منظمة مراسلون بلا حدود، المدافعة عن حرية الصحافة، حكومة النهضة ب"السعي إلى السيطرة على وسائل الإعلام". ويقول سياسيون وإعلاميون وناشطون إن التعيينات التي أجرتها الحكومة على رأس المؤسسات الإعلامية جاءت لتؤكد ان عنصر الولاء هو القاعدة الأساسية التي يتم على أساسها إسناد المهام، ولاحظ أن تلفزيون "الزيتونة للقرآن الكريم" يديرها أسامة بن سالم إبن وزير التعليم العالي منصف بن سالم". وأعربوا عن رفضهم للسياسة التي تنتهجها الحكومة تجاه الإعلام مشددين على أن حكومة النهضة "تستخدم أساليب تعيين تفتقد "للشفافية" وهو ما يشكل "تهديدا لاستقلالية وسائل الإعلام العمومية". وتسود "علاقة عدم ثقة" بين حكمة النهضة والصحفيين والإعلاميين أدت في أكثر من مناسبة إلى "تشنج" و"احتقان" حيث ما انفكت النهضة تصعد من نسق تهجمها على الإعلام العمومي واصفة إياه ب"العدو"و"الفاسد" و"المنحاز" للتيارات اليسارية ولبقايا نظام بن علي. و اتهم رئيس الحركة راشد الغوشي الإعلام العمومي بأنه "متحامل على النهضة وعلى الحكومة" وأنه "يضخم السلبيات ويطمس الحقائق ويعتم على كل ما هو إيجابي". وبرأي الغنوشي فإن أغلب وسائل الإعلام العمومية "فاسدة" وفي مقدمتها التلفزة الحكومية التي هي "في خدمة توجهات إيديولوجية معينة معادية للثورة وللنهضة". وتبدو الانتهاكات المتكررة التي يتعرض إليها الصحفيون والإعلاميون مؤشرات على "تدجين" الإعلام و "زرع الخوف في صفوف الصحفيين والإعلاميين" و"تجريدهم" من شجاعتهم التي تحلوا بها خلال أشهر الثورة في التعاطي مع أوضاع البلاد بما في ذلك "نقد الحكومة التي تقودها النهضة استعدادا للانتخابات القادمة" المزمع إجراؤها خلال شهر مارس2013.