تعتبر جولة الرئيس الأمريكي جورج بوش الإفريقية التي شملت عددا من البلدان الإفريقية، هي: بنين، وتنزانيا، وأيضاً رواندا وغانا وليبيريا، والتي اندرجت تحت عنوان تمحور حول محاربة الفقر والأوبئة المميتة كالأيدز والملاريا، الزيارة الثانية له للقارة السوداء، خلال ولايتيه الرئاسيتين، لتأكيدالاهتمام الأمريكي بمواردها الاقتصادية ومكامن “المخاطر الامنية” المحتملة . وإذا كان الخطاب الأمريكي يطنب في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن الولاياتالمتحدة دعمت لسنوات طويلة الأنظمة الديكتاتورية التي كانت سائدة في القارة الإفريقية، والتي اتسم عهدها بانتشار الفساد في معظم الحكومات، وبغياب القانون، وبتغلب مصالح النخب على مصالح الشعوب . والإدارة الأمريكية تغلق عينيها عن أماكن كثيرة تمارس القمع والإكراه، ولكنها معمدة بالمياه الأمريكية، ومحمية بروح البيت الأبيض المقدس، مثل نظام موسوفيني الذي له مفهومه الخاص للديمقراطية، ويقوم على تفضيل الحزب الواحد، ويعتبر حزبه هو الحزب الشرعي الوحيد، لأن ما يهمها بالدرجة الأولى هو التجارة، واندماج إفريقيا في دواليب الاقتصاد العالمي . أما المساعدات الخارجية الأمريكية، فهي في نقصان مستمر منذ سنة ،1985 غير أن المساعدات المخصصة للبلدان الإفريقية جنوبي الصحراء انخفضت بسرعة . فكانت تمثل في سنة 1985 نسبة 16،8% من حجم المساعدات (1،4 مليار دولار) مقابل 12،5% (800 مليون دولار) في سنة 1991 . أما في سنة 1992 فبلغت المساعدات الخارجية الأمريكية 14،4 مليار دولار بالطبع ذهب ثلث هذه المساعدات إلى كل من مصر 2،2 مليار دولار و”اسرائيل” 2،3 مليار دولار . وظل هذان الرقمان على حالهما . وخصصت الحكومة الأمريكية مبلغ مليار دولار إلى القارة الإفريقية (باستثناء شمال إفريقيا) . وكانت الدول المحظوظة أكثر من هذه المساعدات هي موزامبيق (57،2 مليون دولار)، وأوغندا (47،7 مليون دولار)، وملاوي (44،1 مليون دولار)، وكينيا (5،44 مليون دولار)، وغانا(2،40 مليون دولار) . وشهدت السنوات السبع الأخيرة تراجعاً تدريجياً في المساعدات الأمريكية للخارج . والمساعدات التي تقدمها الولاياتالمتحدة لدول إفريقيا، في إطار التعاون لا تتجاوز 700 مليون دولار أي نصف ما كانت تقدمه قبل العام ،1992 يضاف إليها 600 مليون دولار كمساعدات إنسانية . وأوضح بوش أن برنامج المساعدات “الألفية” الذي اقترحه على الكونجرس في فبراير/شباط 2003 والذي يواصل تقديم المساعدات المشروطة التي قدمها الرئيس كلينتون , سيكون “له أثر إيجابي جدا” على حياة الأفارقة، كما هو برنامج ال 15 مليار دولار لمحاربة مرض الإيدز . وفي عصر العولمة الرأسمالية الجديدة، يتحدد نجاح أو تهميش الاقتصاديات الإفريقية، بالعلاقة التي توجد ما بين التجارة الخارجية والناتج الوطني الخام، وبحجم المنتجات الصناعية من مجموع الصادرات، وبحجم الاستثمارات الأجنبية، والقدرة على وفاء الديون . وإذا كانت شروط المعونات الاقتصادية الأمريكية للدول الإفريقية هي مناهضتها للأحزاب الشيوعية والقومية وعدائها للاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، فإن الشروط الأمريكية الحالية تتمثل في إزالة الحواجز من جانب الدول الإفريقية أمام التجارة، ثم تضييق تدخل الدولة في الاقتصاد، وتقويض القطاع العام وتمليكه للقطاع الخاص، وإصلاح أجهزتها وأنظمتها الإدارية والمالية والمصرفية بحيث تتقبل الاستثمارات الأجنبية الخاصة، وتضمن للشركات عبر القومية المتعدية الجنسية الضخمة، إخراج الأرباح والرساميل المستثمرة في التجارة والصناعة، واندماج الدول الإفريقية في عجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي أي العولمة، بعدما تم تحرير الاقتصاد والتجارة فوراً ومن دون تدرج أو تقسيط زمني، بما يعني ذلك تعرية الاقتصاد الوطني الهش بطبيعته وتجريده من الحماية الجمركية أمام المنافسة الخارجية . والحكام الأفارقة الذين نهبوا شعوبهم لا يجدون في خزائن الدولة ما يدفعونه من ديونهم إلى الولاياتالمتحدة، فكان الحل الوحيد المطروح هو العبور إلى العولمة، وإعادة بناء الاقتصاديات الإفريقية بعد إجراء الاصلاحات الهيكلية على أسس استعمارية . وأصبح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما أداة الإمبريالية الأمريكية الممركزة في هذا الجهد . وتقوم هاتان المؤسستان اللتان تأسستا العام 1944 على يد دول الحلفاء، بممارسة نفوذ عظيم على دول العالم الثالث من أجل: 1 دفع الفوائد على الديون في المدى القصير، حيث إن تلقي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من فوائد الديون أمر لا يوازي ما قدماه من ديون منذ تأسيسهما، في ظل استمرار تدهور شروط التبادل التجاري بين العالم الثالث والغرب، أي انخفاض أسعار صادرات المواد الأولية، وارتفاع أسعار الواردات، ويعود ذلك إلى اختراع المواد الصناعية البديلة للمواد الأولية الطبيعية (الكاوتشوك الصناعي بدل الطبيعي، والالياف الزجاجية حلت محل النحاس، والمنتجات الاصطناعية (synthetiqe) تواصل منافستها للألياف النسيجية الطبيعية . وهكذا فإن المنتجات الأساسية (مواد أولية) التي استمرت رهاناً استراتيجياً بالنسبة للدول الإفريقية المصدِرة، لم تعد كذلك بالنسبة للاقتصاديات الصناعية في ظل عصر الثورة التكنولوجية . 2 إعادة تنظيم الاقتصاديات الوطنية بما يتلاءم مع مصالح الشركات العملاقة متعدية الجنسية على المدى الطويل، وفتح القارة الإفريقية للاستثمارات الأمريكية التي تتبع سياسة السوق الحرة . كاتب اقتصادي