بدأت منذ عامين تقريبا حملة إعلامية شرسة شنتها بعض الصحف الدنماركية أهمها عندما قام الرسام الدنماركي "كورت فيسترجارد" بنشر رسوم كاريكاتيرية تسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في صحيفة "بولاندس بوستن" ثم تبعتها هجمة شرسة ومنظمة شاركت فيها سبع عشرة صحيفة غربية ضد الإسلام ورسوله الكريم بإعادة نشر تلك الرسوم وتواصلت مع صحف ألمانية وبريطانية وسويدية وهولندية ونرويجية واسبانية إضافة إلى صحيفة أمريكية. وتفاقمت الهجمة بانخراط المسرح والسينما في الحملة إذ عرضت أوبرا ألمانية للموسيقار الألماني "فولفجانج اماديوس موتسارت" يسخر فيها "البطل" من النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن السيد المسيح عليه السلام وعرض في أمريكا فيلم بعنوان "الاستحواذ" يتضمن في مشاهده لقاءات مع شخصيات من أشد المناهضين للمسلمين والعرب مثل الصهيوني "دانيل بابيبس" وأحد صقور المحافظين و"نوني درويش" المرتدة التي تعتبر من أشد المناهضين للإسلام. بل إن الحملة انتقلت من بعض الفنانين المتعصبين والمرضى إلى بعض الساسة المتطرفين مثل السياسي الهولندي وعضو البرلمان "غيرت فيلدرن" الذي طالب بحظر القرآن في هولندا أسوة بكتاب هتلر "كفاحي" وهو الآن بصدد إنتاج فيلم مسيء للإسلام يحوي مشاهد يطالب فيها بإحراق القران... ويبدو أن الإساءة للرسول واستعداء الإسلام أصبحت تجارة مربحة تدر على مشعليها ارتفاعا في الأسهم الانتخابية والسياسية فلقد فاز البليونير "كريستوف بلوكر" الذي ينتمي إلى حزب الشعب السويسري في الانتخابات العامة في ذات الوقت الذي كان فيه يشن حملة لتغيير القانون السويسري من أجل صنع بناء مآذن للمساجد. ولقد ركب هذه الموجة بعض الحكام الأوربيين فبادر وزير الداخلية الألماني إلى صبّ الزيت على النار حينما دعا الصحف الأوروبية إلى إعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد بدعوى حرية الصحافة. وإزاء هذه الحملة المغرضة على الإسلام وعلى نبي الإسلام يجدر بنا معرفة سبب استمرارها وإشعالها إلى الآن وما هي أهدافها؟ وما الموقف منها؟ لا شك في أن سيطرة الإدارة الأمريكية على العالم واستفراد المحافظين الجدد بالقرار دفع السياسة العالمية إلى حافة الهاوية وقسم العالم إلى معسكر "أخيار" تقوده أمريكا والغرب عامة ومعسكر "أشرار" وكان العرب والمسلمون على رأس قائمة الأشرار فاحتلت افغانستنان ثم العراق وعمقت حملة الإبادة ضد فلسطين واغتصبت الصومال وهوجمت دارفور وهددت سوريا ولبنان والبقية تأتي... ولما كان الهجوم والغزو والاحتلال أعمالا مدانة قانونا وشرعا كان لا بد للغرب المتصهين من أن يشن حملة على رموز العرب والمسلمين فاختاروا أسمى الرموز وأعظمها وأجلها ألا وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وخير الأنام... أما أهداف هذه الحملة إدخال فهو الإرباك على المسلمين وإحراجهم ودفعهم إلى الردود الانفعالية بغاية تحريف حقيقة الصراعات التي شقت الشعوب والأمم والإنسانية من صراع ضد الاستعمار والامبريالية والصهيونية والعنصرية إلى صراع بين المسلمين والكفرة وبين العرب والغرب... وبين المسيحيين والمسلمين والمسلمين واليهود الخ... إنها صراعات وهمية خاطئة تفقد معها الإنسانية البوصلة وتنحرف إلى الصراعات الدينية المتخلفة والبائدة والصراعات المذهبية البغيضة والصراع الحضاري المزعوم الذي نادى به المنظر الأمريكي المحافظ الجديد هنتقتون وأمثاله ولذلك كله لا يمكننا إلا أن نرفض هذه الحملة المسيئة للرسول محمد ولكافة الأنبياء والرسل والديانات. وفي هذا السياق نحن في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ندين بشدة كل إساءة للرسول الكريم والديانات ذلك أن هذه الحملة "تنم عن التعصب الديني الذي سيؤدي بالعالم للصراع والتقاتل والفتنة بين أصحاب الديانات السماوية كما تأتي استجابة للضغوط الغربية والصهيونية التي تريد باي شكل من الأشكال محاربة الإسلام سواء بتشويه صورة النبي الكريم أو صورة المسلمين... كما لا ننسى الهدف الرئيسي من وراء كل ذلك وهو السعي إلى السيطرة على مقدرات وثروات العالم وبالأخص أمتنا العربية الإسلامية وما تبع ذلك من احتلال للأرض وهتك للعرض ومحاولة إبادة شعوب بأكملها ومحوها من الوجود وخير دليل على ذلك ما يجري على الأرض العربية في فلسطين والعراق بشكل يومي من مجازر وسفك للدماء. وإننا ندين بشدة في نفس السياق اغتيال أي مسيحي أو يهودي غير صهيوني أو أي إنسان مهما كان دينه لمجرد الإختلاف معه دينيا أو سياسيا وفي هذا الإطار نستنكر بشدة اغتيال المطران بولص رجو رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية في الموصل إن شنّ الحملات المسيئة على الرسل والأنبياء ورجال الدين والديانات جرائم لا يرتكبها إلا العنصريون والحاقدون والجهلة وأعداء الإنسانية. ذلك أن عظماء التاريخ والسياسة والفكر والفنانون الصادقون لا يمكن لهم أن ينخرطوا في مثل هذه الفتن بل على العكس من ذلك فكثيرا ما أعلنوا إسلامهم حينما تأملوا الرسالة المحمدية أو عبروا عن احترامهم لرسولها. إن الموقف الصائب اليوم أن نشن حملة مضادة نعلن فيها القيم الإسلامية السمحة من حرية وتسامح وعدل وإخاء ومقاومة الحملات الغوغائية بالفكر العقلاني المستنير. فلا مجال اليوم لاستعداء الغرب بسبب تحالف عنصرييه ومتعصبيه من اليمين واليسار ضد الإسلام ورمزه الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم . ولا مجال لنسيان تقدمية الشعوب الغربية ونخبها التقدمية التي وقفت دائما ضد استيطان فلسطين واحتلال العراق ورفضت العنصرية والإقصاء والتهميش والاستغلال. أنسينا تقديم المناهضين للعولمة في أوروبا وأمريكا أجسادهم قربانا للعدل والمساواة في حين وقفنا نحن العرب والمسلمين نرقبهم وكأن الأمر لا يعنينا. انسينا عشرات بل مئات المتطوعين في صفوف المقاومة الفلسطينية وسقوط عشرات الشهداء على ارض فلسطين ولبنان ومصر الناصرية والعراق والجزائر بالأمس... لقد حان الوقت الآن من أجل إعادة توضيح الصورة وفرز القوى. إن الصراع اليوم كما كان بالأمس صراع تقدميين ضد رجعيين غايته انتصار الإنسان وحريته ذلك أن الحرية هي المطلب الأول والأخير للإنسان وكل من يعرقل هذا المطلب وجب محاربته وحرية العقيدة حق مكتسب لا جدال فيه ونحن نتمسك بحرية اعتقادنا في رسالة رسولنا محمد وفي تعظيم مكانة نبينا معترفين لغيرنا بحرية معتقداتهم ما دامت في خدمة الإنسانية لا ضدها.