كان القرار الرئاسي الأخير بغلق مصنع "السياب" الواقع على الساحل الجنوبي لمدينة صفاقس محل استبشار من أهالي هذه المدينة الذين طالما عانوا من الآثار الخطيرة التي انجرت عن انتصاب هذه المؤسسة المختصة في الصناعات الكيماوية القائمة على تحويل مادة الفسفاط. وقد كان موضوع غلق "السياب" من المواضيع التي حصل حولها جدل كثير بالنظر إلى الأهمية الاقتصادية لهذه المؤسسة وكذلك في المدة الأخيرة أخذا بعين الاعتبار للانطلاق في تنفيذ مشروع تبرورة في الناحية الشمالية من سواحل مدينة صفاقس.كما أثار هذا الموضوع جدلا أيضا حول مصير الأعداد الكبيرة من العاملين في هذه المؤسسة. وفي هذا الإطار التقت "الوطن" الدكتور عبد الحميد الحصايري الأستاذ الجامعي والكاتب العام لجمعية حماية البيئة والطبيعة بصفاقس إحدى أهم الجمعيات البيئية جهويا ووطنيا فكان معه الحوار التالي: * ما انفكت جمعيتكم منذ زمن ليس بالقصير تطالب بغلق مصنع "السياب". فكيف تقبلتم القرار؟ طبعا تقبلنا القرار كما هو شأن كل أهالي صفاقس بكثير من الارتياح والابتهاج إذ كان القرار بمثابة إزاحة كابوس طالما جثم على صدورنا فنحن نعتبر قرار غلق المصنع هاما وتاريخيا ولا بد من تثمينه والإشادة به لأنه سيضع حدا لسنوات طويلة من المعاناة ومن التلويث المدمر ولأنه سيمكن من مصالحة حقيقية بين أهالي مدينة صفاقس ومحيطهم وخاصة البحر. نقول هذا خاصة وأن جمعيتنا قد جعلت طيلة السنوات الفارطة من قضية مصنع "السياب" إحدى أوكد أولوياتها حيث تشكلت في صلب الجمعية لجنة خاصة لمتابعة هذا الموضوع ولطالما عملنا بكل الوسائل المتاحة من أجل غلق هذا المصنع وطالبنا بذلك وانتظرناه. وجاءت مظاهر الابتهاج ومختلف التصريحات المؤيدة للقرار بما في ذلك تلك الصادرة عمن يتقنون ركوب الأحداث لتؤكد شرعية هذا المطلب وما قمنا به من أجل تحقيقه. * لكن "السياب" ليس المصدر الوحيد للمشاكل البيئية بصفاقس؟ المشاكل البيئية بصفاقس عديدة ومختلفة المصادر ومتنوعة المظاهر وهي بصدد المتابعة من أجل معالجتها تدريجيا... ولعلك تتذكر أن مدينة صفاقس قد تحملت مصنع M.P.K الذي كان يلقي مادة الفوسفوجيبس في البحر الشيء الذي حرم متساكني المدينة لسنوات عديدة من التمتع بالبحر إذ كانت مدينة صفاقس تتمتع بشواطئ جميلة ومهيأة للسباحة على غرار "حشاد" والكازينو" و"natation" التي وقع غلقها بعد تركيز هذا المصنع بل إن التلوث امتد حتى منطقة البودريار والسواحل الشمالية للمدينة، وقد تم غلق هذا المصنع منذ نهاية الثمانينات وتجري الآن معالجة آثاره من خلال مشروع تبرورة. وكذلك عانت المدينة لأكثر من نصف قرن من مصنع السياب ومن تأثيراته السلبية لانبعاثاته الغازية والصلبة والسائلة على البيئة والمحيط وصحة وسلامة متساكني مدينة صفاقس وقد صدرالقرار الأخير بالغلق. وفي الحقيقة فإن تقييم الوضع البيئي بصفاقس بشكل شامل لا يتوقف فقط على تأثيرات هذين المصنعين فهناك عدة مظاهر تجب معالجتها فمن السلبيات الأخرى وجود مصب الفضلات الذي توقف استغلاله والذي يحتاج إلى معالجة جذرية وكذلك وجود عدة مصانع أخرى صغيرة ملوثة تستدعي النظر والمعالجة، هذا إلى جانب المشاكل البيئية التي تتسبب فيها حركة النقل التي تشهد اكتظاظا كبيرا يتسبب في انبعاث الدخان والغازات. * يبدو أن قرار نقل المصنع قد أثار حفيظة العاملين به، فكيف تبدو لكم هذه المفارقة؟ اعتقد أن عمال وإطارات "السياب" بصفتهم من متساكني صفاقس هم وذويهم معنيون بالنتائج الايجابية المنتظرة من عملية الغلق بيئيا وصحيا. ولا أشك في وعيهم بذلك على انه يبقى من حقهم تامين مصالحهم لمرحلة ما بعد الغلق... كما لا أشك أيضا في أن السلط المعنية واعية بذلك وسوف تعمل على تسوية هذه المسائل الاجتماعية. * كيف تبدو لكم الآفاق المستقبلية لمدينة صفاقس؟ غلق مصنع "السياب" سيمكن من إعداد مشروع تهيئة للشريط الساحلي الجنوبي لمدينة صفاقس ذي طابع استشرافي بعيد المدى تكون من بين أهدافه أن تصبح صفاقس عاصمة متوسطية تتوفر فيها مواصفات التنمية المستديمة. وهذا يتطلب معالجة حقيقية لمخلفات الوضع القائم حيث تنتشر مظاهر الفوضى على امتداد هذا الساحل الجنوبي رغم ما تتوفر فيه من إمكانيات جيدة للاستغلال كمنتزه طينة والمنطقة الأثرية المجاورة له ولعل هذا إلى جانب مشروع تبرورة يمكن أن يكون بوابة لمصالحة نهائية لمدينة صفاقس مع البحر ولعلاقة تكاملية لهذه المدينة مع محيطها بما في ذلك جزر قرقنة. توضيح حول مصير العاملين بمصنع "السياب": بالاتصال ببعض المصادر النقابية علمت الوطن أن الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس يتولى متابعة وضعية العاملين بالمصنع من أجل تأمين حقوقهم المترتبة على قرار غلق المصنع وأنه لا خوف على مستقبل هؤلاء العمال وعلى حقوقهم فهي على حد تعبير أحد هذه المصادر "في أياد أمينة" وأن آفاق إيجاد حلول مناسبة تستجيب لآمال هؤلاء العمال مفتوحة وتدعو للتفاؤل.