عاجل/ شخصية سياسية معروفة يكشف سبب رفضه المشاركة في "قافلة الصمود"    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    بطولة برلين: أنس جابر تتأهل إلى الدور ثمن النهائي    فيليبي لويس: "أرقام الترجي الرياضي مبهرة حقا .. ولاعبوه يتميزون بروح قوية"    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق الكاتب العام السابق لنقابة قوات الأمن..    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    243 ألف وحدة دم أُنقذت بها الأرواح... وتونس مازالت بحاجة إلى المزيد!    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    قصف إيراني يصيب مبنى للبعثة الأمريكية في تل أبيب (فيديو)    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام دون حل قضية اللاجئين خطا استراتيجي



منذ فشل المحادثات السياسية العربية الاسرائيلية المبكرة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لوزان وباريس عامي 1949 و1951 على التوالي لم تنجح كل المحادثات اللاحقة بشانهم حتى الان في التوصل الى أي اتفاق عادل او غير عادل لفك استعصاء مشكلتهم ، غير ان التطور الجديد كان القفز عن هذه المشكلة والانتقال الى مباحثات وابرام اتفاقيات ومعاهدات للسلام العربي الاسرائيلي لم تكن ممكنة قبل ذلك بسبب قضية اللاجئين تحديدا ، ولن يمضي وقت طويل حتى يتضح ان توقيع معاهدتي السلام المصرية والاردنية ثم اتفاقيات السلام الفلسطينية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي قبل حل هذه القضية كان خطا استراتيجيا فادحا وضع العربة امام الحصان كما يقول المثل الاجنبي ولذلك ما زالت مسيرة مركبة السلام تراوح مكانها منذ عام 1991 .
"تطلب اتفاق اوسلو منذ عام 1993 حل مشكلة اللاجئين .. قبل التوصل الى اتفاق دائم .. وكان واضحا اننا اذا لم نجد حلا لهذه المشكلة المؤلمة فان الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني سوف يظل دون حل ، حتى لو اقيمت دولة فلسطينية طبقا لحدود متفق عليها" . كتب ذلك الاسرائيلي احد المهندسين الرئيسيين لاتفاق اوسلو (بيترليمونز في 31/12/2001) . لكن بغض النظر عن اختلاف الرؤيتين الفلسطينية والاسرائيلية للحل فان كلا الجانبين وغيرهما من القوى العربية والدولية المعنية بالسلام العربي الاسرائيلي ، وكما يشير تطور "عملية السلام" منذ سبعة عشر عاما وقبل ذلك ، لم يعودوا يابهون بهذه الحقيقة الاساسية في حراكهم السياسي ، في الاقل كما يدل توقيع معاهدتي السلام المصرية والاردنية ثم اتفاقيات اوسلو الفلسطينية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي .
ان الاجماع العربي الراهن على مبادلة اقامة دويلة فلسطينية بالقفز عن حل عادل يعيد اللاجئين الى وطنهم ما زال حتى الان يعتبر حلا فوقيا مفروضا يرفضه عرب فلسطين وبخاصة اللاجئون منهم ، حسب استطلاع للراي اجراه المركز الفلسطيني للراي العام ونشرت نتائجه اوائل تموز / يوليو الجاري حيث رفض اكثر من تسعة وثمانين في المئة ووافق اقل من سبعة في المئة من الفلسطينيين المستطلعة ارائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين منذ عام 1967 التخلي عن حقهم في العودة مقابل اقامة دولة فلسطينية في المنطقتين وابرام اتفاق للسلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلي .
وهذا مؤشر جديد يثير اسئلة جادة حول وطنية "البرنامج الوطني" القائم اساسا على هذه المبادلة والذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك حول مدى تمثيلها "الشرعي والوحيد" لشعبها الذي يكاد اللاجئون يمثلون ثلثيه ، مما يعيد الصراع على الارض في فلسطين الدائر منذ ما يزيد على قرن من الزمان الى المربع الاول ويحكم على جهود السلام المستمرة منذ عام 1991 بالفشل الذريع حتى لو حدثت "معجزة" -- حسب قول رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض احمد قريع – وتم التوصل الى اتفاق للسلام او لاتفاق اطار او اتفاق "رف" لابرامه .
وتدور عملية السلام القائمة على اساس هذه المبادلة في سياق حراك دولي تلتزم به الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة فتح وفصائل المنظمة المؤتلفة معها منذ "اعلان الاستقلال" عام 1988 ، حراك قرر منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وبموجب اتفاقيات اوسلو التي اعقبته "تاجيل" بحث حل قضية اللاجئين الفلسطينيين الى حين التفاوض على قضايا الوضع النهائي الدائم لابرام اتفاق سلام فلسطيني – اسرائيلي .
والمفارقة التاريخية ان منظمة التحرير -- التي كان تحرير الارض وعودة اهلها اليها المسوغان لقيامها والتي انتزعت شرعيتها الوطنية والاعتراف الدولي بشرعية تمثيلها لشعبها فقط عبر حمل اللاجئين ومخيماتهم لرسالتها – قد انساقت طائعة او مختارة مع "التاجيل" . اما المفارقة السياسية فهي ان تسعى المؤسسة الصهيونية الحاكمة في دولة الاحتلال الان الى المطالبة بحل قضية اللاجئين قبل ابرام أي اتفاق للسلام بينما تلهث قيادة منظمة التحرير وراء أي اتفاق قبل حلها وهي جوهر الصراع وعدم الاستقرار الاقليمي والتي لن يكون هناك سلام او استقرار دون حل عادل لها على اساس العودة والتعويض حتى لو ابرم مليون اتفاق للسلام .
غير ان التطورات ما زالت تسير في اتجاه معاكس . فعلى سبيل المثال حث عضو برلمان دولة الاحتلال الاسرائيلي (الكنيست) عن حزب ميريتس الذي يوصف ب"اليساري" و "الحمائمي" والذي لا ينغلق باب في وجهه من ابواب "معسكر السلام" الفلسطيني والعربي ، مجموعة من سفراء الاتحاد الاوروبي في اجتماع مغلق مع "لجنة الشؤون الخارجية والدفاع" في السادس عشر من تموز / يوليو الجاري على ان تقرر كل دولة من دولهم حصتها "الكوتا" من اللاجئين الفلسطينيين الذين يمكنها استيعابهم ، لكي "نكون مستعدين ... وقادرين على تنفيذ ذلك .. عندما تحين اللحظة الحاسمة" لابرام اتفاق للسلام كما قال في اليوم التالي في مقابلة مع الجروزالم بوست .
ولكي يتاكد مجددا الاجماع على رفض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض بين ما يوصف باليسار واليمين في المؤسسة الصهيونية الحاكمة في دولة الاحتلال قالت عضو الكنيست عن حزب كاديما الذي يقود الائتلاف الحاكم ، اميرة دوتان ، التي تشارك "اليميني" بيني ايلون في رئاسة اللجنة البرلمانية: "نريد ان نضع هذه القضية على الطاولة ولا نبقيها تحت الطاولة ، وان نتعامل معها ليس غدا بل اليوم ليتسنى لنا العمل على حل متفق عليه" ، ويلاحظ ان دوتان قد استخدمت عبارة حل "متفق عليه" التي ترددها الرئاسة الفلسطينية منذ اعتمادها في مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة الجامعة العربية في بيروت عام 2002 .
بعد سبعة عشر عاما من بدء عملية مدريد تتضح المعالم الرئيسية للاستراتيجية الاسرائيلية للتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين ، واولها اطالة امد هذه العملية في حد ذاتها واستمرار تغذيتها بوعود سلام زائفة بهدف كسب المزيد من الوقت تحت مظلتها لخلق المزيد من الحقائق الديموغرافية على الارض مثل تنشيط المزيد من الهجرة اليهودية الى دولة الاحتلال لتغذية وتسمين المستعمرات ديموغرافيا في الاراضي المحتلة عام 1967 بمزيد من المستوطنين ، وثانيها توظيف هذه العملية لجعل عودة اللاجئين حتى الى الدويلة الموعودة اكثر صعوبة وجعل الضفة الغربية نتيجة لذلك منطقة طاردة لا جاذبة لهم ، وثالثها توظيف اطالة امد عملية السلام العقيمة لاستمرار "تاجيل" حل قضية اللاجئين ، ورابعها توظيف هذا التاجيل لاستمرار ابتزاز المزيد من التنازلات الفلسطينية التي تدرجت تنازليا حسب الاتفاقيات الموقعة والتفاهمات التي تم التوصل اليها حتى مباحثات طابا عام 2001 من العودة والتعويض كحق للتنفيذ تكفله قرارات الامم المتحدة الى موضوع "يتفق عليه" بالتفاوض ، وخامسها استمرار العمل من اجل انهاء تفويض الامم المتحدة للاونروا ونقل مسؤوليتها عن اللاجئين الفلسطينيين الى مفوضية الامم المتحدة للاجئين وحجتها ان الاونروا فشلت بعد ستين عاما في "توطينهم" ولذلك فانها تطيل عمر مشكلتهم بينما المفوضية نجحت في اعادة توطين ما يقارب الاربعين مليون لاجئ منذ الحرب العلمية الثانية .
وسادس معالم الاستراتيجية الاسرائيلية ظهر حديثا بافتعال قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية ، التي تقدر مصادرهم عددهم بين (750) الفا وبين (900) الف ، بانشاء مؤسسات وهيئات يهودية واسرائيلية لتوثيق "قضيتهم" واعدادهم واملاكهم ومطالباتهم . وكالعادة استخدمت هذه الاستراتيجية الكونغرس الاميركي لتسليط الاضواء على "قضيتهم" . ففي شهر نيسان / ابريل الماضي تبنى مجلس النواب في الكونغرس اول قرار له بشان اللاجئين اليهود ونص هذا القرار على ربط قضيتهم بقضية اللاجئين الفلسطينيين وعلى وجوب ان تنص أي قرارات تصدرها أي جهة مستقبلا بشان الفلسطينيين منهم على اشارة صريحة الى اللاجئين اليهود من البلدان العربية .
واذا ما تحول هذا القرار الى سياسة رسمية لواشنطن او لغيرها من الدول فانه بحكم الامر الواقع سيحول الدول العربية الى شريك للفلسطينيين في تقرير مصير اللاجئين . ويتضح من متابعة التحليلات والتعليقات الاسرائيلية والصهيونية على هذا القرار ان الهدف هو دفع الدول العربية الى الاعتراف بمسؤوليتها عن "مشكلة" اللاجئين اليهود اذا ما اصرت على اعتراف اسرائيل بمسؤوليتها عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ثم للتفاوض معها على تبادل الاعتراف بالمسؤولية دون ان يترتب على ذلك عودة أي من اللاجئين الفلسطينيين او اليهود واقناع الدول العربية بتوطين ضيوفها الفلسطينيين مثلما استوعبت اسرائيل اليهود المهاجرين اليها من هذه الدول .
ومن اركان هذه الاستراتيجية جر الجانب الفلسطيني الى القبول بالتفاوض على حل "متفق عليه" في تجاهل كامل للقانون الدولي واكثر من مائة وعشرين قرارا اصدرتها الامم المتحدة ، معظمها للتنفيذ لا للتفاوض ، بشان اللاجئين الفلسطينيين لا يشير أي منها من قريب او بعيد الى اللاجئين اليهود باستثناء الاشارة غير المباشرة اليهم في قراري مجلس الامن الدولي رقمي (242) و (338) اللذين ذكرا كلمة اللاجئين دون اضافة تعريف "الفلسطينيين" لوصفهم كما نصت القرارات الاخرى . والمفارقة ان منظمة التحرير انخرطت في عملية السلام تحديدا على اساس هذين القرارين اللذين يتعاملان مع ازالة اثار العدوان الاسرائيلي على العرب في سنة 1967 والاشارة الى اللاجئين فيهما هي الى "النازحين" نتيجة لذلك العدوان وليس الى لاجئي 1948 .
ويبدو ان المجتمع الدولي لم يعد يجد من الواقعي ان يكون فلسطينيا اكثر من الفلسطينيين لذلك لم تخرج اخر توصيات للامم المتحدة عن الاطار الذي ارتضته منظمة التحرير لنفسها . فقد اقرت اللجنة الرابعة (ازالة الاستعمار) في دورتها الاخيرة التي تزامنت مع انعقاد مؤتمر انابوليس لاحياء عملية التفاوض الفلسطينية الاسرائيلية في تشرين الاول / نوفمبر العام الماضي اربع قرارات – توصيات للجمعية العامة تتلخص في دعم جهود الاونروا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين حيث هم دون اعادة التاكيد على حقهم في العودة والتعويض ، لكن احدها قد اعاد التاكيد فعلا على حق "النازحين" في العودة الى بيوتهم واماكن اقامتهم في الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 . لقد شمل حصاد اتفاقيات اوسلو ، اضافة الى مضاعفة عدد المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية ومستوطنيها الذين يكاد يقارب عددهم النصف مليون نصفهم في القدس ، اعتراف اكثر من خمسة وستين بلدا بدولة الاحتلال الاسرائيلي قبل ان يزول هذا الاحتلال ، وهذه الحقائق الدبلوماسية وعلى الارض لا بد وان تنعكس في قرارات الامم المتحدة .
وبينما تستمر الاستراتيجية الاسرائيلية في محاصرة اللاجئين الفلسطينيين دبلوماسيا وسياسيا وعلى الارض وتستمر منظمة التحرير في مناورات "سلمية" عقيمة لا تزيد على كونها تساوقا طوعيا او بالاكراه مع هذه الاستراتيجية ، وصلت الى مطار اللد (بن غوريون) في الثالث والعشرين من تموز ثلاث طائرات تحمل (450) مهاجرا يهوديا من فرنسا التي تحتضن بعد الولايات المتحدة الاميركية ثاني اكبر واغنى جالية يهودية في العالم خارج فلسطين لينضموا الى (15) الف مهاجر من الولايات المتحدة وبريطانيا خلال السنوات الست الماضية . ان حقيقة هجرة هؤلاء من ثلاث دول غنية تتحكم بمصير العالم اليوم وليس هروبا من الهولوكوست واوروبا التي يحتلها النازي هي مؤشر اخر الى ان الصراع ما زال يدور بين غزوة استيطانية اجنبية وبين عرب فلسطين من سكان البلاد الاصليين .
ان عجز الدول العربية الذي ظهر مؤخرا عن استضافة بضعة الاف من اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من جحيم الاحتلال الاميركي للعراق بالرغم من الملايين من مواطنيهم الذين تستضيفهم منذ ستين عاما وقبولها بتشتيتهم الى تشيلي والبرازيل وكندا وغيرها انما يندرج بغض النظر عن النوايا والمبررات في سياق الجهود التي يقوم بها بيلين والاجماع الاسرائيلي لاعادة توطينهم في "بلدان ثالثة" . وفي الرابع عشر من تموز/ يوليو دعت منظمة "ريفيوجيز انترناشونال" الحكومة الاميركية وغيرها من البلدان التي تستوعب المهاجرين الى اعادة توطين ثلاثة الاف لاجئ فلسطيني عالقين منذ ما يزيد على سنتين في مخيم بائس دون أي خدمات على الحدود العراقية السورية "دون ان يجحف ذلك ب"حقهم في العودة الى وطنهم" ورفضت المنظمة الترتيبات المنسقة بين مفوضية الامم المتحدة للاجئين والحكومة السودانية ومنظمة التحرير الفلسطينية لنقلهم الى بيوت جاهزة في احد احياء الخرطوم "دون أي طريق الى المواطنة والجنسية" . لكن وزارة الخارجية الاميركية سارعت الى رفض هذا الطلب قائلة ان السودان هو الخيار الافضل المتاح لمفوضية اللاجئين في الامم المتحدة (سي ان ان في 17/7/2008) ، وكانما واشنطن تصر على بقائهم "دون جنسية" الى الابد .
في هذا الاطار "السياسي" الاميركي والعربي والفلسطيني تتحرك الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين في سياق حراك دولي يتخذ من السلام عنوانا بائسا له تلتزم به الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، حراك قرر منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وبموجب اتفاقيات اوسلو التي اعقبته "تاجيل" بحث حل قضية اللاجئين الفلسطينيين الى حين التفاوض على قضايا الوضع النهائي الدائم لابرام اتفاق سلام فلسطيني – اسرائيلي .
وما زالت هذه الاستراتيجية ، كما قال بيلين ، ترى بان شركاءها الفلسطينيين في عملية السلام "يزعمون" بان اسرائيل طردت اللاجئين وما زالت تقول ان قرار الامم المتحدة رقم (194) نص على "رغبة في العودة" حولها هؤلاء الشركاء الى "حق العودة" وما زالت تكرر بان الاتفاقيات "الموقعة" تنص على حلول تستثني العودة وان الاتفاق في طابا ، الذي يطالب المفاوض الفلسطيني باستئناف التفاوض بناء عليها ، تم على التعويض لا العودة او عودتهم الى الدولة الفلسطينية وعلى توطين اللاجئين حيث يقيمون الان واستيعابهم في "بلدان ثالثة" والسماح لعدد صغير منهم بلم الشمل "لاسباب انسانية" مع ذويهم في دولة الاحتلال ، وهذه هي نفسها الخيارات الواردة في التفاهمات والمبادرات شبه الرسمية التي جرت على هامش اتفاقيات اوسلو وفي اطارها مثل تفاهمات بيلين مع الرئيس محمود عباس عام 1995 و"مبادرة جنيف" وغيرهما .
وقد حان الوقت لكي يسحب رسميا كل المعنيين الفلسطينيين مبادرة جنيف ومثيلاتها السابقة واللاحقة لانها تمثل "الغطاء الفلسطيني" الذي يمنح بيلين وامثاله "مؤهلات فلسطينية" تعزز صورة دولية لهم كدعاة سلام يستغلونها في تصفية قضية اللاجئين ، كما حان الوقت لاجماع فلسطيني وعربي على التعامل "ليس غدا بل اليوم" مع قضية اللاجئين باعتبارها اولوية يقرر الاتفاق او عدم الاتفاق عليها الاستمرار او عدم الاستمرار في عملية التفاوض لانها هي القضية الاساس والقياس لصدقية انجاز أي اتفاق للسلام على اساس العدل والقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة .
*كاتب عربي من فلسطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.