استقطبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية اهتمام العرب أكثر من أية انتخابات رئاسية سابقة، ومن الواضح أن معظم العرب يتمنى فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما، على منافسه الجمهوري جون ماكين، ويبدو أن هذا التمني يعود إلى فشل الرئيس بوش الذريع في كل شيء تقريبا، وخاصة في الحرب على الإرهاب، وما ترتب عليه من احتلال للعراق، واخيرا في الأزمة المالية العالمية، التي خرجت من وول ستريت، لتصيب برذاذها كل أسواق المال العربية. خلاف بنيوي في الخليج يشعر الخليجيون بأن سياسات الرئيس بوش قد وضعتهم وجها لوجه مع إيران، ولأول مرة لم يعد الخليجيون يرحبون بالحماية الأمريكية، التي استظلوا بها منذ أن تحصلوا على استقلالاتهم، وشعروا بأنها أصبحت عبئا ثقيلا، فإذا ضربت الولاياتالمتحدةإيران، فإن إيران ستضرب كل الخليج، وتحولت تلك القواعد العسكرية الامريكية التي أنفقوا عليها بسخاء، إلى ما يشبه كعب أخيل، بالرغم من أن البلدان الخليجية بشكل عام كانت دائما ترحب برئيس جمهوري، لا يدقق كثيرا في حقوق الإنسان، وإنما يدقق في الصادرات البترولية، وفي عوائد البترو دولار التي ستجد طريقها إلى البنوك الأمريكية، أكثر من أية بنوك أخرى، وقد برهنت بعض الوقائع على مدى التعاون الوثيق بين رئيس جمهوري مثل رونالد ريغان، والمملكة العربية السعودية، فيما يعرف بفضيحة إيران كونترا، عندما لم يجد ريغان أي بند يصرف من خلاله على تمويل المعارضين النكاراغويين للسنديانيين، فلجأ لحلفائه الاغنياء الذين لا أحد يدقق في مصروفاتهم، ولا ننسى أن الأموال الخليجية هي التي حاربت السوفييت في أفغانستان أكثر من الأموال الأمريكية. أحداث الحادي عشر من سبتمبر غيرت من تلك العلاقة الوثيقة، التي دشنها الملك عبد العزيز آل سعود، والرئيس فرانكلين روزفلت في البحيرات المرة عام 1945، مع نهاية الحرب العهالمية الثانية، وظهور بوادر الحرب الباردة، فللمرة الأولى بعد 11 سبتمبر يعتري تلك العلاقة خلاف بنيوي، وللمرة الأولى تصبح مصالح الطرفين متضاربة. في البداية حملت جهات أمريكية نافذة مقربة من تيار المحافظين الجدد، تبعات 11 سبتمبر على السعودية، باعتبار أن نظامها الذي يجمع بين القبيلة والدين هو الذي أنتج الإرهاب، ولكن بعد فشل بوش في العراق، تلاشت الدعوات بفرض الديمقراطية على العالم العربي، إلى القبول بالأمر الواقع، خاصة بعد أن تفجر الصراع السني الشيعي في العراق، ووصلت شرارته إلى كل بلدان الخليج، حيث ينام أكبر احتياطي للنفط في العالم. خريطة في حاجة إلى طريق العراقيون الذين تضرروا من بوش مثلما لم يتضرر أي شعب آخر، يودون شيعة وسنة أن يختفي الجمهوريون من البيت الأبيض، بما في ذلك المعارضون لنظام صدام حسين، الذين شجعوا بوش ورامسفيلد على غزو العراق، ووفروا لهم الأدلة على وجود أسلحة دمار شامل في العراق. الفلسطينيون بدورهم لا يرغبون في رؤية رئيس جديد يحمل نفس خريطة الطريق السابقة، التي أفضت إلى جدار مسدود، ليس فقط في الأرض المقدسة، وإنما حتى في شارع وول ستريت، ويتمنى الفلسطينيون فوز باراك أوباما لعله بفضل التقاطع العرقي والثقافي وحتى الديني في شخصيته، يستطيع فهم تعقيد القضية اكثر من انجيلي متطرف مثل الرئيس بوش، أو حتى ماكين، أما السوريون فبعد أن شعروا أنهم أنهكوا بوش بتحالفهم مع إيران وحزب الله وحركة حماس، فقد استبقوا وصول أوباما إلى البيت الأبيض بعلاقات دبلوماسية كاملة مع لبنان، ذلك البلد الذي كانوا يعتبرونه دائما مجرد حديقة خلفية. صقور غير جارحة ثمة بلدان عربية لا ترحب بفوز أوباما، ولكنها بلدان هامشية تمكنت بالكاد في زمن بوش من مغادرة لائحة الدول المارقة، وفي مقدمتهم ليبيا، التي سارع قائدها إلى نقد أوباما خوفا من أن يفرض رؤية الديمقراطيين على أجندة السياسة الخارجية، والتي تطالب الدول العربية بإصلاحات داخلية، وتحسين سجلها في حقوق الإنسان، وحرية التعبير، ولكن الأزمة المالية العالمية ستقلل كثيرا من هذه الرؤية، وحتى دول مثل مصر والأردن التي تعتمد على مساعدات أمريكية، لن تخشى ان يربط المرشح الديمقراطي بين هذه المساعدات والإصلاحات الداخلية، فهي في الحقيقة لم تعد واثقة من قدرة الولاياتالمتحدة على تقديم هذه المساعدات. أما الدول التي تعيش في ظل أزمات خطيرة مثل السودان، والصومال، فترحب بفوز أوباما على ماكين، باستثناء الحركات المتمردة التي ترحب بكل صقر أمريكي يهدد بقصف الخرطوم، اما انقلابيو موريتانيا فهم مع من يعترف بانقلابهم. كما لا تخشى بقية البلدان المغاربية إسهاب الديمقراطيين في الحديث عن الإصلاح والديمقراطية، ففي تقديرهم أن أوباما إذا فاز في الانتخابات، لن يجد متسعا لأي شيء باستثناء البحث عن حلول لأخطاء بوش المتراكمة، وفي مقدمتها الأزمة المالية، أما التيارات الأيديولوجية وخاصة الإسلامية واليسارية، فقد رحبت بهذه الأزمة بكثير من الشماتة، جعلتها تؤكد أن رؤيتها صحيحة، حتى أن بعض الشخصيات الشيوعية، التي كانت في حكم المومياء عادت لها الحياة من جديد، لتقول دون أن يرمش لها جفن، أن الشيوعية هي الحل، مثلما قال الإسلاميون أن الإسلام هو الحل.